الأمم المتحدة وحركات التحرر الوطنى
مرسل: الجمعة مايو 03, 2013 4:54 pm
الأمم المتحدة وحركات التحرر الوطنى
المصدر: السياسة الدولية
بقلم: وحيد عبدالمجيد
عبر ما يزيد عن أربعين عاما، هى عمر هيئة الأمم المتحدة تضاعفت عضويتها ثلاث مرات تقريبا من 51 دولة وقاف موماق المنظمة الدولية مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية فى يوليو 1945، إلى 159 دولة هى عدد أعضائها بالدورة الأربعين للجمعية العامة 1985. ويعكس هذا التطور الكمى تغيرا كيفيا على المستوى الدولى، محوره غروب شمس الظاهرة الاستعمارية عن عالمنا وحصول الغالبية الساحقة من المستعمرات الأفريقية والآسيوية على الاستقلال الذى يتفاوت مدى عمقه قانونيا وسياسيا واقتصاديا. هذا التطور الكيفى هو الذى سمح للأمين العام للأمم المتحدة بيريز دى كويلار بأن يصف عملية تصفية الاستعمار بأنها أهم إنجاز تاريخى على الإطلاق (1).
ورغم أن الكثرة الغالبة من الدول التى غدت تشغل مقاعد فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ أواخر الأربعينات،حصلت على استقلالها بأسلوب سلمى، كان لحركات التحرر الوطنى فى بعضها دور هام فى تهيئة الظروف الموضوعية وإنضاجها لهذا الاستقلال. كما كان - ولا يزال - لحركات التحرر التى تنهج طريق الكفاح المسلح - إلى جانب نضالها السياسى - دور لا يقل أهمية فى العمل على استكمال الحلقات الناقصة فى سلسلة التحرر العالمى من الاستعمار. ورغم تطور موقف الأمم المتحدة من الظاهرة الاستعمارية إلى الاعتراف بالعديد من حركات التحرير الوطنى ومساندتها ماديا ومعنويا، إلا أن هذا الموقف جاء متأخرا نحو ربع قرن من الزمان، حيث ارتبط بالفطور البطىء نسبيا فهو موقف الأمم المتحدة من كيفية مواجهة الظاهرة الاستعمارية نفسها.
انجلاء الغموض:
فعندما صدر ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، كان واضحا اهتمامه الكبير باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، على نحو ما ورد فى ديباجته وفى مواضع عديدة من متنه. وانطوى ذلك الاهتمام على تأكيد أن هذه الحقوق من الركائز الهامة للسلم والأمن الدوليين التى تعتبر صيانتها المهمة الأولى للأمم المتحدة ومبرر وجودها. لكنه كان من الواضح أيضا أن هذا الاهتمام العام بحقوق الإنسان دونما تمييز لم ينعكس فى شمول موقف الميثاق من الظاهرة الاستعمارية وكيفية مواجهتها. فقد عالجها الميثاق على نحو جزئى بإحلاله نظام الوصاية محل نظام الانتداب الذى ابتدعته عصبة الأمم. وبالتالى عدم شمول النظام الجديد إلا للدول التى خضعت للانتداب. وهذا ما يفهم من النصوص التى تناولت كيفية إشراف الأمم المتحدة، من خلال مجلس الوصاية، على سير شعوب الأقاليم الموصى عليها نحو الاستقلال، لاعتبار أن نظام الوصاية مؤقت تلتزم الدولة الوصية بمقتضاه بجملة التزامات تجاه الإقليم الخاضع للوصاية حتى يصل إلى النضج السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى يؤهله للاستقلال. ولأن نظام الوصاية، على هذا النحو، لم يشمل سوى الدول التى كانت خاضعة للانتداب أو لدول المحور المهزومة فى الحرب العالمية الثانية، كان نطاقه قاصرا على قلة من المستعمرات مقارنة ببقية مستعمرات بريطانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا حينئذ، وهى المستعمرات التى وصفها ميثاق الأمم المتحدة فى فصله الحادى عشر بأنها لا تتمتع بالحكم الذاتى، وحدد وضعها فى إطار يتسم بالغموض وغياب التصور الواضح لمستقبلها، حيث اقتصر الالتزام القانونى المطلوب من الدول الاستعمارية على إمداد الأمم المتحدة ببعض البيانات الإحصائية عن التطورات الاقتصادية والاجتماعية - مع استبعاد التطورات السياسية - فى الأقاليم المستعمرة. أو " الخاضعة لإدارتها " وفقا للمصطلح الذى استخدمته الأمم المتحدة.
هذا الإطار المتسم بالغموض جعل معظم الشعوب المستعمرة من الناحية العملية، فى يد الدول الاستعمارية نفسها (29). ولولا الدور الإيجابى الذى قامت به الدول الافرواسيوية، وعلى رأسها دول باندونج، مع بعض دول أمريكا اللاتينية داخل الجمعية العامة فى العمل من أجل التوسع فى تفسير نصوص الفصل الحادى عشر بصفة خاصة، لظل دور المنظمة الدولية محدودا فى مجال تصفية الاستعمار. وانصب هذا الاتجاه نحو التوسع على ضرورة تفسير الميثاق سياسيا لا قانونيا مما أتاح لهذه الكتلة الدولية أن تفرض نظاما دوريا لحصول الأمم المتحدة على البيانات الخاصة بالأقاليم المستعمرة من الدول الاستعمارية على أساس سنوى، وان يكون أسلوب أعداد هذه البيانات على نمط الاستبيان الذى أعده مجلس الوصاية للأقاليم الخاضعة لأشرافه، مع تضمين هذه البيانات التطورات السياسية الحادثة فى الأقاليم المستعمرة. وهكذا كان استقلال أى إقليم تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتى وانضمامه للأمم المتحدة بمثابة رصيد جدير لحركة الدفع فى اتجاه تصفية الاستعمار.
