الفارق في الطبيعة بين البيئة الدولية والبيئة الداخلية
مرسل: السبت مايو 04, 2013 2:35 pm
الفارق في الطبيعة بين البيئة الدولية والبيئة الداخلية:
البيئة الداخلية (المجتمع السياسي):يتكون المجتمع السياسي من الشعب والإقليم والسلطة السياسية، وبالتالي توجد سلطة عليا فوق الأفراد تقوم بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام وإنفاذ القانون داخل المجتمع استنادا لاحتكارها أدوات القوة.
وعليه تتميز البيئة السياسية الداخلية بما يلي:
_ إنها بيئة السلطة.
_ إنها بيئة السلام.
_ إنها بيئة القوة المتمركزة (بمعنى وجود مركز واحد للقوة داخل المجتمع وهو السلطة السياسية).
_ بيئة القانون النافذ( حيث توجد قوة عليا تتولى إنفاذ القانون على الأفراد وهي السلطة السياسية).
_ بيئة الصراع السياسي السلمي حيث يجرم استخدام العنف في إدارة الصراع بين أفراد المجتمع.
_ يضاف إلي ذلك أنها بيئة القيم المطلقة ، حيث معايير القيم ثابتة ومعروفة ومتفق عليها من الجميع ( فالصدق خير والعدل خير وهكذا..).
_ أنها بيئة تحكمها علاقة (الأمر والطاعة) بما تؤدي إليه من تميز سياسي داخل المجتمع إذ ينقسم إلى حاكمين ومحكومين.
أما البيئة الدولية (بيئة العلاقات الدولية – عالم السياسة الدولي) فلا توجد بها سلطة عليا فوق الدول وبالتالي تتسم بالخصائص التالية:
_ إنها بيئة غيبة السلطة العليا.
_ بيئة لا تعرف السلام كقيمة مطلقة.
_ بيئة القانون غير المتمتع بقوة النفاذ حيث لا توجد سلطة عليا تنفذ القانون الدولي في مواجهة الدول.
_ بيئة نسبية القيم ، بمعني أن كل دولة تتبنى معايير للقيم تتماشى مع مصلحتها القومية ( فمثلا ما هو قمة الشرعية الدولية من وجهة نظر دولة ما قد يمثل خروجا علي الشرعية الدولية من وجهة نظر دولة أخرى وهكذا..).
المستوى الدولي ( تميز بين الدول).
_ إنه بيئة تعدد مراكز القوى بتعدد الدول.
وبناء على طبيعة البيئة الدولية هذه فإن كل الوسائل متاحة أمام الدول لتحقيق مصالحها القومية بما في هذه الوسائل استخدام القوة المسلحة وعليها أن تتحمل العواقب ( إنه مبدأ شرعية القوة في البيئة السياسية الدولية).
معاهدة وستفاليا ومبادئ العلاقات الدولية
على إثر سنوات طوال من الحروب الدينية في أوربا بين أبناء الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية اجتمع كبار قادة القارة فى وستفاليا عام 1648 حيث أقروا جملة مبادئ اتفقوا على أن تحكم العلاقات الدولية ، آملين أن تحقق هذه المبادئ الاستقرار في العلاقات الدولية وأن يحول تطبيقها دون اندلاع الحروب الدينية من جديد ، بكل ما جرته هذه الحروب على القارة من ويلات وصراعات دامية وأحقاد مستعرة، وكان أبرز هذه المبادئ ثلاثة هي:
(1) مبدأ الولاء القومي
والذي قصد به أن يكون ولاء الأفراد والشعوب هو للجنسية (للقوم) وليس للكنيسة ، وأن تكون علاقة الفرد بالكنيسة علاقة خاصة كعلاقته بربه ، وعليه فيتعين الفصل بين الجانب العقائدي و أمور السياسة . وبالتالي يعني هذا المبدأ تأكيد فكرة العلمانية القائمة على الفصل التام بين الدين والدولة ، واعتبر المؤتمرون في وستفاليا أن من شأن هذا الفصل الحيلولة دون اندلاع الحرب الدينية مجددا.
