الأزمة الاقتصادية في مصر
مرسل: السبت مايو 04, 2013 11:33 pm
في الوقت الذي تتعامل فيه واشنطن مع حرب أهلية آخذة في الاتساع داخل سوريا وتحاول منع نشوب صراع مع إيران، ينتاب صناع السياسة الأمريكيون القلق من مغبة أمر طارئ آخر يلوح في الأفق، ألا وهو: الانهيار الاقتصادي في مصر. ووفقاً لما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في زيارته الأخيرة إلى القاهرة، "فإنه من المهم بل والملح أن يتعافى الاقتصاد المصري ويصبح أكثر قوة". إن أمام الولايات المتحدة وحلفائها عدة خيارات لمواجهة هذا القلق، إلا أن كل خيار يتطلب فهماً أكثر اكتمالاً لمشاكل البلاد الاقتصادية، والكيفية التي استجابت فيها الحكومة المصرية حتى الآن.
هل الانهيار وشيك؟
منذ اندلاع الثورة في كانون الثاني/يناير 2011، تعاني مصر بشدة من ركود تضخمي يتعمق يوماً بعد يوم: إذ لم يتجاوز النمو الاقتصادي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 عتبة 2.2 في المائة وفقاً للبيانات الرسمية، فيما ارتفع التضخم في شباط/فبراير 2013 إلى معدل سنوي بلغ 8.7 في المائة وهو أعلى مستوى له منذ عام 2010. وهذا المزيج وضع ضغوطاً متزايدة على المصريين العاديين، الذين يواجهون أسعاراً مرتفعة للسلع الأساسية (مثل والغذاء والدواء) فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 13 في المائة في الربع الأخير من عام 2012، بعد أن كانت 9.8 في المائة خلال نفس الفترة من عام 2010 -- وهو ما يترجم إلى وجود 850,000 عاطل إضافي عن العمل.
وتعود هذه المشاكل إلى حد كبير لعاملين: أولاً وقبل كل شيء، عدم الاستقرار السياسي الذي أدى إلى هجرة رؤوس الأموال وأضر بالشركات المحلية. ثانياً عدم مرونة السياسات المالية والنقدية التي تتبعها القاهرة، لا سيما عجزها المتزايد في الميزانية (نتيجة للدعم الكبير للغذاء الوقود) وجهودها للدفاع عن انخفاض قيمة الجنيه المصري.
كما أن عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب الثورة، التي لم تهدأ بعد، أدى إلى تدفق واسع النطاق للاستثمار الأجنبي المباشر ولاستثمارات المحافظ المالية؛ ووفقاً لـ "البنك المركزي المصري"، بلغت هذه الخسائر418.1 مليون دولار و 3.3 مليار دولار على التوالي، في النصف الثاني من عام 2011. وقد شجع هذا بدوره المصريين على تحويل ودائعهم إلى الدولار ونقل الأموال إلى الخارج، مما فاقم الضغوط على الجنيه.
وقد صاحب هجرة رؤوس الأموال تراجع حاد في السياحة، التي تعتبر مصدر هام آخر للنقد الأجنبي. فقد ذكرت وزارة السياحة المصرية أن "خسائر" إيراداتها من السياحة بلغت 2.5 مليار دولار مقارنة بالمستويات المعيارية التي كانت سائدة قبل الثورة، وقد درّج "المنتدى الاقتصادي العالمي" البلاد مؤخراً -- وبشكل مدمِّر -- على أنها واحدة من أكثر المقاصد خطورة بالنسبة للسياح. وقد خفضت هذه التطورات الطلب على الجنيه، الذي تراجعت قيمته من نحو 5.8 للدولار في عام 2010 إلى معدل قياسي بلغ 6.78 اليوم (وقد تردد أن سعره في السوق السوداء هو 7.3 جنيه للدولار).
وفي محاولة لتجنب زيادة أسعار الواردات الأساسية المُسعّرة بالدولار، تحرك "البنك المركزي" للدفاع عن قيمة الجنيه، مما أدى إلى تراجع حاد في احتياطيات النقد الأجنبي لمصر لتصل من نحو 37 مليار دولار قبل الثورة إلى نحو 13.5 مليار دولار اليوم. وعلاوة على ذلك، يُشار إلى أن نصف هذه الاحتياطيات تقريباً هي في شكل ذهب، وهو بصفة أساسية سلعة غير سائلة لأنها مودعة في مصر. وهذا يعني أن الاحتياطيات المتاحة كافية لتغطية الواردات لمدة شهر واحد، وهو أمر بالغ الخطورة نظراً لحاجة مصر إلى شراء الوقود والقمح في الأسواق العالمية وخدمة ديونها الخارجية.