ولقد كانت جهود هذه المجموعة من دول العالم الثالث وراء التطور فى موقف الأمم المتحدة من الظاهرة الاستعمارية، والذى جسده قرارها الشهير 1514 لعام 1960 المنطلق من حق تقرير المصير كمحور فكرى ومن ضرورة القضاء على الاستعمار باعتباره حقا من حقوق الشعوب كإطار عمل سياسى. وهذا ما أتاح إنشاء اللجنة الخاصة المعنية بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وتحديد مسار واضح لتطور المستعمرات : إما بإعلان استقلالها مباشرة كدولة، أو اندماجها بمحض اختيارها فى دولة أخرى مستقلة، أو انضمامها إلى دولة مستقلة فى إطار فيدرالى أو كونفدرالى.
ورغم أهمية هذه النقلة، التى انتقلت بموجبها عملية مواجهة الظاهرة الاستعمارية رسميا إلى لجنة تصفية الاستعمار، فقد استمر تغييب دور حركات التحرر الوطنى المناضلة ضد الاستعمار فى عديد من الأقاليم وكان النجاح الذى حققته الأمم المتحدة، فى مجال إنهاء الاستعمار البريطانى والفرنسى، فى كثير من الأقاليم بشكل سلمى عاملا هاما فى عدم شيوع الإحساس بالأهمية الخاصة لدور حركات التحرير الوطنى إلا بعد حين، رغم الدرس الذى أكدته جبهة التحرير الجزائرية، وخلاصة أن ثمة أقاليم قد لا يرحل عنها الاستعمار إلا بالكفاح المسلح للحركة الوطنية.
نعم. لحركات التحرير:
لكن مع نهاية الستينات بدأ يظهر فى الأفق أن دور الأمم المتحدة فى إنهاء الاستعمار بشكل سلمى قد أوشك على بلوغ منتهاه بسبب إصرار بعض الدول الاستعمارية على الاحتفاظ ببعض المستعمرات. وفى تلك الفترة كان قد حدث تغيير جوهرى فى هيكل الأمم المتحدة بزيادة تمثيل الدول المستقلة حديثا(3).
وتحولها إلى أغلبية مؤثرة فى معظم أجهزتها. ولأن هذه الدلو هى الأكثر معاناة من الاستعمار والأشد رفضا له، كانت بالتالى هى الأكثر تعاطفا مع حركات التحرر الوطنى التى حظيت بمساندة أيضا من الاتحاد السوفيتى والكتلة الاشتراكية.
ومن جماع هذين التطورين، كانت بداية انفتاح الأمم المتحدة على حركات التحرر الوطنى، بموجب قرار الجمعية العامة عام 1971 الذى أكد على حق الشعوب المستعمرة فى استخدام القوة لتحقيق الاستقلال وضرورة مساندتها ماديا ومعنويا.
فكن هذا القرار بمثابة ضوء أخضر لحركات التحرر كى تسعى للجوء إلى منظمات الأمم المتحدة لجانها لتعرض بنفسها - أى من خلال ممثلين لها - القضايا التى تناضل من اجلها. لكن هذه الحركات لم تنجح فى إدخال ممثلين لها معترف بهم إلى الأمم المتحدة دفعة واحدة، وإنما بشكل تدريجى (4).
فبدأت حركات التحرر الأفريقية تحظى بموقع رسمى فى بعض لجان الأمم المتحدة منذ 1972، عندما منحتها اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة فى أفريقيا ولجنة تصفية الاستعمار صفة المراقب. ولكن لم يصبح لهذه الحركات مركز قانونى هام فى الأمم المتحدة إلى فى عام 1973 عندما أصدرت لجنة شئون الوصاية فى الجمعية العامة (اللجنة الرابعة) قرارا تاريخيا بمنح حركات التحرر التى تعترف بها منظمة الوحدة الأفريقية مركز المراقب وكانت هذه أول مرة تحصل فيها حركات التحرير على صفة تمثيلية، وإن كانت مشروطة بتزكية منظمة الوحدة الأفريقية لها بعد أن غدت صاحبة الحق فى منح " شهادة تأهيل " لأية حركات تحريرية فى القارة السوداء. ثم امتد هذا الحق إلى جامعة الدول العربية أيضا، وإن كانت منظمة التحرير لم تستفد من هذا التطور على الفور بسبب الخلاف الذى كان قائما بينها وبين الأردن وقتئذ على من يمثل الضفة الغربية (5).
حتى تمت تسوية واعتراف الجامعة العربية بها كمثل شرعى وحيد للشعب الفلسطينى فى قمة الرباط أكتوبر 1974.
وبهذه النقلة الجديدة انتهت المرحلة السلمية لتصفية الاستعمار فى أفريقيا واسيا، مع استمرارها بالنسبة للأقاليم الصغيرة فى المحيط الهادى والكاريبى وأصبحت حركات التحرر الوطنى فى أفريقيا وأسيا هى محور المرحلة الجديدة، بعد اعتراف الأمم المتحدة بمعظمها، وحصولها على الحق فى حضور المناقشات والمداولات الخاصة بقضايا بلادها، وفى الحصول على المعونة الدولية. وقد اعتبر بعض الدارسين هذا الاعتراف من جانب الأمم المتحدة بمثابة إدخال عنصر جديد فى عضوية المنظمة الدولية، وهو عنصر اللادولة، بمعنى أن الأمم المتحدة التى تتألف من دول غيرت من طبيعتها جزئيا بأن أصبحت العضوية فيها - رغم اختلاف الميزات مؤلفة من دول " ولا دول ". أى دول فى طريقها لأن تولد (6).
حركات التحرر الراهنة:
وبحصول كل من انجولا، وغنييا بيساو، والرأس الأخضر، وجزر القمر، وموزمبيق، وسان تومى، وسيشل، وجيبوتى، وروديسيا الجنوبية (زيمبابوى) على الاستقلال خلال العقد الماضى، لم تبق سوى ثلاث حالات استعمارية خاصة هى ناميبيا وفلسطين والصحراء الغربية. وتتمتع حركتا تحرير نامبييا (سوابو)، وفلسطين (منظمة التحرير الفلسطينية) باعتراف الأمم المتحدة، على عكس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمارء ووادى الذهب (بوليزاريو).