(2) مبدأ السيادة
ويعني : سلطة الدولة في الانفراد التام بإصدار قراراتها داخل حدود إقليمها ورفض الامتثال (الخضوع) لأية قرارات خارجية إلا بإرادتها ، وعليه فإن الدولة سيدة قرارها ، والدولة سيدة في دارها (أي إقليمها الذي هو وعاء سيادتها) ، وإقليم الدولة هو النطاق الجغرافي الذي تمارس عليه سيادتها.
وهكذا تقوم العلاقات الدولية على جمع من دول تتمسك كل منها بسيادتها فتفرد باتخاذ قراراتها في الداخل وترفض الخضوع لأية قوة خارجية إلا بإرادتها ، وعليه تتأكد فكرة أن البيئة الدولية هي بيئة تعدد مراكز القوى بتعدد الدول ، وتتأكد كذلك حرية كل دولة في تحقيق مصالحها بكافة الوسائل (دون أية قيود عليها) بما في هذه الوسائل اللجوء إلي القوة المسلحة وعليها أن تتحمل العواقب.
إن كل دولة في البيئة الدولية تسعى إلي تحقيق مصالحها في ضوء قوتها ، كما أن مقدرتها على تبني وتحقيق أهداف طوح تتناسب طرديا مع حجم قوتها ( قوة قطبية "عظمى" أو قوة درجة ثانية"كبرى" أو قوة درجة ثالثة "صغرى") ، فأهداف الدولة العظمى تتضاءل إلى جانبها بطبيعة الحال أهداف الدولة الصغرى ...وهكذا.
(3) مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول
ويرتبط هذا المبدأ بسابقه ويؤكد عليه وهو يعني حق كل دول في اختيار كافة أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحياتية ...إلخ ،بحرية تامة ودونما تدخل من جانب أي قوى خارجية ، وقد ارتبطت العلاقات الدولية بهذا المبدأ لحقب طويلة ونص عليه بوضوح ميثاق الأمم المتحدة منذ نشأتها في عام 1945.
وهكذا فقد أراد المؤتمرون في وستفاليا من خلال هذه المبادئ أن يرسوا بيئة دولية تستمد استقرارها من المبادئ الثلاثة ، وتقوم على علاقات بين دول قومية ذات سيادة ترفض التدخل في شئونها الداخلية ، وتسعى بكل السبل إلى تحقيق مصلحتها القومية.
مفهوم الأساس لعلم العلاقات الدولية
نعني بمفهوم الأساس الفكرة المحورية التي يدور حولها علم العلاقات الدولية ، إنها الفكرة الأساسية أو الفكرة الأم التي تتمحور حولها موضوعات هذا العلم ،
وفي هذا الصدد يوجد اتجاهان فكريا رئيسيان هما :
الاتجاه الأول وهو اتجاه أمريكي تأسس على يد الأمريكي هانز مورجانثو،أما الاتجاه الثاني فهو فرنسي يأتي على رأسه عالم السياسة ريمون آرون.
وفيما يلي نعرض بإيجاز لهذين الاتجاهين الفكريين:
الاتجاه الأول:
وهو كما قلنا اتجاه أمريكي يأتي على رأسه عالم العلاقات الدولية الأشهر (هانز مورجانثو) مؤسس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ،ومؤدى هذا الاتجاه أن
علم العلاقات الدولية علم حديث النشأة لم يتسنى بعد وضع مفهوم أساس خاص به ،وبالتالي فلا حرج من نقل مفهوم أساس إليه من اقرب العلوم له وهو علم السياسة ،ذلك بأن علم السياسة يهتم بدراسة السلطة السياسية(مركز القوة داخل المجتمع) ، في حين يهتم علم العلاقات الدولية بدراسة العلاقات مابين سلطات (قوى دولية) ، وبالتالي فالعلمان هما من نفس الطبيعة ، وإذا كان(آرثر بنتلي 1908) قد حدد (القوة) كمفهوم أساس لعلم السياسة ، فإنه يمكن نقل مفهوم (القوة) بكل مضامينه وأبعاده من علم السياسة إلى علم العلاقات الدولية كمفهوم أساس لذلك العلم الناشئ. ويؤكد مورجانثو على فكرة محورية القوة في العلاقات الدولية بقوله:
*إن عالم السياسة الدولي(السياسة الدولية - العلاقات الدولية) شأنه شأن عالم السياسة الداخلي (السياسة داخل المجتمع) هو عالم الصراع من أجل القوة ومهما تكن مرامي ذلك العالم فإن القوة هي هدفه المباشر والملح والدائم .
