المفهوم الرأسي للانتشار النووي
مرسل: الأحد مايو 05, 2013 12:42 am
المفهوم الرأسي للانتشار النووي
أشرف عبدالعزيز عبدالقادر
السلاح النووييميز صانعو السياسة والاستراتيجيون بين مفهومين رئيسين للانتشار النووي، أولهما: المفهوم الأفقي ويُقصد به انتشار الأسلحة النووية لدى دول أخرى غير القوى النووية الخمس المعترف بها في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي السابق (روسيا الاتحادية حالياً)، وبريطانيا، والصين، وفرنسا، والمفهوم المقابل له هو منع الانتشار النووي؛ وثانيهما: المفهوم الرأسي للانتشار، ويقصد به زيادة وتطوير حجم ونوعية الأسلحة النووية لدى الدول التي تمتلك الأسلحة النووية بالفعل، والمفهوم المقابل له هو نزع السلاح النووي.
وفي واقع الأمر، فإن المفهوم الرئيس الذي تتعامل معه معظم إن لم يكن كل دراسات الانتشار النووي هو المفهوم الأفقي الذي يعني زيادة عدد الدول المالكة للأسلحة النووية، وذلك على الرغم من أهمية المفهوم الرأسي للانتشار والذي يمثّل مكوّن رئيس من عملية الانتشار النووي التي تتعامل معها معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، إلاّ أنه عادة ما يتم اختزال مفهوم الانتشار النووي في معناه الأفقي فقط.
ومن ثم، تحاول هذه المقالة توضيح ماهية المفهوم الرأسي للانتشار النووي، والآليات التي تحكمه من الناحية القانونية، وكيفية تعامل الدول الكبرى مع هذا المفهوم على المستوى التطبيقي؟ و يمكن تناول هذه العناصر الثلاثة على النحو التالي:
أولاً: تطور المفهوم الرأسي للانتشار النووي
تتعامل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية مع هذا المفهوم من خلال المادة السادسة فيه، والتي تشير صراحة، ليس فقط إلى نزاع التسلّح النووي باعتباره هدفاً رئيساً، وإنما كذلك إلى ضرورة إجراء مفاوضات لإقرار وقف مبكّر لسباق التسلح بين القوى النووية كخطوة على الطريق نحو إحراز هدف نزع التسلّح النووي.
ويمكن القول إن المفهوم الرأسي للانتشار النووي قد مرَّ بمرحلتين رئيستين، الأولى: مرحلة الحرب الباردة، وخلال هذه الفترة كان من الصعب العمل على تطبيق المادة السادسة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، نظراً لسباق التسلح النووي الخطير الذي كان قائماً بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق آنذاك، حيث كان لدى القوتين آلاف الرؤوس النووية، التي تشكّل أداة ردع مهمة في مواجهة كل طرف للآخر.
المرحلة الثانية: ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وخلال هذه المرحلة، ساد الاعتقاد بأن سباق التسلح النووي قد انتهى، وذلك بفعل مجموعة من الخطوات اتخذتها كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، تمثلت بالأساس في اتفاقية (ستارت) بشأن تحديد الصواريخ الباليستية عابرة القارات والصواريخ التي يتم إطلاقها من الغواصات وقاذفات القنابل الثقيلة. وقد وقّع الطرفان هذه الاتفاقية في 31 يوليو 1991م ودخلت حيّز التنفيذ في ديسمبر 1994م، وينتهي العمل بها في ديسمبر 2009م، وكذلك اتفاقية (سولت) التي وقّعها الطرفان في 24 مايو 2002م، ودخلت حيّز النفاذ في الأول من يونيو 2003م، وتلزم الاتفاقية الأطراف الموقعة عليها بتخفيض الرؤوس النووية الاستراتيجية حتى يصبح لدى كل طرف ( 1700 2200 1700 2200 ) رأس حربي بحلول 2012م.
