ريمون آرون ونظرية العلاقات الدولية
مرسل: الجمعة مايو 03, 2013 5:11 pm
ريمون آرون ونظرية العلاقات الدولية
المصدر: السياسة الدولية
بقلم: ستانلي هوفمان سوسن حسين
إن غزارة أعمال ريمون وتلاحقها السريع كانت دائما سببا فى يأس من يريدون التعليق على هذه الأعمال والكتابة عنها ولكن هذه الأعمال قد توقفت الآن بعد وفاة صاحبها، وهذا سيتيح فرصة الدراسة المتعمقة لهذا إسهام العلمى الضخم ويتيح الفرصة أيضا أمام محاولة فصل أعماله التى تنقسم إلى قسمين: القسم المتعلق بنشاطه الصحفى وتعليقه على الأحداث التى كان يشعر أن من واجبه تفسيرها وتوضيحها للرأى العام والقسم المتعلق بناشطه كفليسوف تاريخ، وعالم اجتماعى، ومنظر، وناقد للفكر السياسى والاجتماعى المعاصر ويتناول مقال ستانلى هوفمان الإسهام العلمى لريمون آرون فى نظرية العلاقات الدولية فقط، فلا يتعرض لنشاطه الصحفى ولا لأعماله التى تأخذ شكل الرواية التاريخية ولا لتلك التى تنتمى إلى المجال النقدى لقد كانت السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول قبل آرون هى عمل المؤرخين والقانونيين وأيضا الاقتصاديين ولكن بدرجة أقل أن ريمون آرون هو الذى خلق نظام ذاتيا للعلاقات الدولية يقع فى مفترق الطرق بين التاريخ والقانون والاقتصاد وكذلك علم السياسة والاجتماع ويتميز بما نستطيع أن نطلق عليه مجموعة من الأفكار المترابطة الدقيقة التى تهدف إلى تفسير القواعد الثابتة والأشكال المتغيرة لنموذج جديد من الأفعال: أى ذلك الذى يقوم به على المسرح العالمى الدبلوماسيون والعسكريون، وبمعنى آخر السلوك الدبلوماسى الاستراتيجى وكانت قوانين ونماذج هذا السلوك موضوعا لدراسات هامة فى الولايات المتحدة فى ذلك الوقت ولم يكف آرون عن التحاور والمجادلة مع زملائه عبر الأطلنطى وكثيرا ما كان يتفوق على هؤلاء بنظرية الأشمل ونظمه التى تتميز بالمرونة يقول هوفمان أن طموح آرون كانت له سمة غريبة تميزه تماما عن غيره من المنظرين للعلاقات الدولية، وهى أن فكره كان جريئا وبسيطا فى نفس الوقت تتمثل جرأة هذا الفكر فى رغبته فى أن يقدم نظرية عامة انطلاقا من الحقائق التى تصنع خاصية العلاقات الدولية وقد كان تحليل النظم متقدما جدا فى الولايات المتحدة فى نهاية الخمسينات ولكن تحليل آرون كان مبتكرا، فهو إلى جانب اهتمامه بخاصية العلاقات الدولية والاختلاف الجوهرى بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية وبين النموذج الأمثل للسلوك الدبلوماسى الاستراتيجى والنموذج الأمثل لما نسميه السلوك المدنى، فهو يهتم أيضا بالانطلاق من المفاهيم الخاصة بالعلاقات الدولية، فى حين كان نظراؤه الأمريكيون ينطلقون فى معظم الأحيان من مفاهيم تطبق فى مجالات أخرى غير العلاقات الدولية مثل الصراع والقوة أما آرون فقد اهتم بتحديد الاختلاف بين سياسة القوة فى وسط تسوده مخاطر اللجوء إلى القوة من جانب الوحدات المتنافسة، وبين استخدام قوة الضغط التى تمارسها الدولة على مجموعة ما ويميز كذلك بين التوترات والصراعات أى أن مفهوم آرون عن النظم وقوتها الضاغطة أو الحاسمة فيما يتعلق بالوحدات التى تمثل العناصر المكونة لها هو مفهوم أكثر بساطة من مورتون كابلان مثلا وإذا قارنا ريمون آرون بالآخرين سنكتشف سلسلة