رغم تميز الأخيرة بتشكيلها حكومة بالفعل على الأرض التى تقع تحت سيطرتها، واعتراف العديد من الدول الأفريقية بهذه الحكومة، ورغم الاتجاه العام لقرارات الجمعية العامة فضلا عن الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية فى 16 أكتوبر 1975 (7) بوجوب منح شعب الصحراء حق تقرير المصير. لكن جبهة بوليزاريو لا تزال تفتقر إلى الشرط الرئيسى لاعتراف الأمم المتحدة بها وهو حصولها على "شهادة تأهيل" من منظمة الوحدة الأفريقية أو جامعة الدول العربية. فكلتا المنظمتان منقسمتين على نفسيهما بشأن الموقف تجاه بوليزاريو، على نحو يجعل من المتعذر على أى منهما حتى الآن التوصية بمنحها صفة تمثيلية لدى الأمم المتحدة (8).
وأن كانت اللجنة الخاصة المعنية لتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة قد درجت على دعوة ممثل من بوليزاريو للمشاركة فى مداولاتها الخاصة بالصحراء الغربية (9).
وخارج إطار حركات التحرر الوطنى، منحت الأمم المتحدة صفة تمثيلية لحزب المؤتمر الوطنى الأفريقى، وهو يمثل حركة تحرر اجتماعى - سياسى تناضل ضد التمييز والعزل العنصرى فى دولة جنوب أفريقيا التى لا تندرج فى عداد الدول الخاضعة للاستعمار، وإنما الدول الاستعمارية حيث تحتل إقليم ناميبيا حتى الآن. كما تقوم حكومتها بممارسات عنصرية ضد الأغلبية السوداء إلى يمثلها حزب المؤتمر الوطنى. وبالتالى يتخذ نضاله شكل السعى للتحرر الاجتماعى من التمييز وحكم الأقلية لا التحرر الوطنى من الاستعمار الخارجى.
الغاء
ومعنى ذلك أنه لا يبقى فى الأمم المتحدة الآن سوى حركتنا تحرر وطنى فقط - منظمة التحرير الفلسطينية وسوابر - فشلت المنظمة الدولية لسنوات طوال فى توفير دعم حقيقى لهما فى نضالهما التحررى. رغم الكثرة الكثيرة من قرارات الجمعية العامة ولجانها التى تدين صراحة الاحتلال الإسرائيلى والجنوب إفريقى للضفة الغربية وغزة ولناميبيا على التوالى - هذا الإخفاق الذى يشوه دور الأمم المتحدة فى تصفية الاستعمار على المستوى العالمى يرتبط بمشكلتها الهيكلية العامة: أنها ليست حكومة عالمية أو سلطة ترتفع فوق السيادات القومية لترغم الدول على مالا تقبله. فميثاق الأم المتحدة لم يجعل منها سلطة دولية عليا، بل منظمة تتكون من دول متساوية فى السيادة. وهذه الدول هى التى تصوغ فى النهاية مضمون قرارات الأمم المتحدة. ومنها دول لم تزل ترفض إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للضفة وغزة، وترفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية رغم وضعها القانونى فى الأمم المتحدة. وهى ذات الدول التى لا تظهر أية جدية فى ممارسة ضغط حقيقى على حكومة بريتوريا العنصرية، على نحو يبعث على الاعتقاد بأن التطور الإيجابى النسبى الذى طرأ على موقفها المعلن تجاه ناميبيا لم يكن سوى انعكاسا للخوف من تكرار موقعة أنجولا، أى تكرار التدخل السوفيتى الكوبى فى أنجولا، فضلا عن رغبة الولايات المتحدة بصفة خاصة فى الانفراد بعملية تسوية مشكلتى ناميبيا وفلسطين، فى إطار السلام الأمريكى الذى ينطوى على إفراغ هذه التسوية من أى مضمون تحررى بحيث، تنسجم هذه التسوية مع مصالح حكومتى بريتوريا وتل أبيب. لكن هذا الإخفاق لسجل الأمم المتحدة فى قضيتى ناميبيا وفلسطين - المطروحتين عليها منذ نشأتها امتدادا لخضوع الإقليمين لنظام الانتداب فى عهد عصبة الأمم - لم يكن ليصل إلى هذا الحد لولا ضعف دول المواجهة الأفريقية فى مشكلة ناميبيا، والعربية فى مشكلة فلسطين، وعجزها عن مواصلة دفع النضال التحررى لمنظمتى سوابر والتحرير الفلسطينية بالكفاح المسلح.
مستعمرات بلا حركات تحرر:
ولأن قضيتى ناميبيا وفلسطين، بالإضافة إلى قضية الصحراء الغربية، تستأثر بالاهتمام الأكبر عالميا فى هذه الآونة، فإنها تحجب هذا الاهتمام عن نحو عشرين إقليما لا تتمتع بالحكم الذاتى فى المحيط الهادى والكاريبى، رغم اعتراف الأمم المتحدة بحقها الثابت فى تقرير المصير والاستقلال، والاهتمام بها من جانب اللجنة الخاصة المعنية بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة التى أنشأتها الجمعية العامة فى 27 نوفمبر 1961، والتى حلت محل لجنة المعلومات الواردة من الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى بموجب قرار الجمعية العامة أيضا فى 15 ديسمبر 1963 (10). وهذه الأقاليم التى لا تذيع شهرتها هى: بوروتوريكو، بتكيدن، توكيلو، جزر توركس، كيكوس، جزر سايمان، سانت هيلانة، جبل طارق، جزر فيرجن البريطانية، جزر فيرجنا الأمريكية، بوتشيات، ساموا الأمريكية، بيرمودا، جوام، جزر كايمان، بليز، تيمور الشرقية، انتجيوا، سان كينيس (11). وهى تقع تحت سيطرة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا. وبسبب عدم حصول هذه الأقاليم على الاهتمام الكامل، فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة مرارا عن ضرورة الاهتمام بمشاكلها. فرغم أن هذه الأقاليم صغيرة ونائية فى كثير من الحالات، إلا أن لسكانها نفس الحقوق الثابتة - أو غير القابلة للتصرف حسب التعبير المفضل فى وثائق الأمم المتحدة - التى لا تتمتع بها الشعوب فى مختلف أنحاء العالم. فلا ينبغى للاعتبارات الخاصة برقعة إقليم ما، أو موقعه الجغرافى أو حجم سكانه، أو موارده الطبيعية المتاحة، أو الاعتبارات المتعلقة بمقومات بقائه من الناحية الاقتصادية أن تنقص من حق شعب ما فى تقرير المصير أو التحرر من الحكم الاستعمارى، على نحو ما تردده بعض الادعاءات التى تستغل عدم توفر الظروف الموضوعية فى هذه الأقاليم لتطور حركات تحرر وطنى مناضلة. وهذا لا يمنع إمكانية انضمام أى إقليم منها إلى دولة ما بإرادته الحرة. ورغم الادعاءات الخاصة بأنه من الأفضل لشعوب هذه الأقاليم الصغيرة أن تظل تحت ربقة الاستعمار، فثمة أدلة على وجود صرخات متفاوتة الدرجة فى كثير من هذه الأقاليم للمطالبة بحق تقرير المصير والاستقلال، لعل أبرزها حالة إقليم بوروتوريكو، الذى يضم اكثر من عشر منظمات سياسية ونقابية متفقة كلها على إنهاء الاستعمار الأمريكى للإقليم، الذى أصدرت لجان الأمم المتحدة العديد من القرارات التى تؤكد حقه غير القابل للتصرف فى تقرير المصير والاستقلال والتى تحث الإدارة الأمريكية على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لنقل جميع السلطات إلى شعب بورتوريكو نقلا تاما. وقد كشفت بعض تلك القرارات الدوافع الاستراتيجية وراء إصرار الولايات المتحدة على الاحتفاظ بإقليم بورتوريكو، من خلال أدانتها للمناورات التى تقوم بها فى جزيرة فييكسى التابعة للإقليم والأنشطة العسكرية فيه(12).