وفي غضون ذلك، زاد العجز والديون في ميزانية الحكومة بعد الثورة بمعدل متسارع مع تراجع قيمة الجنيه. كما تسببت أسعار السلع العالمية المرتفعة في زيادة عبء الدعم الواقع على كاهل القاهرة (الذي يمثل ما لا يقل عن 27 في المائة من مجموع الإنفاق الحكومي). وقد رافق ذلك كله زيادة في الإنفاق على الإعانات الاجتماعية، وهو مطلب رئيسي للثورة. وبشكل إجمالي، ارتفع الإنفاق على الدعم والضمان الاجتماعي بنسبة 49 في المائة من تموز/يوليو 2012 إلى كانون الثاني/يناير 2013 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، كما ارتفع عجز الموازنة ليصل إلى 17.7 مليار دولار في تلك الفترة، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 27-34 مليار دولار بحلول تموز/يوليو. ومع التخفيض المتكرر لتصنيف مصر الائتماني على المستوى الدولي، اضطرت الحكومة إلى تمويل هذا العجز الهائل من خلال الاعتماد بشكل شبه كامل على الديون المحلية، التي ارتفعت العام الماضي 34 مليار دولار لتصل إلى 184 مليار دولار، أو ما يقرب من 70 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي". وقد أدى ذلك إلى زيادة تكاليف الاقتراض الداخلي، مما خفض من معدلات اقتراض القطاع الخاص الذي يمثل أهمية حيوية لتجدد النمو الاقتصادي.
إن النظر إلى هذه التطورات مجتمعة يرسم صورة قاتمة للمصريين، لا سيما في حالة عجز الحكومة عن توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد الوقود والغذاء، مما أدى إلى حدوث نقص فيها. ووفقاً لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية، تمثل المنتجات الغذائية 17 في المائة تقريباً من واردات البلاد، بينما تمثل المنتجات النفطية نحو 18 في المائة. وقد زادت هذه الواردات من 2011 إلى 2012، بما لا يقل عن 10 و28 في المائة على التوالي. كما تتحدث التقارير عن أن مخزون مصر من القمح يواجه ضغوطاً، حيث انخفض من ستة أشهر إلى ثلاثة. كما أن الخيار البديل -- وهو إنهاء دفاع "البنك المركزي" عن الجنيه -- قد يعني تراجعاً حاداً في قيمة العملة، وقيام تضخم كبير، وحتى حدوث المزيد من الضغوط على الميزانية والمصارف. وعلى أي حال، فإن مصر تواجه احتمالية أن تمر بصعوبات اقتصادية ضخمة واضطرابات اجتماعية أخرى.
ومن جانبها، تبدو الحكومة المصرية معتمدة على سيناريو ثالث -- وهو محاولة الخروج من الأزمة بأقل الخسائر. وتقوم السياسة الحالية للرئيس مرسي على خفض واردات الغذاء والوقود، ولكن ليس إلى مستوى الأزمة، مع الاعتماد على المساعدات المؤقتة من الدول الشقيقة لمنع احتياطي "البنك المركزي" من النقد الأجنبي من الوصول إلى مستويات حرجة. ومع ذلك، لا يمكن استمرار هذه السياسة إلى أجل غير مسمى؛ وهنا ينبغي الإشارة إلى أن القلق العام أدى إلى زيادة معدلات دولرة الودائع، كما أن مدفوعات الديون القادمة قد تجتمع مع عوامل أخرى لتتسبب في أزمة أكثر عمقاً (على غرار مدفوعات "نادي باريس" التي بلغت قيمتها 650 مليون دولار والتي سددتها القاهرة بالفعل في كانون الثاني/يناير، مما أدى إلى تراجع حاد في الاحتياطيات).
هل ينقذ "صندوق النقد الدولي" الوضع الاقتصادي؟
بينما تتلمس حكومة مرسي طريقها للخروج من الأزمة، يبدو أنها علقت آمالها على مصدرين خارجيين لرأس المال. الأول هو الأموال التي يُفترض وجودها في الخارج والمملوكة للمسؤولين السابقين في حكومة مبارك. إلا أن وزير المالية المصري أعلن مؤخراً أنه لم يتم استرداد سوى أقل من 15 مليون دولار من تلك الأموال حتى الآن، على الرغم من تقارير وسائل الاعلام المحلية بأن هناك مليارات الدولارات جاهزة للاستعادة. ويرجح أن يكون العائد النهائي الناتج عن هذه المساعي مخيباً للآمال بسبب التحديات القانونية الدولية. وعلاوة على ذلك، إن السعي الذي يبدو في بعض الأحيان متقلباً وغريباً لاسترداد تلك الأموال أضر ببيئة العمل المحلية، وقد يردع أيضاً المستثمرين المحليين والأجانب. والمثال الأخير على ذلك هو التراجع الحاد في البورصة المصرية، الذي أعقب فرض حظر على سفر أفراد من عائلة ساويرس الثرية. ومهما كانت المكاسب قصيرة الأجل التي تحققها تلك المساعي، إلا أن الملاحقة المُسيسة في ظاهرها لرجال الأعمال من المرجح أن تقوض من تعافي البلاد.
