- السبت مايو 04, 2013 8:43 pm
#62110
عندما قامت الثورة السورية كان الكثيرون يتوقعون ان تقوم الإدارة الامريكية بدعمها بقوة في مواحهة النظام السوري لتحقيق انتصار سريع عليه، ليس فقط لأن امريكا تنادي دوما بالديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ونيل حريتها وبناء دول ديمقراطية، بل لان ايضا لها ثمة مصالح يمكن تحقيقها من خلال الخلاص من نظام الاسد أهمها ما يلي:
- إنهاء نظام يعتبر الحليف الاكبر والاقوى لإيران في المنطقة، مما يعني اضعاف النفوذ الايراني الى حد بعيد وتحجيم إيران، مما يؤدي الى وقف تمددها ونشر هيمنتها في العالم العربي والاقليمي الذي تهدف من ورائه الى لعب دور عالمي لا يخدم بالضرورة مصالح الغرب، وخاصة في العراق والاقليم.
- سيجعل من الممكن للولايات المتحدة ولحلفائها – فيما لو اضطرت أو قررت – أن تقصف المواقع النووية الإيرانية في حال استمرار ايران في برنامجها النووي الى درجة يصبح معها من الممكن ان تصنع قنبلة نووية، دون الخشية من دخول سورية كجزء من الرد الايراني. ذلك ان الصواريخ السورية والتي اصبحت جزءا من المنظومة الأيرانية السورية اللبنانية (حزب الله) بعد اقامتها عام 2010 كانت تهدد ليس فقط القواعد الامريكية المنتشرة في المنطقة بل ايضا اسرائيل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة.
- إضعاف دور حزب الله اللبناني بشكل كبير من خلال وقف الدعم الذي يحصل عليه من النظام السوري سياسيا وعسكريا، وتقليص نفوذه في لبنان واضعاف قوته العسكرية فيها.
- انهاء الدور السلبي الذي يلعبه النظام السوري في لبنان والعراق والمنطقة بأكملها، وإن لم يكن هذا النظام عدوا حقيقا للغرب، لكنه كان يلعب دورا مسيئا في المنطقة، كتمريره للمقاتلين من القاعدة او غيرها الى العراق لزعزعة استقراره ومقاتلة القوات الامريكية هناك، اضافة الى الدعم الخفي لهم، والدور الذي تلعبه سوريا ايضا في الشراكة مع أنظمة اخرى معادية للولايات المتحدة وحلفائها ككوريا الشمالية وفنزويلا.
- المصلحة الاسرائيلية في التخلص من تهديدات حزب الله المستمرة بغض النظر عن اسباب تلك التهديدات، والتي تستمد قوتها من دعم النظام السوري العسكري والسياسي لها.
اضافة الى تلك العوامل كانت الادارة الامريكية قد لعبت دورا ايجابيا الى حد ما في الثورات التونسية والمصرية والليبية، ولم تتأخر في نزع الشرعية عن بن علي ومبارك والقذافي والطلب منهم التنحي لاتاحة المجال امام الشعوب التي كانت تنادي بإنهاء الدكتاتورية وارساء الديمقراطية، وكان من المتوقع ان تتبنى الولايات المتحدة نفس الموقف تجاه الثورة السورية.
لكن ما فاجأ الكثيرين ان الدعم المنتظر لم يأت، بل ان الإدارة الامريكية لم تسارع الى نزع الشرعية عن بشار الاسد بشكل سريع كما كان متوقعا، بل على العكس من ذلك خرجت تصاريح عديدة مغايرة، كان اهمها تصريح وزيرة الخارجية انذاك هيلاري كلينتون بان سورية ليست ليبيا، وأن احدا يجب الا يعتقد ان ماجرى في ليبيا يمكن ان يجري مثله في سورية. ولا شك ان التصريحات المتكررة وبشكل شبه يومي الصادرة عن امين عام حلف الناتو بأن الحلف لا خطط لدية للتدخل في سورية كان وراءها فهم للموقف الأمريكي السلبي من الثورة السورية. وقد فسر بعض المحللين تلك السلبية في البداية ان امريكا تنتظر حتى يتوغل النظام بالدم لدرجة يصبح معها من غير الممكن لاية دولة او طرف ان يتهم الغرب بالتسرع في شن الحرب على النظام الاسدي كما تم اتهام الناتو من قبل في الحالة الليبية. لكن ذلك لم يحدث حتى عندما سال الدم السوري بغزارة لم يسبق لها مثيل. كما ان امريكا لم تتحرك جديا لنزع الشرعية عن بشار الاسد الا بعد مرور عدة أشهر على الثورة، وجرى ذلك بالتقسيط وببطء وتردد شديدين. ومع مرور الوقت تبين انه ليس لدى الادارة الامريكية اية نية او رغبة بعمل شيء ما يصب في صالح تعجيل انتصار الثورة السورية واسقاط النظام، بل على العكس كانت التصريحات كلها تفسر وكأن الأدارة الامريكية تعطي بشار الاسد المهلة تلو الأخرى لينتصر وينهي الثورة، حتى ان التصريح الذي أدلى به الرئيس الامريكي بأن استعمال النظام للسلاح الكيميائي هو خط احمر فسر على انه يعطي الضوء الاخضر للنظام بأن يستعمل جميع الاسلحة الاخرى ضد شعبه، وبالفعل استخدم النظام خطوة بعد أخرى وبالتدريج جميع أنواع الاسلحة التي بحوزته بدءا بالطائرات المروحية ثم القتالية ثم الصواريخ البالسية وبدأ باستعمال الأسلحة الكيميائية المحدودة التأثير عندما وجد ان احدا في الغرب لم يقم يخطوات عملية توقفه عن استعماله للطائرات القاذفة ضد المدن والبلدات السورية، ولم يهدد حتى باتخاذ اية تدابير ضد النظام اذا لم يوقف حربه ضد شعبه. بل أكثر من ذلك ومع مرور الوقت اتضح ان الإدارة الامريكية منعت حلفاءها وغيرهم ممن كانوا يرغبون بتقديم المساعدة للشعب السوري في الدفاع عن نفسه من تزويد المعارضة بأسلحة قادرة على مواجهة آلة الدمار والقتل التي تفوق النظام من خلالها على أكثر السفاحين وحشية في قتل الأنفس وهدم الممتلكات. فلماذا كان هذا الموقف الأمريكي غير المتوقع.
