ساره اليهوديه وألاعيبها السياسيه
مرسل: الأحد مايو 05, 2013 3:08 am
من المعروف بأن استيطان اليهود في فلسطين كان قد بدأ مع بداية عام 1842م , إثر فرمان أصدره السلطان عبد المجيد الاول ( 1823 الى 1861 ) ، اعطى فيه لليهود الصلاحية بتسمية رئيسهم المتواجد في القدس بلقب رئيس الحاخامات , وبذلك استطاع اليهود , وفي ظل الامبراطورية , أن يبدوا بتحقيق الخطوة الاولى نحو بناء كيان يهودي لهم في فلسطين .
بعد إنعقاد المؤتمر الصهيوني في عام 1897م ، اتخذ قرارات منها ضرورة التقرب من القائمين على شؤون الدولالاوربية ، لا سيما بريطانية وإختراق الدوائر الحاكمة في السلطنة العثمانية .
مع مطلع الحرب العالمية الاولى ، تقاطعت المصالح الصهيونية مع مصالح بريطانيا في أمور شتى وذلك في ما يخص الدولة العثمانية ، التي وصلت الى حافة " الرجل المريض " , لا سيما بعد ما قررت هذه الدولة خوض الحرب الى جانب الالمان . فاليهود يرمون الى انشاء الدولة اليهودية على اراضي فلسطين والاستحواذ على القدس كعاصمة لها ، وارض فلسطين كانت , الى تلك المرحلة , مهد اراضي تبعية العثمانية . اما بريطانية فالى جانب ان الدولة العثمانية اصبحت خصمها في حرب عالمية ضروس , فانها كانت ايضا تخطط مع دول الحلفاء الاخرى للقضاء على الدولة العثمانية والاستحواذ على اراضيها ، وإعادة الاتراك لكي ينحشروا في حدود أراضي تركية . وهذا ماكان يطلق عليه في الادبيات السياسية لتلك الاونة " تركة الرجل المريض " و " والمسألة الشرقية " لذا إنطلاقا من المصالح المشتركة لليهود والبريطانيين , أخذو سويا يخططون لإحتواء الحزب الحاكم في تركيا " الاتحاد والترقي " مستخدمين الحركة الماسونية وشخصيات يهودية تركية مهمة ، نظرا لما كانت تتحلى به من نفوذ مالي كبير وهذا ما ظهر واضحا من خلال تركيبات الحكومات التركية التي شكلت بعد الاطاحة بالسلطان عبد الحميد , والتمثيل النيابي العالي المستوى الى الطائفة اليهودية في تركيا . اما في ما يخص حركة التحرر القومي العربي , فقد أخذ البريطانيون يحاولون استمالتها وإحتوائها من خلال الوعود التي كالوها للشريف حسين بتوليته ملكا على الاراضي العربية , التي ستتحرر من الاستعمار العثماني ، وايضا من خلال إرسال مستشارين مختلفي الاشكال والالوان ، ومنهم " لورنس " , الذي شغف ألباب بطانة الشريف لدرجة أن أطلق بعضهم عليه " لورنس العرب " واخرون " الحاج لورنس " والذي تبين لاحقا انه يهودي بريطاني يدخل في شبكة تجسس ( بريطانية – صهيونية ) عالية المستوى , اصبحت إحدى العتلات الرئيسية في الانتصار في الحرب العالمية الاولى وإنهيار الدولة العثمانية , وزرع البنى الاولى لانتشار الكيان الصهيوني في فلسطين .
كان أحد المقرات الرئيسية لشبكة التجسس التي تمركزت في القاهرة , هو مقر عتلـيت التي اقامته الصهيونية في ظاهرها مستعمرة دعوها بنفس الاسم اذ وقعت هذه المستعمرة على الساحل جنوب حيفا , بين رأس الكرمل والطنطورة على بعد 20 كم من حيفا . جاء هذا المقر تحت تخطية مختبر للأبحاث النباتية .
تولت عملية إدارة هذه الشبكة الجاسوسية عائلة " أرونسون اليهودية " , التي تألفت من الأب أرونسون وأولاده الخمسة ، وكانت هذه الخلية خير خلية تبدأ منها الاستخبارات الانكليزية عملها في سبيل تحقيق إنشاء دولة يهودية في فلسطين . إلا أن العمل الرئيسي تولته ساره إبنة أرونسون " العالمة " والتي كانت تجيد عدة لغات ( الفرنسية والالمانية , والايطالية والعبرية والعربية ) وذات جمال فتان قادر على جذب أي ظابط الماني او تركي . بلغ قوام هذا الشبكة مئة امراة وثلاثمائة رجل , إختارت من بينهم الدكتور كوهين هانكن وابراهام اسرائيل وصاموئيل سام لانشاء شبكات خاصة بهم في القدس والشام وبيروت وحلب ويافا وحيفا . وبعد عامين من اندلاع الحرب قدم الى فلسطين الجاسوس البريطاني الشهير لورنس , السابق الذكر وعقد اجتماعا مع سارة في مختبرها للابحاث العليمة الزراعية , تحدث في عن شخصية الباشا جمال . ومن ما يجدر ذكره في هذا الصدد ان مقدمة كتاب لورنس كانت مهداة الى سارة ارونسون الامر الذي تمت إماطة اللثام عنه لاحقا , ونص هذا المقدمة :
" الى س . أ .