كما تسعى القاهرة إلى التوصل إلى اتفاق عاجل مع "صندوق النقد الدولي" للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، إلى جانب العديد من مليارات الدولارات بشكل مساعدات إضافية من الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى -- التي تعتمد جميعها على التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولي". وقد ذكرت التقارير أن مصر و"صندوق النقد الدولي" قد توصلا إلى اتفاق مبدئي في أواخر 2012 على خطة إصلاحية، لكن القاهرة تراجعت عن ضريبة إلزامية خلال ساعات من الإعلان عنها، مما أدى إلى تقويض الاتفاق. وعلى الرغم من أن العديد من المراقبين قد توقعوا أن يخفف "صندوق النقد الدولي" من شروطه -- سواء لأن مصر هي "أكبر من أن تسقط"، أو استجابة لضغوط من جانب إدارة أوباما، التي أيدت مرسي بقوة -- إلا أن "الصندوق" تمسك بشروطه. ولا شك أن "صندوق النقد الدولي" والجهات المانحة الأخرى تدرك أن إعطاء مصر المال في ظل الظروف الحالية -- مثل 5 مليارات دولار أو أكثر قدمتها قطر بالفعل و 2 مليار دولار أرسلتها ليبيا في الآونة الأخيرة -- لن يعمل سوى على إطالة المدة التي تستغرقها القاهرة لاستهلاك احتياطياتها الأجنبية، دون معالجة مشاكل البلاد الاقتصادية الأساسية.
ومن غير المرجح أن تتدفق إعانات "صندوق النقد الدولي" أو غيرها من المساعدات الدولية الكبرى إلى مصر حتى تقوم حكومة مرسي بثلاثة أمور:
1. تقديم خطة إصلاحية موثوق بها تعالج التحديات الاقتصادية الرئيسية، وهي تحديداً استبدال نظام الدعم المُكلِّف والمتخلف بإنفاق اجتماعي مستهدَف، ودعم الإيرادات الضريبية، والسماح بتحرك سعر صرف الجنيه بحرية أكبر، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، بما في ذلك للأجانب.
2. بذل جهود سياسية لتأمين دعم واسع لخطة الإصلاح وبناء إجماع على الخطة الاقتصادية المستقبلية. ونظراً للحالة الهشة للسياسة المصرية، فمن المرجح أن يتطلب ذلك قيام مرسي بمعالجة الشكاوى الأولية الأخرى للمعارضة، وخاصة الدستور المعيب الجديد الذي تم اعتماده على الرغم من اعتراضات الأحزاب غير الإسلامية.
3. تعزيز قدرات الحكومة على تطبيق الخطة الإصلاحية من خلال الاعتماد على المواهب المصرية من خارج الدائرة الأيديولوجية لجماعة «الإخوان المسلمين» لشغل مناصب وزارية رئيسية، وهو شيء تردد مرسي حتى الآن عن القيام به.
يشار إلى أن الخطوتين الأخيرتين سوف تمثلان تغيراً هائلاً على نحو خاص، نظراً لأن جماعة «الإخوان المسلمين» تبدو حالياً أكثر تحمساً لخوض معارك أيديولوجية أكثر من حرصها على تعزيز المصالحة السياسية وتعزيز المصالح الوطنية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، لن يكون مرسي متحمساً للقيام بهذا العمل الشاق، حيث إنه سيضر على الأرجح بحظوظ «الإخوان» الانتخابية. والواقع أن «الجماعة» تنظر إلى فوزها الانتخابي المتوقع على أنه بديل للإجماع السياسي الذي يمكن أن يتحقق بصعوبة بالغة. ولهذا قد يحاول قادة «الإخوان» تحمل هذه الأزمة الاقتصادية حتى ذلك الحين. غير أنه في ضوء الإطار الزمني الممتد للانتخابات، فقد لا يتمكن مرسي من درء الأزمة لفترة طويلة. وحتى لو تمكن من ذلك، فإن الشروط المسبقة الثلاثة التي وضعها المجتمع الدولي للحصول على مساعدات، من المحتمل أن تبقى سارية المفعول بعد التصويت.
وعلى افتراض أن جماعة «الإخوان المسلمين» قادرة على درء المخاطر السياسية المباشرة الناجمة عن تشريع إصلاحات مؤلمة قبل الانتخابات، إلا أن العديدين يثيرون أسئلة حول قدرتها على إحداث تحويل في نهجها الأوسع للحكم بما يفي بمتطلبات المانحين الدوليين والمستثمرين على نحو كافٍ. وهذا يعني تحديداً التخلي عن النهج الشعبوي الاقتصادي، وتعيين التكنوقراط بدلاً من المنظرين، وكسب غير الإسلاميين بدلاً من قهرهم.
وأخيراً، وحتى لو كانت المساعدات الخارجية قريبة، إلا أنها لن تكون سوى بمثابة جسر مؤقت إلى حين استئناف تدفقات رؤوس الأموال من القطاع الخاص وبدء المصريين أنفسهم في إعادة الاستثمار في الاقتصاد. ونظراً للاضطرابات المستمرة التي كبلت البلاد خلال الشهور الأخيرة، فإن مجرد تأمين اتفاق مع "صندوق النقد الدولي" من غير المرجح أن يقنع المستثمرين من القطاع الخاص، ناهيك عن السياح، بالعودة. إذ سوف يتطلب ذلك فترة طويلة من الاستقرار السياسي والهدوء، الذي يمكن أن يكون محصلة ثانوية نهائية لكنها غير مباشرة للإجراءات التي سلف بيانها.