ويضيف مورجانثو:
إن العلاقات الدولية هي علاقات (قوى) لا يحكمها إلا قانون واحد هو قانون (المصلحة القومية( . إذن :
*ثنائية التحليل في العلاقات الدولية حسب النظرية الواقعية:
هي ثنائية القوة والمصلحة القومية .
إن قدرة الدولة على تحقيق مصلحتها القومية تتناسب طردياً مع مستوى قوتها ، فالولايات المتحدة _ حسب مثال مورجانثو _ تستطيع أن تحقق مصالحها بصور فائقة لا تتأتى أبدا لدولة صغيرة مثل إمارة موناكو ...وهكذا.
فالقوة هي مفهوم الأساس لعلم العلاقات الدولية وهي صلب العلاقات الدولية
إذن دعامتا التحليل في العلاقات الدولية هما (القوة) و (المصلحة القومية).
وهكذا نكون قد خلصنا من الاتجاه الأول أما الاتجاه الثاني (الفرنسي) تابع مفهوم الأساس لعلم العلاقات الدولية
الاتجاه الثاني (الفرنسي)
يأتي على رأس هذا الاتجاه عالم السياسة الفرنسي ريمون آرون ، وهو يرفض فكرة نقل مفهوم أساس من علم السياسة إلى علم العلاقات الدولية ، نظرا للاختلاف في الطبيعة بين البيئة التي يعالجها علم العلاقات الدولية (البيئة الدولية) والبيئة التي يعالجها علم السياسة (البيئة الداخلية أو المجتمع السياسي) ، ويرى آرون ضرورة البحث عن مفهوم أساس يستقيم مع طبيعة البيئة الدولية التي هي محل دراسة علم العلاقات الدولية ، ويعتبر آرون أن هذا المفهوم هو (مفهوم وحدة السياسة الخارجية بوجهيها (أي الدبلوماسية والإستراتيجية) ، وهنا يتعين أن نعرف أولا بمفهوم السياسة الخارجية :
السياسة الخارجية للدولة
هي برنامج عمل (خطة) الدولة في المجال الدولي التي تتضمن أهدافها (المعبرة عن مصلحتها القومية) ، والوسائل التي تراها ملائمة لتحقيق هذه الأهداف. إنها – إذا_ فن اختيار الوسائل في خدمة الأهداف. بمعنى أن كل دولة تصيغ مصلحتها القومية في صورة مجموعة من الأهداف
المحددة ، ثم تختار من الوسائل (ما يسمى أدوات السياسة الخارجية) ما تراه كفيلا بإبلاغها أهدافها.
السياسة الخارجية = برنامج عمل = أهداف + وسائل (أدوات)
أهداف السياسات الخارجية للدول
يتمثل أهم الأهداف التي تتبناها الدول في سياساتها الخارجية فيما يلي :
(1) حفظ الذات : أي بقاء الدولة واستمراريتها على الخارطة الدولية ، أو ما يمكن التعبير عنه بالأمن القومي للدولة ، وهذا الهدف هو أغلى وأهم أهداف الدول على الإطلاق ، وهو هدف لا يقبل المساومة بشأنه أو التناماوال بصدده.
(2) تحقيق المنعة : بمعنى الوصول إلى مستوى من القوة يردع الدول الأخرى من التفكير في مهاجمة الدولة.
(3) الثراء الاقتصادي : بمعنى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية من خلال التعاملات الدولية.
(4) الحفاظ على هوية الدولة : بمعنى التصدي لأية محاولات خارجية تستهدف مقومات هوية الدولة وعلى رأسها لغتها القومية أو عقيدتها الدينية .
(5) نشر العقيدة السياسية (الأيديولوجية) أو الدينية في الخارج : وترتد أهمية هذا الهدف إلي أن الدول ذات العقيدة الواحدة غالبا ما تكون سياستها متقاربة إلي حد التحالف ، وبالتالي فإن انتشار عقيدة الدولة في الخارج يمثل إضافة إلى قوة الدولة (لاحظ سعي الولايات المتحدة إلي نشر نمط الحياة الليبرالي الخاص بها من خلال العولمة – تذكر نظرية ماكدونالدز).