لقد أحببتك ولذلك جذبت بيدي هذه الجموع من الناس مسطرا إرادتي بالنجوم عبر السماء , كي استحصل لك الحرية , والملاذ الجدير بك , منزل الاعمدة السبعة , لعل عينيك تشعان من اجلي عندما اجيء ... لقد بدا لي الموت قادما في الطريق الى ان اقتربت ورايت من تنتظرين لقد تبسمت حين سبقني اليك مدفوعا بغيرته الحزينة ويلقي بك في سكينته "
ولد جمال باشا , المعروف بجمال باشا الكبير , عام 1871 . كان لجمال باشا الدور الرئيسي والفعال في ولادة حركة " الاتحاد والترقي " وكان أحد الباشوات الثلاثة في أحداث الانقلاب الثاني , حيث قدم له التاريخ خدمات جلى وكبيرة ومهمة .
كان الباشا الاول هو طلعت باشا حصل على منصب الصدر الاعظم . اما انور باشا فكان وزيرا للحربية ووكيل قائد الجيش للامبراطورية العثمانية . اما جمال باشا فعلاوة على توليه منصب وزير البحيرية وقيادة الجيش فقد تولى زمام امور الدولة العثمانية في المناطق الممتدى من جبال طوروس وحتى اليمن بصفته حاكم عسكريا مطلق لها .
اقامت اسرة ارونسون علاقات صداقة متينة مع عائلات عربية مرموقة في كل من لبنان وفلسطين وسوريا . وفي احد البيوتات البيروتية تسنى لها التعرف على جمال باشا ذاته .. وزير حربية الابراطورية العثمانية وقائد جيشها الرابع , فما كان من الاخير الى ان سلب بجمالها وثقافتها ومعارفها الواسعة . ومن ذلك الحين اصبحت عشيقته الدائمة والتي تتنقل معه اينما حل ورحل . استغلت سارة حظوتها لدى الباشا في تسهيل ادارة شبكتها التجسسية , موزعة الفتيات الجميلات على اشهر فنادق دمشق وبيروت والقدس وسواها من المدن التي كانت توجد فيها المقرات العسكرية التركية والالمانية , وذلك بهدف استطياد الظباط الالمان والاتراك والاستيلاء على خطط العمليات العسكرية الهامة التي كان الاتراك والالمان يزمعون القيام بها في مجرى حربهم مع الانكليز . كما اخذت سارة تدك اسافين الشقاق بين العرب والاتراك , بهدف جر العرب الى الارتماء بأحضان الحلفاء . وعلى التوازي مع ذلك استحصلت من الباشا على تصريح رسمي يسمح لها بالتجول بحرية على كافة الاراضي العثمانية دون استثناء , تحت تغطية ان هذا يلزمها اجراء اختباراتها العلمية الزراعية اللازمة لمختبرها في عتليت
كان مقر اقامة سارة الرئيسي هو فندق فكتوريا في دمشق الذي جعلته يعج بأجمل الفتيات اليهوديات في العالم , اللواتي كن يتسلين مع الضباط الاتراك والالمان , من بين هن الانسة سيمون , التي تخصصت بعشق ضابط تركي شاب , كان من اقرب المقربين لجمال باشا . وبالمساهمة المشتركة بين سارة وسيمون , كانت التقارير حول تحركات وخطط القوات التركية في حملة قناة السويس قد وصلت الى مركز حيفا في فلسطين ومنه الى الانكليز . وهكذا كانت سارة وراء الضربة العسكرية القاسية التي تلقتها قوات الامبراطورية العثمانية والتي راح ضحيتها الالاف من الجنود العرب , إضافة الى الخسارة الفادحة التي تكبدتها القوات الالمانية .
