صفحة 1 من 1

فـــن التعـامل مــع النــاس .

مرسل: السبت مايو 04, 2013 2:16 am
بواسطة عبد الله الشمري80
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد:
فلما كانت الدعوة إلى الله عز وجل تحتاج من الداعية حسن التعامل والسياسة مع من يتعامل معه؛ لذلك اعتنت المؤسسات التربوية بهذا الموضوع وقدمته للمنتمين إليها, تحت عنوانين عدة تندرج ضمن هذا الموضوع , وكان أصل هذا الموضوع دورة ألقيت على مجموعة من الطلاب .
وكان من فضل الله علي أن يسر لي نسخة من مادة الدورة فقمت بكتابتها والإضافة عليها وترتيبها أسأل الله أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم. إنه جواد كريم.وبعد:
فإن موضوع فن التعامل مع الإنسان - كبيرٌ جداً - تعتني به كل الشعوب في العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية .
ولدى الغربيين معاهد خاصةٌ يُدرَّسُ فيها ما يسمى بالمهارات الاجتماعية. كيف يتحدث الإنسان؟ كيف يكسب الثقة بنفسه؟ كيف يكون لبِقاً في الحديث مع الناس؟. والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب ,ومنها آداب التعامل ,وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله عليهم الصلاة والسلام جميعاً.
ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن يستفيدوا منها ولم يتجاوزوا حتى الآن مرحلة التنظير (مرحلة الفكر) يقال: من آداب الصحبة كذا, ومن آداب العشرة كذا, ومن آداب الحديث كذا. وقليلٌ من الناس من يتدرب ويُدرِّب قومه. فليس هناك تدريبٌ عملي إلا نادراً فالقالب هو التعليم وليس التربية, والتدريب العملي هو المطلوب (1) .وهو محور الكلام في هذا البحث:

عناصر البحث:
• اختلاف الطباع وأساليب التعامل .
• التعامل مع الإنسان .
• الدوافع التي تحرك المسلم إلى حسن التعامل .
• قواعد ثابتة في التعامل .
• الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك.
• كيف تكسب الآخرين وتؤثر في الناس ؟ (أساليب التعامل).
• خاتمة.

أولاً : اختلاف الطباع وأساليب التعامل:
الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفوا الطبائع والرغبات والميول. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا, والأرواح جنودٌ مجندةٌ, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" (2).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك, والسهل والحزن والخبيث والطيب" (3).

وتمثل بعض الشعراء بهذا المعنى, فقال:

الناس كالأرض ومنها هُُمُ *** فمن خَشنِ الطبع ومن ليِّنِ
فجنـدلٌ تدمـى بـه أرجـلٌ *** وإثـمدٌ يـُوضـع في الأعـينِ

ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم. فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره. لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ).
فكان شأنه صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم.ففي فتح مكة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المنادي أن يعلن في الناس أن من دخل المسجد الحرام فهو آمن, ومن دخل بيته فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن..., ألا ترى أن دار أبي سفيان لم يكن لها ما يميزها عن دُور أهل مكة, وأن دخول هذه الدار أو غيرها سيّان ؟.
ومنها توزيعه صلى الله عليه وسلم بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ دون أناس.وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلٌّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون ,ومعرفة الدخول إلى قلوبهم (4) .

ثانياً :التعامل مع الإنسان:
الإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة قضايا ,فهو ليس آلةً من الآلات, وإنما هو إنسانٌ بروحه وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها .وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الإنسان في الجانب الدعوي مثلاً: إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو الفعل فقط دون أن يهتموا بمشاعر الإنسان الذي يتعاملون معه. كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم: كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟, ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب المشاعر.
كثيرٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الإنسان, ولكن لابد من التركيز عليها كاملةً حتى يكون التعامل مع الإنسان شاملاً ومؤثراً. هذا التعامل الذي أكتب عنه يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الكلام, أو طريقة الكلام, أو السلوك المصاحب للكلام, فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلبه, وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه . شخصٌ يقول: جزاك الله خيراً. وثانٍ يقول: الله يجزيك الخير (5). وثالثٌ يقول: جزاك الله خيراً (6).
فستشعر أن الثاني والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما, وهذا يحتاج إلى تدريبٍ و إلى ممارسةٍ, فإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقدرك, فهذا يختلف عن إنسانٍ يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر, حتى إذا سكت عن الحوار قال لك : تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً. إن هذا غير مهتمٍ بك.
تلك أمثلةٌ متعلقةٌ بالسلوك المصاحب للكلام (7).
وهناك أمثلةٌ تتعلق بمحتوى الكلام أو طريقته أو كيفية التعامل العملي مع الناس تأتي ـ إن شاء الله ـ ضمن البحث والمهم أن يتم التدريب العملي على كيفية التعامل.

