صفحة 1 من 1

من اشهر الوثائق السياسية

مرسل: الأربعاء مايو 01, 2013 5:10 pm
بواسطة تركي السعيد333
من أشهر الوثائق السياسية في عالم اليوم "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م.

ولم تصدر هذه الوثيقة من فراغ، فقد سبق للأمريكيين في حرب الاستقلال التي شنوها ضد احتلال بريطانيا لبلادهم، سبق لهم أن أصدروا "إعلان الاستقلال" في يوليه سنة 1776 وضمنوه "أن كل الرجال قد ولدتهم أمهاتهم سواسية" وأشاروا إلى حق الإنسان في الحياة والحرية والمساواة.

ثم لما كانت الثورة الفرنسية في أغسطس سنة 1789، أصدرت إعلانا لحقوق الإنسان وتضمن "يولد الناس أحرار ومتساوين في الحقوق". وما لبث هذا الإعلان أن صار ذا شهرة واسعة، وصارت مبادئه من الأصول التي انبنى عليها الفكر السياسي الغربي في العصر الحديث.

وجاء "الإعلان العالمي..." في سنة 1948 مستندا للأصلين السابقين، فكان وثيقة دولية ذات إشعاع على الدساتير والقوانين الوطنية التي تصدر في غالبية الدول. وبعد صدور هذا الإعلان عملت الأمم المتحدة إلى إنجاز مهمة أكثر صعوبة، وهي تحويل مبادئ الإعلان إلى مواد تتضمنها معاهدة دولية تقرر التزام الدول المصدقة على هذه المعاهدة، التزامها قانونا بتطبيق هذه المبادئ أي تحويل المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان إلى أحكام قانونية ملزمة. وأعدت مشروعي اتفاقتين، الأولى تتناول الحقوق المدنية والسياسية والثانية تعالج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي 16 ديسمبر سنة 1966 صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هاتين الاتفاقيتين، ولكن كان تنفيذ كل منهما يتطلب موافقة 35 دولة على الأقل. ولم يتوافر هذا العدد إلا بعد عشر سنوات. في 3 يناير سنة 1976 بالنسبة للاتفاقية الخاصة "بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وفي 23 مارس سنة 1976 بالنسبة للاتفاقية الخاصة "بالحقوق المدنية والسياسية".

وتتضمن الاتفاقية المدنية والسياسية حق كل كائن بشري في الحياة والحرية والأمن والحياة الخاصة، وحقه في المحاكمة العادلة. وحمايته من العبودية ومن الاعتقال، وحقه في حرية الفكر والضمير والديانة وممارسة الرأي والتعبير عنه وحقه في التنقل والتجمع. كما تتضمن الاتفاقية الاقتصادية والاجتماعية كفالة الظروف المعيشية الأفضل، وحق الشخص في العمل والأجر العادل وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية له وتشكيل الجمعيات والانضمام لها.. إلخ.

(2)

يسهل القول بأن الإسلام كان سابقا لهذه الوثائق في تقرير جملة المبادئ التي تضمنتها، حماية لحق الإنسان في العيش الحر الكريم، وهذا هو الواقع الذي تنبئ به الحقيقة التاريخية. إن أصل النصوص والمبادئ التي وردت في الوثائق التي سبقت الإشارة إليها، وهو الأصل الذي صاغه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الأولى بقوله "يولد جميع الناس أحرار متساوين في الكرامة والحقوق.." هذا النص المشهور المتكرر، هو ذاته نص عبارة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص التي يحفظها صبية المدارس والكتاتيب منذ المئات من السنين "بم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" وأن أحمد عرابي، قال: "لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا". دون أن يكون قد طالع إعلان الاستقلال الأمريكي ولا إعلان الحقوق الفرنسي إنما كان يردد مقولة مشهورة لعمر يعرفها صبية الكتاتيب.

يقول الله تبارك وتعالى "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى.." (الحجرات آية 13) تشير هذه الآية إلى وحدة المنشأ للناس كافة، والحديث موجه هنا للناس كافة لا للمؤمنين وحدهم. والرسول الكريم يوصي في خطبة الوداع "أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب" ثم يؤكد أن ليس لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أبيض "فضل إلا بالتقوى".

بهذا يتقرر أصل التساوي بين الناس جميعا حسب خلقهم الأول وعناصرهم الأولى، وأن التفاضل يرد بعد ذلك من الفعل الإرادي للبشر، وهو التقوى جماع خاصتي العمل والإيمان، والتعامل والسلوك. كل ذلك تأكد من ألف ومائتين من الأعوام السابقة على الإعلان الأمريكي.

وتسهل أيضا المقارنة بين هذا المبدأ الإسلامي وبين ما قامت عليه عقائد البشر وقت نزول الرسالة المحمدية، فكتب الهنود البراهمانيمين بالهند تقرر التفاضل بين الناس حسب عناصرهم ونشأتهم الأولى، واليونان كانوا يرون أنفسهم شعبا مختارا، غيرهم دونهم ويسمون الغير برابرة، والرومان يتحلون بنظامهم القانوني وما يتيح لهم من ضمانات، يضنون به أن يكون نظاما قانونيا حاكما لغير الرومان من سائر البشر. والإسرائيليون يعتقدون أنهم وحدهم شعب الله المختار وعرب الجاهلية يرون كمال الإنسانية في عروبتهم دون الأعاجم، ويأبون على بناتهم الزواج من الأعاجم.

هذه أهون الملاحظات وأيسرها في هذا الشأن الذي نتحدث عنه. وهي هينّة بمعنى أنها معروفة أو أن معرفتها قريبة المنال لمن ينشد المعرفة. إنما ما يحتاج إلى نظر هو أن حقوق الإنسان يمكن تلخيصها على تنوعها وتعددها في أمرين عامين جوهريين هما: حرية إرادته وحرمة شئونه، أي أن يتاح له من الأوضاع ما يمكنه من أن يعمل إرادته وفق ما تنزع إليه مشيئته، وأن يكون له حرم يحيط بكل ما يلتصق به من شئون، ويشمل هذا المجال الحيوي لإعمال الإرادة، ويأمن فيه أي عدوان أو اقتحام.

هذه الحقوق ليست لازمة للإنسان بموجب كونه إنسانا فقط، أي أنها ليست فقط لازمة للفرد ليحيا حياة صحيحة، ولكنها لازمة كضرورة لإقامة نظام اجتماعي رشيد، بمعنى أنه يتعين توافرها للأفراد لكي يقوم التنظيم الجماعي لهم على تماسك وترابط وليؤدى وظيفته بفاعلية وكفاية ويسر.

وذلك لأن البناء الاجتماعي لا تتماسك هياكله إلا إذا كانت لبناته قد هيئت بمواصفات خاصة تفيد القدرة على التحمل والبعد عن الخور والهشاشة ومثال لذلك، فإننا لا نستطيع أن نقول بقيام نظام نيابي حقيقي، مهما كفلنا أدق الضمانات لصحة العملية الانتخابية، دون أن يكون الفرد آمنا على نفسه وعلى عياله ورزقه. لأن فقدان الأمن سيقتحم بالخوف نفسه ليعدم إرادته قبل أن تتشكل.