معركة مارتيزا
مرسل: الخميس مايو 02, 2013 5:19 pm
معركة مارتيزا
تولى السلطان مراد الأول السلطة في الدولة العثمانية سنة 761 هـ وعمره ستة
وثلاثون عاماً ، فكان بذلك ثالث سلاطين الدولة العثمانية ، وكان شجاعاً
مجاهداً ، فتح مدينة أدرنة عام 762 هـ ، وجعلها عاصمة الدولة ليكون على مقربة
من الجهاد في أوروبا ، ومضى في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم .
لقد قامت الدولة السلجوقية التركية في القرن الخامس للهجرة لتشمل خراسان وما
وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى .
وأسسها طغرل بك السلجوقي الذي استطاع أن يسقط الدولة البويهية التي كانت
مسيطرة على الخلافة العباسية ببغداد عام 447 هـ ، وأن يؤسس دولته السنية ، ثم
توفي سنة 455 هـ وتولى السلطنة من بعده ابن أخيه ألب أرسلان الذي كان قائدا
ًماهراً وشجاعاً كعمه ، فنشر الأمن في سلطنته الواسعة ، ثم التفت نحو توحيد
العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية ونفوذ السلاجقة .
وأغضبت فتوحاته هذه ( دومانوس ديوجينس ) إمبراطور الروم ، فصمم على القيام
بمعركة مضادة للدفاع عن إمبراطوريته ، ودخلت قواته في مناوشات ومعارك كان
أهمها ملاذكرت عام 463 هـ ، فماذا جرى في هذه المعركة ؟
قال ابن كثير : ( وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من
الروم والرخ والفرنج ، وعدد عظيم وعُدد ، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من
البطارقة ، مع كل بطريق مائتا ألف فارس ، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً
، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً ، ومعه مائة ألف نقّاب
وخفار .. ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير ، وألفا عجلة تحمل السلاح
والسروج والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل ، ومن عزمه قبحه الله أن
يبيد الإسلام وأهله ، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد ، واستوصى نائبها
بالخليفة خيراً ، فقال له : ارفق بذلك الشيخ فإنه صاحبنا ، ثم إذا استوثقت
لهم ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة ..
فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً ، بمكان يقال له
الزهوة ، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة ، وخاف السلطان من كثرة جند
الروم ، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون من
وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين ، فلما
كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان نزل السلطان عن فرسه وسجد لله
عز وجل ، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره ، فأنزل نصره على المسلمين
، ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً ، وأسر ملكهم أرمانوس ، أسره غلام
رومي ، فلما أوقف بين يدي الملك أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال : لو كنت
أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل ؟ قال : كل قبيح ، قال : فما ظنك بي ؟ فقال
: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك ، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني ، قال :
ما عزمت على غير العفو والفداء ، فافتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف
دينار ، فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه ، وقبل
الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكراماً ، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار
ليتجهز بها ، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخاً ، وأرسل معه جيشاً
يحفظونه إلى بلاده ، ومعهم راية مكتوب عليها : لا إله إلا الله محمد رسول
الله ) .
لم يكن جيش ألب أرسلان يعادل إلا 1/10 من جيش البيزنطيين ، ولقد أطلق سراح
الإمبراطور البيزنطي مع جماعة من أمرائه مقابل أن يطلق الإمبراطور سراح كل
مسلم أسير ، وأن يرسل إليه عساكر الروم لتقاتل معه في أي وقت يطلبها .
ويا لله ما أروع نصيحة العالم الرباني أبي نصر محمد بن عبد الملك البخاري
الحنفي في المعركة عندما قال للسلطان : إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره
وإظهاره على سائر الأديان ، وأرجو أن يكون الخطباء على المنابر ، فإنهم يدعون
للمجاهدين . فلما كان تلك الساعة صلى بهم ، وبكى السلطان ، فبكى الناس لبكائه
، ودعا فأمنوا ، فقال لهم : من أراد الانصراف فلينصرف فما هاهنا سلطان يأمر
ولا ينهى . وألقى القوس والنشاب وأخذ السيف ، وعقد ذنب فرسه بيده ، وفعل
عسكره مثله ، ولبس البياض وتحنط ، وقال : إن قتلت فهذا كفني .
