صفحة 1 من 1

بسمارك

مرسل: الجمعة مايو 03, 2013 2:00 pm
بواسطة سعود ناصر القريني 3
أوتو إدوارد ليوبولد فون بسمارك(بالألمانية: Otto von Bismarck) (1 أبريل 1815 - 30 يوليو 1898) رجل دولة وسياسي بروسي - ألماني شغل منصب رئيس وزراء مملكة بروسيا بين عامي 1862 و1890، وأشرف على توحيد الولايات الألمانية وتأسيس الإمبراطورية الألمانية أو ما يسمى بـ "الرايخ الألماني الثاني", وأصبح أول مستشار لها بعد قيامها في عام 1871، حتى عزله فيلهلم الثاني عام 1890، ولدوره الهام خلال مستشاريته للرايخ الألماني أثرت أفكاره على السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر، لذا عرف بسمارك بلقب "المستشار الحديدي".
بعد وفاته، اتخذه القوميون الألمان بطلهم القومي، كما أشاد المؤرخون بدوره كرجل دولة ساهم في الوحدة الألمانية، واستخدم سياسة توازن القوى ‏(EN)‏ للحفاظ على السلام في أوروبا في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر

ولد بسمارك في شونهاوزن، وهي ضيعة تمتلكها عائلته الثرية غرب برلين في مقاطعة ساكسونيا. كان والده فيلهلم فرديناند فون بسمارك (1771- 1845) مالكا زراعيا, كان ضابطا سابقا في الجيش البروسي. وكانت والدته فيلهلمينه لويزه مينكن (1789- 1839) التي تزوجها والده في بوتسدام عام 1806 تنتمي إلى عائلة ساكسونية متوسطة. وكان لبسمارك أخ وأخت.
تلقي بسمارك تعليمه في مدرستي فريدريش فيلهلم وجراوس كلوستر الثانويتين. وحين بلغ سن السابعة عشرة التحق بجامعة جيورج أوْجوست في جوتنجن, حيث قضى عاما فقط انضم خلالها إلى فيلق هانوفيرا, تم انتقل إلى جامعة فريدريش فيلهلم في برلين. وعلى الرغم من أن بسمارك كان يطمح إلى أن يصبح دبلوماسيا, إلا أنه كان ليقنع بمناصب إدارية صغيرة في آخن وبوتسدام.
تزوج بسمارك من يوهانا فون بوتكامر (1824- 1894) والتي تنحدر من عائلة نبيلة في عام 1847. وكان الاثنان يعتنقان اللوثرية التقوية. وقد أثمر زواجهما عن طفلة هي ماري وولدين هما هربرت وفيلهلم, ماتوا جميعا في مقتبل العمر

في العام الذي تزوج فيه بسمارك اختير ليكون نائبا في المجلس التشريعي الجديد "مجلس الشورى الموحد". وهناك اكتسب شهرة كمناصر للمكلية وكسياسي محنك. وكان يدافع في كل مناسبة عن فكرة أن الملك لديه الحق الإلهي في الوجود.
وحين اندلعت الثورة في بروسيا مارس 1848 (وكانت هذه الثورة إحدى الثورات الشعبية التي اجتاحت أوروبا في ذلك العام), وكادت الثورة أن تسقط الملك فريدريش فيلهلم الرابع. ورغم أنه رفض في البداية اللجوء إلى القوة العسكرية لقمع المتمردين وإخماد نيران الثورة, إلا أنه قرر في النهاية استخدامها لإنهاء الثورة قبل استفحالها. وبعد نجاحه في إخمادها وجه وعوده إلى الحركة الليبرالية بإقرار دستور يعترف بوحدة الشعب الألماني وحقه في إنشاء دولة متحدة, وعين أحد الليبراليين وهو لودولف كام، رئيسا لوزراء بروسيا, في محاولة منه لاكتساب بعض الشعبية. غير أن الحركة الليبرالية التي قادت الثورة ما لبثت أن ضعفت في أقل من عام بسبب تنافسهم الداخلي, فعاد المحافظون إلى الحكم مرة أخرى, حين نجحوا في اكتساب دعم الملك. ورغم أن الدستور أقر إلا أنه لم يفي بالمطالب الدنيا للثوريين.
وفي سنة 1849 انتخب بسمارك لعضوية مجلس الشورى, وهو أحد غرفتي المجلس التشريعي البروسي. وفي هذه المرحلة من حياته السياسية كان بسمارك يعارض الوحدة الألمانية بحجة ان بروسيا سوف تفقد استقلالها في ذلك الاتحاد. وقد قبل تعيينه كأحد النواب في برلمان إرفورت, وهو برلمان اجتمعت فيه عدة إمارات ألمانية لمناقشة مشروع الوحدة الألمانية, إلا ان البرلمان فشل في صياغة هذا المشروع لغياب دعم أهم مملكتين ألمانيتين وهما بروسيا والنمسا.