لا شك بأن الدول ليست جمعيات خيرية، ولاتتصرف فقط تبعا لماهو واجب اخلاقي، بل لاتتصرف الا تبعا لمصالحها ولماتراه يتناسب مع تلك المصالح، لكن هذا الموقف ذهب الى اقصى حدوده تجاه الثورة السورية. فما هي العوامل التي رجحت كفة هذه السلبية على المبادئ الانسانية والديمقراطية التي طالما سمع العالم بان الولايات المتحدة هي رائدتها، وماهي المصالح الأخرى التي تفوقت على المصالح المذكورة أعلاه في حسابات الادارة الامريكية كيلا تستغل هذه الفرصة للتخلص من نظام بشار المسيء لمصالحها؟
– لا تشكل سورية بالنسبة للولايات المتحدة دولة هامة، وعلى الاقل ليست بأهمية دول اخرى في المنطقة. ومنذ بداية الثورة كان واضحا للجميع بأن هذه الثورة ستنتهي بسقوط النظام ولو كان الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري باهظا. لكن هذا الثمن بالنسبة للولايات المتحدة ليس أكبر من الثمن الذي ستدفعه لو تدخلت في سورية، وهي ليست مضطرة لدفع ثمن ما لإسقاط النظام طالما انه سيسقط دون دفعها أي ثمن.
– كان واضحا ان إيران وروسيا ستتدخلان الى جانب النظام وتدعمانه لمواجهة الشعب السوري، وستدفعان ثمنا باهظا، ولن تحققا هدفهما بإبقاء النظام، فتركتهما تخسران نفوذهما في المنطقة من خلال معاداتهما لإرادة الشعب السوري والعربي بل والمسلم ايضا أكثر مما لو انتصرت الثورة بشكل سريع.
- العامل الإسرائيلي: قد يكون هذا من أكثر العوامل التي كانت تضغط على الادارة الامريكية بقوة لكي يبقى موقفها سلبيا من الثورة السورية، فمن المعروف ان الصمت المطبق على الجبهة السورية منذ اتفاقية عام 1974 بين حافظ اسد وإسرائيل كان من اكثر ماأراح اسرائيل ومكنها من الاستثمار والاستيطان في الجولان، ورفع عن كاهلها الكثير من المسؤوليات العسكرية والسياسية مما لو كان هناك نظام اخر في سورية حاول بشكل او بآخر العمل على استعادة الجولان، او نظام وطني حقيقي يعمل على حل القضية الفلسطينية بشكل عادل.
– تسببت طبيعة الثورة السورية بعدم وجود قيادة سياسية لها يمكنها تكون بديلا للنظام القائم، يمكن الاعتماد عليه فيما لو سقط النظام للسيطرة على الوضع والمجموعات المسلحة وادارة امور الدولة في سورية ويؤمن انتقالا سلسا للسلطة بشكل لايسيء للمصالح المتعددة لأمريكا وحلفائها في المنطقة، وزاد من سلبية هذا الامر فشل المجلس الوطني بالرغم من الدعم المادي والسياسي الكبير الذي حصل عليه من دول إقليمية وغيرها ولأكثر من عام كامل على القيام بدور سياسي ودبلوماسي حقيقي يمكنه من اقناع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الهامة والفاعلة بقدرته على قيادة الثورة ولا حتى القدرة على تمثيلها او التحدث باسمها.
– كان من الواضح ان معظم من قام بالثورة منذ بدايتها هم الشباب من ذوي التوجهات الاسلامية وخرجوا بأكثرهم من المساجد، ولكنهم لم يكونوا منظمين في حركات او جماعات سياسية معروفة او واضحة ولايتبعون لحركات منظمة لها برنامج وايديولوجية سياسية، مما يجعلهم عرضة للتأثر السريع بالحركات الاسلامية الجهادية والانضمام تحت لوائها، والتي تخشى امريكا والغرب بشكل عام من تسلمها السلطة في دولة لها موقع استراتيجي يؤثر مايحدث فيها على كل الاقليم وعلى جزء هام من العالم.
