صفحة 1 من 1

حرب فيتنام التي أذلت امريكا

مرسل: الجمعة مايو 03, 2013 3:58 pm
بواسطة ناصر الخريصي/3
حرب فيتنام



حرب فيتنام سلسلة من الكفاح التحرري والتحدي ضد الاحتلال ومحاولات التقسيم.
استثمرت أميركا قوتها العسكرية في فيتنام، فلم تكن الحرب مجرد هزيمة عسكرية
للسمعة الأميركية العسكرية والسياسية فحسب، وإنما كانت ضربة قاسية لقدرة
الولايات المتحدة الاقتصادية، خاصة أنها استنزفت قواها المالية حتى الاحتياطي
الأميركي من الذهب.


أسباب الحرب


تعود أسباب الصراع في فيتنام إلى الحرب التحررية التي قادها الفيتناميون
ضد المستعمر الفرنسي والتي استمرت ثماني سنوات (1946 إلى 1954).
وكانت فيتنام قد تعرضت لاحتلال ياباني نهاية الحرب العالمية الثانية -قبيل
هزيمة اليابان- وخاصة في أغسطس/ آب 1945.

وانتهز الثوار الفيتناميون فرصة هزيمة اليابان فاحتلوا هانوي عاصمة البلاد
مرغمين الإمبراطور الفيتنامي "باو داي" على التنحي عن الحكم. لكن فرنسا
رغم جراح الحرب المنهكة، بادرت باستعادة مستعمرتها فيتنام نهاية
1945 وبداية 1946، مجهضة أحلام الثوار في حكم بلادهم.


وعندها أعلنها الفيتناميون حربا ضروسا على الفرنسيين اشتعل أوارها مع
نهاية 1946، ثم انتهت بعد معركة "ديان بيان فو" الشنيعة يوم 8 مايو/ أيار
1954، وهي الهزيمة التي فتت في عضد فرنسا.


وفي يوليو/ تموز 1954 تم التوقيع على اتفاق جنيف الذي ينهي الحرب بين
فرنسا وفيتنام بحضور وفدي فيتنام ووفود فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي
والصين الشعبية والولايات المتحدة ولاوس وكمبوديا.


وكان من نتائج الاتفاق تقسيم فيتنام إلى شطرين يفصل بينهما خط العرض 17.
ورغم حضورهما في جنيف فإن الولايات المتحدة وحكومة سايغون الموالية
لها لم توقعا على الاتفاق. وفور رحيل فرنسا من فيتنام بدأت الولايات المتحدة
تساعد حكومة سايغون عسكريا.


و في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1954 منح الرئيس الأميركي أيزنهاور مساعدة
مالية سخية لحكومة سايغون ظلت قيمتها في ازدياد مع الزمن، كما بدأ
المستشارون العسكريون الأميركيون يتوافدون على فيتنام الجنوبية بدءا من
فبراير/ شباط 1955 من أجل تدريب الجنود هناك.


وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1955 ظهرت أول حكومة في فيتنام الجنوبية
منتخبة بقيادة "نغو دينه ديم"، وكان أول قرار اتخذته حكومته هو الامتناع
عن أي استفتاء من شأنه أن يؤدي إلى اتحاد الشطرين الفيتناميين، مبررة
ذلك بعدم حرية السكان في الجزء الشمالي.


الشد والجذب بين سايغون وهانوي


ظلت أميركا تساند حكومة الرئيس ديم، في حين كانت حكومة هانوي الشيوعية
في شمال فيتنام مصممة على توحيد شطري البلاد. وفي يناير/ كانون الثاني
1957 أعلنت اللجنة الدولية المكلفة بمراقبة اتفاق جنيف بين طرفي النزاع
الفيتنامي أن كلا الجانبين يخرق الاتفاقيات الحدودية باستمرار. فقد شجع
الشماليون العناصر الشيوعية الجنوبية على التغلغل في الجنوب انطلاقا
من حدودها، كما لم يتورع الجنوبيون عن تجاوز تلك الحدود وهم
يتعقبون ويطاردون أولئك الثوار.


وفي فبراير/ شباط 1959 أسس الثوار الجنوبيون "فييت كونغ" أول منظمة
في دلتا ميكونغ، وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 1960 تم تأسيس جبهة
التحرير الوطني، وهي الإطار التنظيمي السياسي والعسكري الذي سيتولى
مهمة الحرب ضد أميركا وحكومة سايغون، فما كان من الرئيس الجنوبي
ديم إلا أن أعلن قانون الطوارئ. وقد تأجج الصراع وبلغ مداه حين أعلن
الحزب الشيوعي الفيتنامي الحاكم في الشمال مساندة الثورة الجنوبية
وإمدادها بالعدة والعتاد.