وعن طريق رئيس أركان الجيش الرابع على فؤاد , تعرفت سارة على الامير فيصل ابن الحسين , الذي اخذت تحضه على الالتحاق بوالده ( ياسعادة الامير لقد حمّلني والدكم سلاما لمن ويامركم ان تتركو الشام على الفور وتعودو الى مكة ياسعادة الامير لقد اتصل والدكم الشريف حسين بالانكليز وقام معهم علاقات ود وتفاهم , وسوف تصل الى مكة في الايام القليلة بعثة انكليزية لتتفاوض مع والدكم ومعكم . وان حضور هذه البعثة متوقف على جوابكم ) . وكان الامير فيصل يظن ان سارة تعمل لصالح جمال باشا لاستكشاف نواياه . وفي كل مرة كان يجيبها قائلا : لا شك انك تمزحين يا انسة , فانا ووالدي موالين للحكومة العثمانية . ونحن المسلمون ملتفون حول خليفتنا ولقد تعاهدنا على ذلك . ان الانكليز اعداؤنا , فماذا يمكننا ان ننتظر منهم ؟ فكانت سارة تجيبه بمكر " ( ان الحكومة العثمانية ايلة للسقوط وها هية الدول الاجنبية تحلم باقتسامها . اليس حلم العرب انشاء امبراطورية تمتد من جبال طورورس وحتى بلاد اليمن . يا الاهي ايها الامير , انا فقط اعلمكم بقرار والدكم واقول بان عليكم الرحيل الى مكة فورا . وان لم يحصل هذا فعلى الاغلب ستتارجحون على اعواد المشانق التي يعدها لكم جمال باشا . لا وقت لديكم ) .
وبعد مرور وقت قصير جاءت رسالة الى سارة طال إنتظارها لها ، كانت مرسلة من أميرمكة الشريف حسين، مكتوبة بالشفرة ، وموجهة لأبنه الأمير فسصل ، وذلك عن طريق السفن الأنكليزية المبحرة عباب شواطئ فلسطين .
أما فيما يخص أعواد المشانق ، فقد كانت ساره قد طلبت لأئحة بأسماء الأشخاص الذين يتعاملون مع السفيرين الفرنسي و البريطاني ويحضرون حفلاتهم و كانت ساره تخطط لدس هذه القائمة التي تحمل أسماء شخصيات عربية ، تعاملت مع الأنكليز والفرنسيين ، تحت أنظار جمال باشا بشكل غير مباشر وعندها الله وحده يعلم عدد الذين سيتدلون على أعواد المشانق ، لكن المفاجأة أتت حينما أعلمها جمال باشا في أحد الأيام قائلا : البارحة مساءا في بيروت قامت قواتنا يإقتحام مقر القنصلية الفرنسية ووجدت في خزانة مخفية في أحد جدران القنصلية لأئحة تضم أسماء المتاعاملين مع الفرنسيين من سوريا ولبنان .الأمر الذي جعل ساره تتنفس الصعداء ، وتعلم بقرارة نفسها أن الأستخبارات الأنكليزية ‘إعتمدت خطتها بهذا الشأن . وهكذا
أصبح مصير مصير هذه الشخصيات الإعدام .
أما في القدس فمندوبة ساره كانت "ليديا " تلك المرأة الحسناء الجميلة ، محور حديث سكان القدس ومحط إعجابهم ، وكانت تملك بيتا للدعارة يتردد عليه معظم الضباط الألمان والأتراك لقصاء أوقات ممتعة فيه . غير أن السيدة "ليديا" كانت على هامش هذا البيت تملك دارا خاصة بها . وكان هؤلاء الظباط الالمان الاركان والاتراك الذين يترددون على السيدة ليديا من كبار ظباط الاركان ذوي الرتب العسكرية الرفيعة , يجدون ضالتهم المنشودة في منزلها .
وكانت ليديا وشبكتها تنطلق في ادارة هذا الشبكة من الحكمة التي قدمها الحاخام , القائلة : " ان الذين يعملون ويناضلون من اجل هذه الارض عليهم الا يغادرو على بناتهم , لانهن يعملن يعملن لغاية الوطنية " وكانت هذه التعليمات موجودة في عقولهن واو اقتضى الامر ان يحمل الرجل من مضجعته زوجته ويضعها في حضن ضابط تركي او الماني , فلن يتأخر , فهذا عمل مشرف وهن لا ينسين هذه التعليمات ابدا.
وفي مرحلة تركيز الجهد العسكري في فلسطين وعلى شواطئها وتوجهت سارة الى القدس برفقة جمال باشا , الذي كان عليه ان يدير المعارك من هناك . فكان جمال باشا " يدير المعارك " ضد الحلفاء , أما سارة فكانت تدير زمرة من النساء , إستطاعت كل منهن ان تكون اقوى من فرقة عسكرية . وكانت ساره دوريا تئم الغواصة الانكليزية المخصصة لهذا الغرض , مزودة الانكليز بالخطط والمعلومات وسواها من الامور التي جعلت الحلفاء ينتصرون انتصارا ساحقا على الاتراك والالمان , وكل هذه الخطط والمعلومات كانت هذه النسوة يحصلن عليها من تحت اكمات اسرة غرف الدعارة اليهودية .
