ضرورة العقلانية السياسية العربية
مرسل: الجمعة مايو 03, 2013 6:13 pm
ضرورة العقلانية السياسية العربية
للكاتب : شاكر النابلسي
-1-
على العقلانية السياسية التي تنطلق من الحساب المنطقي للأرباح والخسائر، أن تستوطن العقل العربي السياسي. وألا يكون هناك مجال للرغبات الجامحة والتخيلات الهاذية وغرائز الموت في السياسة العربية المتصدية للسلام العربي – الإسرائيلي، خصوصاً أن أميركا تبدو جادة هذه المرة لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط كما جاء على لسان وزير خارجيتها جون كيري.
إن إظهار المجتمع المدني العربي - وخاصة من جانب الفنانين والمثقفين والصحفيين - مشاعر ودية نحو الآخر ، يُكسب المفاوض العربي ثقة الرأي العام الغربي باعتباره قوة ضاغطة على حكامه. فالمحتلون يعيشون في الخوف منذ ألفي عام. وهم الآن خائفون من أن يبيدهم العرب. والحكومات العربية محقة في ألا تعترف بإسرائيل إلا بعد السلام الكامل، في حين أن على المثقفين أن يبنوا الثقة المفقودة.
-2-
في الجانب الآخر، وبما أن أميركا هي التي تملك مفاتيح السلام في الشرق الأوسط، وتسعى إلى تحقيق هذا السلام لأسباب كثيرة، فإن عليها أن تنتقل وتنقل معها حلفاءها من خانة المشاريع الأمنية إلى خانة مشاريع السلام. وعلى أوروبا وباقي دول العالم أن تضغط على أميركا وإسرائيل لتحقيق ذلك. فالهاجس الأمني الإسرائيلي ما زال هو الشغل الشاغل لأميركا وإسرائيل معاً.
-3-
إن أميركا وإسرائيل وباقي دول العالم، لن تستطيع أن تفعل شيئاً للسلام في الشرق الأوسط ما لم يتعاون الفلسطينيون معهم. فليست إسرائيل وحدها هي المطالبة بتقديم تنازلات للسكان الفلسطينيين بل السلطة الفلسطينية أيضاً، وذلك بإصلاح الفساد السياسي والمالي الذي ينخر في السلطة الفلسطينية من الداخل، وبإيقاف نهب رجالها للمال العام وللمساعدات التي يقدمها العالم للسكان، فلا يصلهم منها إلا الفتات، وإجراء انتخابات شرعية، وتكوين حكومة تضم الفئات التي تقبل بالتفاوض. كما تضم ممثلي الأجيال الشابة المحرومة من المشاركة في الحياة السياسية، التي احتكرها من تربى في أحضان الحرب الباردة السياسية. ووجدوا مصاعب للتكيف مع عصر ما بعد نهاية هذه الحرب الباردة، خصوصاً مع حقبة ما بعد 11 سبتمبر، التي جعلت اللعب بالإرهاب لعباً بالنار.
-4-
وكيفما تحقق السلام، فله ديناميكيته الخاصة التي ستقود إلى المصالحة التي لن تتحقق طالما الشعب الفلسطيني لا يستطيع الاعتراف بالآخر الذي يذله ويحتله. فالمصالحة الإسرائيلية - العربية، والإسرائيلية – الفلسطينية من أهم الشروط لتحديث الشرق الأوسط الذي ما زال ببُناه الاجتماعية والذهنية يعيش في القرون الوسطى. ولا أحد يستطيع أن ينكر الآن، من أنه بدون مساعدة دولية خارجية فلا عملية سلام ناجحة ستكون في الشرق الأوسط، وذلك في ظل تقاطع المصالح التي يفهمها جانب من الفكر السياسي العربي العقلاني والواقعي المعاصر على النحو التالي:
1- منذ مطلع القرن العشرين، كانت الأسباب الموجبة للتدخل الخارجي الذي غلب عليه شكل الحرب أسباباً قومية. ومع نهاية الحرب الباردة جدَّ جديد، وهو تقاطع المصلحة القومية مع المصلحة الكونية في التدخل الخارجي.
2- ما زال الوعي السياسي المؤثث بردود الفعل التلقائية أو القومية لم يهضم بعد هذا المفهوم الجديد. وعموماً فإن المصلحة القومية عمياء وحصرية ومعادية للأجنبي، لكنها عندما تتقاطع في قاسم مشترك مع مصالح عدة بلدان أو جميع البلدان بما فيها مصلحة البلد المستهدف بالتدخل التي استهتر بها حكمه الفردي، تكفُّ عن التعارض مع المصلحة البشرية، خاصة في عصر العولمة الذي اندمجت فيه مصالح الاقتصاديات القومية في اقتصاد عالمي، ولم تعد السيادة الحصرية ملائمة لمعالجة المشاكل التي تأخذ بخناق البشرية.