ولكن تبيّن بعد ذلك أن هذا الاعتقاد كان خاطئاً، فقد جمَّدت روسيا والولايات المتحدة بصورة أساسية أجندة نزع السلاح النووي لدى كل منهما، واتجهت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة إلى إقرار خطط جديدة لتطوير وتحديث ترسانتها النووية، كما اتسمت الآليات متعددة الأطراف لنزع السلاح النووي بعدم المرونة.
وعلاوة على ذلك، لم تبذل القوى النووية الأصغر وهي: فرنسا، والمملكة المتحدة، والصين جهوداً تذكر نحو نزع السلاح النووي، وكل ذلك جعل ديناميكية نزع السلاح النووي تبدو آخذة في التراجع.
ويوضح الجدول رقم (1) عدد الرؤوس النووية المملوكة للدول النووية في العالم، والتي تعكس مدى الخطورة التي يمثلها بقاء هذه الرؤوس النووية على ذلك النحو.
ثانياً: الآليات القانونية للتعامل مع الانتشار النووي الرأسي
للتعامل مع مشكلة الانتشار النووي الرأسي، وما يرتبط بها من عملية نزع السلاح النووي والتعقيدات المحيطة بها، تم بلورة مجموعة من الآليات أصبحت لصيقة الصلة بالحديث عن الانتشار النووي في مفهومه الرأسي، ويتمثل أهمها في آليتين رئيستين، هما:
الآلية الأولى: معاهدة حظر التجارب النووية: الهدف من هذه المعاهدة هو تحقيق حظر على التفجيرات النووية بهدف الحدّ من إمكانية تطوير الأسلحة النووية تقنياً، وتعتبر هذه المعاهدة إحدى الخطوات الرئيسة في سبيل إقامة عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وكما تؤكد مقدمة المعاهدة، فإنها تمثل (تقدماً ملحوظاً من أجل نزع السلاح النووي بصورة تدريجية)، وبانضمامها إلى المعاهدة، تخضع الدول لالتزام قانوني يحدّ بشكل كبير من قدرة كل دولة على تطوير رؤوس نووية قابلة للاستخدام.
ولكن هذه المعاهدة لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، حيث يشترط لذلك أن توقّع عليها ال (44) دولة الوارد ذكرها في الملحق (2) من المعاهدة، وحتى تاريخه، تمتنع تسع من هذه الدول عن التوقيع عليها، وهي: (الولايات المتحدة، والصين، وإسرائيل، وأندونيسيا، والهند، وباكستان، وإيران، وكوريا الشمالية، ومصر).
الآلية الثانية: مؤتمر نزع السلاح : وهو عبارة عن جهاز تفاوض تابع لمنظمة الأمم المتحدة بهدف نزع السلاح النووي، وقد ناقش هذا المؤتمر على مدار دوراته المعاهدات الرئيسة لنزع السلاح والحد من التسلّح، بما في ذلك معاهدة حظر التجارب النووية. وفي مارس 1995م، شكّل مؤتمر نزع السلاح لجنة خاصة للتفاوض بشأن معاهدة متعددة الأطراف غير تمييزية يمكن التثبّت من تنفيذها، وذلك لحظر إنتاج المواد الانشطارية للأسلحة النووية، ومن شأن هذه المعاهدة أن تدعم من جهود نزع السلاح النووي بوضع حدٍّملزم قانونياً يمكن التحقق منه لحظر إنتاج المواد الانشطارية المستخدمة في صنع الأسلحة النووية، كما أنه يمثّل خطوة أساسية على صعيد تفعيل معاهدة حظر التجارب النووية.
ولكن حتى تاريخه لم يتم الاتفاق على إطار للتفاوض حول هذه المعاهدة ضمن مؤتمر نزع السلاح، حيث وقفت حائلاً دون ذلك الدول النووية التي رأت أن الأمور الخاصة بالتثبت من الالتزام بهذه المعاهدة وتنفيذها يمكن أن يعرّض أمنها القومي للخطر.
