شخصيات صنعت التاريخ
مرسل: الأربعاء مايو 01, 2013 12:58 pm
شخصيات صنعت التاريخ
بينهم تشرشل وديغول وأيزنهاور وكنغ وغورباتشوف ولينين وستالين وهتلر وأينشتاين وهمنغواي
باريس: هاشم صالح
حتى الآن لا نعرف من هي الشخصيات التي ستسيطر على القرن الحادي والعشرين لأنه لا يزال في بداياته. ولا نعرف ما هي أهم الخطابات السياسية التي ستسيطر عليه وتطبعه بطابعها.
ولكننا نعرف ما هي أهم الشخصيات التي أثرت على القرن العشرين بعد أن مضى وانقضى. فمن الشخصيات السياسية يمكن أن نذكر اسم تشرشل، وشارل ديغول، وأيزنهاور، ومارتن لوثر كنغ، وغورباتشوف، وغاندي، وهيلموت كول، ولينين، وجوزيف ستالين، وهتلر، إلخ.. ومن الشخصيات الفكرية يذكرون عادة: سيغموند فرويد، وكارل غوستاف يونغ، ومارتن هيدغر، وكلود ليفي ستروس، وجان بول سارتر، إلخ.. ومن الشخصيات الأدبية أو الروائية يلفت الانتباه: أندريه بريتون، وبورخيس، ووليام فولكنر، وجيمس جويس، وسيلين، ومارسيل بروست، وتوماس مان، إلخ.. ومن الشخصيات العلمية أينشتاين، ونيلز بور، وماكس بلانك، وسواهم..
من الخطابات السياسية الشهيرة، نذكر ذلك الخطاب الذي ألقاه مارتن لوثر كنغ عام 1963 وهز به أميركا والعالم كله تحت عنوان: عندي حلم كبير لكم! أحلم بأن يتساوى الأبيض والأسود، وألا يُحاكم أطفالي الأربعة على سحنتهم أو لون وجوههم بعد اليوم. إلخ.. ويقول بيل كلينتون إنه بكى عندما سمعه وكان لا يزال شابا صغيرا في العشرين من عمره. ويعترف بأنه أقوى خطاب سياسي سمعه في حياته. وربما لولا هذا الخطاب الذي ساهم في إعطاء السود حقوقهم المدنية لما كان أوباما الآن يتربع على عرش البيت الأبيض. وبالتالي فلا ينبغي أن نستهين بالخطابات السياسية الكبرى.
وأما شارل ديغول فقد اشتهر بخطابه وسط العاصمة الجزائرية، حيث بادر الجمهور الغفير من مسلمين وأوروبيين قائلا: لقد فهمتكم! وهو في الواقع لم يفهمهم أو قل بالأحرى لم يفهموه. فالعبارة كانت غامضة وملغومة. ظاهريا يبدو ديغول وكأنه فهم مشاعر الجالية الأوروبية الاستعمارية المسيطرة هناك. ظاهريا يبدو وكأنه من أنصار أطروحتهم القائلة بأن الجزائر فرنسية وستبقى. ولكن في قرارة نفسه كان قد اتخذ القرار المعاكس تماما. كان قد قرر الانسحاب من الجزائر والقبول باستقلالها عن فرنسا. ولهذا السبب فعندما فهم الحزب الكولونيالي العنصري مقاصده لاحقا حقد عليه حقدا شديدا. وحاول اغتياله ثلاث مرات نجا منها القائد الفرنسي الكبير بأعجوبة. فهل كانت العناية الإلهية تحيط به وتحرسه من فوق يا ترى؟
وأما جون فيتزغيرالد كندي فقد كان أيضا خطيبا مصقعا. وقد اشتهر بالخطاب الذي ألقاه في برلين الغربية عام 1963 مطلقا عبارته المدوية: أنا برليني! يقول في المقطع الذي هيج الجماهير: قبل ألفي سنة كانت العبارة الأكثر مجدا هي: أنا مواطن روماني. أما اليوم، وفي عالم الحرية، فإن العبارة الأكثر مجدا هي: أنا مواطن من برلين. كل الناس الأحرار، أيا تكون البلاد التي ينتمون إليها، هم مواطنون من برلين. وبصفتي رجلا حرا فإني فخور إذ أقول لكم: إني أتشرف بأن أكون مواطنا من برلين.
ثم أصبحت برلين حرة وسقط الجدار بعد ثلاثين سنة من هذا الخطاب الشهير.