- مع ان الولايات المتحدة كانت لاتمانع بأن يكون للأخوان المسلمين دورا كبيرا في استلام السلطة في سوريا نظرا لامكانية التفاهم معهم سياسيا، ولما اثبتته التجربة التركية من امكانية قبول الغرب بالاخوان المسلمين الذين يعتبرهم الغرب اسلاميين معتدلين، لكنها كانت تعلم بان الاخوان المسلمين – بسبب ماعانوه من اجتثاث لقواعدهم من نظام الاسدين – ليس لهم قاعدة شعبية في سورية تمكنهم من الوصول الى السلطة بالشكل الديمقراطي كما وصلوا اليها في مصر وتونس، لذا لم يكن من مصلحة الغرب التدخل او انتصار الثورة في وقت مبكر قبل ان يصبح للحركات الاسلامية “المعتدلة” قاعدة شعبية وسياسية كافية تمنع الحركات الاخرى من استيعاب الشباب المسلم الثائر في سورية، لذا لم يكن لديها ما يمنع من تشجيع دول اقليمية على دعم الاخوان المسلمين ليكونوا الاكثر تأثيرا في قيادة المعارضة السياسية من خلال المجلس الوطني، وعندما فشل المجلس في اثبات نفسه كقيادة سياسية قادرة على السيطرة على الارض، وعلى اقامة علاقات وطيدة مع العسكريين، وعلى التحول الى مؤسسة تستطيع القيام بمسؤوليات الدولة، شجعت قيام جسم بديل لعله يستطيع القيام بما لم يستطع المجلس القيام به.
– تخطط امريكا للانسحاب من افغانستان في العام 2014 وسيكون انسحابها بشكل كبير عن طريق دول الاتحاد السوفياتي السابق التي تربطها بروسيا علاقات قوية، ولاتريد امريكا في هذا الوقت معاداة روسيا أو خوض مواجهة معها، وخاصة بعد ان خسرت روسيا كل نفوذها في العراق وفي ليبيا مؤخرا، ولم يبق لديها في الاقليم سوى سوريا. ومنذ الحرب الباردة تعتبر روسيا ان سوريا هي من مناطق نفوذها ولن تتخلى عنها بهذه السهولة اضافة الى عوامل اخرى (تم شرحها في المقال السابق عن الموقف الروسي من الثورة السورية).
– شخصية الرئيس الامريكي اوباما ليست من الشخصيات التي تعتمد قرارات حاسمة ذات صبغة عسكرية، خاصة وانه يسعى لأن يكون الرئيس الذي انهى الوجود العسكري الامريكي في افغانستان والعراق، ولا يريد ان يكون الملف السوري السبب في ضياع السمعة التي يريد كسبها من وراء ذلك، خاصة وأن احدا لايستطيع التنبؤ بالنتيجة فيما لو تدخلت امريكا او الناتو في سورية وحدثت ردة فعل قوية ليس فقط من ايران وروسيا بل ايضا من الحركات الجهادية في العراق وغيرها، وتحولت هي ومن يقاتل في سورية ضد النظام الى مقارعة امريكا وفتحت معها جبهة جديدة في سوريا. ويؤكد العديد من المحللين والسياسيين الامريكيين أنه لو قامت الثورة السورية ايام الرئيس جورج بوش الإبن لكان الامر مختلفا تماما، ولكان الموقف الأمريكي مختلفا الى درجة كبيرة.
– من المعروف أن الولايات المتحدة على لسان وزيرة الخارجية الامريكية السابقة تنبأت بولادة جديدة للشرق الاوسط، وهذا يوضح المصلحة الحقيقية لماهية الشرق الاوسط الذي ترغبه امريكا، واهمه انهاء العراق كدولة قوية فاعلة، والآن تحولت سورية بفعل وحشية مايفعله بشار الاسد من دمار الى بلد ضعيف مفكك وبدون قوة عسكرية وبمشاكل كبيرة، وهذا في حد ذاته ليس امرا سيئا للمصالح الامريكية الاسرائيلية، أما إنهاء الازمة لصالح الثورة فلن يخدم ذلك، بل على العكس سيمنع تحقيقه، لذا فليترك الامر حتى يتم القضاء على كل اسباب القوة في سورية وتخرج من الحسابات الاقليمية تماما كما خرج العراق.
- لايهم الولايات المتحدة وحلفاؤها ان ينتصر الربيع العربي انتصارا واضحا في سورية كي لاتستمر احجار الدومينو بالتساقط لأنها تخشى على دول لها مصالح كبيرة معها من مصير مشابه، ولهذا فهي ترغب بتغيير النظام ولكن بشكل سلس ولايعطي طرفا بعينه نصرا واضحا على الطرف الآخر. لأن اطالة امد الثورة والثمن الفادح الذي يدفعه الشعب الثوري سوف يردع شعوب دول اخرى من التفكير في اكمال سلسلة الربيع العربي خوفا من ملاقاة مصير مشابه لمصير الشعب السوري، وهذا ما جعل الولايات المتحدة ترفض حتى اقامة مناطق عازلة على الحدود لحماية المدنيين على الاقل، ورفضت تزويد المعارضة بأسلحة متطورة قادرة على وقف القصف الجوي بالرغم من الخسائر الفادحة في الارواح نتيجة القصف الجوي العشوائي الذي يقوم به النظام.