الرابط
http://www.albasalh.com/vb/showthread.php?p=7045
أشرف عبدالعزيز عبدالقادر
السلاح النووييميز صانعو السياسة والاستراتيجيون بين مفهومين رئيسين للانتشار النووي، أولهما: المفهوم الأفقي ويُقصد به انتشار الأسلحة النووية لدى دول أخرى غير القوى النووية الخمس المعترف بها في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي السابق (روسيا الاتحادية حالياً)، وبريطانيا، والصين، وفرنسا، والمفهوم المقابل له هو منع الانتشار النووي؛ وثانيهما: المفهوم الرأسي للانتشار، ويقصد به زيادة وتطوير حجم ونوعية الأسلحة النووية لدى الدول التي تمتلك الأسلحة النووية بالفعل، والمفهوم المقابل له هو نزع السلاح النووي.
وفي واقع الأمر، فإن المفهوم الرئيس الذي تتعامل معه معظم إن لم يكن كل دراسات الانتشار النووي هو المفهوم الأفقي الذي يعني زيادة عدد الدول المالكة للأسلحة النووية، وذلك على الرغم من أهمية المفهوم الرأسي للانتشار والذي يمثّل مكوّن رئيس من عملية الانتشار النووي التي تتعامل معها معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، إلاّ أنه عادة ما يتم اختزال مفهوم الانتشار النووي في معناه الأفقي فقط.
ومن ثم، تحاول هذه المقالة توضيح ماهية المفهوم الرأسي للانتشار النووي، والآليات التي تحكمه من الناحية القانونية، وكيفية تعامل الدول الكبرى مع هذا المفهوم على المستوى التطبيقي؟ و يمكن تناول هذه العناصر الثلاثة على النحو التالي:
أولاً: تطور المفهوم الرأسي للانتشار النووي
تتعامل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية مع هذا المفهوم من خلال المادة السادسة فيه، والتي تشير صراحة، ليس فقط إلى نزاع التسلّح النووي باعتباره هدفاً رئيساً، وإنما كذلك إلى ضرورة إجراء مفاوضات لإقرار وقف مبكّر لسباق التسلح بين القوى النووية كخطوة على الطريق نحو إحراز هدف نزع التسلّح النووي.
ويمكن القول إن المفهوم الرأسي للانتشار النووي قد مرَّ بمرحلتين رئيستين، الأولى: مرحلة الحرب الباردة، وخلال هذه الفترة كان من الصعب العمل على تطبيق المادة السادسة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، نظراً لسباق التسلح النووي الخطير الذي كان قائماً بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق آنذاك، حيث كان لدى القوتين آلاف الرؤوس النووية، التي تشكّل أداة ردع مهمة في مواجهة كل طرف للآخر.
المرحلة الثانية: ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وخلال هذه المرحلة، ساد الاعتقاد بأن سباق التسلح النووي قد انتهى، وذلك بفعل مجموعة من الخطوات اتخذتها كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، تمثلت بالأساس في اتفاقية (ستارت) بشأن تحديد الصواريخ الباليستية عابرة القارات والصواريخ التي يتم إطلاقها من الغواصات وقاذفات القنابل الثقيلة. وقد وقّع الطرفان هذه الاتفاقية في 31 يوليو 1991م ودخلت حيّز التنفيذ في ديسمبر 1994م، وينتهي العمل بها في ديسمبر 2009م، وكذلك اتفاقية (سولت) التي وقّعها الطرفان في 24 مايو 2002م، ودخلت حيّز النفاذ في الأول من يونيو 2003م، وتلزم الاتفاقية الأطراف الموقعة عليها بتخفيض الرؤوس النووية الاستراتيجية حتى يصبح لدى كل طرف ( 1700 2200 1700 2200 ) رأس حربي بحلول 2012م.