التداعيات على سياسة الولايات المتحدة
في ضوء التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه مصر، فإن دعم الميزانية بمبلغ 190 مليون دولار الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي كيري خلال زيارته كانت رمزية بحتة. وفي الواقع، قد يضر هذا الدعم أكثر مما ينفع -- فبالإضافة إلى خرقه للتضامن الدولي المتمثل بمنع المساعدات حتى يتم التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولي"، ربما عزز هذا التعهد وجهة نظر مرسي بأن دعم الولايات المتحدة قادم بغض النظر عن نهج «الإخوان المسلمين» في السياسة الاقتصادية والحكم. إن مصلحة الولايات المتحدة لا تتمثل ببساطة في بناء علاقات تقوم على حسن النوايا مع الحكومة الحالية، بل في ضمان تجنب مصر انهيارها الاقتصادي -- مع ما يصاحب ذلك من مخاطر قيام اضطرابات أعمق -- واتباعها طريق التطور الديمقراطي والانتعاش الاقتصادي.
بيد أن المساعي لفرض شروط على المعونة الأمريكية إلى مصر تعقدها حقيقة أن التمويل الثنائي يوفر بعض النفوذ المفيد في ضوء حجم احتياجات القاهرة من التمويل الخارجي. وإذا ما نما عجز الميزانية في مصر كما هو متوقع، فحتى الـ 3 مليارات دولار من المساعدات السنوية الإجمالية -- بما في ذلك المساعدة العسكرية -- التي تقدم عادة من قبل واشنطن تمثل حوالي 10 في المائة فقط من الفجوة المالية للقاهرة. إن الربط الناجح للمعونة ببعض الشروط يتطلب أن تنظر مصر إلى هذه الشروط على أنها أقل تكلفة من ترك المساعدات بالكلية -- على افتراض أن هدف واشنطن هو الوفاء بتلك الشروط وصرف المساعدات وليس مجرد استخدام الشروط لإرسال رسالة مع توقع عدم الوفاء بتلك الشروط، وهذا يعني أنه سيتم حجب المساعدات.
وهذا يترك لواشنطن خيارين اقتصاديين قابلين للتنفيذ لربط المعونة الاقتصادية ببعض الشروط (المساعدات العسكرية هي مسألة منفصلة). أولاً، تستطيع واشنطن فرض شروط "سهلة" أو دون وضع أية شروط على الإطلاق، بحيث تتلقى القاهرة الأموال بغض النظر عن أي شيء، وهذا يمثل النهج الحالي بصفة أساسية. وكما ذكر أعلاه، وبغض النظر عن محدودية المكاسب لهذا النهج على المدى القصير، تتضاءل تلك المكاسب مقارنة بالفرصة الضائعة للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد وتشكيل نهج «الإخوان المسلمين» في الحكم.
والخيار البديل هو توحيد جميع المانحين وراء مظلة شروط مشتركة، أبرزها التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولي". وهذا النهج سيمنح واشنطن المزيد من النفوذ، لأن إجمالي المساعدات الخارجية على المحك قد تصل إلى 15 مليار دولار أو أكثر. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تتمتع الشروط المفروضة بدعم دولي قوي، وإلى دعم معيّن في مصر.
ينبغي على إدارة أوباما استخدام هذا النفوذ، وعلاقتها القوية مع الحكومة المصرية لتحقيق آثار إيجابية أوسع نطاقاً تنطوي عليها تلبية القاهرة لشروط اتفاق مع "صندوق النقد الدولي". وهذا لا يعني تقييد نفسها لشروط اقتصادية. وبدلاً من ذلك، يعني ذلك إقناع مرسي باتخاذ مجموعة واسعة من القرارات الحيوية بل المؤلمة (إصلاح اقتصادي ذو مصداقية، ومصالحة سياسية، وبناء قدرات في الوزارات الرئيسية) اللازمة لتأمين المساعدات الدولية -- ويفضل أن يأتي ذلك قبل الانتخابات البرلمانية، وقد يكون بعدها إذا لزم الأمر. وإذا تمت إضافة شروط أخرى، يجب على واشنطن بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لكسب الدعم الدولي لها بحيث لا يعتقد مرسي بأن بإمكانه ببساطة تجاهل مطالب الولايات المتحدة.
كما يمكن لإدارة أوباما أن تزيد من تأثيرها عن طريق إقناع حلفائها الإقليميين بالتعهد بتقديم المزيد من المساعدات شرط تعهد القاهرة باتخاذ الخطوات المذكورة أعلاه. ولدى هؤلاء الحلفاء القدرة على تقديم المساعدات، لكن ينتابهم قلق من جماعة «الإخوان». ينبغي على واشنطن إقناعهم بأن مصالحهم ستتحقق بشكل أفضل من خلال تقديم مساعدات مشروطة كحافز لـ «الجماعة» على تغيير نهجها في الحكم؛ إن البديل هو انهيار اقتصادي محتمل في مصر، مع ما يصاحب ذلك من عواقب على الاستقرار الإقليمي.