الاضطرابات والتدخل الأميركي



أعلنت الولايات المتحدة وقوفها التام خلف حكومة سايغون، بل إن الرئيس الأميركي
كنيدي وقع معاهدة صداقة وتعاون اقتصادي بين بلاده وفيتنام الجنوبية في
أبريل/ نيسان 1961. وفي ديسمبر/ كانون الأول من نفس السنة أعلن كنيدي
عزمه مساعدة حكومة الرئيس ديم اقتصاديا وعسكريا، فوصلت طلائع الجيش
الأميركي إلى سايغون وكانت في البداية 400 جندي عهد إليها بتشغيل
المروحيات العسكرية. وفي السنة الموالية بلغ عدد الجنود الأميركيين
في فيتنام الجنوبية 11 ألف جندي، كما أسست قيادة أميركية في
سايغون منذ يناير/ كانون الثاني 1962.


قام الأميركيون وحلفاؤهم الجنوبيون بقطع جبهة التحرير الوطني عن قواعدها
عبر إقامة بعض القرى للمزارعين الموالين لحكومة الرئيس ديم. ولم تنته
سنة 1963 حتى بلغ عدد تلك القرى سبعة آلاف تضم ثمانية ملايين شخص
غير أن هذه الدروع البشرية أو الحواجز السكانية لم تمنع ثوار جبهة
التحرير من السيطرة على 50% من تراب فيتنام الجنوبية.


أميركا تأخذ زمام المبادرة بعد موت الرئيس ديم



لم تكن سياسات الرئيس ديم ذات الطابع التوليتاري قادرة على تنظيم البيت
الداخلي في الجنوب الفيتنامي، فقد عارضه السياسيون ذوو النزعة الليبرالية
لديكتاتوريته، كما عارضه البوذيون لميوله الكاثوليكية. وقد أطيح به في
أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1963 في انقلاب عسكري وتمت تصفيته
جسديا في ظروف غامضة. ويرى العديد من الباحثين أن الولايات المتحدة
لم تكن بعيدة عما جرى له ولنظامه وخلال الـ 18 شهرا التالية للإطاحة
بالرئيس ديم عرفت سايغون عشر حكومات عسكرية متعاقبة لم تستطع
أي منها ضبط النظام وخاصة العسكري. واستغل ثوار جبهة التحرير
الوضع المتأزم في الجنوب فشنوا الضربات تلو الضربات لإضعاف
حكومات سايغون الضعيفة أصلا.


عرفت سايغون في صيف 1964 مزيدا من الانشقاقات بين العسكريين الحاكمين
وكذلك بين الطائفة البوذية المستاءة من التحكم الكاثوليكي في الحكم، هذا
فضلا عن التقدم العسكري الملحوظ لجبهة التحرير الوطني.


وانطلاقا من هذه العناصر وصل الاقتناع الأميركي إلى أن تدخلا عسكريا شاملا
هو المخرج لهم من هذه الحالة.


وجدت أميركا الفرصة سانحة حين هوجمت بعض قاذفاتها البحرية من طرف قوات
جبهة التحرير الوطني في خليج تونكين، فما كان من الرئيس الأميركي جونسون
إلا أن أصدر الأوامر إلى الطيران العسكري الأميركي بقصف المواقع الفيتنامية
الشمالية كرد فعل لما أصاب الأميركان.


ومنذ فبراير/ شباط 1965 توالى القصف الأميركي لفيتنام الشمالية، وفي 6
مارس/ آذار التالي تم أول إنزال للبحرية الأميركية في جنوب دانانغ. وظل
الوجود العسكري الأميركي يزداد في فيتنام ليبلغ في نهاية 1965 ما يناهز 200
ألف جندي، ثم وصل في صيف 1968 إلى 550 ألفا. وظلت أميركا تضغط
على هانوي من أجل ترك دعم الثوار الجنوبيين، غير أن الأخيرة كانت ترفض
أي تفاوض مع الولايات المتحدة مادامت مستمرة في قصفها المتواصل.