والآن ماذا يمكن أن نقول عن بقية شخصيات القرن العشرين؟ ماذا يمكن أن نقول عن غورباتشوف مثلا؟ لقد لعب دورا مفتاحيا في القرن العشرين. فعندما استلم الحزب الشيوعي السوفياتي عام 1985 راح ينخرط في برنامج ديمقراطي طموح من أجل إنقاذ النظام، واخترع مصطلحين أساسيين هما البيرسترويكا (أي الإصلاح) والشفافية، وانتشرا في شتى أنحاء العالم. وحظي غورباتشوف عندئذ بشهرة كبيرة في الغرب. ولكن بعدئذ أُفلتت الأمور من يده وراحت الأحداث تتسارع بشكل هائل. فالاتحاد السوفياتي راح يتفسَّخ، وجدار برلين راح ينهار عام 1989. وغورباتشوف لم يكن يريد تدمير النظام السوفياتي وإنما إصلاحه من الداخل فقط وهذا هو معنى كلمة «البيرسترويكا». ولكن الأحداث تجاوزته والحركة التي أطلقها أصبحت أكبر منه. وعندئذ حصل انقلاب ضده عام 1991 واتهموه بتدمير ميراث لينين. ثم انقض عليه أحد أعوانه «يلتسين» وحل محله. وهكذا انتهى غورباتشوف كرجل سياسي. وأصبح الروس يحتقرونه لأنه خسر. ولكن الغرب ظل يحترمه ويحتفل به. وربما كانت عظمة غورباتشوف تكمن في أنه فشل! فهذا الفشل هو الذي أدى إلى نهاية الشيوعية التي لم تكن قابلة للإصلاح على ما يبدو.. واليوم لا يبدو أنه قد ندم على ما فعل. فقد صرح أخيرا بمناسبة الاحتفال بمرور عشرين عاما على سقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية قائلا: لقد أنقذنا العالم من حرب ذرية مدمرة.
وأما أينشتاين (1879-1955) فقد كان بالنسبة للقرن العشرين ما كانه إسحاق نيوتن بالنسبة للقرن السابع عشر: أي الرجل الذي أحدث ثورة في تاريخ العلم. وفي البداية كان مهندسا مغمورا في مدينة بيرن السويسرية، ولكنه أصبح مشهورا بعد أن اكتشف النظرية النسبية عام 1905. فقد برهن على أن الزمان والمكان ليسا مطلقين وإنما نسبيين. بل إن كل شيء نسبي في هذا العالم.. وهكذا قدم صورة جديدة عن الكون، وحل محل نيوتن دون أن يلغيه فيما يخص قضايا أخرى عديدة. ثم ترك ألمانيا النازية ولجأ إلى الولايات المتحدة. وهناك نبّه الرئيس روزفلت إلى أن يستعجل في الأمر لكيلا يسبقه هتلر إلى صنع القنبلة الذرية. وعندئذ كثَّفت أميركا جهودها حتى توصلت إلى هذه القنبلة قبل جميع الدول الأخرى. وربحت بذلك الحرب العالمية الثانية.
وأما أندريه بريتون (1896-1966) فقد كان مؤسسا لحركة أدبية وفنية لعبت دورا كبيرا في القرن العشرين هي: الحركة السوريالية. وكان يعتبر نفسه «الحالم النهائي» ويدعو إلى تحرير الإنسان بشكل كلي. فالحلم هو المنقذ الوحيد من جحيم الواقع. وعلى الرغم من أنه كان ابن شرطي - أي رجل بوليس - إلا أنه كان ضد كل السلطات والقيود. ومن المعلوم أنه نشر «مانيفست السوريالية» عام 1924، وأصبح أحد كبار المحركين للحياة الثقافية الفرنسية بل والعالمية طيلة النصف الأول من القرن العشرين. والجميع كانوا يهابونه ويحترمونه. ولكن العصابة السوريالية كانت تلجأ أحيانا إلى أعمال شغب وتهديد في مقاهي باريس ومنتدياتها.. وبالتالي فالسوريالية لها جانب إيجابي تحريري بدون شك، ولكنها أيضا لها جانب آخر أزعر وفوضوي سلبي.. هذا وقد انتقلت السوريالية إلى مختلف أنحاء العالم وأصبحت هناك سوريالية عربية وأخرى أميركية أو ألمانية أو مكسيكية إلخ..