وقد انتقد البعض هذا النهج على أنه "يترك مصر تواجه مصير الفشل". بيد أنه ليس بمقدور واشنطن أو "صندوق النقد الدولي" أن يمنعا انهيار مصر. إن أفضل ما تستطيع الولايات المتحدة القيام به هو مساعدة حكومة مرسي على مساعدة نفسها -- أو، إذا اثبتت القاهرة عدم استعدادها للقيام بذلك، عليها أن تعد نفسها لعواقب أزمة اقتصادية أكثر عمقاً في مصر.
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
هل الانهيار وشيك؟
منذ اندلاع الثورة في كانون الثاني/يناير 2011، تعاني مصر بشدة من ركود تضخمي يتعمق يوماً بعد يوم: إذ لم يتجاوز النمو الاقتصادي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 عتبة 2.2 في المائة وفقاً للبيانات الرسمية، فيما ارتفع التضخم في شباط/فبراير 2013 إلى معدل سنوي بلغ 8.7 في المائة وهو أعلى مستوى له منذ عام 2010. وهذا المزيج وضع ضغوطاً متزايدة على المصريين العاديين، الذين يواجهون أسعاراً مرتفعة للسلع الأساسية (مثل والغذاء والدواء) فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 13 في المائة في الربع الأخير من عام 2012، بعد أن كانت 9.8 في المائة خلال نفس الفترة من عام 2010 -- وهو ما يترجم إلى وجود 850,000 عاطل إضافي عن العمل.
وتعود هذه المشاكل إلى حد كبير لعاملين: أولاً وقبل كل شيء، عدم الاستقرار السياسي الذي أدى إلى هجرة رؤوس الأموال وأضر بالشركات المحلية. ثانياً عدم مرونة السياسات المالية والنقدية التي تتبعها القاهرة، لا سيما عجزها المتزايد في الميزانية (نتيجة للدعم الكبير للغذاء الوقود) وجهودها للدفاع عن انخفاض قيمة الجنيه المصري.
كما أن عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب الثورة، التي لم تهدأ بعد، أدى إلى تدفق واسع النطاق للاستثمار الأجنبي المباشر ولاستثمارات المحافظ المالية؛ ووفقاً لـ "البنك المركزي المصري"، بلغت هذه الخسائر418.1 مليون دولار و 3.3 مليار دولار على التوالي، في النصف الثاني من عام 2011. وقد شجع هذا بدوره المصريين على تحويل ودائعهم إلى الدولار ونقل الأموال إلى الخارج، مما فاقم الضغوط على الجنيه.
وقد صاحب هجرة رؤوس الأموال تراجع حاد في السياحة، التي تعتبر مصدر هام آخر للنقد الأجنبي. فقد ذكرت وزارة السياحة المصرية أن "خسائر" إيراداتها من السياحة بلغت 2.5 مليار دولار مقارنة بالمستويات المعيارية التي كانت سائدة قبل الثورة، وقد درّج "المنتدى الاقتصادي العالمي" البلاد مؤخراً -- وبشكل مدمِّر -- على أنها واحدة من أكثر المقاصد خطورة بالنسبة للسياح. وقد خفضت هذه التطورات الطلب على الجنيه، الذي تراجعت قيمته من نحو 5.8 للدولار في عام 2010 إلى معدل قياسي بلغ 6.78 اليوم (وقد تردد أن سعره في السوق السوداء هو 7.3 جنيه للدولار).
وفي محاولة لتجنب زيادة أسعار الواردات الأساسية المُسعّرة بالدولار، تحرك "البنك المركزي" للدفاع عن قيمة الجنيه، مما أدى إلى تراجع حاد في احتياطيات النقد الأجنبي لمصر لتصل من نحو 37 مليار دولار قبل الثورة إلى نحو 13.5 مليار دولار اليوم. وعلاوة على ذلك، يُشار إلى أن نصف هذه الاحتياطيات تقريباً هي في شكل ذهب، وهو بصفة أساسية سلعة غير سائلة لأنها مودعة في مصر. وهذا يعني أن الاحتياطيات المتاحة كافية لتغطية الواردات لمدة شهر واحد، وهو أمر بالغ الخطورة نظراً لحاجة مصر إلى شراء الوقود والقمح في الأسواق العالمية وخدمة ديونها الخارجية.
وفي غضون ذلك، زاد العجز والديون في ميزانية الحكومة بعد الثورة بمعدل متسارع مع تراجع قيمة الجنيه. كما تسببت أسعار السلع العالمية المرتفعة في زيادة عبء الدعم الواقع على كاهل القاهرة (الذي يمثل ما لا يقل عن 27 في المائة من مجموع الإنفاق الحكومي). وقد رافق ذلك كله زيادة في الإنفاق على الإعانات الاجتماعية، وهو مطلب رئيسي للثورة. وبشكل إجمالي، ارتفع الإنفاق على الدعم والضمان الاجتماعي بنسبة 49 في المائة من تموز/يوليو 2012 إلى كانون الثاني/يناير 2013 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، كما ارتفع عجز الموازنة ليصل إلى 17.7 مليار دولار في تلك الفترة، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 27-34 مليار دولار بحلول تموز/يوليو. ومع التخفيض المتكرر لتصنيف مصر الائتماني على المستوى الدولي، اضطرت الحكومة إلى تمويل هذا العجز الهائل من خلال الاعتماد بشكل شبه كامل على الديون المحلية، التي ارتفعت العام الماضي 34 مليار دولار لتصل إلى 184 مليار دولار، أو ما يقرب من 70 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي". وقد أدى ذلك إلى زيادة تكاليف الاقتراض الداخلي، مما خفض من معدلات اقتراض القطاع الخاص الذي يمثل أهمية حيوية لتجدد النمو الاقتصادي.