ويجدر بالذكر ان ساره قدمت احد اعضاء شبكتها ويدعى التير لارساله في مهمة تجسسية على الانكليز في مصر , لما يتمتع به الاخير من امكانيات هائلة في ذلك . لا سيما انه كان يحمل الجنسية الامريكية التي ستسهل مهمته . فما كان من جمال باشا الا ان امر بامداده بالفي قطعة ذهب , وكلفه بمهمة تزويد بخطط الانكليز العسكرية وعلى اي الجبهات ينوون شن عملياتهم ومتى سيتم ذلك , وذلك بالسرعة الممكنة . فما كان من الاخير الا ان ابحر الى مصر مزودا بمعلومات استطلاعية عن القوات الالمانية والتركية , وقام بتسليمها الى الانكليز في مصر .
وفي اول واخر لقاء بين سارة والجنرال اللنبي على متن السفينة القيادة الانكليزية , صافحها الاخير بكلتا يديه الكبيرتين قائلا :
- يا انسة سارة ! لقد نقلوا لي صورة خاطئة عنك , لذ قالوا لي انك جميلة وذكية , وكان عليهم ان يقولوا انك جميلة جدا وذكية جدا .
وأردف يسألها عن جمال باشا , فاجابته : ان جمال باشا انسان كغيره من الناس .. يشبهني ويشبهكم . فقال لها الجنرال : هذا امر سيئ يا انسة سارة , اذا كان جمال باشا يفكر بطريقتنا , ويتصرف مثلنا ... وهذا الظلم في وجه العرب , فهو يتعامل معهم بكل رفق . فقد وصلني انه لم يعدم الجواسيس العرب . وفي هذا الاجتماع لقن الجنرال اللنبي سارة المهام التي ستقوم بها , وكانت تتضمن البنود التالية ٌ:
1- احباط قيادة مصطفى كال باشا للقوات المتواجدة في مكة , ومنع وصول هذه القوات الى فلسطين
2- التاكيد على التحاق الامير فيصل بوالده في مكة وضرورة تنفيذ ذلك في أقرب وقت ممكن
3- العمل على تنفيذ حكم الإعدام بالمعتقلين العرب الذين تعاملوا مع الفرنسيين
4- إرسال خطط تحركات القوات التركية المرتقبة الى غزة.
5- التحضير الى إغتيال أنور باشا وإعداد الخطة اللازمة للتنفيذ .
6- ترويج نبأ قيام الفرنسيين والانكليز بقطع طريق اضنا - اسكندرون . وبعد ان تمكنت ساره وشبكتها التجسسية من تنفيذ جميع هذه البنود كليا وجزئيا , أخذت أصابع الشكوك من قبل القادة العسكرين في فلسطين تحوم حول ساره وجيشها النسائي , لكن بعد الهزيمة التي حظى بها الاتراك والالمان , الامر الذي جعل جمال باشا والقادة الالمان يصابون بدهشة بالغة لا يعرفون لها سببا .
7- وبعد جولة من التحقيقات تبين للقادة الاتراك من الصف الثاني في فلسطين انه في ليلة رومانسية استطاعت فتاة نمساوية يهودية ان تحصل على المصورات والخطط العسكرية من منزل كبار القادة الاتراك , الامر الذي ادى في النهاية الى فضح شبكة سارة التجسسية , مما أدى الى إقدام الاخيرة على الانتحار قبل ان يتمكنوا من القبض عليها .
أخذ كبير المحققين فؤاد علي باشا ملفات شبكة التجسس وتوجه بها الى جمال باشا الذي حينها في الشام . وحينما دخل مكتب سأله جمال باشا قائلا : هل تؤمنون وتصدقون ان سارة كانت جاسوسة ؟ .
فاجابه فؤاد باشا قائلا : مع الاسف , الامر حقيقي . لقد اجريت التحقيقات بنفسي . سارة جاسوسة فوق ما تتصور واكثر مما كنا قد توقعناه . وهذه هي ملفات التحقيق .
فاجابه جمال باشا قائلا : حسنا ماذا ترون ان نفعل ؟ .
ـ اذا سمح الباشا , سأمر باخلاء جميع اليهود من مدينة القدس وإرسالهم الى الشام .
فقال جمال باشا : ولكن ماذا ستكون ردود الفعل العالمية تجاه هذا القرار ؟.
فما كان من فؤاد باشا إلا أن قال : إن أمن بلادنا أهم من ردود الفعل العالمية ياسعادة الباشا . ان الاحداث التي مرت منذ شهرين واعمال التجسس التي واجهناها من قبل اليهود قد سببت لدولتنا خسائر كبيرة . علاوة على ذلك فاليهود كانو يخططون لبناء دولة لهم على أراضينا في فلسطين بعد إجلائنا عنها , لقد كان هناك اتفاق قائم بينهم وبين الانكليز بهذا الصدد .
ومع ذلك أقدم جمال باشا لاحقا بإعطاء عهدا لليهود الجواسيس بعدم إعدامهم , مقابل تقديم مالديهم من معلومات .