- للحصول على انتقال سلس للسلطة في سوريا ينبغي التوصل الى حل سياسي بين المعارضة وفلول النظام التي لم تتلطخ يديها بالدماء، وهذا لايتم – نظرا لتمسك الثوار برحيل بشار، وانكار النظام للثورة بشكل كامل – الا بعد ان ينهك الطرفان ويقبلان بتنازلات لم يكونا ليقبلاها في البداية وفي اوج قوتهما. ولهذا سمحت الولايات المتحدة بمرور اسلحة تبقى الثورة مستمرة ولا تسقط النظام على قاعدة لايموت الذئب ولاتفنى الغنم. وكل من له اتصال بالجيش الحر والمعارضة المسلحة والسياسية يعلم علم اليقين بأنه حتى تجار السلاح كانوا يقولون بصراحة تامة انه ليس لديهم الضوء الاخضر لبيع اسلحة نوعية كالصواريخ المضادة للطائرات والمضادة للدروع، وهي الاسلحة التي يحتاجها الثوار للتمكن من التفوق على النظام بالشكل المطلوب لاسقاطه. وهكذا تنفذ الولايات المتحدة هذه السياسة حتى يقبل الطرفان بالجلوس الى طاولة مفاوضات تنتهي الى اتفاق سياسي ينهي الثورة ولايسقط النظام بشكل كامل، ويحقق الانتقال السلس للسلطة في سورية.
– ما نتج عن تحول الثورة السورية الى اصطفاف شيعي ضد اصطفاف سني لايضر كثرا بالمصلحة الامريكية ومصلحة الناتو الذي تبنى سياسة واضحة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تقوم على ان العدو الايديولوجي للغرب هو الاسلام. وهذا الإصطفاف سوف يضعف المسلمين في الطرفين الشيعي والسني وهذا ليس امرا يرغب الغرب بدفع ثمن لوقفه من خلال تدخل ينهي هذا الاقتتال، والدليل القوي على ذلك هو ماحدث في الحرب العراقية الايرانية التي ترك الطرفان خلالها يتقاتلان حتى أنهكا معا، بينما كانت الولايات المتحدة تزود الطرفين بالاسلحة وغيرها وتبين ذلك من خلال فضيحة إيران – كونترا.
لذا ستبقى الولايات المتحدة على هذا الموقف وستحاول أن تبقى الوضع على حاله الى أن يصبح الطرفان الثوار والنظام في إنهاك كامل يقبلان عنده الجلوس الى طاولة التفاوض. وهذه هي مشكلة المسؤولين الأمريكيين الذين استلموا الملف السوري وتعاملوا معه، وهذا ما صرح به العديد منهم، إذ انهم حتى الآن يتعاملون مع الملف السوري من وجهة نظرهم ومصالحهم وأمانيهم، دون فهم حقيقي وعملي لماهية الثورة ولا العقلية السائدة للنظام الذي لن يقبل التنازل عن أي من سلطاته المطلقة، ولا للثوار والشعب السوري الذي لن يقبل ببقاء النظام ولافلوله بعد هذه الخسائر والمآسي الإنسانية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا. ولا يتوقع في المدى المنظور ان تغير الولايات المتحدة سياستها تلك بالرغم مما يشاع عن خطط جديدة لتحديث الخطط القديمة الموضوعة لتدخل عسكري محتمل في سورية، الا إذا تقدم الثوار بشكل كبير واقتربوا من تحقيق نصر كبير وواضح على النظام، وعندها ستضطر الولايات المتحدة لدعم التغيير ولكنها ستحاول مع حلفائها الإقليميين – الذين اصبحوا يمسكون بخيوط التحكم في جزء كبير من القيادة العسكرية والثوار وفي القيادة السياسية للمعارضة – أن تتحكم في سير التطورات السياسية لما بعد سقوط النظام لضمان شكل الدولة والحكم الذي سيلي هذا النظام. لذا ليس من المستغرب ابدا ما نراه يجري سواء على الساحة العسكرية التي اخترقها النظام واخترع بعضها، ودعم خارجي لمجموعات بعينها وحرمان أخرى، أو على الساحة السياسية في المعارضة من تسلط على قيادتها وفرض الموالين لهم، وتشرذم وانقسام وانشقاق متعمد واقصاء وتهميش لان هذا كله يخدم مايخطط له في الخارج.
ومع ذلك فإن هذا كله لا يعني انه يمكن أن يتحقق ماتعمل لأجله الدول الخارجية والاقليمية بحذافيره، والأمثلة كثيرة على فشل الدول الكبرى فيما تخططه سواءا في فيتنام او افغانساان او العراق. ويعتمد عدم نجاح ما يخطط له في الخارج في كليته على قدرة الثوار في الداخل على تحقيق النصر الكامل واختيار قيادة سياسية تمثلهم وتستطيع التعامل مع المجتمع الدولي لان سورية في النهاية ليست جزيرة معزولة ويجب ان تكون واحدة من دول العالم المتحضر وتتعامل معه بالشكل المناسب، اما قيادة المعارضة السياسية في الخارج فبالرغم من المساعدات والدعم الطائل الذي تقدمه بعض الدول الاقليمية لها فلن تتمكن من السيطرة سياسيا لاستلام السلطة بعد سقوط النظام لان قدرتها على ذلك محدودة بسبب عدم ضمها لممثلين عن قيادات ثوار الداخل وخسارتها شعبيا بشكل غير متوقع بسبب الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها وتسببت بفقدان ثقة الاصدقاء بها.