ولكن تبيّن بعد ذلك أن هذا الاعتقاد كان خاطئاً، فقد جمَّدت روسيا والولايات المتحدة بصورة أساسية أجندة نزع السلاح النووي لدى كل منهما، واتجهت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة إلى إقرار خطط جديدة لتطوير وتحديث ترسانتها النووية، كما اتسمت الآليات متعددة الأطراف لنزع السلاح النووي بعدم المرونة.
وعلاوة على ذلك، لم تبذل القوى النووية الأصغر وهي: فرنسا، والمملكة المتحدة، والصين جهوداً تذكر نحو نزع السلاح النووي، وكل ذلك جعل ديناميكية نزع السلاح النووي تبدو آخذة في التراجع.
ويوضح الجدول رقم (1) عدد الرؤوس النووية المملوكة للدول النووية في العالم، والتي تعكس مدى الخطورة التي يمثلها بقاء هذه الرؤوس النووية على ذلك النحو.
ثانياً: الآليات القانونية للتعامل مع الانتشار النووي الرأسي
للتعامل مع مشكلة الانتشار النووي الرأسي، وما يرتبط بها من عملية نزع السلاح النووي والتعقيدات المحيطة بها، تم بلورة مجموعة من الآليات أصبحت لصيقة الصلة بالحديث عن الانتشار النووي في مفهومه الرأسي، ويتمثل أهمها في آليتين رئيستين، هما:
الآلية الأولى: معاهدة حظر التجارب النووية: الهدف من هذه المعاهدة هو تحقيق حظر على التفجيرات النووية بهدف الحدّ من إمكانية تطوير الأسلحة النووية تقنياً، وتعتبر هذه المعاهدة إحدى الخطوات الرئيسة في سبيل إقامة عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وكما تؤكد مقدمة المعاهدة، فإنها تمثل (تقدماً ملحوظاً من أجل نزع السلاح النووي بصورة تدريجية)، وبانضمامها إلى المعاهدة، تخضع الدول لالتزام قانوني يحدّ بشكل كبير من قدرة كل دولة على تطوير رؤوس نووية قابلة للاستخدام.
ولكن هذه المعاهدة لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، حيث يشترط لذلك أن توقّع عليها ال (44) دولة الوارد ذكرها في الملحق (2) من المعاهدة، وحتى تاريخه، تمتنع تسع من هذه الدول عن التوقيع عليها، وهي: (الولايات المتحدة، والصين، وإسرائيل، وأندونيسيا، والهند، وباكستان، وإيران، وكوريا الشمالية، ومصر).
الآلية الثانية: مؤتمر نزع السلاح : وهو عبارة عن جهاز تفاوض تابع لمنظمة الأمم المتحدة بهدف نزع السلاح النووي، وقد ناقش هذا المؤتمر على مدار دوراته المعاهدات الرئيسة لنزع السلاح والحد من التسلّح، بما في ذلك معاهدة حظر التجارب النووية. وفي مارس 1995م، شكّل مؤتمر نزع السلاح لجنة خاصة للتفاوض بشأن معاهدة متعددة الأطراف غير تمييزية يمكن التثبّت من تنفيذها، وذلك لحظر إنتاج المواد الانشطارية للأسلحة النووية، ومن شأن هذه المعاهدة أن تدعم من جهود نزع السلاح النووي بوضع حدٍّملزم قانونياً يمكن التحقق منه لحظر إنتاج المواد الانشطارية المستخدمة في صنع الأسلحة النووية، كما أنه يمثّل خطوة أساسية على صعيد تفعيل معاهدة حظر التجارب النووية.
ولكن حتى تاريخه لم يتم الاتفاق على إطار للتفاوض حول هذه المعاهدة ضمن مؤتمر نزع السلاح، حيث وقفت حائلاً دون ذلك الدول النووية التي رأت أن الأمور الخاصة بالتثبت من الالتزام بهذه المعاهدة وتنفيذها يمكن أن يعرّض أمنها القومي للخطر.
الرابط
http://www.albasalh.com/vb/showthread.php?p=7045