(6) الظهور بمظهر الدولة المحبة للسلام : ذلك بأن أية دولة مهما كانت سياستها مرتكزة إلي العنف دائما ما تسعى إلي تبرير سياستها وإكسابها بعدا أخلاقيا باعتبارها سياسة تحارب الإرهاب أو تستهدف نشر الديمقراطية أو تعزيز قيم حقوق الإنسان ... إلخ .
وهكذا نكون قد عرضنا لأهم الأهداف في السياسات الخارجية للدول أدوات السياسة الخارجية
تلجأ الدول بغية تحقيق أهداف سياستها الخارجية إلي أربع أدوات (وسائل) رئيسية هي على التوالي :
أولا الدبلوماسية التقليدية :وتعرف بأنها :
_ فن التفاوض.
_ فن الإقناع .
_ فن تحقيق مصالح الدولة دونما إراقة دماء.
_ الوجه الناعم للقوة .
_ فن إدارة العلاقات الدولية على طاولة المفاوضات .
_ فن استخدام الذكاء واللباقة بما يحقق المصلحة القومية للدولة .
_ أسلوب الثعلب حسب تعريف مكيافيللي ( الرياء – المكر – الخديعة – الحيلة).
وتمثل الدبلوماسية غالبا أولى الوسائل التي تلجأ إليها الدول في سبيل تحقيق أهداف سياساتها الخارجية ، حيث تعد الأداة الأقل تكلفة بين أدوات السياسة الخارجية.
ثانيا الدبلوماسية الاقتصادية :
ويقصد بها استخدام الدولة لمقدراتها الاقتصادية في التأثير على الدول الأخرى وتوجيه سلوكها السياسي في الاتجاه الذي يخدم المصلحة القومية للدولة.
وبطبيعة الحال تستخدم هذه الدبلوماسية من قبل الدول الغنية في مواجهة الدول الفقيرة ، استنادا إلى قاعدة أن من لا يملك خبزه لا يملك قراره السياسي.
البيئة الداخلية (المجتمع السياسي):يتكون المجتمع السياسي من الشعب والإقليم والسلطة السياسية، وبالتالي توجد سلطة عليا فوق الأفراد تقوم بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام وإنفاذ القانون داخل المجتمع استنادا لاحتكارها أدوات القوة.
وعليه تتميز البيئة السياسية الداخلية بما يلي:
_ إنها بيئة السلطة.
_ إنها بيئة السلام.
_ إنها بيئة القوة المتمركزة (بمعنى وجود مركز واحد للقوة داخل المجتمع وهو السلطة السياسية).
_ بيئة القانون النافذ( حيث توجد قوة عليا تتولى إنفاذ القانون على الأفراد وهي السلطة السياسية).
_ بيئة الصراع السياسي السلمي حيث يجرم استخدام العنف في إدارة الصراع بين أفراد المجتمع.
_ يضاف إلي ذلك أنها بيئة القيم المطلقة ، حيث معايير القيم ثابتة ومعروفة ومتفق عليها من الجميع ( فالصدق خير والعدل خير وهكذا..).
_ أنها بيئة تحكمها علاقة (الأمر والطاعة) بما تؤدي إليه من تميز سياسي داخل المجتمع إذ ينقسم إلى حاكمين ومحكومين.
أما البيئة الدولية (بيئة العلاقات الدولية – عالم السياسة الدولي) فلا توجد بها سلطة عليا فوق الدول وبالتالي تتسم بالخصائص التالية:
_ إنها بيئة غيبة السلطة العليا.
_ بيئة لا تعرف السلام كقيمة مطلقة.
_ بيئة القانون غير المتمتع بقوة النفاذ حيث لا توجد سلطة عليا تنفذ القانون الدولي في مواجهة الدول.
_ بيئة نسبية القيم ، بمعني أن كل دولة تتبنى معايير للقيم تتماشى مع مصلحتها القومية ( فمثلا ما هو قمة الشرعية الدولية من وجهة نظر دولة ما قد يمثل خروجا علي الشرعية الدولية من وجهة نظر دولة أخرى وهكذا..).