وفي الوقت ذاته يجب عدم نكران ماتقدمه الدول العربية والاقليمية والغربية من مساعدات عسكرية وانسانية حتى ولو كانت اقل من المطلوب، وليس الخطأ ان لها مصالح تريد تحقيقها، ولكن الخطأ الا تكون لنا مصالح واضحة وقيادات قادرة على فرضها او اقناع الآخرين بها.
د/بسام العمادي
- إنهاء نظام يعتبر الحليف الاكبر والاقوى لإيران في المنطقة، مما يعني اضعاف النفوذ الايراني الى حد بعيد وتحجيم إيران، مما يؤدي الى وقف تمددها ونشر هيمنتها في العالم العربي والاقليمي الذي تهدف من ورائه الى لعب دور عالمي لا يخدم بالضرورة مصالح الغرب، وخاصة في العراق والاقليم.
- سيجعل من الممكن للولايات المتحدة ولحلفائها – فيما لو اضطرت أو قررت – أن تقصف المواقع النووية الإيرانية في حال استمرار ايران في برنامجها النووي الى درجة يصبح معها من الممكن ان تصنع قنبلة نووية، دون الخشية من دخول سورية كجزء من الرد الايراني. ذلك ان الصواريخ السورية والتي اصبحت جزءا من المنظومة الأيرانية السورية اللبنانية (حزب الله) بعد اقامتها عام 2010 كانت تهدد ليس فقط القواعد الامريكية المنتشرة في المنطقة بل ايضا اسرائيل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة.
- إضعاف دور حزب الله اللبناني بشكل كبير من خلال وقف الدعم الذي يحصل عليه من النظام السوري سياسيا وعسكريا، وتقليص نفوذه في لبنان واضعاف قوته العسكرية فيها.
- انهاء الدور السلبي الذي يلعبه النظام السوري في لبنان والعراق والمنطقة بأكملها، وإن لم يكن هذا النظام عدوا حقيقا للغرب، لكنه كان يلعب دورا مسيئا في المنطقة، كتمريره للمقاتلين من القاعدة او غيرها الى العراق لزعزعة استقراره ومقاتلة القوات الامريكية هناك، اضافة الى الدعم الخفي لهم، والدور الذي تلعبه سوريا ايضا في الشراكة مع أنظمة اخرى معادية للولايات المتحدة وحلفائها ككوريا الشمالية وفنزويلا.
- المصلحة الاسرائيلية في التخلص من تهديدات حزب الله المستمرة بغض النظر عن اسباب تلك التهديدات، والتي تستمد قوتها من دعم النظام السوري العسكري والسياسي لها.
اضافة الى تلك العوامل كانت الادارة الامريكية قد لعبت دورا ايجابيا الى حد ما في الثورات التونسية والمصرية والليبية، ولم تتأخر في نزع الشرعية عن بن علي ومبارك والقذافي والطلب منهم التنحي لاتاحة المجال امام الشعوب التي كانت تنادي بإنهاء الدكتاتورية وارساء الديمقراطية، وكان من المتوقع ان تتبنى الولايات المتحدة نفس الموقف تجاه الثورة السورية.
لكن ما فاجأ الكثيرين ان الدعم المنتظر لم يأت، بل ان الإدارة الامريكية لم تسارع الى نزع الشرعية عن بشار الاسد بشكل سريع كما كان متوقعا، بل على العكس من ذلك خرجت تصاريح عديدة مغايرة، كان اهمها تصريح وزيرة الخارجية انذاك هيلاري كلينتون بان سورية ليست ليبيا، وأن احدا يجب الا يعتقد ان ماجرى في ليبيا يمكن ان يجري مثله في سورية. ولا شك ان التصريحات المتكررة وبشكل شبه يومي الصادرة عن امين عام حلف الناتو بأن الحلف لا خطط لدية للتدخل في سورية كان وراءها فهم للموقف الأمريكي السلبي من الثورة السورية. وقد فسر بعض المحللين تلك السلبية في البداية ان امريكا تنتظر حتى يتوغل النظام بالدم لدرجة يصبح معها من غير الممكن لاية دولة او طرف ان يتهم الغرب بالتسرع في شن الحرب على النظام الاسدي كما تم اتهام الناتو من قبل في الحالة الليبية. لكن ذلك لم يحدث حتى عندما سال الدم السوري بغزارة لم يسبق لها مثيل. كما ان امريكا لم تتحرك جديا لنزع الشرعية عن بشار الاسد الا بعد مرور عدة أشهر على الثورة، وجرى ذلك بالتقسيط وببطء وتردد شديدين. ومع مرور الوقت تبين انه ليس لدى الادارة الامريكية اية نية او رغبة بعمل شيء ما يصب في صالح تعجيل انتصار الثورة السورية واسقاط النظام، بل على العكس كانت التصريحات كلها تفسر وكأن الأدارة الامريكية تعطي بشار الاسد المهلة تلو الأخرى لينتصر وينهي الثورة، حتى ان التصريح الذي أدلى به الرئيس الامريكي بأن استعمال النظام للسلاح الكيميائي هو خط احمر فسر على انه يعطي الضوء الاخضر للنظام بأن يستعمل جميع الاسلحة الاخرى ضد شعبه، وبالفعل استخدم النظام خطوة بعد أخرى وبالتدريج جميع أنواع الاسلحة التي بحوزته بدءا بالطائرات المروحية ثم القتالية ثم الصواريخ البالسية وبدأ باستعمال الأسلحة الكيميائية المحدودة التأثير عندما وجد ان احدا في الغرب لم يقم يخطوات عملية توقفه عن استعماله للطائرات القاذفة ضد المدن والبلدات السورية، ولم يهدد حتى باتخاذ اية تدابير ضد النظام اذا لم يوقف حربه ضد شعبه. بل أكثر من ذلك ومع مرور الوقت اتضح ان الإدارة الامريكية منعت حلفاءها وغيرهم ممن كانوا يرغبون بتقديم المساعدة للشعب السوري في الدفاع عن نفسه من تزويد المعارضة بأسلحة قادرة على مواجهة آلة الدمار والقتل التي تفوق النظام من خلالها على أكثر السفاحين وحشية في قتل الأنفس وهدم الممتلكات. فلماذا كان هذا الموقف الأمريكي غير المتوقع.