لكن رغم هذا البعد الاستراتيجى العام، يظل العامل الاقتصادى هو الأساس فى استمرار السيطرة الاستعمارية على هذه الأقاليم، والذى حددته لجنة تصفية الاستعمار فى (أنشطة المصالح الاقتصادية الأجنبية التى تعرقل إعلان منح الاستقلال للأقاليم الصغيرة الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية) (13)
وقد أوضح تقرير اللجنة ان هذه الأنشطة الرأسمالية تحول دون التقدم الاقتصادى والاجتماعى والتعليمى لسكان هذه الأقاليم، فضلا عن الإساءة لمواردها البشرية والطبيعية، مع التأكيد على ان الموارد الطبيعية لهذه الأقاليم هما تراث شعوبها، وأن سكان هذه الأقاليم يعانون من فقدان ملكية الأراضى نتيجة عدم قيام الدول المستعمرة بالحد من بيع الراضى للأجانب رغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة (14)
ولكن رغم ضآلة الاهتمام العالمى بالأقاليم الصغيرة الخاضعة للاستعمار فى المحيط الهادى والكاريبى، والتى لم تتوفر بها الظروف الموضوعية الضرورية لتطور حركات تحرر وطنى، ويبدو أن اهتمام الأمم المتحدة بها اخذ فى التطور، وإن كان بخطى متباطئة للغاية، من خلال تطوير أدوار البعثات المرسلة لهذه الأقاليم تحت شعار " تيسير تنفيذ الإعلان منح الاستقلال لشعوبها تنفيذا كاملا وسريعا ". لكن أخطر ما يعوق هذا النشاط الذى تقوم به الأمم المتحدة هو التسليم بمركز الدول الاستعمارية فى هذه الأقاليم والتعامل معها بمنطق الرجاء وطلب التعاون لا المواجهة وتدل الخبرات السابقة على عدم جدوى هذا الأسلوب الذى يكرس فى النهاية واقع الاستعمار فى هذه الأقاليم. وإذا استمر هذا المنهج على حاله، فلا مفر لشعوب هذه الأقاليم من الاعتماد على ذواتها لتطوير حركات تحرر وطنى تصنع طريقها للاستقلال، وهو التطور الذى بات مرتقبا فى إقليم بورتوريكو وعساه أن يمتد إلى أقاليم أخرى. لكن رغم هذا البعد الاستراتيجى العام، يظل العامل الاقتصادى هو الأساس فى استمرار السيطرة الاستعمارية على هذه الأقاليم، والذى حددته لجنة تصفية الاستعمار فى (أنشطة المصالح الاقتصادية الأجنبية التى تعرقل إعلان منح الاستقلال للأقاليم الصغيرة الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية) (13)
وقد أوضح تقرير اللجنة أن هذه الأنشطة الرأسمالية تحول دون التقدم الاقتصادى والاجتماعى والتعليمى لسكان هذه الأقاليم، فضلا عن الإساءة لمواردها البشرية والطبيعية، مع التأكيد على إن الموارد الطبيعية لهذه الأقاليم هما تراث شعوبها، وأن سكان هذه الأقاليم يعانون من فقدان ملكية الأراضى نتيجة عدم قيام الدول المستعمرة بالحد من بيع الراضى للأجانب رغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة (14)
ولكن رغم ضآلة الاهتمام العالمى بالأقاليم الصغيرة الخاضعة للاستعمار فى المحيط الهادى والكاريبى، والتى لم تتوفر بها الظروف الموضوعية الضرورية لتطور حركات تحرر وطنى، ويبدو أن اهتمام الأمم المتحدة بها اخذ فى التطور، وإن كان بخطى متباطئة للغاية، من خلال تطوير أدوار البعثات المرسلة لهذه الأقاليم تحت شعار " تيسير تنفيذ الإعلان منح الاستقلال لشعوبها تنفيذا كاملا وسريعا ". لكن أخطر ما يعوق هذا النشاط الذى تقوم به الأمم المتحدة هو التسليم بمركز الدول الاستعمارية فى هذه الأقاليم والتعامل معها بمنطق الرجاء وطلب التعاون لا المواجهة وتدل الخبرات السابقة على عدم جدوى هذا الأسلوب الذى يكرس فى النهاية واقع الاستعمار فى هذه الأقاليم. وإذا استمر هذا المنهج على حاله، فلا مفر لشعوب هذه الأقاليم من الاعتماد على ذواتها لتطوير حركات تحرر وطنى تصنع طريقها للاستقلال، وهو التطور الذى بات مرتقبا فى إقليم بورتوريكو وعساه أن يمتد إلى أقاليم أخرى.
