الصين قوة عظمى
مرسل: الخميس مايو 02, 2013 5:27 pm
الصين، قوة عظمى فائقة
الصين، قوة عظمى فائقة
كان يقال في ما مضى "يوم تستيقظ الصين..." في إشارة إلى ما قد تمثله يوما من تهديد ضخم للعالم. ونعرف اليوم أن هذا البلد الشاسع استيقظ بالفعل والمطلوب التساؤل حول نتائج هذه اليقظة المثيرة على مسيرة العالم.
لم يبدأ هذا العملاق الديموغرافي (1،3 مليار نسمة) إصلاحه الاقتصادي إلا بعد وفاة ماو تسي تونغ عام 1976 وخصوصاً ابتداءً من 1978 مع وصول دنغ هسيياو بنغ إلى السلطة. يقوم نموذج التنمية الصينية على وفرة اليد العاملة الرخيصة والاستيطان الواسع لمعامل التجميع وتصدير المنتجات البخسة الثمن إضافة إلى تهافت الاستثمارات الأجنبية. وقد اعتبر لوقت طويل نموذجاً "بدائياً إلى حد ما" في بلد متخلف محكوم بقبضة الحزب الواحد الحديدية.
لم تعد الصين ـ التي لا تزال شيوعية ـ تخيف أحداً لا بل اعتبرتها مئات الشركات التي استحدثت فيها معامل (بعد أن صرفت ملايين العمال في بلدانها) فرصة نادرة للمستثمرين الأذكياء، كل ذلك في أجواء العولمة المتفائلة. وقد تحولت الصين في ردح قصير من الزمن إلى دولة مصدّرة بأرقام خيالية بفضل شبكة "المناطق الاقتصادية الخاصة" التي أقيمت على طول الواجهة البحرية. وهي تحتل رأس اللائحة لمصدّري الملابس والأحذية والمنتجات الالكترونية والألعاب. اجتاحت بضائعها العالم وخصوصا أسواق الولايات المتحدة مما جعل الميزان التجاري يميل لصالح الصين بشكل مريع وصل عام 2003 إلى عجز تجاري اميركي في حدود الـ 130 مليار دولار.
أدت هذه الحمّى التصديرية إلى زيادة مثيرة للنمو حيث يتجاوز منذ عقدين من الزمن المعدل السنوي 9 في المئة . وقد نتج من " شيوعية السوق الديموقراطية" هذه زيادة في القدرة الشرائية ومستوى معيشة ملايين الأسر كما شجعت صعود رأسمالية صينية حقيقية. وفي هذا السياق انطلقت الدولة في عملية تحديث عالية الوتيرة من خلال الإكثار من البنى التحتية كالمرافئ والمطارات والطرق السريعة والسكك الحديد والجسور والسدود وناطحات السحاب والملاعب الاولمبية استعدادا لاستضافة الألعاب عام 2008 ومنشآت المعرض الدولي في شانغهاي عام 2010 الخ...
أضاف الكم المريع من الأشغال والحمّى الاستهلاكية الجديدة لدى الصينيين بعدا جديدا إلى الاقتصاد إذ أن الصين المخيفة كقوة تصدير مهيمنة تحولت إلى بلد مستورد يثير القلق بسبب نهمه الذي لا يرتوي. ففي العام الماضي كانت الصين المستورد الأول للاسمنت (55 في المئة من الانتاج العالمي) والفحم (40 في المئة) والفولاذ (25 في المئة) والنيكل (25 في المئة) والألمنيوم (14 في المئة). كما احتلت المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في استيراد النفط، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كبير للأسعار العالمية وخصوصا في مجال المشتقات النفطية.
وباتت الصين التي دخلت منظمة التجارة العالمية عام 2001 احد اكبر اقتصادات العالم، وهي تحديدا السادسة[4] وتمثل قاطرة للنمو العالمي كما يؤثر الارتباك الداخلي عندها على الاقتصاد العالمي بصورة مباشرة. يحاول رئيس الوزراء إعطاء فكرة معتدلة عندما يقول: "بالرغم من سرعة نمونا ما زلنا بلدا ناميا ويلزمنا 50 عاما بهذا الإيقاع لنتحول إلى بلد متوسط التطور".
إذا استمرت الصين في هذه الوتيرة ستتجاوز الولايات المتحدة ابتداء من 2041 لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم مع ما ينتج من ذلك على مستوى الجغرافيا السياسية. إن استهلاك الصين من الطاقة سيوازي ابتداء من 2030 ما تستهلكه الولايات المتحدة واليابان اليوم وليس لدى الصين نفط كاف لحاجاتها المتضخمة مما يعني اضطرارها من اليوم إلى العام 2020 لمضاعفة قدراتها النووية وبناء مفاعلين نوويين سنويا طوال 16 عاما...
هكذا وبالرغم من توقيعها بروتوكول كيوتو عام 2002 فان الصين، البلد الملوث الثاني للبيئة اليوم، سيقفز إلى المرتبة الأولى ليبث كميات هائلة من الغازات المسخنة للأرض مما يضاعف خطر التحولات المناخية الجارية.