وفي 12 كانون الثاني 1917 غادر جمال باشا الشام متوجها الى عاصمة امبراطوريته . وبعد ذلك تولى مصطفى كمال باشا الامور في البلاد , لكنه سرعان ماقرر انسحاب الجيوش التركية من سوريا .
وبسقوط دولة سوريا قررت الحكومة التركية توقيع معاهدة الصلح مع الانكليز . و كان في الجانب الانكليزي المفاوض النائب عمانوئيل قرة صو والحاخام نعوم افندي , وهما اصحاب المراكز المرموقة في تركيا , ومن زعماء الصهيونية في الوقت ذاته , واللذان منحتهما الحكومة الانكليزية صلاحيات وإمكانيات التفاوض مع الاتراك .
ولاحقا تم حل حزب الاتحاد والترقي وتصفية كل أعضائه من قبل الانكليز . وبعد إنهيار العثمانيين : هرب جمال باشا وأنور باشا وطلعت باشا في إحدى الليالي على متن غواصة ألمانية الى روسيا ثم المانيا . ولاحقا جرى إغتيال طلعت باشا من قبل أحد الأرمن في المانيا , واطلق أارمني رصاصة على جمال باشا في عام 1922 في مدينة تفليس ( عاصمة جورجيا ) وأراده قتيلا . وأخيرا قتل أنور باشا على يد أحد شيوعي المجر , بعد ان فر من روسيا الى أفغانستان ومنها الى المجر .
بعد إنعقاد المؤتمر الصهيوني في عام 1897م ، اتخذ قرارات منها ضرورة التقرب من القائمين على شؤون الدولالاوربية ، لا سيما بريطانية وإختراق الدوائر الحاكمة في السلطنة العثمانية .
مع مطلع الحرب العالمية الاولى ، تقاطعت المصالح الصهيونية مع مصالح بريطانيا في أمور شتى وذلك في ما يخص الدولة العثمانية ، التي وصلت الى حافة " الرجل المريض " , لا سيما بعد ما قررت هذه الدولة خوض الحرب الى جانب الالمان . فاليهود يرمون الى انشاء الدولة اليهودية على اراضي فلسطين والاستحواذ على القدس كعاصمة لها ، وارض فلسطين كانت , الى تلك المرحلة , مهد اراضي تبعية العثمانية . اما بريطانية فالى جانب ان الدولة العثمانية اصبحت خصمها في حرب عالمية ضروس , فانها كانت ايضا تخطط مع دول الحلفاء الاخرى للقضاء على الدولة العثمانية والاستحواذ على اراضيها ، وإعادة الاتراك لكي ينحشروا في حدود أراضي تركية . وهذا ماكان يطلق عليه في الادبيات السياسية لتلك الاونة " تركة الرجل المريض " و " والمسألة الشرقية " لذا إنطلاقا من المصالح المشتركة لليهود والبريطانيين , أخذو سويا يخططون لإحتواء الحزب الحاكم في تركيا " الاتحاد والترقي " مستخدمين الحركة الماسونية وشخصيات يهودية تركية مهمة ، نظرا لما كانت تتحلى به من نفوذ مالي كبير وهذا ما ظهر واضحا من خلال تركيبات الحكومات التركية التي شكلت بعد الاطاحة بالسلطان عبد الحميد , والتمثيل النيابي العالي المستوى الى الطائفة اليهودية في تركيا . اما في ما يخص حركة التحرر القومي العربي , فقد أخذ البريطانيون يحاولون استمالتها وإحتوائها من خلال الوعود التي كالوها للشريف حسين بتوليته ملكا على الاراضي العربية , التي ستتحرر من الاستعمار العثماني ، وايضا من خلال إرسال مستشارين مختلفي الاشكال والالوان ، ومنهم " لورنس " , الذي شغف ألباب بطانة الشريف لدرجة أن أطلق بعضهم عليه " لورنس العرب " واخرون " الحاج لورنس " والذي تبين لاحقا انه يهودي بريطاني يدخل في شبكة تجسس ( بريطانية – صهيونية ) عالية المستوى , اصبحت إحدى العتلات الرئيسية في الانتصار في الحرب العالمية الاولى وإنهيار الدولة العثمانية , وزرع البنى الاولى لانتشار الكيان الصهيوني في فلسطين .
كان أحد المقرات الرئيسية لشبكة التجسس التي تمركزت في القاهرة , هو مقر عتلـيت التي اقامته الصهيونية في ظاهرها مستعمرة دعوها بنفس الاسم اذ وقعت هذه المستعمرة على الساحل جنوب حيفا , بين رأس الكرمل والطنطورة على بعد 20 كم من حيفا . جاء هذا المقر تحت تخطية مختبر للأبحاث النباتية .