الغاء
المصدر: السياسة الدولية
بقلم: وحيد عبدالمجيد
عبر ما يزيد عن أربعين عاما، هى عمر هيئة الأمم المتحدة تضاعفت عضويتها ثلاث مرات تقريبا من 51 دولة وقاف موماق المنظمة الدولية مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية فى يوليو 1945، إلى 159 دولة هى عدد أعضائها بالدورة الأربعين للجمعية العامة 1985. ويعكس هذا التطور الكمى تغيرا كيفيا على المستوى الدولى، محوره غروب شمس الظاهرة الاستعمارية عن عالمنا وحصول الغالبية الساحقة من المستعمرات الأفريقية والآسيوية على الاستقلال الذى يتفاوت مدى عمقه قانونيا وسياسيا واقتصاديا. هذا التطور الكيفى هو الذى سمح للأمين العام للأمم المتحدة بيريز دى كويلار بأن يصف عملية تصفية الاستعمار بأنها أهم إنجاز تاريخى على الإطلاق (1).
ورغم أن الكثرة الغالبة من الدول التى غدت تشغل مقاعد فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ أواخر الأربعينات،حصلت على استقلالها بأسلوب سلمى، كان لحركات التحرر الوطنى فى بعضها دور هام فى تهيئة الظروف الموضوعية وإنضاجها لهذا الاستقلال. كما كان - ولا يزال - لحركات التحرر التى تنهج طريق الكفاح المسلح - إلى جانب نضالها السياسى - دور لا يقل أهمية فى العمل على استكمال الحلقات الناقصة فى سلسلة التحرر العالمى من الاستعمار. ورغم تطور موقف الأمم المتحدة من الظاهرة الاستعمارية إلى الاعتراف بالعديد من حركات التحرير الوطنى ومساندتها ماديا ومعنويا، إلا أن هذا الموقف جاء متأخرا نحو ربع قرن من الزمان، حيث ارتبط بالفطور البطىء نسبيا فهو موقف الأمم المتحدة من كيفية مواجهة الظاهرة الاستعمارية نفسها.
انجلاء الغموض:
فعندما صدر ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، كان واضحا اهتمامه الكبير باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، على نحو ما ورد فى ديباجته وفى مواضع عديدة من متنه. وانطوى ذلك الاهتمام على تأكيد أن هذه الحقوق من الركائز الهامة للسلم والأمن الدوليين التى تعتبر صيانتها المهمة الأولى للأمم المتحدة ومبرر وجودها. لكنه كان من الواضح أيضا أن هذا الاهتمام العام بحقوق الإنسان دونما تمييز لم ينعكس فى شمول موقف الميثاق من الظاهرة الاستعمارية وكيفية مواجهتها. فقد عالجها الميثاق على نحو جزئى بإحلاله نظام الوصاية محل نظام الانتداب الذى ابتدعته عصبة الأمم. وبالتالى عدم شمول النظام الجديد إلا للدول التى خضعت للانتداب. وهذا ما يفهم من النصوص التى تناولت كيفية إشراف الأمم المتحدة، من خلال مجلس الوصاية، على سير شعوب الأقاليم الموصى عليها نحو الاستقلال، لاعتبار أن نظام الوصاية مؤقت تلتزم الدولة الوصية بمقتضاه بجملة التزامات تجاه الإقليم الخاضع للوصاية حتى يصل إلى النضج السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى يؤهله للاستقلال. ولأن نظام الوصاية، على هذا النحو، لم يشمل سوى الدول التى كانت خاضعة للانتداب أو لدول المحور المهزومة فى الحرب العالمية الثانية، كان نطاقه قاصرا على قلة من المستعمرات مقارنة ببقية مستعمرات بريطانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا حينئذ، وهى المستعمرات التى وصفها ميثاق الأمم المتحدة فى فصله الحادى عشر بأنها لا تتمتع بالحكم الذاتى، وحدد وضعها فى إطار يتسم بالغموض وغياب التصور الواضح لمستقبلها، حيث اقتصر الالتزام القانونى المطلوب من الدول الاستعمارية على إمداد الأمم المتحدة ببعض البيانات الإحصائية عن التطورات الاقتصادية والاجتماعية - مع استبعاد التطورات السياسية - فى الأقاليم المستعمرة. أو " الخاضعة لإدارتها " وفقا للمصطلح الذى استخدمته الأمم المتحدة.
هذا الإطار المتسم بالغموض جعل معظم الشعوب المستعمرة من الناحية العملية، فى يد الدول الاستعمارية نفسها (29). ولولا الدور الإيجابى الذى قامت به الدول الافرواسيوية، وعلى رأسها دول باندونج، مع بعض دول أمريكا اللاتينية داخل الجمعية العامة فى العمل من أجل التوسع فى تفسير نصوص الفصل الحادى عشر بصفة خاصة، لظل دور المنظمة الدولية محدودا فى مجال تصفية الاستعمار. وانصب هذا الاتجاه نحو التوسع على ضرورة تفسير الميثاق سياسيا لا قانونيا مما أتاح لهذه الكتلة الدولية أن تفرض نظاما دوريا لحصول الأمم المتحدة على البيانات الخاصة بالأقاليم المستعمرة من الدول الاستعمارية على أساس سنوى، وان يكون أسلوب أعداد هذه البيانات على نمط الاستبيان الذى أعده مجلس الوصاية للأقاليم الخاضعة لأشرافه، مع تضمين هذه البيانات التطورات السياسية الحادثة فى الأقاليم المستعمرة. وهكذا كان استقلال أى إقليم تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتى وانضمامه للأمم المتحدة بمثابة رصيد جدير لحركة الدفع فى اتجاه تصفية الاستعمار.
ولقد كانت جهود هذه المجموعة من دول العالم الثالث وراء التطور فى موقف الأمم المتحدة من الظاهرة الاستعمارية، والذى جسده قرارها الشهير 1514 لعام 1960 المنطلق من حق تقرير المصير كمحور فكرى ومن ضرورة القضاء على الاستعمار باعتباره حقا من حقوق الشعوب كإطار عمل سياسى. وهذا ما أتاح إنشاء اللجنة الخاصة المعنية بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وتحديد مسار واضح لتطور المستعمرات : إما بإعلان استقلالها مباشرة كدولة، أو اندماجها بمحض اختيارها فى دولة أخرى مستقلة، أو انضمامها إلى دولة مستقلة فى إطار فيدرالى أو كونفدرالى.