لم تترك أميركا أي وسيلة عسكرية للضغط على هانوي إلا استعملتها بدءا
بالتجميع القسري للسكان ومرورا بتصفية الثوار الشيوعيين الموجودين في
الأرياف الجنوبية واستعمال طائرات بي/52 لتحطيم الغطاء النباتي، وانتهاء
بتكثيف القصف للمدن والمواقع في الشمال الفيتنامي خاصة تلك الواقعة بين
خطي العرض 17 و20.ومع ذلك لم يؤثر الرعب الأميركي والآلة الحربية
المتطورة في معنويات الفيتناميين ولا في مقاومتهم بل تفرقوا في الأرياف
ومراكز الإنتاج الزراعي وازدادت فيهم معنويات المقاومة. ولم تستطع
أميركا -رغم محاولاتها المستمرة- أن تقطع طريق "هو شي منه" الذي
تمر منه الإمدادات نحو ثوار الجنوب.


ذروة المعارك


في أكتوبر/ تشرين الأول 1966 أعلن ممثلو أميركا وحلفائهم المشاركين
بجنودهم في الحرب كأستراليا ونيوزيلاند وتايلند وكوريا الجنوبية والفلبين
في مانيلا استعدادهم للانسحاب من فيتنام بعد ستة أشهر إذا ما خرجت
فيتنام الشمالية من الحرب، وهو إعلان رفضه الشماليون بصرامة.

ولم تثمر دعوة الرئيس الأميركي جونسون الزعيم السوفياتي كوسيغين
إلى الضغط على هانوي لتنهي الحرب حين التقيا في يونيو/ حزيران
1967 بل ظلت نيران الحرب مشتعلة، فما كان من الرئيس جونسون
إلا أن أعلن عزمه زيادة الجنود الأميركيين في فيتنام ليصل عددهم عام
1968 إلى 525 ألفا، كما أصبح القصف الأميركي للمواقع الشمالية
قاب قوسين أو أدنى من الحدود الصينية


ولم تنفع سياسة العصا والجزرة مع الفيتناميين، حيث لم تردعهم هجمات
الولايات المتحدة المتكررة وقصفها المتواصل كما لم تغرهم دعوات الرئيس
جونسون للتفاوض، فظلت الحرب مشتعلة وعدد الضحايا في ازدياد.


ظلت المعارك خلال الحرب الفيتنامية تدور في الجبال، وهي إستراتيجية
اتبعها الفيتناميون المتكيفون أصلا مع الأوضاع الطبيعية والمناخية الصعبة.
وفي 1968 أطلق الجنرال الفيتنامي ما عرف بهجوم "تيت" (وهو اسم السنة
القمرية الفيتنامية التي يحتفل بها منتصف فبراير/ شباط من كل سنة) على
مجموعة عمليات عسكرية شديدة استهدفت أكثر من مائة هدف حضري.
وقد استطاع الثوار أن يتغلغلوا في الجنوب حتى بلغوا عاصمة الجنوب
سايغون فتعرض الأميركيون للهجوم.


ومع أن الثوار الفيتناميين فقدوا حوالي 85 ألف شخص فإن التأثير النفسي
للمعارك كان بالغ الأثر على الولايات المتحدة.


التذمر الأميركي من الحرب



في 31 مارس/ آذار 1968 أعلن الرئيس جونسون وقف القصف الأميركي
لشمال فيتنام، كما أعلن في نفس الوقت تقدمه لولاية رئاسية ثانية. ولم نصل
إلى منتصف مايو/ أيار من نفس السنة حتى بدأت المفاوضات بين الفيتناميين
والأميركان في باريس.
لم يصل ريتشارد نيكسون إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 1969 حتى أعلن
أن 25 ألف جندي أميركي سيغادرون فيتنام في أغسطس/ آب 1969، وأن
65 ألفا آخرين سيجري عليهم نفس القرار في نهاية تلك السنة.


غير أنه لا الانسحاب الأميركي من فيتنام ولا موت الزعيم الشمالي هوشي
منه يوم 3 سبتمبر/ أيلول 1969، أوقفا الحرب الضارية. فمفاوضات باريس
عرفت تصلب الفيتناميين الذين طالبوا وبإلحاح بضرورة الانسحاب الأميركي
التام كشرط أساسي لوقف إطلاق النار.