تولت عملية إدارة هذه الشبكة الجاسوسية عائلة " أرونسون اليهودية " , التي تألفت من الأب أرونسون وأولاده الخمسة ، وكانت هذه الخلية خير خلية تبدأ منها الاستخبارات الانكليزية عملها في سبيل تحقيق إنشاء دولة يهودية في فلسطين . إلا أن العمل الرئيسي تولته ساره إبنة أرونسون " العالمة " والتي كانت تجيد عدة لغات ( الفرنسية والالمانية , والايطالية والعبرية والعربية ) وذات جمال فتان قادر على جذب أي ظابط الماني او تركي . بلغ قوام هذا الشبكة مئة امراة وثلاثمائة رجل , إختارت من بينهم الدكتور كوهين هانكن وابراهام اسرائيل وصاموئيل سام لانشاء شبكات خاصة بهم في القدس والشام وبيروت وحلب ويافا وحيفا . وبعد عامين من اندلاع الحرب قدم الى فلسطين الجاسوس البريطاني الشهير لورنس , السابق الذكر وعقد اجتماعا مع سارة في مختبرها للابحاث العليمة الزراعية , تحدث في عن شخصية الباشا جمال . ومن ما يجدر ذكره في هذا الصدد ان مقدمة كتاب لورنس كانت مهداة الى سارة ارونسون الامر الذي تمت إماطة اللثام عنه لاحقا , ونص هذا المقدمة :
" الى س . أ .
لقد أحببتك ولذلك جذبت بيدي هذه الجموع من الناس مسطرا إرادتي بالنجوم عبر السماء , كي استحصل لك الحرية , والملاذ الجدير بك , منزل الاعمدة السبعة , لعل عينيك تشعان من اجلي عندما اجيء ... لقد بدا لي الموت قادما في الطريق الى ان اقتربت ورايت من تنتظرين لقد تبسمت حين سبقني اليك مدفوعا بغيرته الحزينة ويلقي بك في سكينته "
ولد جمال باشا , المعروف بجمال باشا الكبير , عام 1871 . كان لجمال باشا الدور الرئيسي والفعال في ولادة حركة " الاتحاد والترقي " وكان أحد الباشوات الثلاثة في أحداث الانقلاب الثاني , حيث قدم له التاريخ خدمات جلى وكبيرة ومهمة .
كان الباشا الاول هو طلعت باشا حصل على منصب الصدر الاعظم . اما انور باشا فكان وزيرا للحربية ووكيل قائد الجيش للامبراطورية العثمانية . اما جمال باشا فعلاوة على توليه منصب وزير البحيرية وقيادة الجيش فقد تولى زمام امور الدولة العثمانية في المناطق الممتدى من جبال طوروس وحتى اليمن بصفته حاكم عسكريا مطلق لها .
اقامت اسرة ارونسون علاقات صداقة متينة مع عائلات عربية مرموقة في كل من لبنان وفلسطين وسوريا . وفي احد البيوتات البيروتية تسنى لها التعرف على جمال باشا ذاته .. وزير حربية الابراطورية العثمانية وقائد جيشها الرابع , فما كان من الاخير الى ان سلب بجمالها وثقافتها ومعارفها الواسعة . ومن ذلك الحين اصبحت عشيقته الدائمة والتي تتنقل معه اينما حل ورحل . استغلت سارة حظوتها لدى الباشا في تسهيل ادارة شبكتها التجسسية , موزعة الفتيات الجميلات على اشهر فنادق دمشق وبيروت والقدس وسواها من المدن التي كانت توجد فيها المقرات العسكرية التركية والالمانية , وذلك بهدف استطياد الظباط الالمان والاتراك والاستيلاء على خطط العمليات العسكرية الهامة التي كان الاتراك والالمان يزمعون القيام بها في مجرى حربهم مع الانكليز . كما اخذت سارة تدك اسافين الشقاق بين العرب والاتراك , بهدف جر العرب الى الارتماء بأحضان الحلفاء . وعلى التوازي مع ذلك استحصلت من الباشا على تصريح رسمي يسمح لها بالتجول بحرية على كافة الاراضي العثمانية دون استثناء , تحت تغطية ان هذا يلزمها اجراء اختباراتها العلمية الزراعية اللازمة لمختبرها في عتليت
كان مقر اقامة سارة الرئيسي هو فندق فكتوريا في دمشق الذي جعلته يعج بأجمل الفتيات اليهوديات في العالم , اللواتي كن يتسلين مع الضباط الاتراك والالمان , من بين هن الانسة سيمون , التي تخصصت بعشق ضابط تركي شاب , كان من اقرب المقربين لجمال باشا . وبالمساهمة المشتركة بين سارة وسيمون , كانت التقارير حول تحركات وخطط القوات التركية في حملة قناة السويس قد وصلت الى مركز حيفا في فلسطين ومنه الى الانكليز . وهكذا كانت سارة وراء الضربة العسكرية القاسية التي تلقتها قوات الامبراطورية العثمانية والتي راح ضحيتها الالاف من الجنود العرب , إضافة الى الخسارة الفادحة التي تكبدتها القوات الالمانية .