من الاختلافات فهو يرفض اعتبار أن السعى إلى السلطة هو أساس كل السياسات ويميز أيضا بين القوة كوسيلة والقوة كهدف ومن ناحية أخرى يشك فى المفاهيم الجاهزة التى يمكن تطبيقها على جميع الحالات والتى تبدو فى البداية كما لو كانت تحدد خاصية السلوك الدبلوماسى الاستراتيجى، ثم نكتشف فيما بعد غموضها وخطورتها بالنسبة للتحليل مجال آخر يختلف فيه آرون عن المنظرين الأمريكيين هو إخضاع المفاهيم العامة للنقد التاريخى فالنظرية بالنسبة لآرون يجب أن تكمل علم الاجتماع التاريخى وتندمج فيه فى نفس الوقت أن آرون قد رفض دائما الأفكار التى تسعى إلى تفسير الظواهر المعقدة عن طريق عامل واحد لقد سعى دائما إلى فصل الأسباب العميقة عن الأحداث وإظهار كيف يمكن أن تلتقى سلسلة من الأحداث التاريخية التى لا علاقة لكل منها فتحدث كارثة ويظهر ذلك واضحا فى كتابة سلسلة الحروب الذى يحلل فيه أصول وديناميكية حرب 1914 كما أوضح فيما بعد فى كتابه عن الدبلوماسية الأمريكية السمة الحتمية للحرب الباردة والجانب المفاجئ غير المقصود لبعض تطوراتها مجال آخر يختلف فيه آرون عن الواقعيين الأمريكيين يتعلق بالفكرة المتكررة لدى هؤلاء بأولوية السياسة الخارجية فمن أجل بناء نظرية قوية للعلاقات الدولية أراد المنظر الأمريكى المعاصر الذى ينتمى إلى هذه المدرسة أن يحصرها فى العلاقات بين هياكل النظم والروابط التى تربط بين بعضها البعض، وهو ما يؤدى إلى استبعاد أى اعتبار للنظم الفرعية التى تشكل الإدارات السياسية والاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والأفكار داخل الوحداتوإذا كان ريمون آرون قد تناول بشكل سريع فى بعض الأحيان المحددات الداخلية لسياسة خارجية كما فعل فى كتابه الجمهورية الإمبريالية إلا أنه أكد أن نظرية العلاقات الدولية تتضمن التمييز بين المتغيرات داخلية النمو والمتغيرات خارجية النمو، بل أن التشابه بين النظم أو بالعكس العداء بين النظم القائمة فى الدول هو الذى يملى التمييز بين النظم المتجانسة والنظم المتنافرة وينبع هذا التمييز من فكرة أن السلوك الخارج لا تمليه العلاقات القوى فقط، وكذلك نتيجة الصراعات المحدودة فى العصر النووى لا تمليها هى الأخرى علاقة القوة فقط كما حدث فى حرب فيتنام فهنا استطاعت الحكومة الأضعف أن تهزم الأقوى أن استحالة التوصل إلى الهدف السياسى أدى إلى هزيمة الطرف الأقوى ونجد أن آرون عندما يقوم بتحليل أثر الظروف الداخلية فى العلاقات الدولية يركز بوجه خاص على نقطتين هما: أهمية طبيعة النظام ذاته والعلاقة المعقدة بين الحروب الأهلية والحروب بين الدول للاختلاف الأخير بين آرون والواقعين المعاصرين يتعلق بالعلاقات بين النظام الدولى والنظام الاقتصادى العالمى ونلاحظ أن خلافاته مع هذه المدرسة تتسم بالتركيب، أما خلافه مع المفهوم الماركسى اللينينى ومع هذه الماركسية التى تدعى مدرسة التبعية فهو خلاف صريح وواضح تماما وقد هدم النظرية اللينينينة الإمبريالية مشيرا إلى جوانب الضعف منها وأكد على عدم منطقيتها، وأوضح أن الظواهر التى تدعى هذه النظرية شرحها يمكن تفسيرها بشكل آخر وقد ظل ريمون آرون على إخلاصه للمفهوم الذى وضعه فى مقدمته للفلسفة والتاريخ عام 1938 ويقول هوفمان أن لا أحد مثل آرون قد سعى