3- تشابكت مصالح جميع الأمم سواء فيما يخصّ الاستقرار الإقليمي والدولي، أم سلامة البيئة أم احترام حقوق الإنسان والأقليات والتداول الديموقراطي إلى درجة أن كل مصلحة قومية مفهومة فهماً صحيحاً، أصبحت الآن مصلحة إقليمية أو دولية بدرجة أو بأخرى، وبإمكان أية أمة أن تتعرف على نفسها فيها، ما لم تعصف الهستيريا الجماعية بتوازنها النفسي، وذكائها الجمعي، وحُسن تدبيرها. فلو تدخلت أميركا عام 2000 لفرض مقترحات كلينتون على قمة الراحل عرفات - يهودا باراك، التي رفضها الراحل عرفات ارتجالاً، ثم عاد فقبلها ارتجالاً أيضاً في يونيو 2002، بعد أن ضاعت الفرصة، وتغيرت الموازين السياسية، لوفّر على الفلسطينيين التدمير الهائل الذي يتعرضون له الآن. ولكان تدخل أميركا مشروعاً في فرض هذا السلام فرضاً لأن مصلحة أميركا تتقاطع في هذا السلام مع مصلحة شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني المتضرر الأول من رفض حاكمه المنفرد بالقرار، لإنهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني للتفرغ إلى مهام التنمية المستدامة.
4- وهذا يتطابق تماماً مع ما قاله وزير الخارجية الأميركية السابق (كولن باول) في مؤسسة هاريتاج في ديسمبر 2002 من أن مصلحة أميركا تقتضي نشر السلام في الشرق الأوسط وتغيير الشرق الأوسط كذلك. ومن أن الوقت قد حان لبناء أسس الأمل في هذه المنطقة التي تحكمها أنظمة سياسية مغلقة، حرمت شعوبها من ثمار ثورة انتشار الديموقراطية والأسواق الحرة، بما فيها التعليم المنفتح، والفرص الاقتصادية، والحقوق الاجتماعية، والضمانات القانونية، التي تتمتع بها شعوب مناطق أخرى من العالم.
5- وهذا الجانب من الفكر السياسي العقلاني المعاصر، لا ينكر دور التعليم في تمهيد الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط. ويؤكد أن على الأمم المتحدة ممثلة في لجنة حقوق الإنسان فيها، أن تفرض إدراج مادة حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، والمرأة، والمواطن، في برامج التعليم في العالم العربي. فلا شيء مُجدٍ كتدريس حقوق الإنسان لمكافحة التعصب، واحتقار الحياة، اللذين يتعلمهما الصغار منذ نعومة أظفارهم. ولا غنى أيضاً عن إدخال العلوم الإنسانية إلى جميع فروع التعليم خاصة العلمية.
المصدر : صحيفة الوطن الألكترونية
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Deta ... leID=16546
للكاتب : شاكر النابلسي
-1-
على العقلانية السياسية التي تنطلق من الحساب المنطقي للأرباح والخسائر، أن تستوطن العقل العربي السياسي. وألا يكون هناك مجال للرغبات الجامحة والتخيلات الهاذية وغرائز الموت في السياسة العربية المتصدية للسلام العربي – الإسرائيلي، خصوصاً أن أميركا تبدو جادة هذه المرة لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط كما جاء على لسان وزير خارجيتها جون كيري.
إن إظهار المجتمع المدني العربي - وخاصة من جانب الفنانين والمثقفين والصحفيين - مشاعر ودية نحو الآخر ، يُكسب المفاوض العربي ثقة الرأي العام الغربي باعتباره قوة ضاغطة على حكامه. فالمحتلون يعيشون في الخوف منذ ألفي عام. وهم الآن خائفون من أن يبيدهم العرب. والحكومات العربية محقة في ألا تعترف بإسرائيل إلا بعد السلام الكامل، في حين أن على المثقفين أن يبنوا الثقة المفقودة.
-2-
في الجانب الآخر، وبما أن أميركا هي التي تملك مفاتيح السلام في الشرق الأوسط، وتسعى إلى تحقيق هذا السلام لأسباب كثيرة، فإن عليها أن تنتقل وتنقل معها حلفاءها من خانة المشاريع الأمنية إلى خانة مشاريع السلام. وعلى أوروبا وباقي دول العالم أن تضغط على أميركا وإسرائيل لتحقيق ذلك. فالهاجس الأمني الإسرائيلي ما زال هو الشغل الشاغل لأميركا وإسرائيل معاً.
-3-
إن أميركا وإسرائيل وباقي دول العالم، لن تستطيع أن تفعل شيئاً للسلام في الشرق الأوسط ما لم يتعاون الفلسطينيون معهم. فليست إسرائيل وحدها هي المطالبة بتقديم تنازلات للسكان الفلسطينيين بل السلطة الفلسطينية أيضاً، وذلك بإصلاح الفساد السياسي والمالي الذي ينخر في السلطة الفلسطينية من الداخل، وبإيقاف نهب رجالها للمال العام وللمساعدات التي يقدمها العالم للسكان، فلا يصلهم منها إلا الفتات، وإجراء انتخابات شرعية، وتكوين حكومة تضم الفئات التي تقبل بالتفاوض. كما تضم ممثلي الأجيال الشابة المحرومة من المشاركة في الحياة السياسية، التي احتكرها من تربى في أحضان الحرب الباردة السياسية. ووجدوا مصاعب للتكيف مع عصر ما بعد نهاية هذه الحرب الباردة، خصوصاً مع حقبة ما بعد 11 سبتمبر، التي جعلت اللعب بالإرهاب لعباً بالنار.