وعن طريق رئيس أركان الجيش الرابع على فؤاد , تعرفت سارة على الامير فيصل ابن الحسين , الذي اخذت تحضه على الالتحاق بوالده ( ياسعادة الامير لقد حمّلني والدكم سلاما لمن ويامركم ان تتركو الشام على الفور وتعودو الى مكة ياسعادة الامير لقد اتصل والدكم الشريف حسين بالانكليز وقام معهم علاقات ود وتفاهم , وسوف تصل الى مكة في الايام القليلة بعثة انكليزية لتتفاوض مع والدكم ومعكم . وان حضور هذه البعثة متوقف على جوابكم ) . وكان الامير فيصل يظن ان سارة تعمل لصالح جمال باشا لاستكشاف نواياه . وفي كل مرة كان يجيبها قائلا : لا شك انك تمزحين يا انسة , فانا ووالدي موالين للحكومة العثمانية . ونحن المسلمون ملتفون حول خليفتنا ولقد تعاهدنا على ذلك . ان الانكليز اعداؤنا , فماذا يمكننا ان ننتظر منهم ؟ فكانت سارة تجيبه بمكر " ( ان الحكومة العثمانية ايلة للسقوط وها هية الدول الاجنبية تحلم باقتسامها . اليس حلم العرب انشاء امبراطورية تمتد من جبال طورورس وحتى بلاد اليمن . يا الاهي ايها الامير , انا فقط اعلمكم بقرار والدكم واقول بان عليكم الرحيل الى مكة فورا . وان لم يحصل هذا فعلى الاغلب ستتارجحون على اعواد المشانق التي يعدها لكم جمال باشا . لا وقت لديكم ) .
وبعد مرور وقت قصير جاءت رسالة الى سارة طال إنتظارها لها ، كانت مرسلة من أميرمكة الشريف حسين، مكتوبة بالشفرة ، وموجهة لأبنه الأمير فسصل ، وذلك عن طريق السفن الأنكليزية المبحرة عباب شواطئ فلسطين .
أما فيما يخص أعواد المشانق ، فقد كانت ساره قد طلبت لأئحة بأسماء الأشخاص الذين يتعاملون مع السفيرين الفرنسي و البريطاني ويحضرون حفلاتهم و كانت ساره تخطط لدس هذه القائمة التي تحمل أسماء شخصيات عربية ، تعاملت مع الأنكليز والفرنسيين ، تحت أنظار جمال باشا بشكل غير مباشر وعندها الله وحده يعلم عدد الذين سيتدلون على أعواد المشانق ، لكن المفاجأة أتت حينما أعلمها جمال باشا في أحد الأيام قائلا : البارحة مساءا في بيروت قامت قواتنا يإقتحام مقر القنصلية الفرنسية ووجدت في خزانة مخفية في أحد جدران القنصلية لأئحة تضم أسماء المتاعاملين مع الفرنسيين من سوريا ولبنان .الأمر الذي جعل ساره تتنفس الصعداء ، وتعلم بقرارة نفسها أن الأستخبارات الأنكليزية ‘إعتمدت خطتها بهذا الشأن . وهكذا
أصبح مصير مصير هذه الشخصيات الإعدام .
أما في القدس فمندوبة ساره كانت "ليديا " تلك المرأة الحسناء الجميلة ، محور حديث سكان القدس ومحط إعجابهم ، وكانت تملك بيتا للدعارة يتردد عليه معظم الضباط الألمان والأتراك لقصاء أوقات ممتعة فيه . غير أن السيدة "ليديا" كانت على هامش هذا البيت تملك دارا خاصة بها . وكان هؤلاء الظباط الالمان الاركان والاتراك الذين يترددون على السيدة ليديا من كبار ظباط الاركان ذوي الرتب العسكرية الرفيعة , يجدون ضالتهم المنشودة في منزلها .
وكانت ليديا وشبكتها تنطلق في ادارة هذا الشبكة من الحكمة التي قدمها الحاخام , القائلة : " ان الذين يعملون ويناضلون من اجل هذه الارض عليهم الا يغادرو على بناتهم , لانهن يعملن يعملن لغاية الوطنية " وكانت هذه التعليمات موجودة في عقولهن واو اقتضى الامر ان يحمل الرجل من مضجعته زوجته ويضعها في حضن ضابط تركي او الماني , فلن يتأخر , فهذا عمل مشرف وهن لا ينسين هذه التعليمات ابدا.