وبالنسبة للكاتب الأميركي إرنست همنغواي (1899-1961) فكان روائيا ضخما، وصحافيا من الطراز الأول، وكاتب قصة قصيرة لا يشقّ له غبار.. وكان مهووسا باختيار العبارة الدقيقة، والكلمة الصائبة، والصدق في الوصف أو الحقيقة في التصوير. وعلى الرغم من كل الضجة التي أثيرت حول اسمه، وعلى الرغم من كل شهرته فإن همنغواي يظل كاتبا مجهولا إلى حد كبير. فلم يعودوا يرون فيه إلا عملاقا يصطاد الوحوش، أو عاشقا لمصارعة الثيران على الطريقة الإسبانية، أو زير نساء، أو شخصا عنيفا وسكيرا.. وهذه الأسطورة التي شاعت عنه كادت أن تغطّي عليه: أو على أفضل ما فيه، أي كتابته الروائية. فصاحب «الرجل العجوز والبحر» كان يحب الحرية، والوحدة، والعزلة إلى أقصى الحدود. وكان مهووسا بمسألة الأبدية أو انعدام الأبدية والخلود.. وربما لهذا السبب انتحر..
وأما جيمس جويس (1882-1941) فهو صاحب الثورة الأدبية أو الروائية التي حصلت في بداية القرن العشرين. فعندما نشر روايته «أوليس» عام 1904 كان ذلك يعني حصول حدث كبير في الفن الروائي. ففي هذه الرواية العملاقة ذات النفس الملحمي نشعر بحضور هوميروس، ودانتي، ورابليه، وسيرفانتيس، وشكسبير: أي عظماء الأدب الغربي. وقد فتحت الطريق لروائيين كبار ليس أقلهم فيرجينيا وولف، وويليام فولكنر، وتوماس مان. ولا تزال هذه الرواية مليئة بالأسرار والمجاهيل حتى بعد صدورها بزمن طويل. لا تزال تسحرنا بغرابتها وشذوذها عن المألوف في الكتابة الروائية.
وكان فرانز كافكا (1883-1924) فهو أيضا أحد عمالقة الرواية في القرن العشرين. وقد عاش حياة مضطربة ينهشها الشك والعُصاب النفسي والقلق الرهيب. وكان يقول بما معناه: «لم ينقذني الأدب من محنتي. كنت ميتا طيلة حياتي كلها، والآن أريد أن أموت بالفعل».. هذه العبارة كتبها قبل وقت قصير من موته عام 1924. وبعد سنتين من ذلك التاريخ قضى عليه مرض السل وهو لا يتجاوز الأربعين من العمر إلا قليلا. ولم يكن أحد عندئذ يتوقع أن أعماله سوف تكتسح العالم كله، وسوف يعتبره النقاد في مصاف بروست، أو فولكنر، أو جيمس جويس، أو أرنست همنغواي. كانوا يعتقدون أنه كاتب متوسط أو جيد على أحسن تقدير.. ولكن شهرته انفجرت بعد موته كالقنبلة الموقوتة. فالهستيريا الشخصية التي نعاني منها، وتلك الدهاليز النفسية العميقة التي لا نهاية لها أو لا مخرج منها، والإحساس بالخطيئة والذنب بسبب وبدون سبب، هذا الإحساس الذي يلاحقنا باستمرار، كلها أشياء عبّر عنها كافكا في رواياته بشكل فني مذهل. وهكذا كشف عن الجانب المظلم أو السوداوي من الوجود البشري. واستحق بذلك الأبدية والخلود.
والآن ننتقل إلى روائي آخر شهير هو: مارسيل بروست (1871-1922). فهو أيضا من عظماء القرن العشرين على الرغم من أنه ولد في القرن التاسع عشر. فلا أحد يجهل عنوان روايته الخالدة: بحثا عن الزمن الضائع.. ولكن الكاتب ألفونس دوديه كان يحسده ويقول: تسألونني عن مارسيل بروست؟ إنه الشيطان!
كان بروست منذ طفولته يحلم بكتابة عمل روائي لا يشبه أي عمل آخر. وقد توصل إلى ذلك بعد أن أنجز روايته الشهيرة. وهي عبارة عن بحث مضن عن الزمن الذي مضى وانقضى: أي عن زمن الطفولة والشباب الأول الذي غاص في أعماق اللاوعي والذي لم نعد نستطيع تذكره إلا بشق النفس.. كان بروست مهووسا بالماضي، لا بالحاضر ولا بالمستقبل..