بهذا الإصرار إلى فهم العنصر النووى للعلاقات الدولية وإلى أى مدى تأثرت السياسة العالمية باختراع أسلحة الدمار وكيف أن هذه الأسلحة إلى تثوير السياسة العالمية وكان آرون مقتنعا تمام الاقتناع نبأن نتائج ظهور أسلحة الدمار الأكيدة هى أن مفهوم توازن القوى لن يكون مجرد حسابات للآلات والمعدات التى تملكها الدول المتنافسة، فالتوازن الردعى لن يكون مؤكدا إلا عندما يكون لدى كل من المتنافسين نفس القدرة التى يملكها الآخر لكى يردع هجوما مباشرا أو تحريضا خارجيا وهذا يعنى أن تأتى الأسلحة فى المرتبة الأولى من الأهمية وليس عددها المتساوى
وثانيا: أن الردع هو علاقة بين اثنين اذن فإن التوازن الردع بعد توازن تكنيكى ونفسى، فالتصميم والإدارة يدخلان فى الحسابات تماما مثل القدرة الفنية، الأمر الثالث هو أن محاولة اللجوء إلى الحلفاء لإقامة التوازن لم تعد تنتفع كثيرا، فإذا استطاعت إحدى القوتين أن تدمر الأخرى دون أن تدمر بدورها أو على الأقل تضار ضررا بالغا، فلن يهم كثيرا فى ذلك الوقت أن يكون لدى الضحية حلفاء
رابعا: أن مصداقية أى ردع لا تنحصر فى مجرد حسابات عسكرية فلا بد من معرفة من يستطيع ردع من وكيف ولماذا وفى ظل أى ظروف، وهنا نحن فى مجال السياسة نتيجة خامسة للثورة النووية هى أن هذه الأسلحة المخيفة التى تعرض من يستخدمها لعمليات انتقامية فظيعة لا تشكل أداة جيدة للتخويف السياسى أن التهديد باستخدام الأسلحة النووية لبلوغ هدف ما لا يمكن أن يفكر فيه أى رجل دولة فهذه الأسلحة تستخدم فقط فى القضاء على نوايا استخدامها سواء كانت حقيقة أو مفترضة، ويرى آون أن الردع لا يمكن أن يكون علما بالمعنى الكامل، ليس فقط إلا الإدارة تلعب دورا كبيرا فيه ولكن لنه مادة الردع لا يمكن إبعاد خطر دون أن يؤدى ذلك إلى تصاعد خطر آخر فكلما كان التهديد هائلا كلما زادت لا معقوليته ما دام العدوان لكان نفس وسائل الدمار التى يستطيعان بها تدمير بعضهما حتى لو تعرض أى منهما للضربة الأولى لقد اعتبر ريمون آرون أن التحليل النظرى والاجتماعى للعلاقات الدولية لا بد وأن يصل إلى نتائج غير مؤكدة أو إلى مفاهيم ترتكز على شواهد معينة، أن السلوك الدبلوماسى الاستراتيجى غامض، وهذا الغموض يثير القضية الميكافيللية حول شرعية الوسائل أن النتائج المعيارية لنظرية آرون قد حددها تناقض تاريخ العنف مع مثاليات السلام أى تناقض الضغوط التى تثقل كاهل رجل الدولة المسئول عن مصالح بلاده فى عالم استخدام القوة فيه أمر ممكن وشرعى مع المطلب الأخلاقى الذى يعارض الفوضى الدموية ويتطلع إلى السلام العالمى أن آرون لم يبحث بشكل منتظم الإمكانيات المتاحة من أجل نوع من المصالحة بين هذا المطلب وهذه الضغوط وقد ضاق ذرعا بهذه المثالية التى تعطى الوصفات للخروج من الأزمة وتفترض أن المشكلة محلوله متجاهلة الثقل الهائل للضغوط هذه المثالية التى تسعى إلى تقويم سلوك أمة بالتركيز على عامل واحد داخلى دون تفهم العلاقة بين العوامل المختلفة الداخلية والخارجية أن آون مقتنع باستحالة وجود عالم يسود فيه السلام وليس هناك التزام خلقى بتحقيق المستحيل بل أن العنف هو الذى يسمح أحيانا ببقاء الدول حرة والدفاع ضد الشمولية والمحافظة على القيم الليبرالية ولكن هذا الرفض للأخلاقيات