إن النظر إلى هذه التطورات مجتمعة يرسم صورة قاتمة للمصريين، لا سيما في حالة عجز الحكومة عن توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد الوقود والغذاء، مما أدى إلى حدوث نقص فيها. ووفقاً لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية، تمثل المنتجات الغذائية 17 في المائة تقريباً من واردات البلاد، بينما تمثل المنتجات النفطية نحو 18 في المائة. وقد زادت هذه الواردات من 2011 إلى 2012، بما لا يقل عن 10 و28 في المائة على التوالي. كما تتحدث التقارير عن أن مخزون مصر من القمح يواجه ضغوطاً، حيث انخفض من ستة أشهر إلى ثلاثة. كما أن الخيار البديل -- وهو إنهاء دفاع "البنك المركزي" عن الجنيه -- قد يعني تراجعاً حاداً في قيمة العملة، وقيام تضخم كبير، وحتى حدوث المزيد من الضغوط على الميزانية والمصارف. وعلى أي حال، فإن مصر تواجه احتمالية أن تمر بصعوبات اقتصادية ضخمة واضطرابات اجتماعية أخرى.
ومن جانبها، تبدو الحكومة المصرية معتمدة على سيناريو ثالث -- وهو محاولة الخروج من الأزمة بأقل الخسائر. وتقوم السياسة الحالية للرئيس مرسي على خفض واردات الغذاء والوقود، ولكن ليس إلى مستوى الأزمة، مع الاعتماد على المساعدات المؤقتة من الدول الشقيقة لمنع احتياطي "البنك المركزي" من النقد الأجنبي من الوصول إلى مستويات حرجة. ومع ذلك، لا يمكن استمرار هذه السياسة إلى أجل غير مسمى؛ وهنا ينبغي الإشارة إلى أن القلق العام أدى إلى زيادة معدلات دولرة الودائع، كما أن مدفوعات الديون القادمة قد تجتمع مع عوامل أخرى لتتسبب في أزمة أكثر عمقاً (على غرار مدفوعات "نادي باريس" التي بلغت قيمتها 650 مليون دولار والتي سددتها القاهرة بالفعل في كانون الثاني/يناير، مما أدى إلى تراجع حاد في الاحتياطيات).
هل ينقذ "صندوق النقد الدولي" الوضع الاقتصادي؟
بينما تتلمس حكومة مرسي طريقها للخروج من الأزمة، يبدو أنها علقت آمالها على مصدرين خارجيين لرأس المال. الأول هو الأموال التي يُفترض وجودها في الخارج والمملوكة للمسؤولين السابقين في حكومة مبارك. إلا أن وزير المالية المصري أعلن مؤخراً أنه لم يتم استرداد سوى أقل من 15 مليون دولار من تلك الأموال حتى الآن، على الرغم من تقارير وسائل الاعلام المحلية بأن هناك مليارات الدولارات جاهزة للاستعادة. ويرجح أن يكون العائد النهائي الناتج عن هذه المساعي مخيباً للآمال بسبب التحديات القانونية الدولية. وعلاوة على ذلك، إن السعي الذي يبدو في بعض الأحيان متقلباً وغريباً لاسترداد تلك الأموال أضر ببيئة العمل المحلية، وقد يردع أيضاً المستثمرين المحليين والأجانب. والمثال الأخير على ذلك هو التراجع الحاد في البورصة المصرية، الذي أعقب فرض حظر على سفر أفراد من عائلة ساويرس الثرية. ومهما كانت المكاسب قصيرة الأجل التي تحققها تلك المساعي، إلا أن الملاحقة المُسيسة في ظاهرها لرجال الأعمال من المرجح أن تقوض من تعافي البلاد.
كما تسعى القاهرة إلى التوصل إلى اتفاق عاجل مع "صندوق النقد الدولي" للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، إلى جانب العديد من مليارات الدولارات بشكل مساعدات إضافية من الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى -- التي تعتمد جميعها على التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولي". وقد ذكرت التقارير أن مصر و"صندوق النقد الدولي" قد توصلا إلى اتفاق مبدئي في أواخر 2012 على خطة إصلاحية، لكن القاهرة تراجعت عن ضريبة إلزامية خلال ساعات من الإعلان عنها، مما أدى إلى تقويض الاتفاق. وعلى الرغم من أن العديد من المراقبين قد توقعوا أن يخفف "صندوق النقد الدولي" من شروطه -- سواء لأن مصر هي "أكبر من أن تسقط"، أو استجابة لضغوط من جانب إدارة أوباما، التي أيدت مرسي بقوة -- إلا أن "الصندوق" تمسك بشروطه. ولا شك أن "صندوق النقد الدولي" والجهات المانحة الأخرى تدرك أن إعطاء مصر المال في ظل الظروف الحالية -- مثل 5 مليارات دولار أو أكثر قدمتها قطر بالفعل و 2 مليار دولار أرسلتها ليبيا في الآونة الأخيرة -- لن يعمل سوى على إطالة المدة التي تستغرقها القاهرة لاستهلاك احتياطياتها الأجنبية، دون معالجة مشاكل البلاد الاقتصادية الأساسية.