بينهم تشرشل وديغول وأيزنهاور وكنغ وغورباتشوف ولينين وستالين وهتلر وأينشتاين وهمنغواي
باريس: هاشم صالح
حتى الآن لا نعرف من هي الشخصيات التي ستسيطر على القرن الحادي والعشرين لأنه لا يزال في بداياته. ولا نعرف ما هي أهم الخطابات السياسية التي ستسيطر عليه وتطبعه بطابعها.
ولكننا نعرف ما هي أهم الشخصيات التي أثرت على القرن العشرين بعد أن مضى وانقضى. فمن الشخصيات السياسية يمكن أن نذكر اسم تشرشل، وشارل ديغول، وأيزنهاور، ومارتن لوثر كنغ، وغورباتشوف، وغاندي، وهيلموت كول، ولينين، وجوزيف ستالين، وهتلر، إلخ.. ومن الشخصيات الفكرية يذكرون عادة: سيغموند فرويد، وكارل غوستاف يونغ، ومارتن هيدغر، وكلود ليفي ستروس، وجان بول سارتر، إلخ.. ومن الشخصيات الأدبية أو الروائية يلفت الانتباه: أندريه بريتون، وبورخيس، ووليام فولكنر، وجيمس جويس، وسيلين، ومارسيل بروست، وتوماس مان، إلخ.. ومن الشخصيات العلمية أينشتاين، ونيلز بور، وماكس بلانك، وسواهم..
من الخطابات السياسية الشهيرة، نذكر ذلك الخطاب الذي ألقاه مارتن لوثر كنغ عام 1963 وهز به أميركا والعالم كله تحت عنوان: عندي حلم كبير لكم! أحلم بأن يتساوى الأبيض والأسود، وألا يُحاكم أطفالي الأربعة على سحنتهم أو لون وجوههم بعد اليوم. إلخ.. ويقول بيل كلينتون إنه بكى عندما سمعه وكان لا يزال شابا صغيرا في العشرين من عمره. ويعترف بأنه أقوى خطاب سياسي سمعه في حياته. وربما لولا هذا الخطاب الذي ساهم في إعطاء السود حقوقهم المدنية لما كان أوباما الآن يتربع على عرش البيت الأبيض. وبالتالي فلا ينبغي أن نستهين بالخطابات السياسية الكبرى.
وأما شارل ديغول فقد اشتهر بخطابه وسط العاصمة الجزائرية، حيث بادر الجمهور الغفير من مسلمين وأوروبيين قائلا: لقد فهمتكم! وهو في الواقع لم يفهمهم أو قل بالأحرى لم يفهموه. فالعبارة كانت غامضة وملغومة. ظاهريا يبدو ديغول وكأنه فهم مشاعر الجالية الأوروبية الاستعمارية المسيطرة هناك. ظاهريا يبدو وكأنه من أنصار أطروحتهم القائلة بأن الجزائر فرنسية وستبقى. ولكن في قرارة نفسه كان قد اتخذ القرار المعاكس تماما. كان قد قرر الانسحاب من الجزائر والقبول باستقلالها عن فرنسا. ولهذا السبب فعندما فهم الحزب الكولونيالي العنصري مقاصده لاحقا حقد عليه حقدا شديدا. وحاول اغتياله ثلاث مرات نجا منها القائد الفرنسي الكبير بأعجوبة. فهل كانت العناية الإلهية تحيط به وتحرسه من فوق يا ترى؟
وأما جون فيتزغيرالد كندي فقد كان أيضا خطيبا مصقعا. وقد اشتهر بالخطاب الذي ألقاه في برلين الغربية عام 1963 مطلقا عبارته المدوية: أنا برليني! يقول في المقطع الذي هيج الجماهير: قبل ألفي سنة كانت العبارة الأكثر مجدا هي: أنا مواطن روماني. أما اليوم، وفي عالم الحرية، فإن العبارة الأكثر مجدا هي: أنا مواطن من برلين. كل الناس الأحرار، أيا تكون البلاد التي ينتمون إليها، هم مواطنون من برلين. وبصفتي رجلا حرا فإني فخور إذ أقول لكم: إني أتشرف بأن أكون مواطنا من برلين.
ثم أصبحت برلين حرة وسقط الجدار بعد ثلاثين سنة من هذا الخطاب الشهير.