المثالية لم يذهب لدى آرون إلى حد آلا أخلاقية لقد كان مؤمنا بأخلاقيات الحكمة ويميز دائما بين ما هو عقلانى وما هو معقول فالسلوك الدبلوماسى الاستراتيجى لا يمكن إخضاعه للحسابات، فليس هناك حل حسابى يقوم بتعريف السلوك العقلانى بل هناك السلوك المعقول طالما أن الأمر يتعلق ببقاء الإنسانية فى العصر النووى إن أخلاقيات الحكمة هى أخلاقيات الاعتدال، الاعتدال تختفى تماما فى الحروب الأهلية لذلك يجب الحد من العنف فى العصر النووى أن آرون يدين إخضاع الأهداف السياسية للاعتبارات العسكرية إخضاعا كاملا والاستسلام غير المشروط لا بد من إبقاء نوع من الاتصال بين الخصوم ولتجنب أخطاء التهور فى عصر أسلحة أن مثل هذا التفاهم إذا استطعنا أن نسميه كذلك سيساعد على جعل الحروب فى حالة اندلاعها محدودة ويساعد أيضا على فرملة التصاعد فى اتجاه التطرف اذن تستلزم الحكمة فى عصر الذرة التطلع إلى أهداف يمكن بلغها، وليس إلى الانتصار الكامل وكذلك تستلزم الحكمة فيما يتعلق بالأسلحة الاستراتيجية الرد التدريجى وليس الانتقام الجماعى، لأن الرد التدريجى يستبعد نظرية كل شئ أو لا شئ ويؤدى إلى خفض التصاعد ومخاطر الحرب الشاملة وقد انتقد ريمون آرون القوة الضاربة الفرنسية فهو يرى أن مصير فرنسا لا ينفصل عن مصير بقية دول أوروبا الغربية أن القوة الفرنسية بمفردها لن تستطيع أن تتصدى لسفينة أوروبا وهكذا فإن فائدة القوة الفرنسية لا تشكل فى إسهامها فى الاستقلال القومى وإنما تتمثل إسهامها فى الفعالية الرادعة للقوة الأمريكية، أى لا قيمة لها، خارج حلف الأطلنطى أن هذه القوة بعيدا عن الحلف لن تستطيع أن تقدم إلى فرنسا سوى مهلة حتى تتكيف مع السفينة .
المصدر: السياسة الدولية
بقلم: ستانلي هوفمان سوسن حسين
إن غزارة أعمال ريمون وتلاحقها السريع كانت دائما سببا فى يأس من يريدون التعليق على هذه الأعمال والكتابة عنها ولكن هذه الأعمال قد توقفت الآن بعد وفاة صاحبها، وهذا سيتيح فرصة الدراسة المتعمقة لهذا إسهام العلمى الضخم ويتيح الفرصة أيضا أمام محاولة فصل أعماله التى تنقسم إلى قسمين: القسم المتعلق بنشاطه الصحفى وتعليقه على الأحداث التى كان يشعر أن من واجبه تفسيرها وتوضيحها للرأى العام والقسم المتعلق بناشطه كفليسوف تاريخ، وعالم اجتماعى، ومنظر، وناقد للفكر السياسى والاجتماعى المعاصر ويتناول مقال ستانلى هوفمان الإسهام العلمى لريمون آرون فى نظرية العلاقات الدولية فقط، فلا يتعرض لنشاطه الصحفى ولا لأعماله التى تأخذ شكل الرواية التاريخية ولا لتلك التى تنتمى إلى المجال النقدى لقد كانت السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول قبل آرون هى عمل المؤرخين والقانونيين وأيضا الاقتصاديين ولكن بدرجة أقل أن ريمون آرون هو الذى خلق نظام ذاتيا للعلاقات الدولية يقع فى مفترق الطرق بين التاريخ والقانون والاقتصاد وكذلك علم السياسة والاجتماع ويتميز بما نستطيع أن نطلق عليه مجموعة من الأفكار المترابطة الدقيقة التى تهدف إلى تفسير القواعد الثابتة والأشكال المتغيرة لنموذج جديد من الأفعال: أى ذلك الذى يقوم به على المسرح العالمى الدبلوماسيون والعسكريون، وبمعنى آخر السلوك الدبلوماسى الاستراتيجى وكانت قوانين ونماذج هذا السلوك موضوعا لدراسات