ورغم أهمية هذه النقلة، التى انتقلت بموجبها عملية مواجهة الظاهرة الاستعمارية رسميا إلى لجنة تصفية الاستعمار، فقد استمر تغييب دور حركات التحرر الوطنى المناضلة ضد الاستعمار فى عديد من الأقاليم وكان النجاح الذى حققته الأمم المتحدة، فى مجال إنهاء الاستعمار البريطانى والفرنسى، فى كثير من الأقاليم بشكل سلمى عاملا هاما فى عدم شيوع الإحساس بالأهمية الخاصة لدور حركات التحرير الوطنى إلا بعد حين، رغم الدرس الذى أكدته جبهة التحرير الجزائرية، وخلاصة أن ثمة أقاليم قد لا يرحل عنها الاستعمار إلا بالكفاح المسلح للحركة الوطنية.
نعم. لحركات التحرير:
لكن مع نهاية الستينات بدأ يظهر فى الأفق أن دور الأمم المتحدة فى إنهاء الاستعمار بشكل سلمى قد أوشك على بلوغ منتهاه بسبب إصرار بعض الدول الاستعمارية على الاحتفاظ ببعض المستعمرات. وفى تلك الفترة كان قد حدث تغيير جوهرى فى هيكل الأمم المتحدة بزيادة تمثيل الدول المستقلة حديثا(3).
وتحولها إلى أغلبية مؤثرة فى معظم أجهزتها. ولأن هذه الدلو هى الأكثر معاناة من الاستعمار والأشد رفضا له، كانت بالتالى هى الأكثر تعاطفا مع حركات التحرر الوطنى التى حظيت بمساندة أيضا من الاتحاد السوفيتى والكتلة الاشتراكية.
ومن جماع هذين التطورين، كانت بداية انفتاح الأمم المتحدة على حركات التحرر الوطنى، بموجب قرار الجمعية العامة عام 1971 الذى أكد على حق الشعوب المستعمرة فى استخدام القوة لتحقيق الاستقلال وضرورة مساندتها ماديا ومعنويا.
فكن هذا القرار بمثابة ضوء أخضر لحركات التحرر كى تسعى للجوء إلى منظمات الأمم المتحدة لجانها لتعرض بنفسها - أى من خلال ممثلين لها - القضايا التى تناضل من اجلها. لكن هذه الحركات لم تنجح فى إدخال ممثلين لها معترف بهم إلى الأمم المتحدة دفعة واحدة، وإنما بشكل تدريجى (4).
فبدأت حركات التحرر الأفريقية تحظى بموقع رسمى فى بعض لجان الأمم المتحدة منذ 1972، عندما منحتها اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة فى أفريقيا ولجنة تصفية الاستعمار صفة المراقب. ولكن لم يصبح لهذه الحركات مركز قانونى هام فى الأمم المتحدة إلى فى عام 1973 عندما أصدرت لجنة شئون الوصاية فى الجمعية العامة (اللجنة الرابعة) قرارا تاريخيا بمنح حركات التحرر التى تعترف بها منظمة الوحدة الأفريقية مركز المراقب وكانت هذه أول مرة تحصل فيها حركات التحرير على صفة تمثيلية، وإن كانت مشروطة بتزكية منظمة الوحدة الأفريقية لها بعد أن غدت صاحبة الحق فى منح " شهادة تأهيل " لأية حركات تحريرية فى القارة السوداء. ثم امتد هذا الحق إلى جامعة الدول العربية أيضا، وإن كانت منظمة التحرير لم تستفد من هذا التطور على الفور بسبب الخلاف الذى كان قائما بينها وبين الأردن وقتئذ على من يمثل الضفة الغربية (5).
حتى تمت تسوية واعتراف الجامعة العربية بها كمثل شرعى وحيد للشعب الفلسطينى فى قمة الرباط أكتوبر 1974.
وبهذه النقلة الجديدة انتهت المرحلة السلمية لتصفية الاستعمار فى أفريقيا واسيا، مع استمرارها بالنسبة للأقاليم الصغيرة فى المحيط الهادى والكاريبى وأصبحت حركات التحرر الوطنى فى أفريقيا وأسيا هى محور المرحلة الجديدة، بعد اعتراف الأمم المتحدة بمعظمها، وحصولها على الحق فى حضور المناقشات والمداولات الخاصة بقضايا بلادها، وفى الحصول على المعونة الدولية. وقد اعتبر بعض الدارسين هذا الاعتراف من جانب الأمم المتحدة بمثابة إدخال عنصر جديد فى عضوية المنظمة الدولية، وهو عنصر اللادولة، بمعنى أن الأمم المتحدة التى تتألف من دول غيرت من طبيعتها جزئيا بأن أصبحت العضوية فيها - رغم اختلاف الميزات مؤلفة من دول " ولا دول ". أى دول فى طريقها لأن تولد (6).
حركات التحرر الراهنة:
وبحصول كل من انجولا، وغنييا بيساو، والرأس الأخضر، وجزر القمر، وموزمبيق، وسان تومى، وسيشل، وجيبوتى، وروديسيا الجنوبية (زيمبابوى) على الاستقلال خلال العقد الماضى، لم تبق سوى ثلاث حالات استعمارية خاصة هى ناميبيا وفلسطين والصحراء الغربية. وتتمتع حركتا تحرير نامبييا (سوابو)، وفلسطين (منظمة التحرير الفلسطينية) باعتراف الأمم المتحدة، على عكس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمارء ووادى الذهب (بوليزاريو).