والآن ماذا يمكن أن نقول عن بقية شخصيات القرن العشرين؟ ماذا يمكن أن نقول عن غورباتشوف مثلا؟ لقد لعب دورا مفتاحيا في القرن العشرين. فعندما استلم الحزب الشيوعي السوفياتي عام 1985 راح ينخرط في برنامج ديمقراطي طموح من أجل إنقاذ النظام، واخترع مصطلحين أساسيين هما البيرسترويكا (أي الإصلاح) والشفافية، وانتشرا في شتى أنحاء العالم. وحظي غورباتشوف عندئذ بشهرة كبيرة في الغرب. ولكن بعدئذ أُفلتت الأمور من يده وراحت الأحداث تتسارع بشكل هائل. فالاتحاد السوفياتي راح يتفسَّخ، وجدار برلين راح ينهار عام 1989. وغورباتشوف لم يكن يريد تدمير النظام السوفياتي وإنما إصلاحه من الداخل فقط وهذا هو معنى كلمة «البيرسترويكا». ولكن الأحداث تجاوزته والحركة التي أطلقها أصبحت أكبر منه. وعندئذ حصل انقلاب ضده عام 1991 واتهموه بتدمير ميراث لينين. ثم انقض عليه أحد أعوانه «يلتسين» وحل محله. وهكذا انتهى غورباتشوف كرجل سياسي. وأصبح الروس يحتقرونه لأنه خسر. ولكن الغرب ظل يحترمه ويحتفل به. وربما كانت عظمة غورباتشوف تكمن في أنه فشل! فهذا الفشل هو الذي أدى إلى نهاية الشيوعية التي لم تكن قابلة للإصلاح على ما يبدو.. واليوم لا يبدو أنه قد ندم على ما فعل. فقد صرح أخيرا بمناسبة الاحتفال بمرور عشرين عاما على سقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية قائلا: لقد أنقذنا العالم من حرب ذرية مدمرة.
وأما أينشتاين (1879-1955) فقد كان بالنسبة للقرن العشرين ما كانه إسحاق نيوتن بالنسبة للقرن السابع عشر: أي الرجل الذي أحدث ثورة في تاريخ العلم. وفي البداية كان مهندسا مغمورا في مدينة بيرن السويسرية، ولكنه أصبح مشهورا بعد أن اكتشف النظرية النسبية عام 1905. فقد برهن على أن الزمان والمكان ليسا مطلقين وإنما نسبيين. بل إن كل شيء نسبي في هذا العالم.. وهكذا قدم صورة جديدة عن الكون، وحل محل نيوتن دون أن يلغيه فيما يخص قضايا أخرى عديدة. ثم ترك ألمانيا النازية ولجأ إلى الولايات المتحدة. وهناك نبّه الرئيس روزفلت إلى أن يستعجل في الأمر لكيلا يسبقه هتلر إلى صنع القنبلة الذرية. وعندئذ كثَّفت أميركا جهودها حتى توصلت إلى هذه القنبلة قبل جميع الدول الأخرى. وربحت بذلك الحرب العالمية الثانية.
وأما أندريه بريتون (1896-1966) فقد كان مؤسسا لحركة أدبية وفنية لعبت دورا كبيرا في القرن العشرين هي: الحركة السوريالية. وكان يعتبر نفسه «الحالم النهائي» ويدعو إلى تحرير الإنسان بشكل كلي. فالحلم هو المنقذ الوحيد من جحيم الواقع. وعلى الرغم من أنه كان ابن شرطي - أي رجل بوليس - إلا أنه كان ضد كل السلطات والقيود. ومن المعلوم أنه نشر «مانيفست السوريالية» عام 1924، وأصبح أحد كبار المحركين للحياة الثقافية الفرنسية بل والعالمية طيلة النصف الأول من القرن العشرين. والجميع كانوا يهابونه ويحترمونه. ولكن العصابة السوريالية كانت تلجأ أحيانا إلى أعمال شغب وتهديد في مقاهي باريس ومنتدياتها.. وبالتالي فالسوريالية لها جانب إيجابي تحريري بدون شك، ولكنها أيضا لها جانب آخر أزعر وفوضوي سلبي.. هذا وقد انتقلت السوريالية إلى مختلف أنحاء العالم وأصبحت هناك سوريالية عربية وأخرى أميركية أو ألمانية أو مكسيكية إلخ..