هامة فى الولايات المتحدة فى ذلك الوقت ولم يكف آرون عن التحاور والمجادلة مع زملائه عبر الأطلنطى وكثيرا ما كان يتفوق على هؤلاء بنظرية الأشمل ونظمه التى تتميز بالمرونة يقول هوفمان أن طموح آرون كانت له سمة غريبة تميزه تماما عن غيره من المنظرين للعلاقات الدولية، وهى أن فكره كان جريئا وبسيطا فى نفس الوقت تتمثل جرأة هذا الفكر فى رغبته فى أن يقدم نظرية عامة انطلاقا من الحقائق التى تصنع خاصية العلاقات الدولية وقد كان تحليل النظم متقدما جدا فى الولايات المتحدة فى نهاية الخمسينات ولكن تحليل آرون كان مبتكرا، فهو إلى جانب اهتمامه بخاصية العلاقات الدولية والاختلاف الجوهرى بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية وبين النموذج الأمثل للسلوك الدبلوماسى الاستراتيجى والنموذج الأمثل لما نسميه السلوك المدنى، فهو يهتم أيضا بالانطلاق من المفاهيم الخاصة بالعلاقات الدولية، فى حين كان نظراؤه الأمريكيون ينطلقون فى معظم الأحيان من مفاهيم تطبق فى مجالات أخرى غير العلاقات الدولية مثل الصراع والقوة أما آرون فقد اهتم بتحديد الاختلاف بين سياسة القوة فى وسط تسوده مخاطر اللجوء إلى القوة من جانب الوحدات المتنافسة، وبين استخدام قوة الضغط التى تمارسها الدولة على مجموعة ما ويميز كذلك بين التوترات والصراعات أى أن مفهوم آرون عن النظم وقوتها الضاغطة أو الحاسمة فيما يتعلق بالوحدات التى تمثل العناصر المكونة لها هو مفهوم أكثر بساطة من مورتون كابلان مثلا وإذا قارنا ريمون آرون بالآخرين سنكتشف سلسلة من الاختلافات فهو يرفض اعتبار أن السعى إلى السلطة هو أساس كل السياسات ويميز أيضا بين القوة كوسيلة والقوة كهدف ومن ناحية أخرى يشك فى المفاهيم الجاهزة التى يمكن تطبيقها على جميع الحالات والتى تبدو فى البداية كما لو كانت تحدد خاصية السلوك الدبلوماسى الاستراتيجى، ثم نكتشف فيما بعد غموضها وخطورتها بالنسبة للتحليل مجال آخر يختلف فيه آرون عن المنظرين الأمريكيين هو إخضاع المفاهيم العامة للنقد التاريخى فالنظرية بالنسبة لآرون يجب أن تكمل علم الاجتماع التاريخى وتندمج فيه فى نفس الوقت أن آرون قد رفض دائما الأفكار التى تسعى إلى تفسير الظواهر المعقدة عن طريق عامل واحد لقد سعى دائما إلى فصل الأسباب العميقة عن الأحداث وإظهار كيف يمكن أن تلتقى سلسلة من الأحداث التاريخية التى لا علاقة لكل منها فتحدث كارثة ويظهر ذلك واضحا فى كتابة سلسلة الحروب الذى يحلل فيه أصول وديناميكية حرب 1914 كما أوضح فيما بعد فى كتابه عن الدبلوماسية الأمريكية السمة الحتمية للحرب الباردة والجانب المفاجئ غير المقصود لبعض تطوراتها مجال آخر يختلف فيه آرون عن الواقعيين الأمريكيين يتعلق بالفكرة المتكررة لدى هؤلاء بأولوية السياسة الخارجية فمن أجل بناء نظرية قوية للعلاقات الدولية أراد المنظر الأمريكى المعاصر الذى ينتمى إلى هذه المدرسة أن يحصرها فى العلاقات بين هياكل النظم والروابط التى تربط بين بعضها البعض، وهو ما يؤدى إلى استبعاد أى اعتبار للنظم الفرعية التى تشكل الإدارات السياسية والاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والأفكار داخل الوحداتوإذا كان ريمون آرون قد تناول بشكل سريع فى بعض الأحيان المحددات