لا شك بأن الدول ليست جمعيات خيرية، ولاتتصرف فقط تبعا لماهو واجب اخلاقي، بل لاتتصرف الا تبعا لمصالحها ولماتراه يتناسب مع تلك المصالح، لكن هذا الموقف ذهب الى اقصى حدوده تجاه الثورة السورية. فما هي العوامل التي رجحت كفة هذه السلبية على المبادئ الانسانية والديمقراطية التي طالما سمع العالم بان الولايات المتحدة هي رائدتها، وماهي المصالح الأخرى التي تفوقت على المصالح المذكورة أعلاه في حسابات الادارة الامريكية كيلا تستغل هذه الفرصة للتخلص من نظام بشار المسيء لمصالحها؟
– لا تشكل سورية بالنسبة للولايات المتحدة دولة هامة، وعلى الاقل ليست بأهمية دول اخرى في المنطقة. ومنذ بداية الثورة كان واضحا للجميع بأن هذه الثورة ستنتهي بسقوط النظام ولو كان الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري باهظا. لكن هذا الثمن بالنسبة للولايات المتحدة ليس أكبر من الثمن الذي ستدفعه لو تدخلت في سورية، وهي ليست مضطرة لدفع ثمن ما لإسقاط النظام طالما انه سيسقط دون دفعها أي ثمن.
– كان واضحا ان إيران وروسيا ستتدخلان الى جانب النظام وتدعمانه لمواجهة الشعب السوري، وستدفعان ثمنا باهظا، ولن تحققا هدفهما بإبقاء النظام، فتركتهما تخسران نفوذهما في المنطقة من خلال معاداتهما لإرادة الشعب السوري والعربي بل والمسلم ايضا أكثر مما لو انتصرت الثورة بشكل سريع.
- العامل الإسرائيلي: قد يكون هذا من أكثر العوامل التي كانت تضغط على الادارة الامريكية بقوة لكي يبقى موقفها سلبيا من الثورة السورية، فمن المعروف ان الصمت المطبق على الجبهة السورية منذ اتفاقية عام 1974 بين حافظ اسد وإسرائيل كان من اكثر ماأراح اسرائيل ومكنها من الاستثمار والاستيطان في الجولان، ورفع عن كاهلها الكثير من المسؤوليات العسكرية والسياسية مما لو كان هناك نظام اخر في سورية حاول بشكل او بآخر العمل على استعادة الجولان، او نظام وطني حقيقي يعمل على حل القضية الفلسطينية بشكل عادل.
– تسببت طبيعة الثورة السورية بعدم وجود قيادة سياسية لها يمكنها تكون بديلا للنظام القائم، يمكن الاعتماد عليه فيما لو سقط النظام للسيطرة على الوضع والمجموعات المسلحة وادارة امور الدولة في سورية ويؤمن انتقالا سلسا للسلطة بشكل لايسيء للمصالح المتعددة لأمريكا وحلفائها في المنطقة، وزاد من سلبية هذا الامر فشل المجلس الوطني بالرغم من الدعم المادي والسياسي الكبير الذي حصل عليه من دول إقليمية وغيرها ولأكثر من عام كامل على القيام بدور سياسي ودبلوماسي حقيقي يمكنه من اقناع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الهامة والفاعلة بقدرته على قيادة الثورة ولا حتى القدرة على تمثيلها او التحدث باسمها.
– كان من الواضح ان معظم من قام بالثورة منذ بدايتها هم الشباب من ذوي التوجهات الاسلامية وخرجوا بأكثرهم من المساجد، ولكنهم لم يكونوا منظمين في حركات او جماعات سياسية معروفة او واضحة ولايتبعون لحركات منظمة لها برنامج وايديولوجية سياسية، مما يجعلهم عرضة للتأثر السريع بالحركات الاسلامية الجهادية والانضمام تحت لوائها، والتي تخشى امريكا والغرب بشكل عام من تسلمها السلطة في دولة لها موقع استراتيجي يؤثر مايحدث فيها على كل الاقليم وعلى جزء هام من العالم.