وفي سنة 1851 عينه فريدريش فيلهلم مبعوثا إلى مجلس الاتحاد الألماني في فرانكفورت. وقد تميزت فترة الثماني سنوات التي قضاها في فرانكفورت بتغيرات هامة في آرائه السياسية. فقد تخلص من تأثيره أصدقائه المحافظين, وأصبح أكثرا اعتدالا سياسيا. وأصبح يؤمن بأن بروسيا يجب أن تتحد مع الإمارات اللمانية الأخرى لمواجهة خط النفوذ النمساوي المتزايد, وهكذا ترسخ لديه الإيمان بأمة ألمانية متحدة.
في عام 1858 أصيب الملك فريدريش فيلهلم بصدمة تسببت له بالشلل والعجز العقلي, فتولى أخوه الأمير فيلهلم الوصاية على العرش وتولي إدارة شؤون الحكم في مملكة بروسيا. وما لبث فيلهلم أن عينه سفيرا لبروسيا في الإمبراطورية الروسية. وكان تلك نقطة هامة في حياة بسمارك السياسية, حيث كانت روسيا أحد أهم جارتين سياسيتين لبروسيا (وكانت الأخرى هي النمسا). وقد عين الأمير فيلهلم الوصي على العرش, هيلموت فون مولتكه رئيسا جديدا للأركان في الجيش البروسي, وألبريشت فون رون وزيرا للحرب وأكل إليه مهمة إعادة تنظيم الجيش. وكان هؤلاء الثلاثة هم من ساهموا في تحول بروسيا في السنوات الاثني عشرة التالية.
بقي بسمارك في سانت بطرسبورج لأربع سنوات, ربطت الصداقة خلالها بينه وبين الأمير جورتشاكوف, الذي سيكون خصمه في المستقبل. وفي يونيو 1862 أرسل إلى باريس ليكون سفيرا لبروسيا في فرنسا. وبرغم بقاءه الطويل خارج ألمانيا إلا انه لم ينفصل تماما عن الشؤون الداخلية الألمانية, فقد ظل على اطلاع كامل بسبب صداقته مع رون وزير الحرب, وقد شكل الاثنان حلفا سياسيا قويا
كانت ألمانيا تتكون من 400 إمارة متفرقة تقريباً،لكن أتى نابليون وإختصرهم إلى 38 ولاية. قرر بسمارك استخدام الدبلوماسية والعسكرية البروسية لتحقيق الوحدة, واستثني النمسا من الاتحاد لرغبته في أن تكون بروسيا هي أقوى الأعضاء واكثرهم نفوذا في الأمة المتحدة الجديدة. واجه بسمارك أزمة دبلوماسية حين مات فردرك السابع ملك الدنمارك في نوفمبر عام 1863. فقد نشأ نزاع حول تبعية دوقيتي شلزويج وهولشتاين بين الملك الدنمارك الجديد كرستيان التاسع، وبين فريدريش فون أوْجوستنبورج (وهو دوق ألماني).
وكان الرأى العام البروسي يؤيد تبعية الدوقيتين للدوق الألماني. غير أن بسمارك اتخذ خطوة غير شعبية بإصراره على تبعية الدوقيتين للدنمارك بموجب بروتوكول لندن الموقع قبل عشر سنوات. غير أنه عاد فأعلن رفضه لضم الدنمارك للدوقيتين. وبدعم من النمسا أرسل قراره النهائي إلى كريستيان بضرورة إعادة الدوقيتين إلى الوضع الذي كانت عليه من قبل. وحين رفضت الدنمارك القرار, قررت بروسيا والنمسا شن الحرب على الدنمارك "حرب شلزويج الثانية", وأجبرت الدنمارك على التنازل عن كلتا الدوقيتين. وفي الأساس فقد اقترح أن يقرر مجلس الاتحاد الألماني (الذي يمثل كل الإمارات الألمانية) بشأن مصير الدوقيتين. ولكن قبل أن يحدث هذا أقنع بسمارك النمسا بالموافقة على معاهدة "جاستاين". وبموجب هذه الاتفاقية الموقعة في 20 أغسطس 1865، تذهب شلزويج إلى بروسيا وتذهب هولشتاين إلى النمسا. وفي هذا العام منح بسمارك لقب "أمير فون بسمارك - شونهاوْزن".