فالصين حالة نموذجية تطرح الأسئلة التي ستثار غدا حول الهند والبرازيل وروسيا أو جنوب إفريقيا: كيف يمكن إخراج مليارات البشر من التخلف من دون إغراقهم في نموذج انتاجوي واستهلاكي على الطريقة "الغربية" المضر بالكرة الأرضية وبالبشرية جمعاء؟
الصين، قوة عظمى فائقة
كان يقال في ما مضى "يوم تستيقظ الصين..." في إشارة إلى ما قد تمثله يوما من تهديد ضخم للعالم. ونعرف اليوم أن هذا البلد الشاسع استيقظ بالفعل والمطلوب التساؤل حول نتائج هذه اليقظة المثيرة على مسيرة العالم.
لم يبدأ هذا العملاق الديموغرافي (1،3 مليار نسمة) إصلاحه الاقتصادي إلا بعد وفاة ماو تسي تونغ عام 1976 وخصوصاً ابتداءً من 1978 مع وصول دنغ هسيياو بنغ إلى السلطة. يقوم نموذج التنمية الصينية على وفرة اليد العاملة الرخيصة والاستيطان الواسع لمعامل التجميع وتصدير المنتجات البخسة الثمن إضافة إلى تهافت الاستثمارات الأجنبية. وقد اعتبر لوقت طويل نموذجاً "بدائياً إلى حد ما" في بلد متخلف محكوم بقبضة الحزب الواحد الحديدية.
لم تعد الصين ـ التي لا تزال شيوعية ـ تخيف أحداً لا بل اعتبرتها مئات الشركات التي استحدثت فيها معامل (بعد أن صرفت ملايين العمال في بلدانها) فرصة نادرة للمستثمرين الأذكياء، كل ذلك في أجواء العولمة المتفائلة. وقد تحولت الصين في ردح قصير من الزمن إلى دولة مصدّرة بأرقام خيالية بفضل شبكة "المناطق الاقتصادية الخاصة" التي أقيمت على طول الواجهة البحرية. وهي تحتل رأس اللائحة لمصدّري الملابس والأحذية والمنتجات الالكترونية والألعاب. اجتاحت بضائعها العالم وخصوصا أسواق الولايات المتحدة مما جعل الميزان التجاري يميل لصالح الصين بشكل مريع وصل عام 2003 إلى عجز تجاري اميركي في حدود الـ 130 مليار دولار.
أدت هذه الحمّى التصديرية إلى زيادة مثيرة للنمو حيث يتجاوز منذ عقدين من الزمن المعدل السنوي 9 في المئة . وقد نتج من " شيوعية السوق الديموقراطية" هذه زيادة في القدرة الشرائية ومستوى معيشة ملايين الأسر كما شجعت صعود رأسمالية صينية حقيقية. وفي هذا السياق انطلقت الدولة في عملية تحديث عالية الوتيرة من خلال الإكثار من البنى التحتية كالمرافئ والمطارات والطرق السريعة والسكك الحديد والجسور والسدود وناطحات السحاب والملاعب الاولمبية استعدادا لاستضافة الألعاب عام 2008 ومنشآت المعرض الدولي في شانغهاي عام 2010 الخ...
أضاف الكم المريع من الأشغال والحمّى الاستهلاكية الجديدة لدى الصينيين بعدا جديدا إلى الاقتصاد إذ أن الصين المخيفة كقوة تصدير مهيمنة تحولت إلى بلد مستورد يثير القلق بسبب نهمه الذي لا يرتوي. ففي العام الماضي كانت الصين المستورد الأول للاسمنت (55 في المئة من الانتاج العالمي) والفحم (40 في المئة) والفولاذ (25 في المئة) والنيكل (25 في المئة) والألمنيوم (14 في المئة). كما احتلت المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في استيراد النفط، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كبير للأسعار العالمية وخصوصا في مجال المشتقات النفطية.
وباتت الصين التي دخلت منظمة التجارة العالمية عام 2001 احد اكبر اقتصادات العالم، وهي تحديدا السادسة[4] وتمثل قاطرة للنمو العالمي كما يؤثر الارتباك الداخلي عندها على الاقتصاد العالمي بصورة مباشرة. يحاول رئيس الوزراء إعطاء فكرة معتدلة عندما يقول: "بالرغم من سرعة نمونا ما زلنا بلدا ناميا ويلزمنا 50 عاما بهذا الإيقاع لنتحول إلى بلد متوسط التطور".
إذا استمرت الصين في هذه الوتيرة ستتجاوز الولايات المتحدة ابتداء من 2041 لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم مع ما ينتج من ذلك على مستوى الجغرافيا السياسية. إن استهلاك الصين من الطاقة سيوازي ابتداء من 2030 ما تستهلكه الولايات المتحدة واليابان اليوم وليس لدى الصين نفط كاف لحاجاتها المتضخمة مما يعني اضطرارها من اليوم إلى العام 2020 لمضاعفة قدراتها النووية وبناء مفاعلين نوويين سنويا طوال 16 عاما...
هكذا وبالرغم من توقيعها بروتوكول كيوتو عام 2002 فان الصين، البلد الملوث الثاني للبيئة اليوم، سيقفز إلى المرتبة الأولى ليبث كميات هائلة من الغازات المسخنة للأرض مما يضاعف خطر التحولات المناخية الجارية.
فالصين حالة نموذجية تطرح الأسئلة التي ستثار غدا حول الهند والبرازيل وروسيا أو جنوب إفريقيا: كيف يمكن إخراج مليارات البشر من التخلف من دون إغراقهم في نموذج انتاجوي واستهلاكي على الطريقة "الغربية" المضر بالكرة الأرضية وبالبشرية جمعاء؟