الداخلية لسياسة خارجية كما فعل فى كتابه الجمهورية الإمبريالية إلا أنه أكد أن نظرية العلاقات الدولية تتضمن التمييز بين المتغيرات داخلية النمو والمتغيرات خارجية النمو، بل أن التشابه بين النظم أو بالعكس العداء بين النظم القائمة فى الدول هو الذى يملى التمييز بين النظم المتجانسة والنظم المتنافرة وينبع هذا التمييز من فكرة أن السلوك الخارج لا تمليه العلاقات القوى فقط، وكذلك نتيجة الصراعات المحدودة فى العصر النووى لا تمليها هى الأخرى علاقة القوة فقط كما حدث فى حرب فيتنام فهنا استطاعت الحكومة الأضعف أن تهزم الأقوى أن استحالة التوصل إلى الهدف السياسى أدى إلى هزيمة الطرف الأقوى ونجد أن آرون عندما يقوم بتحليل أثر الظروف الداخلية فى العلاقات الدولية يركز بوجه خاص على نقطتين هما: أهمية طبيعة النظام ذاته والعلاقة المعقدة بين الحروب الأهلية والحروب بين الدول للاختلاف الأخير بين آرون والواقعين المعاصرين يتعلق بالعلاقات بين النظام الدولى والنظام الاقتصادى العالمى ونلاحظ أن خلافاته مع هذه المدرسة تتسم بالتركيب، أما خلافه مع المفهوم الماركسى اللينينى ومع هذه الماركسية التى تدعى مدرسة التبعية فهو خلاف صريح وواضح تماما وقد هدم النظرية اللينينينة الإمبريالية مشيرا إلى جوانب الضعف منها وأكد على عدم منطقيتها، وأوضح أن الظواهر التى تدعى هذه النظرية شرحها يمكن تفسيرها بشكل آخر وقد ظل ريمون آرون على إخلاصه للمفهوم الذى وضعه فى مقدمته للفلسفة والتاريخ عام 1938 ويقول هوفمان أن لا أحد مثل آرون قد سعى بهذا الإصرار إلى فهم العنصر النووى للعلاقات الدولية وإلى أى مدى تأثرت السياسة العالمية باختراع أسلحة الدمار وكيف أن هذه الأسلحة إلى تثوير السياسة العالمية وكان آرون مقتنعا تمام الاقتناع نبأن نتائج ظهور أسلحة الدمار الأكيدة هى أن مفهوم توازن القوى لن يكون مجرد حسابات للآلات والمعدات التى تملكها الدول المتنافسة، فالتوازن الردعى لن يكون مؤكدا إلا عندما يكون لدى كل من المتنافسين نفس القدرة التى يملكها الآخر لكى يردع هجوما مباشرا أو تحريضا خارجيا وهذا يعنى أن تأتى الأسلحة فى المرتبة الأولى من الأهمية وليس عددها المتساوى
وثانيا: أن الردع هو علاقة بين اثنين اذن فإن التوازن الردع بعد توازن تكنيكى ونفسى، فالتصميم والإدارة يدخلان فى الحسابات تماما مثل القدرة الفنية، الأمر الثالث هو أن محاولة اللجوء إلى الحلفاء لإقامة التوازن لم تعد تنتفع كثيرا، فإذا استطاعت إحدى القوتين أن تدمر الأخرى دون أن تدمر بدورها أو على الأقل تضار ضررا بالغا، فلن يهم كثيرا فى ذلك الوقت أن يكون لدى الضحية حلفاء
رابعا: أن مصداقية أى ردع لا تنحصر فى مجرد حسابات عسكرية فلا بد من معرفة من يستطيع ردع من وكيف ولماذا وفى ظل أى ظروف، وهنا نحن فى مجال السياسة نتيجة خامسة للثورة النووية هى أن هذه الأسلحة المخيفة التى تعرض من يستخدمها لعمليات انتقامية فظيعة لا تشكل أداة جيدة للتخويف السياسى أن التهديد باستخدام الأسلحة النووية لبلوغ هدف ما لا يمكن أن يفكر فيه أى رجل دولة فهذه الأسلحة تستخدم فقط فى القضاء على نوايا استخدامها سواء كانت حقيقة أو مفترضة، ويرى آون أن الردع لا يمكن أن يكون علما بالمعنى الكامل، ليس فقط إلا