وبالنسبة للكاتب الأميركي إرنست همنغواي (1899-1961) فكان روائيا ضخما، وصحافيا من الطراز الأول، وكاتب قصة قصيرة لا يشقّ له غبار.. وكان مهووسا باختيار العبارة الدقيقة، والكلمة الصائبة، والصدق في الوصف أو الحقيقة في التصوير. وعلى الرغم من كل الضجة التي أثيرت حول اسمه، وعلى الرغم من كل شهرته فإن همنغواي يظل كاتبا مجهولا إلى حد كبير. فلم يعودوا يرون فيه إلا عملاقا يصطاد الوحوش، أو عاشقا لمصارعة الثيران على الطريقة الإسبانية، أو زير نساء، أو شخصا عنيفا وسكيرا.. وهذه الأسطورة التي شاعت عنه كادت أن تغطّي عليه: أو على أفضل ما فيه، أي كتابته الروائية. فصاحب «الرجل العجوز والبحر» كان يحب الحرية، والوحدة، والعزلة إلى أقصى الحدود. وكان مهووسا بمسألة الأبدية أو انعدام الأبدية والخلود.. وربما لهذا السبب انتحر..
وأما جيمس جويس (1882-1941) فهو صاحب الثورة الأدبية أو الروائية التي حصلت في بداية القرن العشرين. فعندما نشر روايته «أوليس» عام 1904 كان ذلك يعني حصول حدث كبير في الفن الروائي. ففي هذه الرواية العملاقة ذات النفس الملحمي نشعر بحضور هوميروس، ودانتي، ورابليه، وسيرفانتيس، وشكسبير: أي عظماء الأدب الغربي. وقد فتحت الطريق لروائيين كبار ليس أقلهم فيرجينيا وولف، وويليام فولكنر، وتوماس مان. ولا تزال هذه الرواية مليئة بالأسرار والمجاهيل حتى بعد صدورها بزمن طويل. لا تزال تسحرنا بغرابتها وشذوذها عن المألوف في الكتابة الروائية.
وكان فرانز كافكا (1883-1924) فهو أيضا أحد عمالقة الرواية في القرن العشرين. وقد عاش حياة مضطربة ينهشها الشك والعُصاب النفسي والقلق الرهيب. وكان يقول بما معناه: «لم ينقذني الأدب من محنتي. كنت ميتا طيلة حياتي كلها، والآن أريد أن أموت بالفعل».. هذه العبارة كتبها قبل وقت قصير من موته عام 1924. وبعد سنتين من ذلك التاريخ قضى عليه مرض السل وهو لا يتجاوز الأربعين من العمر إلا قليلا. ولم يكن أحد عندئذ يتوقع أن أعماله سوف تكتسح العالم كله، وسوف يعتبره النقاد في مصاف بروست، أو فولكنر، أو جيمس جويس، أو أرنست همنغواي. كانوا يعتقدون أنه كاتب متوسط أو جيد على أحسن تقدير.. ولكن شهرته انفجرت بعد موته كالقنبلة الموقوتة. فالهستيريا الشخصية التي نعاني منها، وتلك الدهاليز النفسية العميقة التي لا نهاية لها أو لا مخرج منها، والإحساس بالخطيئة والذنب بسبب وبدون سبب، هذا الإحساس الذي يلاحقنا باستمرار، كلها أشياء عبّر عنها كافكا في رواياته بشكل فني مذهل. وهكذا كشف عن الجانب المظلم أو السوداوي من الوجود البشري. واستحق بذلك الأبدية والخلود.
والآن ننتقل إلى روائي آخر شهير هو: مارسيل بروست (1871-1922). فهو أيضا من عظماء القرن العشرين على الرغم من أنه ولد في القرن التاسع عشر. فلا أحد يجهل عنوان روايته الخالدة: بحثا عن الزمن الضائع.. ولكن الكاتب ألفونس دوديه كان يحسده ويقول: تسألونني عن مارسيل بروست؟ إنه الشيطان!
كان بروست منذ طفولته يحلم بكتابة عمل روائي لا يشبه أي عمل آخر. وقد توصل إلى ذلك بعد أن أنجز روايته الشهيرة. وهي عبارة عن بحث مضن عن الزمن الذي مضى وانقضى: أي عن زمن الطفولة والشباب الأول الذي غاص في أعماق اللاوعي والذي لم نعد نستطيع تذكره إلا بشق النفس.. كان بروست مهووسا بالماضي، لا بالحاضر ولا بالمستقبل..