-4-
وكيفما تحقق السلام، فله ديناميكيته الخاصة التي ستقود إلى المصالحة التي لن تتحقق طالما الشعب الفلسطيني لا يستطيع الاعتراف بالآخر الذي يذله ويحتله. فالمصالحة الإسرائيلية - العربية، والإسرائيلية – الفلسطينية من أهم الشروط لتحديث الشرق الأوسط الذي ما زال ببُناه الاجتماعية والذهنية يعيش في القرون الوسطى. ولا أحد يستطيع أن ينكر الآن، من أنه بدون مساعدة دولية خارجية فلا عملية سلام ناجحة ستكون في الشرق الأوسط، وذلك في ظل تقاطع المصالح التي يفهمها جانب من الفكر السياسي العربي العقلاني والواقعي المعاصر على النحو التالي:
1- منذ مطلع القرن العشرين، كانت الأسباب الموجبة للتدخل الخارجي الذي غلب عليه شكل الحرب أسباباً قومية. ومع نهاية الحرب الباردة جدَّ جديد، وهو تقاطع المصلحة القومية مع المصلحة الكونية في التدخل الخارجي.
2- ما زال الوعي السياسي المؤثث بردود الفعل التلقائية أو القومية لم يهضم بعد هذا المفهوم الجديد. وعموماً فإن المصلحة القومية عمياء وحصرية ومعادية للأجنبي، لكنها عندما تتقاطع في قاسم مشترك مع مصالح عدة بلدان أو جميع البلدان بما فيها مصلحة البلد المستهدف بالتدخل التي استهتر بها حكمه الفردي، تكفُّ عن التعارض مع المصلحة البشرية، خاصة في عصر العولمة الذي اندمجت فيه مصالح الاقتصاديات القومية في اقتصاد عالمي، ولم تعد السيادة الحصرية ملائمة لمعالجة المشاكل التي تأخذ بخناق البشرية.
3- تشابكت مصالح جميع الأمم سواء فيما يخصّ الاستقرار الإقليمي والدولي، أم سلامة البيئة أم احترام حقوق الإنسان والأقليات والتداول الديموقراطي إلى درجة أن كل مصلحة قومية مفهومة فهماً صحيحاً، أصبحت الآن مصلحة إقليمية أو دولية بدرجة أو بأخرى، وبإمكان أية أمة أن تتعرف على نفسها فيها، ما لم تعصف الهستيريا الجماعية بتوازنها النفسي، وذكائها الجمعي، وحُسن تدبيرها. فلو تدخلت أميركا عام 2000 لفرض مقترحات كلينتون على قمة الراحل عرفات - يهودا باراك، التي رفضها الراحل عرفات ارتجالاً، ثم عاد فقبلها ارتجالاً أيضاً في يونيو 2002، بعد أن ضاعت الفرصة، وتغيرت الموازين السياسية، لوفّر على الفلسطينيين التدمير الهائل الذي يتعرضون له الآن. ولكان تدخل أميركا مشروعاً في فرض هذا السلام فرضاً لأن مصلحة أميركا تتقاطع في هذا السلام مع مصلحة شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني المتضرر الأول من رفض حاكمه المنفرد بالقرار، لإنهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني للتفرغ إلى مهام التنمية المستدامة.
4- وهذا يتطابق تماماً مع ما قاله وزير الخارجية الأميركية السابق (كولن باول) في مؤسسة هاريتاج في ديسمبر 2002 من أن مصلحة أميركا تقتضي نشر السلام في الشرق الأوسط وتغيير الشرق الأوسط كذلك. ومن أن الوقت قد حان لبناء أسس الأمل في هذه المنطقة التي تحكمها أنظمة سياسية مغلقة، حرمت شعوبها من ثمار ثورة انتشار الديموقراطية والأسواق الحرة، بما فيها التعليم المنفتح، والفرص الاقتصادية، والحقوق الاجتماعية، والضمانات القانونية، التي تتمتع بها شعوب مناطق أخرى من العالم.
5- وهذا الجانب من الفكر السياسي العقلاني المعاصر، لا ينكر دور التعليم في تمهيد الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط. ويؤكد أن على الأمم المتحدة ممثلة في لجنة حقوق الإنسان فيها، أن تفرض إدراج مادة حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، والمرأة، والمواطن، في برامج التعليم في العالم العربي. فلا شيء مُجدٍ كتدريس حقوق الإنسان لمكافحة التعصب، واحتقار الحياة، اللذين يتعلمهما الصغار منذ نعومة أظفارهم. ولا غنى أيضاً عن إدخال العلوم الإنسانية إلى جميع فروع التعليم خاصة العلمية.
المصدر : صحيفة الوطن الألكترونية
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Deta ... leID=16546