ومع ما تكبدته أميركا من خسائر بشرية ومادية، ظهرت في الشارع الأميركي
دعوة إلى إنهاء الحرب الفيتنامية.
وتمثلت تلك الدعوة في المظاهرات المكثفة التي عمت المدن الأميركية وفي
الحملات الصحفية. وازدادت قوة الدعوة المطالبة بإيقاف الحرب لما نشرت
وسائل الإعلام الأميركية الممارسات البشعة واللاإنسانية التي عامل بها
الجيش الأميركي المواطنين الفيتناميين. ومن أشهر تلك المظاهر
الوحشية: إبادة الملازم الأميركي وليام كالي للمدنيين العزل في قرية لاي
عام 1968، وقد تمت محاكمته عسكريا عام 1971.


وشمرت الصحافة الأميركية عن ساعديها وعلى رأسها جريدة نيويورك تايمز
حين قامت بنشر تقارير حول الطريقة البشعة التي تمت بها الحرب الفيتنامية.


وفي 25 يناير/ كانون الأول 1972 أعلن الرئيس نيكسون طبيعة المفاوضات
الأميركية الفيتنامية وما قدمته الإدارة الأميركية بشكل سري للفيتناميين
كما كشف اللثام عن مخطط جديد للسلام مكون من ثماني نقاط بينها إجراء
انتخابات رئاسية في الجزء الجنوبي من فيتنام.


أما فيتنام الشمالية فكان مخططها للسلام يقوم على ضرورة تنحي الرئيس
الفيتنامي الجنوبي "تيو" عن السلطة كشرط أساسي للسلام، والامتناع
عن تسليم الأسرى الأميركيين إلا بعد تنازل الولايات المتحدة عن مساندة
حكومة سايغون.


بداية النهاية



أخذت الحرب منحى خطيرا حين قامت فيتنام الشمالية يوم 30 مارس/ آذار 1972
بهجوم كاسح نحو الجنوب داخل منطقة "كانغ تري" متجاوزة بذلك المنطقة
المنزوعة السلاح، وكان رد الفعل الأميركي مزيدا من القصف الجوي.


وبينما كانت نيران الحرب تشتعل بدأت المفاوضات السرية بين الطرفين، حيث
اجتمع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي يومها هنري كيسنجر
بمندوب فيتنام الشمالية دوك تو.
ومع انتعاش الآمال بالوصول إلى حل نهائي وفي محاولة للضغط على الفيتناميين
وكسب انتصارات ميدانية تقوي من موقفه، أمر الرئيس نيكسون يوم 17
ديسمبر/ كانون الأول 1972 بقصف هانوي وهايبونغ. فصبت طائرات بي/52
نيرانها على المدينتين في قصف لم تعرف الحرب الفيتنامية نظيرا له. وفقدت
أميركا 15 من هذه الطائرات كما فقدت 93 ضابطا من سلاح الطيران الأميركي.


وأعلن في 23 يناير/ كانون الثاني 1973 عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق
النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 28 من نفس الشهر.


ويتضمن الاتفاق:


- توقف جميع أنواع العداء.

- انسحاب القوات الأميركية من جنوب فيتنام خلال الشهرين التاليين للتوقيع
وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين خلال 15 يوما من التوقيع.

- الاعتراف بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الشطرين على أنها مؤقتة
لا أنها حدود سياسية.

- إنشاء لجنة دولية (مكونة من ممثلين عن كندا وهنغاريا وإندونيسيا وبولونيا)
مكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق.

- بقاء 145 ألف جندي من شمال فيتنام في الجنوب.


لم ينته مارس/ آذار 1973 حتى تمت مغادرة آخر جندي أميركي من فيتنام، غير
أن فضيحة ووترجيت التي أكرهت الرئيس نيكسون على الاستقالة يوم 9
أغسطس/ آب 1974 جعلت أميركا غير قادرة على مساندة حكومة سايغون.


انتهز الشماليون فرصة انشغال واشنطن بووترجيت ومعاداة الرئيس الفيتنامي
الجنوبي تيو للشيوعيين الجنوبيين، فشنوا هجوما كاسحا على الجنوب محتلين
مدينة فيوك بنه في يناير/ كانون الثاني 1975، وتابعوا هجومهم الكاسح
الذي توج بدخول سايغون يوم 30 إبريل/ نيسان من نفس السنة.


خسائر الحرب


خسائر الفيتناميين خلال سنوات الحرب الثماني:


1 - مليونا قتيل

2 - 3 ملايين جريح

3 - ما يناهز 12 مليون لاجئ.

أما الأميركيون فقدرت خسائرهم بـ:

1 - 57 ألف قتيل

2 - 153303 جرحى

3 - 587 أسيرا بين مدني وعسكري وقد تم إطلاق سراحهم.