المستوى الدولي ( تميز بين الدول).
_ إنه بيئة تعدد مراكز القوى بتعدد الدول.
وبناء على طبيعة البيئة الدولية هذه فإن كل الوسائل متاحة أمام الدول لتحقيق مصالحها القومية بما في هذه الوسائل استخدام القوة المسلحة وعليها أن تتحمل العواقب ( إنه مبدأ شرعية القوة في البيئة السياسية الدولية).
معاهدة وستفاليا ومبادئ العلاقات الدولية
على إثر سنوات طوال من الحروب الدينية في أوربا بين أبناء الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية اجتمع كبار قادة القارة فى وستفاليا عام 1648 حيث أقروا جملة مبادئ اتفقوا على أن تحكم العلاقات الدولية ، آملين أن تحقق هذه المبادئ الاستقرار في العلاقات الدولية وأن يحول تطبيقها دون اندلاع الحروب الدينية من جديد ، بكل ما جرته هذه الحروب على القارة من ويلات وصراعات دامية وأحقاد مستعرة، وكان أبرز هذه المبادئ ثلاثة هي:
(1) مبدأ الولاء القومي
والذي قصد به أن يكون ولاء الأفراد والشعوب هو للجنسية (للقوم) وليس للكنيسة ، وأن تكون علاقة الفرد بالكنيسة علاقة خاصة كعلاقته بربه ، وعليه فيتعين الفصل بين الجانب العقائدي و أمور السياسة . وبالتالي يعني هذا المبدأ تأكيد فكرة العلمانية القائمة على الفصل التام بين الدين والدولة ، واعتبر المؤتمرون في وستفاليا أن من شأن هذا الفصل الحيلولة دون اندلاع الحرب الدينية مجددا.
(2) مبدأ السيادة
ويعني : سلطة الدولة في الانفراد التام بإصدار قراراتها داخل حدود إقليمها ورفض الامتثال (الخضوع) لأية قرارات خارجية إلا بإرادتها ، وعليه فإن الدولة سيدة قرارها ، والدولة سيدة في دارها (أي إقليمها الذي هو وعاء سيادتها) ، وإقليم الدولة هو النطاق الجغرافي الذي تمارس عليه سيادتها.
وهكذا تقوم العلاقات الدولية على جمع من دول تتمسك كل منها بسيادتها فتفرد باتخاذ قراراتها في الداخل وترفض الخضوع لأية قوة خارجية إلا بإرادتها ، وعليه تتأكد فكرة أن البيئة الدولية هي بيئة تعدد مراكز القوى بتعدد الدول ، وتتأكد كذلك حرية كل دولة في تحقيق مصالحها بكافة الوسائل (دون أية قيود عليها) بما في هذه الوسائل اللجوء إلي القوة المسلحة وعليها أن تتحمل العواقب.
إن كل دولة في البيئة الدولية تسعى إلي تحقيق مصالحها في ضوء قوتها ، كما أن مقدرتها على تبني وتحقيق أهداف طوح تتناسب طرديا مع حجم قوتها ( قوة قطبية "عظمى" أو قوة درجة ثانية"كبرى" أو قوة درجة ثالثة "صغرى") ، فأهداف الدولة العظمى تتضاءل إلى جانبها بطبيعة الحال أهداف الدولة الصغرى ...وهكذا.
(3) مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول
ويرتبط هذا المبدأ بسابقه ويؤكد عليه وهو يعني حق كل دول في اختيار كافة أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحياتية ...إلخ ،بحرية تامة ودونما تدخل من جانب أي قوى خارجية ، وقد ارتبطت العلاقات الدولية بهذا المبدأ لحقب طويلة ونص عليه بوضوح ميثاق الأمم المتحدة منذ نشأتها في عام 1945.
وهكذا فقد أراد المؤتمرون في وستفاليا من خلال هذه المبادئ أن يرسوا بيئة دولية تستمد استقرارها من المبادئ الثلاثة ، وتقوم على علاقات بين دول قومية ذات سيادة ترفض التدخل في شئونها الداخلية ، وتسعى بكل السبل إلى تحقيق مصلحتها القومية.