رغم تميز الأخيرة بتشكيلها حكومة بالفعل على الأرض التى تقع تحت سيطرتها، واعتراف العديد من الدول الأفريقية بهذه الحكومة، ورغم الاتجاه العام لقرارات الجمعية العامة فضلا عن الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية فى 16 أكتوبر 1975 (7) بوجوب منح شعب الصحراء حق تقرير المصير. لكن جبهة بوليزاريو لا تزال تفتقر إلى الشرط الرئيسى لاعتراف الأمم المتحدة بها وهو حصولها على "شهادة تأهيل" من منظمة الوحدة الأفريقية أو جامعة الدول العربية. فكلتا المنظمتان منقسمتين على نفسيهما بشأن الموقف تجاه بوليزاريو، على نحو يجعل من المتعذر على أى منهما حتى الآن التوصية بمنحها صفة تمثيلية لدى الأمم المتحدة (8).
وأن كانت اللجنة الخاصة المعنية لتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة قد درجت على دعوة ممثل من بوليزاريو للمشاركة فى مداولاتها الخاصة بالصحراء الغربية (9).
وخارج إطار حركات التحرر الوطنى، منحت الأمم المتحدة صفة تمثيلية لحزب المؤتمر الوطنى الأفريقى، وهو يمثل حركة تحرر اجتماعى - سياسى تناضل ضد التمييز والعزل العنصرى فى دولة جنوب أفريقيا التى لا تندرج فى عداد الدول الخاضعة للاستعمار، وإنما الدول الاستعمارية حيث تحتل إقليم ناميبيا حتى الآن. كما تقوم حكومتها بممارسات عنصرية ضد الأغلبية السوداء إلى يمثلها حزب المؤتمر الوطنى. وبالتالى يتخذ نضاله شكل السعى للتحرر الاجتماعى من التمييز وحكم الأقلية لا التحرر الوطنى من الاستعمار الخارجى.
الغاء
ومعنى ذلك أنه لا يبقى فى الأمم المتحدة الآن سوى حركتنا تحرر وطنى فقط - منظمة التحرير الفلسطينية وسوابر - فشلت المنظمة الدولية لسنوات طوال فى توفير دعم حقيقى لهما فى نضالهما التحررى. رغم الكثرة الكثيرة من قرارات الجمعية العامة ولجانها التى تدين صراحة الاحتلال الإسرائيلى والجنوب إفريقى للضفة الغربية وغزة ولناميبيا على التوالى - هذا الإخفاق الذى يشوه دور الأمم المتحدة فى تصفية الاستعمار على المستوى العالمى يرتبط بمشكلتها الهيكلية العامة: أنها ليست حكومة عالمية أو سلطة ترتفع فوق السيادات القومية لترغم الدول على مالا تقبله. فميثاق الأم المتحدة لم يجعل منها سلطة دولية عليا، بل منظمة تتكون من دول متساوية فى السيادة. وهذه الدول هى التى تصوغ فى النهاية مضمون قرارات الأمم المتحدة. ومنها دول لم تزل ترفض إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للضفة وغزة، وترفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية رغم وضعها القانونى فى الأمم المتحدة. وهى ذات الدول التى لا تظهر أية جدية فى ممارسة ضغط حقيقى على حكومة بريتوريا العنصرية، على نحو يبعث على الاعتقاد بأن التطور الإيجابى النسبى الذى طرأ على موقفها المعلن تجاه ناميبيا لم يكن سوى انعكاسا للخوف من تكرار موقعة أنجولا، أى تكرار التدخل السوفيتى الكوبى فى أنجولا، فضلا عن رغبة الولايات المتحدة بصفة خاصة فى الانفراد بعملية تسوية مشكلتى ناميبيا وفلسطين، فى إطار السلام الأمريكى الذى ينطوى على إفراغ هذه التسوية من أى مضمون تحررى بحيث، تنسجم هذه التسوية مع مصالح حكومتى بريتوريا وتل أبيب. لكن هذا الإخفاق لسجل الأمم المتحدة فى قضيتى ناميبيا وفلسطين - المطروحتين عليها منذ نشأتها امتدادا لخضوع الإقليمين لنظام الانتداب فى عهد عصبة الأمم - لم يكن ليصل إلى هذا الحد لولا ضعف دول المواجهة الأفريقية فى مشكلة ناميبيا، والعربية فى مشكلة فلسطين، وعجزها عن مواصلة دفع النضال التحررى لمنظمتى سوابر والتحرير الفلسطينية بالكفاح المسلح.
مستعمرات بلا حركات تحرر:
ولأن قضيتى ناميبيا وفلسطين، بالإضافة إلى قضية الصحراء الغربية، تستأثر بالاهتمام الأكبر عالميا فى هذه الآونة، فإنها تحجب هذا الاهتمام عن نحو عشرين إقليما لا تتمتع بالحكم الذاتى فى المحيط الهادى والكاريبى، رغم اعتراف الأمم المتحدة بحقها الثابت فى تقرير المصير والاستقلال، والاهتمام بها من جانب اللجنة الخاصة المعنية بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة التى أنشأتها الجمعية العامة فى 27 نوفمبر 1961، والتى حلت محل لجنة المعلومات الواردة من الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى بموجب قرار الجمعية العامة أيضا فى 15 ديسمبر 1963 (10). وهذه الأقاليم التى لا تذيع شهرتها هى: بوروتوريكو، بتكيدن، توكيلو، جزر توركس، كيكوس، جزر سايمان، سانت هيلانة، جبل طارق، جزر فيرجن البريطانية، جزر فيرجنا الأمريكية، بوتشيات، ساموا الأمريكية، بيرمودا، جوام، جزر كايمان، بليز، تيمور الشرقية، انتجيوا، سان كينيس (11). وهى تقع تحت سيطرة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا. وبسبب عدم حصول هذه الأقاليم على الاهتمام الكامل، فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة مرارا عن ضرورة الاهتمام بمشاكلها. فرغم أن هذه الأقاليم صغيرة ونائية فى كثير من الحالات، إلا أن لسكانها نفس الحقوق الثابتة - أو غير القابلة للتصرف حسب التعبير المفضل فى وثائق الأمم المتحدة - التى لا تتمتع بها الشعوب فى مختلف أنحاء العالم. فلا ينبغى للاعتبارات الخاصة برقعة إقليم ما، أو موقعه الجغرافى أو حجم سكانه، أو موارده الطبيعية المتاحة، أو الاعتبارات المتعلقة بمقومات بقائه من الناحية الاقتصادية أن تنقص من حق شعب ما فى تقرير المصير أو التحرر من الحكم الاستعمارى، على نحو ما تردده بعض الادعاءات التى تستغل عدم توفر الظروف الموضوعية فى هذه الأقاليم لتطور حركات تحرر وطنى مناضلة. وهذا لا يمنع إمكانية انضمام أى إقليم منها إلى دولة ما بإرادته الحرة. ورغم الادعاءات الخاصة بأنه من الأفضل لشعوب هذه الأقاليم الصغيرة أن تظل تحت ربقة الاستعمار، فثمة أدلة على وجود صرخات متفاوتة الدرجة فى كثير من هذه الأقاليم للمطالبة بحق تقرير المصير والاستقلال، لعل أبرزها حالة إقليم بوروتوريكو، الذى يضم اكثر من عشر منظمات سياسية ونقابية متفقة كلها على إنهاء الاستعمار الأمريكى للإقليم، الذى أصدرت لجان الأمم المتحدة العديد من القرارات التى تؤكد حقه غير القابل للتصرف فى تقرير المصير والاستقلال والتى تحث الإدارة الأمريكية على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لنقل جميع السلطات إلى شعب بورتوريكو نقلا تاما. وقد كشفت بعض تلك القرارات الدوافع الاستراتيجية وراء إصرار الولايات المتحدة على الاحتفاظ بإقليم بورتوريكو، من خلال أدانتها للمناورات التى تقوم بها فى جزيرة فييكسى التابعة للإقليم والأنشطة العسكرية فيه(12).