ثالثاً : الدوافع التي تُحرِّك المسلم إلى حُسنِ التعامل:
أولاً: أن يكون من خير الناس أو خيرهم:
فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته, وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم.يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"خير الناس أحسنهم خُلُقاً" (8) فالمسلم لايُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة,إنما لكسب رضا الله عز وجل, وهنا تستمر الأخلاق سواءاً رضي الناس أم لم يرضوا , تحسنت العلاقة أم لم تتحسن , كسب الود أم لم يكسب ,فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ, وهذا هو ضمان الاستمرارية. ويقول صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار " (9) ,ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"المؤمن يألف ويؤلف ولاخير فيمن لا يألف ولا يؤلف , وخير الناس أنفعهم للناس " (10) .

ثانياً: الأخلاق الحسنة مأمورٌ بها :
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نلتزم الحكمة في التعامل مع الناس وهذا عينُ العقل. يقول الله عز وجل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ".
والموعظة الحسنة هي محتوى الكلام الذي يدعو إلى شيء طيب .
وقد وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليِّن الجانب, وهو إن لم يكن كذلك لخسر الناس ولانفضوا من حوله وهم الصحابة رضي الله عنهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ,فلم يقل صلى الله عليه وسلم من أراد فليأت ,ومن لم يرد فلا يهمنا أمره,إنما كان حريصاً عليهم. يقول تعالى:"فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". أي لو كنت يامحمد يا رسول الله فضاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر " فإن من وسائل المعاملة الحسنة: أن تعفو عنهم, وتستغفر لهم. أي: أن تتجاوز عن الأخطاء وتغض الطرف عنها وتستغفر لهم. فتلك وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية السلوك الطيب فيهم. وتشاورهم في الأمر أي: تحترم رأيهم وتقدرهم وتعطيهم شيئاً من القيمة عندما تتعامل معهم, فما أسهل الناس وأنت تشاورهم, وما أقربهم منك وأنت تقدرهم. يقول ميمون بن مهران:"التودد إلى الناس نصف العقل " فالذي يتودد إلى الناس يعتبر مسلكه هذا نصف العقل ولكن بشرط أن يكون ودوداً وعاقلاً (11).

رابعاً: قواعد ثابتة في التعامل:
هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة, يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره . لنتعلم هذه القواعد أو بعضها حتى نمارسها عملياً وقد تمتد تلك الممارسة إلى سنواتٍ حتى نتخلص من طبع سيءٍ يكرهه الناس, أو نكتسب طبعاً طيباً يحبه الناس فمن هذه القواعد المشتركة:
1ـ أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل مع الأسوياء من الناس, أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية. فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف, والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
2ـ تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة: الوالد مع ولده, الزوج مع زوجته, الرئيس مع مرؤوسه, والعكس.
3ـ أن التعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول. فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم, فالحديث معه يكون مناسباً لطبيعته وقدرته على الفهم.
4ـ يختلف أسلوب التعامل أيضا باختلاف الشخصية. فطريقة التعامل من شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ, فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم.

خامساً: الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك:
يقول المؤلف دايل كارنيجي:"من هواياتي أن اصطاد السمك, وبمقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته في السنارة أفخر أنواع الأطعمة, لكني أفضل استعمالي طعوم الديدان على الدوام, ذلك أنني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة, فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم... وهو يفضل الديدان فإذا أردت اصطياده قدَّمت له مايرغب فيه .
والآن . لماذا لا نجرب الطُعُومَ مع الناس ؟
لقد سئل لويد جورج السياسي البريطاني الداهية, عما أبقاه في دفَّة الحكم مع أن معاصريه من رجال الدول الأوربية الأخرى لم يستطيعوا الصمود مثله, فقال: ( إنني أُلائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك ).
والواقع أن "الطُعم" هذا مهمٌ للغاية... ذلك أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت, فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم, وتعبر عما في نفسك من زاويتهم وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم , أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية, اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم " (12) .