مفهوم الأساس لعلم العلاقات الدولية
نعني بمفهوم الأساس الفكرة المحورية التي يدور حولها علم العلاقات الدولية ، إنها الفكرة الأساسية أو الفكرة الأم التي تتمحور حولها موضوعات هذا العلم ،
وفي هذا الصدد يوجد اتجاهان فكريا رئيسيان هما :
الاتجاه الأول وهو اتجاه أمريكي تأسس على يد الأمريكي هانز مورجانثو،أما الاتجاه الثاني فهو فرنسي يأتي على رأسه عالم السياسة ريمون آرون.
وفيما يلي نعرض بإيجاز لهذين الاتجاهين الفكريين:
الاتجاه الأول:
وهو كما قلنا اتجاه أمريكي يأتي على رأسه عالم العلاقات الدولية الأشهر (هانز مورجانثو) مؤسس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ،ومؤدى هذا الاتجاه أن
علم العلاقات الدولية علم حديث النشأة لم يتسنى بعد وضع مفهوم أساس خاص به ،وبالتالي فلا حرج من نقل مفهوم أساس إليه من اقرب العلوم له وهو علم السياسة ،ذلك بأن علم السياسة يهتم بدراسة السلطة السياسية(مركز القوة داخل المجتمع) ، في حين يهتم علم العلاقات الدولية بدراسة العلاقات مابين سلطات (قوى دولية) ، وبالتالي فالعلمان هما من نفس الطبيعة ، وإذا كان(آرثر بنتلي 1908) قد حدد (القوة) كمفهوم أساس لعلم السياسة ، فإنه يمكن نقل مفهوم (القوة) بكل مضامينه وأبعاده من علم السياسة إلى علم العلاقات الدولية كمفهوم أساس لذلك العلم الناشئ. ويؤكد مورجانثو على فكرة محورية القوة في العلاقات الدولية بقوله:
*إن عالم السياسة الدولي(السياسة الدولية - العلاقات الدولية) شأنه شأن عالم السياسة الداخلي (السياسة داخل المجتمع) هو عالم الصراع من أجل القوة ومهما تكن مرامي ذلك العالم فإن القوة هي هدفه المباشر والملح والدائم .
ويضيف مورجانثو:
إن العلاقات الدولية هي علاقات (قوى) لا يحكمها إلا قانون واحد هو قانون (المصلحة القومية( . إذن :
*ثنائية التحليل في العلاقات الدولية حسب النظرية الواقعية:
هي ثنائية القوة والمصلحة القومية .
إن قدرة الدولة على تحقيق مصلحتها القومية تتناسب طردياً مع مستوى قوتها ، فالولايات المتحدة _ حسب مثال مورجانثو _ تستطيع أن تحقق مصالحها بصور فائقة لا تتأتى أبدا لدولة صغيرة مثل إمارة موناكو ...وهكذا.
فالقوة هي مفهوم الأساس لعلم العلاقات الدولية وهي صلب العلاقات الدولية
إذن دعامتا التحليل في العلاقات الدولية هما (القوة) و (المصلحة القومية).
وهكذا نكون قد خلصنا من الاتجاه الأول أما الاتجاه الثاني (الفرنسي) تابع مفهوم الأساس لعلم العلاقات الدولية
الاتجاه الثاني (الفرنسي)
يأتي على رأس هذا الاتجاه عالم السياسة الفرنسي ريمون آرون ، وهو يرفض فكرة نقل مفهوم أساس من علم السياسة إلى علم العلاقات الدولية ، نظرا للاختلاف في الطبيعة بين البيئة التي يعالجها علم العلاقات الدولية (البيئة الدولية) والبيئة التي يعالجها علم السياسة (البيئة الداخلية أو المجتمع السياسي) ، ويرى آرون ضرورة البحث عن مفهوم أساس يستقيم مع طبيعة البيئة الدولية التي هي محل دراسة علم العلاقات الدولية ، ويعتبر آرون أن هذا المفهوم هو (مفهوم وحدة السياسة الخارجية بوجهيها (أي الدبلوماسية والإستراتيجية) ، وهنا يتعين أن نعرف أولا بمفهوم السياسة الخارجية :
السياسة الخارجية للدولة
هي برنامج عمل (خطة) الدولة في المجال الدولي التي تتضمن أهدافها (المعبرة عن مصلحتها القومية) ، والوسائل التي تراها ملائمة لتحقيق هذه الأهداف. إنها – إذا_ فن اختيار الوسائل في خدمة الأهداف. بمعنى أن كل دولة تصيغ مصلحتها القومية في صورة مجموعة من الأهداف
المحددة ، ثم تختار من الوسائل (ما يسمى أدوات السياسة الخارجية) ما تراه كفيلا بإبلاغها أهدافها.