الإدارة تلعب دورا كبيرا فيه ولكن لنه مادة الردع لا يمكن إبعاد خطر دون أن يؤدى ذلك إلى تصاعد خطر آخر فكلما كان التهديد هائلا كلما زادت لا معقوليته ما دام العدوان لكان نفس وسائل الدمار التى يستطيعان بها تدمير بعضهما حتى لو تعرض أى منهما للضربة الأولى لقد اعتبر ريمون آرون أن التحليل النظرى والاجتماعى للعلاقات الدولية لا بد وأن يصل إلى نتائج غير مؤكدة أو إلى مفاهيم ترتكز على شواهد معينة، أن السلوك الدبلوماسى الاستراتيجى غامض، وهذا الغموض يثير القضية الميكافيللية حول شرعية الوسائل أن النتائج المعيارية لنظرية آرون قد حددها تناقض تاريخ العنف مع مثاليات السلام أى تناقض الضغوط التى تثقل كاهل رجل الدولة المسئول عن مصالح بلاده فى عالم استخدام القوة فيه أمر ممكن وشرعى مع المطلب الأخلاقى الذى يعارض الفوضى الدموية ويتطلع إلى السلام العالمى أن آرون لم يبحث بشكل منتظم الإمكانيات المتاحة من أجل نوع من المصالحة بين هذا المطلب وهذه الضغوط وقد ضاق ذرعا بهذه المثالية التى تعطى الوصفات للخروج من الأزمة وتفترض أن المشكلة محلوله متجاهلة الثقل الهائل للضغوط هذه المثالية التى تسعى إلى تقويم سلوك أمة بالتركيز على عامل واحد داخلى دون تفهم العلاقة بين العوامل المختلفة الداخلية والخارجية أن آون مقتنع باستحالة وجود عالم يسود فيه السلام وليس هناك التزام خلقى بتحقيق المستحيل بل أن العنف هو الذى يسمح أحيانا ببقاء الدول حرة والدفاع ضد الشمولية والمحافظة على القيم الليبرالية ولكن هذا الرفض للأخلاقيات المثالية لم يذهب لدى آرون إلى حد آلا أخلاقية لقد كان مؤمنا بأخلاقيات الحكمة ويميز دائما بين ما هو عقلانى وما هو معقول فالسلوك الدبلوماسى الاستراتيجى لا يمكن إخضاعه للحسابات، فليس هناك حل حسابى يقوم بتعريف السلوك العقلانى بل هناك السلوك المعقول طالما أن الأمر يتعلق ببقاء الإنسانية فى العصر النووى إن أخلاقيات الحكمة هى أخلاقيات الاعتدال، الاعتدال تختفى تماما فى الحروب الأهلية لذلك يجب الحد من العنف فى العصر النووى أن آرون يدين إخضاع الأهداف السياسية للاعتبارات العسكرية إخضاعا كاملا والاستسلام غير المشروط لا بد من إبقاء نوع من الاتصال بين الخصوم ولتجنب أخطاء التهور فى عصر أسلحة أن مثل هذا التفاهم إذا استطعنا أن نسميه كذلك سيساعد على جعل الحروب فى حالة اندلاعها محدودة ويساعد أيضا على فرملة التصاعد فى اتجاه التطرف اذن تستلزم الحكمة فى عصر الذرة التطلع إلى أهداف يمكن بلغها، وليس إلى الانتصار الكامل وكذلك تستلزم الحكمة فيما يتعلق بالأسلحة الاستراتيجية الرد التدريجى وليس الانتقام الجماعى، لأن الرد التدريجى يستبعد نظرية كل شئ أو لا شئ ويؤدى إلى خفض التصاعد ومخاطر الحرب الشاملة وقد انتقد ريمون آرون القوة الضاربة الفرنسية فهو يرى أن مصير فرنسا لا ينفصل عن مصير بقية دول أوروبا الغربية أن القوة الفرنسية بمفردها لن تستطيع أن تتصدى لسفينة أوروبا وهكذا فإن فائدة القوة الفرنسية لا تشكل فى إسهامها فى الاستقلال القومى وإنما تتمثل إسهامها فى الفعالية الرادعة للقوة الأمريكية، أى لا قيمة لها، خارج حلف الأطلنطى أن هذه القوة بعيدا عن الحلف لن تستطيع أن تقدم إلى فرنسا سوى مهلة حتى تتكيف مع السفينة .