صفحة 1 من 1

مشكلات سياسية وقانونية تواجهها الدولة الحديثة

مرسل: السبت مايو 04, 2013 8:09 pm
بواسطة يزيد مطلق الهاجري 1
شكلت ظاهرة الدولة بمفهومها السياسي والقانوني منذ قرون موضوع اهتمام الباحثين، لكن معظم الدراسات حاولت حصر الأسس السياسية لقوة الدولة ولم تحظ الأسس القانونية لهذه القوة بنفس المقدار.
وقد اختار الدكتور محمد بن عيد حمود العتيبي موضوع الأسس القانونية لقوة الدولة في دراسة نشرها مؤخراً تناول فيها ماهية هذه الأسس على ضوء مبادئ القوانين الوضعية بمذاهبها المختلفة من جهة، ثم على ضوء الشريعة الإسلامية من جهة أخرى.

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب إنه حرص على تضمين بحثه أهم ما يقوي الدولة من الناحية الإدارية والقانونية والدستورية وحتى الأخلاقية نظراً لاستناد القانون الى الأخلاق.

وقد حدد لذلك الفرضيات التالية كأسس انطلاق للبحث وهي:

أ ـ الفرضية الأولى: أن التأمل في القوانين الوضعية قد بيّن مدى ارتباطها بالتطور التاريخي مما أعطاه صفة النسبية، الأمر الذي لم يسمح بتحقيق استقرار الدول وهو شرط أساسي لتحقيق قوتها.

ب ـ الفرضية الثانية: أن التناقض الذي ساد هذه القواعد أينما وجدت (التصور الغربي الرأسمالي، والتصور الشيوعي، وبينهما التصور الاشتراكي) قد جعل من هذه القوانين الوضعية مصدر نزاع وصراع (حتى داخل الدولة الواحدة)، وهو وضع يؤدي الى إضعاف قوة الدولة.

ج ـ الفرضية الثالثة: أن القوانين الوضعية جعلت بعض القيم الإنسانية والأخلاقية تتناقض في ما بينها وهذا حدث نتيجة تركيز المذهب الشيوعي وحتى الاشتراكي على قيمة المساواة على حساب الحريات والعكس في المذهب الراسمالي.

د ـ الفرضية الرابعة: أن الشريعة الإسلامية بإدارتها شؤون الدولة، وتحديد علاقة الحاكم بالمحكوم، وتركيزها على العدل كقيمة رئيسية، تجعل من العلاقة بين الحريات والمساواة علاقة توفيقية تساعد على انسجام المجتمع (الشعب السياسي والشعب الاجتماعي) وبالتالي تعمل على تعزيز قوة الدولة.

وللتأكد من هذه الفرضيات لجأ الباحث الى منهجين نظراً لطبيعة الدراسة وتشابك مواضيعها وهما المنهج التاريخي والنهج المقارن، حيث يهدف المنهج الأول الى تتبع تطور القوانين الوضعية عبر التاريخ وبذلك يساعد على تحديد الثابت والمتغير. أما المنهج الثاني فقد سمح للباحث بتحديد ما يميز مذهباً عن مذهب آخر في ما يخص القوانين الوضعية وآخر ما يميز الشريعة الإسلامية عن كليهما.

وتبرز الأهمية العلمية للبحث في طبيعة الموضوع ذاته والمتمثل في دراسة الدولة وقوتها في إطار القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، وهذا أثار جدلاً فكرياً واسعاً حول مساهمة هذه القوانين في حل المشكلات التي تواجهها الدولة الحديثة، كما أن اهمية هذا البحث تظهر أيضاً في الحاجة العلمية إليه نظراً لندرة الدراسات حوله.

وتبدو أهمية البحث العملية في أنه يعالج أسباب ضعف الدول النامية خاصة العربية والإسلامية منها والتي لم تستطع التوفيق بين الأصالة (التراث الديني) وبين العصرنة، أي التنظيم المؤسساتي، إذ يرى الباحث ان الدول التي تتميز بتراث ديني ومنها قسم كبير من الدول العربية والإسلامية فشلت في تحقيق مهامها، فلا هي دول دنيوية ناجحة ولا هي دول دينية موفقة.

وهو يتساءل عن أسباب هذا الوضع وارتباطها بطريقة تنظيم هذه الدول لشؤونها والعلاقات بين أفرادها حكاماً ومحكومين كما يعرض بشكل مفصل لأشكال الحكم في العالم، مقارناً بين النظام الديمقراطي والشورى حيث يرى أن النظام الديمقراطي شبه المباشر أقرب الأنظمة الى تحقيق الديمقراطية السليمة بالمفهوم الغربي وخاصة بعد ازدياد السكان في أغلب الدول، اذ يقلل من سيطرة الأحزاب على الناخبين، ويحول دون استبداد المجالس النيابية وتحقيق الانسجام بين البرلمان والشعب، ويعتبره أقرب أنظمة الحكم الى الشورى في الشريعة الإسلامية.

ويشرح المؤلف معنى الديمقراطية شبه المباشرة بأنها قيام الشعب بممارسة السلطة عن طريق وسيط، أي يقوم بانتخاب برلمان لينوب عنه في تعزيز القوانين وممارسة السلطة، ولكن لا يترك له جميع مقاليد الأمور في الدولة، بل يحتفظ الشعب لنفسه بحق المشاركة في بعض المسائل المهمة وخاصة التشريعية، ولهذا النوع من الديمقراطية مظاهر متعددة منها الاقتراع الشعبي حيث يتم اعداد مشروع القانون بمساهمة الشعب ليقدم للبرلمان للمناقشة وتشترط بعض الدساتير ان يوقع على هذا المشروع عدد كبير من أفراد الشعب، ويتم كذلك وبنفس الطريقة الاعتراض الشعبي على القوانين ، إضافة الى إجراء الاستفتاء الشعبي الذي نصت عليه العديد من الدساتير الحديثة، ومنح الناخبين حق إقالة ممثليهم في البرلمان وحتى حل البرلمان، بل حق عزل رئيس الجمهورية كما هو متبع في النمسا.

وبعد مقارنتة للأنظمة الديمقراطية المباشرة منها والنيابية والأنظمة الرئاسية وغيرها يخلص الى نتائج تبين الفروق بين هذه الأنظمة وسلبياتها وإيجابياتها، موضحاً بعد إيراد أمثلة واقعية وتاريخية على أن نظام الحكم في الإسلام يتضمن كافة الإيجابيات في القوانين والأنظمة الوضعية متجنباً السلبيات ، ولكن العبرة في التطبيق الدقيق والأمين لهذا النظام الذي يميزه الحرص على العدالة والمساواة والشورى والتوزيع العادل للثروات.