السياسة الخارجية = برنامج عمل = أهداف + وسائل (أدوات)
أهداف السياسات الخارجية للدول
يتمثل أهم الأهداف التي تتبناها الدول في سياساتها الخارجية فيما يلي :
(1) حفظ الذات : أي بقاء الدولة واستمراريتها على الخارطة الدولية ، أو ما يمكن التعبير عنه بالأمن القومي للدولة ، وهذا الهدف هو أغلى وأهم أهداف الدول على الإطلاق ، وهو هدف لا يقبل المساومة بشأنه أو التناماوال بصدده.
(2) تحقيق المنعة : بمعنى الوصول إلى مستوى من القوة يردع الدول الأخرى من التفكير في مهاجمة الدولة.
(3) الثراء الاقتصادي : بمعنى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية من خلال التعاملات الدولية.
(4) الحفاظ على هوية الدولة : بمعنى التصدي لأية محاولات خارجية تستهدف مقومات هوية الدولة وعلى رأسها لغتها القومية أو عقيدتها الدينية .
(5) نشر العقيدة السياسية (الأيديولوجية) أو الدينية في الخارج : وترتد أهمية هذا الهدف إلي أن الدول ذات العقيدة الواحدة غالبا ما تكون سياستها متقاربة إلي حد التحالف ، وبالتالي فإن انتشار عقيدة الدولة في الخارج يمثل إضافة إلى قوة الدولة (لاحظ سعي الولايات المتحدة إلي نشر نمط الحياة الليبرالي الخاص بها من خلال العولمة – تذكر نظرية ماكدونالدز).
(6) الظهور بمظهر الدولة المحبة للسلام : ذلك بأن أية دولة مهما كانت سياستها مرتكزة إلي العنف دائما ما تسعى إلي تبرير سياستها وإكسابها بعدا أخلاقيا باعتبارها سياسة تحارب الإرهاب أو تستهدف نشر الديمقراطية أو تعزيز قيم حقوق الإنسان ... إلخ .
وهكذا نكون قد عرضنا لأهم الأهداف في السياسات الخارجية للدول أدوات السياسة الخارجية
تلجأ الدول بغية تحقيق أهداف سياستها الخارجية إلي أربع أدوات (وسائل) رئيسية هي على التوالي :
أولا الدبلوماسية التقليدية :وتعرف بأنها :
_ فن التفاوض.
_ فن الإقناع .
_ فن تحقيق مصالح الدولة دونما إراقة دماء.
_ الوجه الناعم للقوة .
_ فن إدارة العلاقات الدولية على طاولة المفاوضات .
_ فن استخدام الذكاء واللباقة بما يحقق المصلحة القومية للدولة .
_ أسلوب الثعلب حسب تعريف مكيافيللي ( الرياء – المكر – الخديعة – الحيلة).
وتمثل الدبلوماسية غالبا أولى الوسائل التي تلجأ إليها الدول في سبيل تحقيق أهداف سياساتها الخارجية ، حيث تعد الأداة الأقل تكلفة بين أدوات السياسة الخارجية.
ثانيا الدبلوماسية الاقتصادية :
ويقصد بها استخدام الدولة لمقدراتها الاقتصادية في التأثير على الدول الأخرى وتوجيه سلوكها السياسي في الاتجاه الذي يخدم المصلحة القومية للدولة.
وبطبيعة الحال تستخدم هذه الدبلوماسية من قبل الدول الغنية في مواجهة الدول الفقيرة ، استنادا إلى قاعدة أن من لا يملك خبزه لا يملك قراره السياسي.