لكن رغم هذا البعد الاستراتيجى العام، يظل العامل الاقتصادى هو الأساس فى استمرار السيطرة الاستعمارية على هذه الأقاليم، والذى حددته لجنة تصفية الاستعمار فى (أنشطة المصالح الاقتصادية الأجنبية التى تعرقل إعلان منح الاستقلال للأقاليم الصغيرة الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية) (13)
وقد أوضح تقرير اللجنة ان هذه الأنشطة الرأسمالية تحول دون التقدم الاقتصادى والاجتماعى والتعليمى لسكان هذه الأقاليم، فضلا عن الإساءة لمواردها البشرية والطبيعية، مع التأكيد على ان الموارد الطبيعية لهذه الأقاليم هما تراث شعوبها، وأن سكان هذه الأقاليم يعانون من فقدان ملكية الأراضى نتيجة عدم قيام الدول المستعمرة بالحد من بيع الراضى للأجانب رغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة (14)
ولكن رغم ضآلة الاهتمام العالمى بالأقاليم الصغيرة الخاضعة للاستعمار فى المحيط الهادى والكاريبى، والتى لم تتوفر بها الظروف الموضوعية الضرورية لتطور حركات تحرر وطنى، ويبدو أن اهتمام الأمم المتحدة بها اخذ فى التطور، وإن كان بخطى متباطئة للغاية، من خلال تطوير أدوار البعثات المرسلة لهذه الأقاليم تحت شعار " تيسير تنفيذ الإعلان منح الاستقلال لشعوبها تنفيذا كاملا وسريعا ". لكن أخطر ما يعوق هذا النشاط الذى تقوم به الأمم المتحدة هو التسليم بمركز الدول الاستعمارية فى هذه الأقاليم والتعامل معها بمنطق الرجاء وطلب التعاون لا المواجهة وتدل الخبرات السابقة على عدم جدوى هذا الأسلوب الذى يكرس فى النهاية واقع الاستعمار فى هذه الأقاليم. وإذا استمر هذا المنهج على حاله، فلا مفر لشعوب هذه الأقاليم من الاعتماد على ذواتها لتطوير حركات تحرر وطنى تصنع طريقها للاستقلال، وهو التطور الذى بات مرتقبا فى إقليم بورتوريكو وعساه أن يمتد إلى أقاليم أخرى. لكن رغم هذا البعد الاستراتيجى العام، يظل العامل الاقتصادى هو الأساس فى استمرار السيطرة الاستعمارية على هذه الأقاليم، والذى حددته لجنة تصفية الاستعمار فى (أنشطة المصالح الاقتصادية الأجنبية التى تعرقل إعلان منح الاستقلال للأقاليم الصغيرة الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية) (13)
وقد أوضح تقرير اللجنة أن هذه الأنشطة الرأسمالية تحول دون التقدم الاقتصادى والاجتماعى والتعليمى لسكان هذه الأقاليم، فضلا عن الإساءة لمواردها البشرية والطبيعية، مع التأكيد على إن الموارد الطبيعية لهذه الأقاليم هما تراث شعوبها، وأن سكان هذه الأقاليم يعانون من فقدان ملكية الأراضى نتيجة عدم قيام الدول المستعمرة بالحد من بيع الراضى للأجانب رغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة (14)
ولكن رغم ضآلة الاهتمام العالمى بالأقاليم الصغيرة الخاضعة للاستعمار فى المحيط الهادى والكاريبى، والتى لم تتوفر بها الظروف الموضوعية الضرورية لتطور حركات تحرر وطنى، ويبدو أن اهتمام الأمم المتحدة بها اخذ فى التطور، وإن كان بخطى متباطئة للغاية، من خلال تطوير أدوار البعثات المرسلة لهذه الأقاليم تحت شعار " تيسير تنفيذ الإعلان منح الاستقلال لشعوبها تنفيذا كاملا وسريعا ". لكن أخطر ما يعوق هذا النشاط الذى تقوم به الأمم المتحدة هو التسليم بمركز الدول الاستعمارية فى هذه الأقاليم والتعامل معها بمنطق الرجاء وطلب التعاون لا المواجهة وتدل الخبرات السابقة على عدم جدوى هذا الأسلوب الذى يكرس فى النهاية واقع الاستعمار فى هذه الأقاليم. وإذا استمر هذا المنهج على حاله، فلا مفر لشعوب هذه الأقاليم من الاعتماد على ذواتها لتطوير حركات تحرر وطنى تصنع طريقها للاستقلال، وهو التطور الذى بات مرتقبا فى إقليم بورتوريكو وعساه أن يمتد إلى أقاليم أخرى.
الغاء