الدولة العثمانية لعلي محمد الصلابي ، ص33 ، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر
8/44
تولى السلطان مراد الأول السلطة في الدولة العثمانية سنة 761 هـ وعمره ستة
وثلاثون عاماً ، فكان بذلك ثالث سلاطين الدولة العثمانية ، وكان شجاعاً
مجاهداً ، فتح مدينة أدرنة عام 762 هـ ، وجعلها عاصمة الدولة ليكون على مقربة
من الجهاد في أوروبا ، ومضى في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم .
لقد قامت الدولة السلجوقية التركية في القرن الخامس للهجرة لتشمل خراسان وما
وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى .
وأسسها طغرل بك السلجوقي الذي استطاع أن يسقط الدولة البويهية التي كانت
مسيطرة على الخلافة العباسية ببغداد عام 447 هـ ، وأن يؤسس دولته السنية ، ثم
توفي سنة 455 هـ وتولى السلطنة من بعده ابن أخيه ألب أرسلان الذي كان قائدا
ًماهراً وشجاعاً كعمه ، فنشر الأمن في سلطنته الواسعة ، ثم التفت نحو توحيد
العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية ونفوذ السلاجقة .
وأغضبت فتوحاته هذه ( دومانوس ديوجينس ) إمبراطور الروم ، فصمم على القيام
بمعركة مضادة للدفاع عن إمبراطوريته ، ودخلت قواته في مناوشات ومعارك كان
أهمها ملاذكرت عام 463 هـ ، فماذا جرى في هذه المعركة ؟
قال ابن كثير : ( وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من
الروم والرخ والفرنج ، وعدد عظيم وعُدد ، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من
البطارقة ، مع كل بطريق مائتا ألف فارس ، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً
، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً ، ومعه مائة ألف نقّاب
وخفار .. ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير ، وألفا عجلة تحمل السلاح
والسروج والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل ، ومن عزمه قبحه الله أن
يبيد الإسلام وأهله ، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد ، واستوصى نائبها
بالخليفة خيراً ، فقال له : ارفق بذلك الشيخ فإنه صاحبنا ، ثم إذا استوثقت
لهم ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة ..
فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً ، بمكان يقال له
الزهوة ، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة ، وخاف السلطان من كثرة جند
الروم ، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون من
وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين ، فلما
كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان نزل السلطان عن فرسه وسجد لله
عز وجل ، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره ، فأنزل نصره على المسلمين
، ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً ، وأسر ملكهم أرمانوس ، أسره غلام
رومي ، فلما أوقف بين يدي الملك أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال : لو كنت
أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل ؟ قال : كل قبيح ، قال : فما ظنك بي ؟ فقال
: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك ، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني ، قال :
ما عزمت على غير العفو والفداء ، فافتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف
دينار ، فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه ، وقبل
الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكراماً ، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار
ليتجهز بها ، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخاً ، وأرسل معه جيشاً
يحفظونه إلى بلاده ، ومعهم راية مكتوب عليها : لا إله إلا الله محمد رسول
الله ) .
لم يكن جيش ألب أرسلان يعادل إلا 1/10 من جيش البيزنطيين ، ولقد أطلق سراح
الإمبراطور البيزنطي مع جماعة من أمرائه مقابل أن يطلق الإمبراطور سراح كل
مسلم أسير ، وأن يرسل إليه عساكر الروم لتقاتل معه في أي وقت يطلبها .
ويا لله ما أروع نصيحة العالم الرباني أبي نصر محمد بن عبد الملك البخاري
الحنفي في المعركة عندما قال للسلطان : إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره
وإظهاره على سائر الأديان ، وأرجو أن يكون الخطباء على المنابر ، فإنهم يدعون
للمجاهدين . فلما كان تلك الساعة صلى بهم ، وبكى السلطان ، فبكى الناس لبكائه
، ودعا فأمنوا ، فقال لهم : من أراد الانصراف فلينصرف فما هاهنا سلطان يأمر
ولا ينهى . وألقى القوس والنشاب وأخذ السيف ، وعقد ذنب فرسه بيده ، وفعل
عسكره مثله ، ولبس البياض وتحنط ، وقال : إن قتلت فهذا كفني .
الدولة العثمانية لعلي محمد الصلابي ، ص33 ، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر
8/44