- مع ان الولايات المتحدة كانت لاتمانع بأن يكون للأخوان المسلمين دورا كبيرا في استلام السلطة في سوريا نظرا لامكانية التفاهم معهم سياسيا، ولما اثبتته التجربة التركية من امكانية قبول الغرب بالاخوان المسلمين الذين يعتبرهم الغرب اسلاميين معتدلين، لكنها كانت تعلم بان الاخوان المسلمين – بسبب ماعانوه من اجتثاث لقواعدهم من نظام الاسدين – ليس لهم قاعدة شعبية في سورية تمكنهم من الوصول الى السلطة بالشكل الديمقراطي كما وصلوا اليها في مصر وتونس، لذا لم يكن من مصلحة الغرب التدخل او انتصار الثورة في وقت مبكر قبل ان يصبح للحركات الاسلامية “المعتدلة” قاعدة شعبية وسياسية كافية تمنع الحركات الاخرى من استيعاب الشباب المسلم الثائر في سورية، لذا لم يكن لديها ما يمنع من تشجيع دول اقليمية على دعم الاخوان المسلمين ليكونوا الاكثر تأثيرا في قيادة المعارضة السياسية من خلال المجلس الوطني، وعندما فشل المجلس في اثبات نفسه كقيادة سياسية قادرة على السيطرة على الارض، وعلى اقامة علاقات وطيدة مع العسكريين، وعلى التحول الى مؤسسة تستطيع القيام بمسؤوليات الدولة، شجعت قيام جسم بديل لعله يستطيع القيام بما لم يستطع المجلس القيام به.
– تخطط امريكا للانسحاب من افغانستان في العام 2014 وسيكون انسحابها بشكل كبير عن طريق دول الاتحاد السوفياتي السابق التي تربطها بروسيا علاقات قوية، ولاتريد امريكا في هذا الوقت معاداة روسيا أو خوض مواجهة معها، وخاصة بعد ان خسرت روسيا كل نفوذها في العراق وفي ليبيا مؤخرا، ولم يبق لديها في الاقليم سوى سوريا. ومنذ الحرب الباردة تعتبر روسيا ان سوريا هي من مناطق نفوذها ولن تتخلى عنها بهذه السهولة اضافة الى عوامل اخرى (تم شرحها في المقال السابق عن الموقف الروسي من الثورة السورية).
– شخصية الرئيس الامريكي اوباما ليست من الشخصيات التي تعتمد قرارات حاسمة ذات صبغة عسكرية، خاصة وانه يسعى لأن يكون الرئيس الذي انهى الوجود العسكري الامريكي في افغانستان والعراق، ولا يريد ان يكون الملف السوري السبب في ضياع السمعة التي يريد كسبها من وراء ذلك، خاصة وأن احدا لايستطيع التنبؤ بالنتيجة فيما لو تدخلت امريكا او الناتو في سورية وحدثت ردة فعل قوية ليس فقط من ايران وروسيا بل ايضا من الحركات الجهادية في العراق وغيرها، وتحولت هي ومن يقاتل في سورية ضد النظام الى مقارعة امريكا وفتحت معها جبهة جديدة في سوريا. ويؤكد العديد من المحللين والسياسيين الامريكيين أنه لو قامت الثورة السورية ايام الرئيس جورج بوش الإبن لكان الامر مختلفا تماما، ولكان الموقف الأمريكي مختلفا الى درجة كبيرة.
– من المعروف أن الولايات المتحدة على لسان وزيرة الخارجية الامريكية السابقة تنبأت بولادة جديدة للشرق الاوسط، وهذا يوضح المصلحة الحقيقية لماهية الشرق الاوسط الذي ترغبه امريكا، واهمه انهاء العراق كدولة قوية فاعلة، والآن تحولت سورية بفعل وحشية مايفعله بشار الاسد من دمار الى بلد ضعيف مفكك وبدون قوة عسكرية وبمشاكل كبيرة، وهذا في حد ذاته ليس امرا سيئا للمصالح الامريكية الاسرائيلية، أما إنهاء الازمة لصالح الثورة فلن يخدم ذلك، بل على العكس سيمنع تحقيقه، لذا فليترك الامر حتى يتم القضاء على كل اسباب القوة في سورية وتخرج من الحسابات الاقليمية تماما كما خرج العراق.
- لايهم الولايات المتحدة وحلفاؤها ان ينتصر الربيع العربي انتصارا واضحا في سورية كي لاتستمر احجار الدومينو بالتساقط لأنها تخشى على دول لها مصالح كبيرة معها من مصير مشابه، ولهذا فهي ترغب بتغيير النظام ولكن بشكل سلس ولايعطي طرفا بعينه نصرا واضحا على الطرف الآخر. لأن اطالة امد الثورة والثمن الفادح الذي يدفعه الشعب الثوري سوف يردع شعوب دول اخرى من التفكير في اكمال سلسلة الربيع العربي خوفا من ملاقاة مصير مشابه لمصير الشعب السوري، وهذا ما جعل الولايات المتحدة ترفض حتى اقامة مناطق عازلة على الحدود لحماية المدنيين على الاقل، ورفضت تزويد المعارضة بأسلحة متطورة قادرة على وقف القصف الجوي بالرغم من الخسائر الفادحة في الارواح نتيجة القصف الجوي العشوائي الذي يقوم به النظام.