لكن في سنة 1866 خالفت النمسا الاتفاق السابق وذلك بمطالبتها بأن يقرر المجلس مصير شلزويج وهولشتاين. فاستغل بسمارك ذلك ذريعة لبدء حرب ضد النمسا, باتهام النمساويين بأنهم أخلوا باتفاقية جاستاين. وأرسل بسمارك القوات البروسية لاحتلال هولشتاين. وسرعان ما طلبت النمسا مساعدة باقي الإمارات الألمانية, التي لبت هذا الطلب وخاضت الحرب البروسية النمساوية. وبفضل إعادة تنظيم الجيش البروسي الذي قام به ألبريشت فون رون, فإن قوة الجيش البروسي كانت تضاهي قوة الجيش النمساوي. وقد شكل بسمارك حلفا سريا مع إيطاليا, التي كانت تطمع في السيطرة على "البندقية(فينيتيا)" التي كانت خاضعة للسيطرة النمساوية. وبدخول إيطاليا الحرب اضطرت النمسا إلى تقسيم قواتها, لمواجهة الجيش البروسي من جهة, والجيش الإيطالي من جهة أخرى.
هزمت بروسيا النمسا وحلفائها هزيمة ساحقة في معركة سدوا. ونتيجة لصلح براغ الذي عقد في عام 1866, فقد حل الاتحاد الألماني, وضمت بروسيا إليها شلزويج وهولشتاين وفرانكفورت وهانوفر وهيسه - كاسل وناساوْ, وتعهدت النمسا بعدم التدخل في الشئون الداخلية الألمانية. ولتعزيز السيطرة البروسية, فقد ضَمت بروسيا إمارت شمال ألمانيا الأخرى لتكوين ما سمي "بالاتحاد الألماني الشمالي" في سنة 1867, وترأسه فيلهلم الأول وشغل بسمارك فيه منصب المستشار. ومنذ هذه النقطة بدأ ما يسميه المؤرخون "بؤس النمسا", والتي شكلت فيه النمسا دولة ضئيلة بالنسبة لجارتها المتفوقة ألمانيا, وظلت هذه العلاقة بين النمسا وألمانيا حتى أثناء الحربين العالميتين.
أكسب النصر العسكري دعما سياسيا ضخما لبسمارك في بروسيا. ففي انتخابات مجلس النواب في سنة 1866 تكبد الليبراليون خسارة فادحة, حيث خسروا أغلبيتهم الكبيرة. وكان البرلمان الجديد المكون في أغلبيته من المحافظين يمثل ظلا لبسمارك, فقد وافق بطلب منه على الميزانية التي رفضت في الأعوام الأربع السابقة, ونفذت رغم ذلك. ومنذ ذلك الوقت وبسمارك يعتبر واحدا من أبرز السياسيين في التاريخ.
وبعد حرب سنة 1866 ضم بسمارك مملكة هانوفر التي تحالفت مع النمسا ضد بروسيا. وقد سعى الملك المعزول جورج الرابع ملك هانوفر إلى التوصل إلى اتفاق يمنحه الحق بالاحتفاظ بنصف ممتلكات التاج, ويكون النصف الآخر ملك للدولة ثم يتحول إلى مكتسبات وطنية. لكن بسمارك اتهمه بالتخطيط للانقلاب ضد الدولة وقلص نصيبه من ممتلكات التاج إلى 16 بالمائة وكان ذلك في ربيع عام 1868. وقد استخدم بسمارك هذا المال لإنشاء صندوق سري (عرف بصندوق المخبرين الوقحين), والذي استخدمه لرشوة الصحفيين ولتشويه سمعة خصومه السياسيين. واستخدم هذه الأموال في عام 1870 لكسب تأييد الملك لودفيج الثاني ملك بافاريا لجعل فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا.
واستخدم بسمارك هذه الأموال أيضا لزرع المخبرين داخل حاشية قصر ولي العهد الأمير فريدريش والأميرة فيكتوريا, وفي بث الأخبار الملفقة في الصحف تتهم الاثنين بأنهما عميلين بريطانيين يشيان بأخبار الدولة إلى الحكومة البريطانية. وكان فريدريش وفيكتوريا معجبان بالأمير ألبرت أمير ساكسكوبورج وجوتا, وكان يخططان للحكم كرفيفين مثل ألبرت والملكة فيكتوريا, ولإعادة تنظيم السلطة التنفيذية التي كان بسمارك يهدف للسيطرة عليها. وكان مكتب المستشار المسئول أمام الملك سيستبدل بوزارة على الطريقة البريطانية, مكونة من وزراء يكونون مسئولين أمام الرايخستاج. وكانت سياسة الحكومة ستكون معتمده على إجماع الوزراء.
وفيما بعد حين اعتلى فيلهلم الثاني العرش خطط بسمارك لتشويه سمعة والديه لفصله عنهما, ولوضعه تحت سيطرته. وكان ينوي استخدامه كسلاح ضد والديه لكي يحتفظ بقوته الخاصة. كما كان بسمارك سيدرب فيلهلم ليتمرد عليمها وسيعلمه أن يكون عاصيا لهما. ونتيجة لذلك نشأت علاقة غير طبيعية لفيلهلم مع والده وخاصة مع أمه. وفي سنة 1892 بعد عزل بسمارك, أوقف القيصر فيلهلم الثاني هذا الصندوق وفساده بالتخلي عن دفع الرواتب الإضافية في الميزانية الرسمية.