سادساً: أساليب التعامل مع الناس :
في هذا العنصر أتطرق إلى بعض القضايا التي يحبها الناس وبعض القضايا التي يكرهونها, وتؤثر فيهم سلباً و إيجاباً وهذه الأساليب تجارب ناجحةٌ, لأن قدوتنا فيها هو نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام . وهذه الأساليب لها شواهد من السنة ومن الواقع المُجرَّب أذكر منها مايناسب
منها :
1ـ الناس يكرهون النصيحة في العلن :
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس, لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم, كل الناس مسلمهم وكافرهم. ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة .

2ـ لا تلُم أحداً عساكَ ألاّ تُلام ( لا تُكثر من لوم الناس ) :
الناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار, بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه فالناس جميعاً ومنهم نحن عاطفيون أولاً, ثم أصحاب منطقٍ وعقولٍ في الدرجة الثانية . إن لنا نفوساً ذات مشاعر وأهواء, وهي تريد من الآخرين أن يحترموها كما هي. فلماذا تحاول مناقضة نفوس الآخرين, بينما تعرف أن نفوسنا من نفس النوع ؟ إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك.

3ـ من الحكمة أن تُسلم بخطئك حين تخطيء:
إن الاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولاً, ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانياً...فحين ترى أنك على خطأٍ اعمد إلى التسليم به, وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو, وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك. وقديماً قيل :"المقر بذنبه كمن لا ذنب له".

4ـ إيَّاك والأنا :
الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه, فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه.جاء في بحثٍ إحصائيٍ قامت به مصلحة التليفونات في نيويورك: أنَّ كلمة (أنا) هي أكثر كلمةٍ ترِّن بها أسلاك شبكتها التليفونية. ومعنى ذلك أن اهتمام الناس كُلٌّ بنفسه, هو الصفة المسيطرة على البشر, فإذا كنت تهتم بنفسك أولاً, ولا تحاول اجتذاب الآخرين بالاهتمام بهم, فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟.

5 ـ لا تُركِّز على السلبيات دون الحسنات:
خذ مثالاً: علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم, والتي يمكن أن يُعممَ مغزاها في كل قضايا التعامل، يقول صلى الله عليه وسلم :"لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" (13). فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب, ولا صديق بلا عيوب, ولا رئيس ولا مرؤوس, يقول سعيد بن المسيب:"ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب, ولكن من الناس من لاينبغي أن تُذكر عيوبه " فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله, ولاتذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.
وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.
بكيت من عمروٍ فلما تركته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرو

والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا المثل فيذكِّرُ بفضل الأنصار, لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج البخاري قوله صلى الله عليه وسلم :"أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي ), فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة), وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " (14). إن هذا قمة الإنسانية والعدل .

6ـ الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:
الناس يبغضون من لاينسى زلاتهم ولايزال يُذَكِّر بها ويمُنّ على من عفا عنه, فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يُذَكِّرُ الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مرةً بعد مرةٍ. والله عز وجل يقول:"والعافين عن الناس". ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " (15) فالذي يذكر ويعيد الخطأ يكره الناس الاجتماع به والارتياح إليه .