ومن غير المرجح أن تتدفق إعانات "صندوق النقد الدولي" أو غيرها من المساعدات الدولية الكبرى إلى مصر حتى تقوم حكومة مرسي بثلاثة أمور:
1. تقديم خطة إصلاحية موثوق بها تعالج التحديات الاقتصادية الرئيسية، وهي تحديداً استبدال نظام الدعم المُكلِّف والمتخلف بإنفاق اجتماعي مستهدَف، ودعم الإيرادات الضريبية، والسماح بتحرك سعر صرف الجنيه بحرية أكبر، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، بما في ذلك للأجانب.
2. بذل جهود سياسية لتأمين دعم واسع لخطة الإصلاح وبناء إجماع على الخطة الاقتصادية المستقبلية. ونظراً للحالة الهشة للسياسة المصرية، فمن المرجح أن يتطلب ذلك قيام مرسي بمعالجة الشكاوى الأولية الأخرى للمعارضة، وخاصة الدستور المعيب الجديد الذي تم اعتماده على الرغم من اعتراضات الأحزاب غير الإسلامية.
3. تعزيز قدرات الحكومة على تطبيق الخطة الإصلاحية من خلال الاعتماد على المواهب المصرية من خارج الدائرة الأيديولوجية لجماعة «الإخوان المسلمين» لشغل مناصب وزارية رئيسية، وهو شيء تردد مرسي حتى الآن عن القيام به.
يشار إلى أن الخطوتين الأخيرتين سوف تمثلان تغيراً هائلاً على نحو خاص، نظراً لأن جماعة «الإخوان المسلمين» تبدو حالياً أكثر تحمساً لخوض معارك أيديولوجية أكثر من حرصها على تعزيز المصالحة السياسية وتعزيز المصالح الوطنية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، لن يكون مرسي متحمساً للقيام بهذا العمل الشاق، حيث إنه سيضر على الأرجح بحظوظ «الإخوان» الانتخابية. والواقع أن «الجماعة» تنظر إلى فوزها الانتخابي المتوقع على أنه بديل للإجماع السياسي الذي يمكن أن يتحقق بصعوبة بالغة. ولهذا قد يحاول قادة «الإخوان» تحمل هذه الأزمة الاقتصادية حتى ذلك الحين. غير أنه في ضوء الإطار الزمني الممتد للانتخابات، فقد لا يتمكن مرسي من درء الأزمة لفترة طويلة. وحتى لو تمكن من ذلك، فإن الشروط المسبقة الثلاثة التي وضعها المجتمع الدولي للحصول على مساعدات، من المحتمل أن تبقى سارية المفعول بعد التصويت.
وعلى افتراض أن جماعة «الإخوان المسلمين» قادرة على درء المخاطر السياسية المباشرة الناجمة عن تشريع إصلاحات مؤلمة قبل الانتخابات، إلا أن العديدين يثيرون أسئلة حول قدرتها على إحداث تحويل في نهجها الأوسع للحكم بما يفي بمتطلبات المانحين الدوليين والمستثمرين على نحو كافٍ. وهذا يعني تحديداً التخلي عن النهج الشعبوي الاقتصادي، وتعيين التكنوقراط بدلاً من المنظرين، وكسب غير الإسلاميين بدلاً من قهرهم.
وأخيراً، وحتى لو كانت المساعدات الخارجية قريبة، إلا أنها لن تكون سوى بمثابة جسر مؤقت إلى حين استئناف تدفقات رؤوس الأموال من القطاع الخاص وبدء المصريين أنفسهم في إعادة الاستثمار في الاقتصاد. ونظراً للاضطرابات المستمرة التي كبلت البلاد خلال الشهور الأخيرة، فإن مجرد تأمين اتفاق مع "صندوق النقد الدولي" من غير المرجح أن يقنع المستثمرين من القطاع الخاص، ناهيك عن السياح، بالعودة. إذ سوف يتطلب ذلك فترة طويلة من الاستقرار السياسي والهدوء، الذي يمكن أن يكون محصلة ثانوية نهائية لكنها غير مباشرة للإجراءات التي سلف بيانها.
