منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#62021
تركي الدخيل
مع ثورة التقنية أصبحت المسافات بين الأجيال كبيرة. فجأةً انقرض الطفل الذي يلبس الشماغ الطويل و"يقلّط" الضيوف، ويتعلّم أبجديات تقريب "القدوع" و"صب القهوة" وأصبحنا أمام طفل الأجهزة اللوحية والكفية وأحدث المستجدات في عالم الألعاب والترفيه. الطفل الحالي لا يصدّق أن الطفولة التي كانت لدى من قبله منزوعة من معنى الطفولة في بعض الأحايين. وللتأكيد على ذلك فأطفالي يسائلونني وأنا لم أبلغ الأربعين بعد: هل كان في زمنكم يا بابا سيارات؟! وكأنني خرجت سهواً من الدولة الأموية، أو العباسية!
طفل اليوم بات يستخدم هاتفه للتحكم في قنوات التلفزيون وربما في إغلاق ستارة المنزل، أو خفض مستوى التكييف. طفل الأمس كان يرقص حافي القدمين في "الرمضا" في عزّ شهر أغسطس (آب اللهاب)، وهو ينقّل الكرة من لاعبٍ إلى لاعب، ولا يجد غضاضةً في ذلك. هذه قصص سيعتبرها الطفل المعاصر من نسج الخيال، شبيهة بأساطير ألف ليلة وليلة، لا بل بقصص هاري بوتر، فهو يعرف الأخير ولا يعرف ألف ليلة وليلة!
ومع تطور الألعاب الإليكترونية فقدت الألعاب مردودها البدني المفيد للطفل، إذ أصبح تحت التكييف طوال سنيّ نموه. لكن وبعد أن قارنتُ بين الجيلين أحب أن أنبه أولياء الأمور إلى ضرورة اكتشاف الموهبة في الطفل، ذلك أن أطفال الأمس كانوا إلى حدٍ ما أنشط في اختياراتهم، واكتشاف الموهبة لديهم، تأتي من خلال التبصّر في الأمر المختلف الذي يمتلكه الطفل. أعجبني الطفل حسن مكي الذي احترف التصوير الصحافي، والذي نشرت قصته في جريدة "الشرق" قبل أيام إذ يستعين به الصحافيون من أجل تصويره موضوعاتهم، واشترى له والده أحمد مكي "كاميرا احترافية" من أجل أن يتم بها أعماله، واشترك الطفل الرائع في دورة التصوير الفوتوغرافي. هذه الموهبة اكتشفت بالتفاعل بين البيئة والذات، بين الطفل وعيون أولياء أمره. أجزم أن الكثير من الأطفال لديهم مواهب لكنها لم تشجّع كما يجب. ذلك أن المجتمع يحب أن يجعل الناس متشابهين. التشابه دمر المجتمع، الكل يشبه الكل. الموهبة تعني التمرد على المألوف وصناعة الطريقة الخاصة التي يمارس بها الإنسان عمله أو هوايته.
اليابانيون يكتشفون موهبة الابن قبل سنّ الخامسة لأنها في تلك السنوات الأولى تبدو أكثر وضوحاً لأن الطفل حينها يتشكّل، تظهر محبته للأرقام أو الكلمات أو الصور أو الرياضة. المهم أن يكون ولي الأمر فاعلاً في اكتشاف موهبته.
وبين جيل أطفال الأمس الذين لسعتهم سخونة "دلال القهوة" و ألهبتهم حرارة "الإسفلت" وجيل طفولة اليوم حيث التكييف والعيش الرغيد وطلب كل ما يريدونه بالهاتف مسافة بل مسافات.