7ـ احذر من النقد المباشر:
الانتقاد لايحتاج إلى موهبةٍ خاصةٍ أو بذل نشاطٍ كبيرٍ, ففي وسع أي أحمقٍ أن يُشنِّع على رجلٍ ذي عبقرية وتميزٍ وأن يتهمه ويسخر منه. دعنا نحاول أن نفهم الأخرين ونتلمس لهم الأعذار حين تقصيرهم فهذا أمتع من النقد المباشر. فطبيعة البشر تأبى ذلك. نعم, قد ينفذ الشخص المنتقد المطلوب منه ولو كان الأسلوب مباشر وبنقدٍ حادٍ, ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةً حسنةً, ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء والذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر, وتأثر الرسول صلى الله عليه وسلم لما لهم من الفقر فقام وخطب الناس, ثم قال:"تصدق رجلٌ من ديناره, من درهمه, من ثوبه, من صاع تمره" (16). ولم يقل تصدقوا ولم يعاتبهم على عدم الصدقة, فانظر النتيجة: جاء رجلٌ من الأنصار بِصُرّة كادت تعجز يده عن حملها , بل عجزت, وقدمها للرسول صلى الله عليه وسلم فاستهل وجهه وقام الناس وتصدقوا فأصبح عنده كومة من الصدقات ,وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :" من سَنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً ..." الحديث (17). وهكذا . فاحذر من النقد المباشر الذي لاتكسب منه سوى إيغار الصدور .

8ـ الفت النظر إلى الأخطاء تلميحاً وبكُلِّ لباقةٍ:
أنت وأنا والناس جميعا يكرهون أن ينتقدهم غيرهم إلا أننا جميعاً كثيراً ما نفعل أفعالاً تستدعي الانتقاد , فإذا وددت انتقاد الغير وكان هناك موجبٌ حقيقيٌ لذلك ,فكيف نفعل ؟.
لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قدوةً حسنةً, حينما قال لعبدالله بن عمر رضي الله عنه :"نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل " فنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عالج الخطأ بكل لباقةٍ بل وقدم المدح والثناء قبل لفت النظر إلى الخطأ.
إن المقصود بالانتقاد والتوجيه هو إصلاح الغير مع ضمان عدم إثارة البغضاء في قلبه, ولهذا كان على المنتقد أن يلجأ إلى التلميح بما يراه ناقصاً, ولكن من طرفٍ خفيٍ.

9ـ تكلَّم عن أخطائك أولاً, وقدٍّم اقتراحات مهذبة:
إن افعل هذا، ولا تفعل ذاك لا تعطي نتيجةً طيبةً كقولك : (أليس من الأفضل أن تفعل هذا ؟) أو (أليس من الأفضل أن لا تفعل ذاك ؟) ذلك أن الأمر الجازم صعبٌ على النفس أن تتقبله, وحتى لو تقبله الرجل الذي توجه إليه الأمر فإن توجيهك ذلك له يُبقي في نفسه جرحاً غائراً يطول قبل أن يندمل , أما الاقتراح (المهذب) فهو مستساغٌ لا يشعر المرء تجاهه بغضاضةٍ فينفذه راضياً محتفضاً بعزته وتقدير نفسه.
قبل بضع سنوات, قرَّرَ مجلس إدارة شركة (جنرال إلكتريك) إقالة رئيس قسم الحسابات في الشركة وكان مهندساً كهربائياً عبقرياً طالما انتفعت به الشركة, لكنه لم ينجح في إدارة قسم الحسابات أيَّ نجاحٍ, وكانت الشركة تقدر للرجل فضله لكن تود كفَّ يده عن قسمٍ حيويٍّ فيها, فكيف تبلغه ذلك؟.
لقد اخترعت له منصب " المهندس المستشار للشركة " وجعلته عليه ثم سلمت إدارة القسم لشخصٍ آخر... فحاول دائماً أن تحفظ ماء وجه الآخرين.

10ـ لا تعامل الناس باستعلاء:
الناس يكرهون من يعاملهم باحتقارٍ و استعلاءٍ مهما كان هذا الإنسان. روى هارون بن عبد الله الجمال, فقال: ( جاءني أحمد بن حنبل بالليل ـ انظروا كيف يكون التصرف يريد أن يصحح خطأً! ـ، فدقَّ علي الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: أنا أحمد، ـ لم يقل: الشيخ أحمد ـ فبادرت وخرجت إليه فمساني و مسِّيته. فقلت: حاجة أبي عبد الله ؟ ( أي: ما حاجتك ؟), قال: شغلت اليوم قلبي. فقلت: بماذا يا أبا عبد الله ؟, قال: جُزتُ عليك اليوم وأنت قاعدٌ تُحدِّث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس). انظر كيف كانت النصيحة والذي يرويها ليس الإمام وإنما ذلكم الشخص المتأثر بالنصيحة!.