- للحصول على انتقال سلس للسلطة في سوريا ينبغي التوصل الى حل سياسي بين المعارضة وفلول النظام التي لم تتلطخ يديها بالدماء، وهذا لايتم – نظرا لتمسك الثوار برحيل بشار، وانكار النظام للثورة بشكل كامل – الا بعد ان ينهك الطرفان ويقبلان بتنازلات لم يكونا ليقبلاها في البداية وفي اوج قوتهما. ولهذا سمحت الولايات المتحدة بمرور اسلحة تبقى الثورة مستمرة ولا تسقط النظام على قاعدة لايموت الذئب ولاتفنى الغنم. وكل من له اتصال بالجيش الحر والمعارضة المسلحة والسياسية يعلم علم اليقين بأنه حتى تجار السلاح كانوا يقولون بصراحة تامة انه ليس لديهم الضوء الاخضر لبيع اسلحة نوعية كالصواريخ المضادة للطائرات والمضادة للدروع، وهي الاسلحة التي يحتاجها الثوار للتمكن من التفوق على النظام بالشكل المطلوب لاسقاطه. وهكذا تنفذ الولايات المتحدة هذه السياسة حتى يقبل الطرفان بالجلوس الى طاولة مفاوضات تنتهي الى اتفاق سياسي ينهي الثورة ولايسقط النظام بشكل كامل، ويحقق الانتقال السلس للسلطة في سورية.
– ما نتج عن تحول الثورة السورية الى اصطفاف شيعي ضد اصطفاف سني لايضر كثرا بالمصلحة الامريكية ومصلحة الناتو الذي تبنى سياسة واضحة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تقوم على ان العدو الايديولوجي للغرب هو الاسلام. وهذا الإصطفاف سوف يضعف المسلمين في الطرفين الشيعي والسني وهذا ليس امرا يرغب الغرب بدفع ثمن لوقفه من خلال تدخل ينهي هذا الاقتتال، والدليل القوي على ذلك هو ماحدث في الحرب العراقية الايرانية التي ترك الطرفان خلالها يتقاتلان حتى أنهكا معا، بينما كانت الولايات المتحدة تزود الطرفين بالاسلحة وغيرها وتبين ذلك من خلال فضيحة إيران – كونترا.
لذا ستبقى الولايات المتحدة على هذا الموقف وستحاول أن تبقى الوضع على حاله الى أن يصبح الطرفان الثوار والنظام في إنهاك كامل يقبلان عنده الجلوس الى طاولة التفاوض. وهذه هي مشكلة المسؤولين الأمريكيين الذين استلموا الملف السوري وتعاملوا معه، وهذا ما صرح به العديد منهم، إذ انهم حتى الآن يتعاملون مع الملف السوري من وجهة نظرهم ومصالحهم وأمانيهم، دون فهم حقيقي وعملي لماهية الثورة ولا العقلية السائدة للنظام الذي لن يقبل التنازل عن أي من سلطاته المطلقة، ولا للثوار والشعب السوري الذي لن يقبل ببقاء النظام ولافلوله بعد هذه الخسائر والمآسي الإنسانية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا. ولا يتوقع في المدى المنظور ان تغير الولايات المتحدة سياستها تلك بالرغم مما يشاع عن خطط جديدة لتحديث الخطط القديمة الموضوعة لتدخل عسكري محتمل في سورية، الا إذا تقدم الثوار بشكل كبير واقتربوا من تحقيق نصر كبير وواضح على النظام، وعندها ستضطر الولايات المتحدة لدعم التغيير ولكنها ستحاول مع حلفائها الإقليميين – الذين اصبحوا يمسكون بخيوط التحكم في جزء كبير من القيادة العسكرية والثوار وفي القيادة السياسية للمعارضة – أن تتحكم في سير التطورات السياسية لما بعد سقوط النظام لضمان شكل الدولة والحكم الذي سيلي هذا النظام. لذا ليس من المستغرب ابدا ما نراه يجري سواء على الساحة العسكرية التي اخترقها النظام واخترع بعضها، ودعم خارجي لمجموعات بعينها وحرمان أخرى، أو على الساحة السياسية في المعارضة من تسلط على قيادتها وفرض الموالين لهم، وتشرذم وانقسام وانشقاق متعمد واقصاء وتهميش لان هذا كله يخدم مايخطط له في الخارج.
ومع ذلك فإن هذا كله لا يعني انه يمكن أن يتحقق ماتعمل لأجله الدول الخارجية والاقليمية بحذافيره، والأمثلة كثيرة على فشل الدول الكبرى فيما تخططه سواءا في فيتنام او افغانساان او العراق. ويعتمد عدم نجاح ما يخطط له في الخارج في كليته على قدرة الثوار في الداخل على تحقيق النصر الكامل واختيار قيادة سياسية تمثلهم وتستطيع التعامل مع المجتمع الدولي لان سورية في النهاية ليست جزيرة معزولة ويجب ان تكون واحدة من دول العالم المتحضر وتتعامل معه بالشكل المناسب، اما قيادة المعارضة السياسية في الخارج فبالرغم من المساعدات والدعم الطائل الذي تقدمه بعض الدول الاقليمية لها فلن تتمكن من السيطرة سياسيا لاستلام السلطة بعد سقوط النظام لان قدرتها على ذلك محدودة بسبب عدم ضمها لممثلين عن قيادات ثوار الداخل وخسارتها شعبيا بشكل غير متوقع بسبب الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها وتسببت بفقدان ثقة الاصدقاء بها.
وفي الوقت ذاته يجب عدم نكران ماتقدمه الدول العربية والاقليمية والغربية من مساعدات عسكرية وانسانية حتى ولو كانت اقل من المطلوب، وليس الخطأ ان لها مصالح تريد تحقيقها، ولكن الخطأ الا تكون لنا مصالح واضحة وقيادات قادرة على فرضها او اقناع الآخرين بها.
د/بسام العمادي