التداعيات على سياسة الولايات المتحدة
في ضوء التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه مصر، فإن دعم الميزانية بمبلغ 190 مليون دولار الذي أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي كيري خلال زيارته كانت رمزية بحتة. وفي الواقع، قد يضر هذا الدعم أكثر مما ينفع -- فبالإضافة إلى خرقه للتضامن الدولي المتمثل بمنع المساعدات حتى يتم التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولي"، ربما عزز هذا التعهد وجهة نظر مرسي بأن دعم الولايات المتحدة قادم بغض النظر عن نهج «الإخوان المسلمين» في السياسة الاقتصادية والحكم. إن مصلحة الولايات المتحدة لا تتمثل ببساطة في بناء علاقات تقوم على حسن النوايا مع الحكومة الحالية، بل في ضمان تجنب مصر انهيارها الاقتصادي -- مع ما يصاحب ذلك من مخاطر قيام اضطرابات أعمق -- واتباعها طريق التطور الديمقراطي والانتعاش الاقتصادي.
بيد أن المساعي لفرض شروط على المعونة الأمريكية إلى مصر تعقدها حقيقة أن التمويل الثنائي يوفر بعض النفوذ المفيد في ضوء حجم احتياجات القاهرة من التمويل الخارجي. وإذا ما نما عجز الميزانية في مصر كما هو متوقع، فحتى الـ 3 مليارات دولار من المساعدات السنوية الإجمالية -- بما في ذلك المساعدة العسكرية -- التي تقدم عادة من قبل واشنطن تمثل حوالي 10 في المائة فقط من الفجوة المالية للقاهرة. إن الربط الناجح للمعونة ببعض الشروط يتطلب أن تنظر مصر إلى هذه الشروط على أنها أقل تكلفة من ترك المساعدات بالكلية -- على افتراض أن هدف واشنطن هو الوفاء بتلك الشروط وصرف المساعدات وليس مجرد استخدام الشروط لإرسال رسالة مع توقع عدم الوفاء بتلك الشروط، وهذا يعني أنه سيتم حجب المساعدات.
وهذا يترك لواشنطن خيارين اقتصاديين قابلين للتنفيذ لربط المعونة الاقتصادية ببعض الشروط (المساعدات العسكرية هي مسألة منفصلة). أولاً، تستطيع واشنطن فرض شروط "سهلة" أو دون وضع أية شروط على الإطلاق، بحيث تتلقى القاهرة الأموال بغض النظر عن أي شيء، وهذا يمثل النهج الحالي بصفة أساسية. وكما ذكر أعلاه، وبغض النظر عن محدودية المكاسب لهذا النهج على المدى القصير، تتضاءل تلك المكاسب مقارنة بالفرصة الضائعة للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد وتشكيل نهج «الإخوان المسلمين» في الحكم.
والخيار البديل هو توحيد جميع المانحين وراء مظلة شروط مشتركة، أبرزها التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولي". وهذا النهج سيمنح واشنطن المزيد من النفوذ، لأن إجمالي المساعدات الخارجية على المحك قد تصل إلى 15 مليار دولار أو أكثر. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تتمتع الشروط المفروضة بدعم دولي قوي، وإلى دعم معيّن في مصر.
ينبغي على إدارة أوباما استخدام هذا النفوذ، وعلاقتها القوية مع الحكومة المصرية لتحقيق آثار إيجابية أوسع نطاقاً تنطوي عليها تلبية القاهرة لشروط اتفاق مع "صندوق النقد الدولي". وهذا لا يعني تقييد نفسها لشروط اقتصادية. وبدلاً من ذلك، يعني ذلك إقناع مرسي باتخاذ مجموعة واسعة من القرارات الحيوية بل المؤلمة (إصلاح اقتصادي ذو مصداقية، ومصالحة سياسية، وبناء قدرات في الوزارات الرئيسية) اللازمة لتأمين المساعدات الدولية -- ويفضل أن يأتي ذلك قبل الانتخابات البرلمانية، وقد يكون بعدها إذا لزم الأمر. وإذا تمت إضافة شروط أخرى، يجب على واشنطن بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لكسب الدعم الدولي لها بحيث لا يعتقد مرسي بأن بإمكانه ببساطة تجاهل مطالب الولايات المتحدة.
كما يمكن لإدارة أوباما أن تزيد من تأثيرها عن طريق إقناع حلفائها الإقليميين بالتعهد بتقديم المزيد من المساعدات شرط تعهد القاهرة باتخاذ الخطوات المذكورة أعلاه. ولدى هؤلاء الحلفاء القدرة على تقديم المساعدات، لكن ينتابهم قلق من جماعة «الإخوان». ينبغي على واشنطن إقناعهم بأن مصالحهم ستتحقق بشكل أفضل من خلال تقديم مساعدات مشروطة كحافز لـ «الجماعة» على تغيير نهجها في الحكم؛ إن البديل هو انهيار اقتصادي محتمل في مصر، مع ما يصاحب ذلك من عواقب على الاستقرار الإقليمي.
وقد انتقد البعض هذا النهج على أنه "يترك مصر تواجه مصير الفشل". بيد أنه ليس بمقدور واشنطن أو "صندوق النقد الدولي" أن يمنعا انهيار مصر. إن أفضل ما تستطيع الولايات المتحدة القيام به هو مساعدة حكومة مرسي على مساعدة نفسها -- أو، إذا اثبتت القاهرة عدم استعدادها للقيام بذلك، عليها أن تعد نفسها لعواقب أزمة اقتصادية أكثر عمقاً في مصر.
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.