وفي مرحلة تركيز الجهد العسكري في فلسطين وعلى شواطئها وتوجهت سارة الى القدس برفقة جمال باشا , الذي كان عليه ان يدير المعارك من هناك . فكان جمال باشا " يدير المعارك " ضد الحلفاء , أما سارة فكانت تدير زمرة من النساء , إستطاعت كل منهن ان تكون اقوى من فرقة عسكرية . وكانت ساره دوريا تئم الغواصة الانكليزية المخصصة لهذا الغرض , مزودة الانكليز بالخطط والمعلومات وسواها من الامور التي جعلت الحلفاء ينتصرون انتصارا ساحقا على الاتراك والالمان , وكل هذه الخطط والمعلومات كانت هذه النسوة يحصلن عليها من تحت اكمات اسرة غرف الدعارة اليهودية .
ويجدر بالذكر ان ساره قدمت احد اعضاء شبكتها ويدعى التير لارساله في مهمة تجسسية على الانكليز في مصر , لما يتمتع به الاخير من امكانيات هائلة في ذلك . لا سيما انه كان يحمل الجنسية الامريكية التي ستسهل مهمته . فما كان من جمال باشا الا ان امر بامداده بالفي قطعة ذهب , وكلفه بمهمة تزويد بخطط الانكليز العسكرية وعلى اي الجبهات ينوون شن عملياتهم ومتى سيتم ذلك , وذلك بالسرعة الممكنة . فما كان من الاخير الا ان ابحر الى مصر مزودا بمعلومات استطلاعية عن القوات الالمانية والتركية , وقام بتسليمها الى الانكليز في مصر .
وفي اول واخر لقاء بين سارة والجنرال اللنبي على متن السفينة القيادة الانكليزية , صافحها الاخير بكلتا يديه الكبيرتين قائلا :
- يا انسة سارة ! لقد نقلوا لي صورة خاطئة عنك , لذ قالوا لي انك جميلة وذكية , وكان عليهم ان يقولوا انك جميلة جدا وذكية جدا .
وأردف يسألها عن جمال باشا , فاجابته : ان جمال باشا انسان كغيره من الناس .. يشبهني ويشبهكم . فقال لها الجنرال : هذا امر سيئ يا انسة سارة , اذا كان جمال باشا يفكر بطريقتنا , ويتصرف مثلنا ... وهذا الظلم في وجه العرب , فهو يتعامل معهم بكل رفق . فقد وصلني انه لم يعدم الجواسيس العرب . وفي هذا الاجتماع لقن الجنرال اللنبي سارة المهام التي ستقوم بها , وكانت تتضمن البنود التالية ٌ:
1- احباط قيادة مصطفى كال باشا للقوات المتواجدة في مكة , ومنع وصول هذه القوات الى فلسطين
2- التاكيد على التحاق الامير فيصل بوالده في مكة وضرورة تنفيذ ذلك في أقرب وقت ممكن
3- العمل على تنفيذ حكم الإعدام بالمعتقلين العرب الذين تعاملوا مع الفرنسيين
4- إرسال خطط تحركات القوات التركية المرتقبة الى غزة.
5- التحضير الى إغتيال أنور باشا وإعداد الخطة اللازمة للتنفيذ .
6- ترويج نبأ قيام الفرنسيين والانكليز بقطع طريق اضنا - اسكندرون . وبعد ان تمكنت ساره وشبكتها التجسسية من تنفيذ جميع هذه البنود كليا وجزئيا , أخذت أصابع الشكوك من قبل القادة العسكرين في فلسطين تحوم حول ساره وجيشها النسائي , لكن بعد الهزيمة التي حظى بها الاتراك والالمان , الامر الذي جعل جمال باشا والقادة الالمان يصابون بدهشة بالغة لا يعرفون لها سببا .
7- وبعد جولة من التحقيقات تبين للقادة الاتراك من الصف الثاني في فلسطين انه في ليلة رومانسية استطاعت فتاة نمساوية يهودية ان تحصل على المصورات والخطط العسكرية من منزل كبار القادة الاتراك , الامر الذي ادى في النهاية الى فضح شبكة سارة التجسسية , مما أدى الى إقدام الاخيرة على الانتحار قبل ان يتمكنوا من القبض عليها .
أخذ كبير المحققين فؤاد علي باشا ملفات شبكة التجسس وتوجه بها الى جمال باشا الذي حينها في الشام . وحينما دخل مكتب سأله جمال باشا قائلا : هل تؤمنون وتصدقون ان سارة كانت جاسوسة ؟ .
فاجابه فؤاد باشا قائلا : مع الاسف , الامر حقيقي . لقد اجريت التحقيقات بنفسي . سارة جاسوسة فوق ما تتصور واكثر مما كنا قد توقعناه . وهذه هي ملفات التحقيق .
فاجابه جمال باشا قائلا : حسنا ماذا ترون ان نفعل ؟ .
ـ اذا سمح الباشا , سأمر باخلاء جميع اليهود من مدينة القدس وإرسالهم الى الشام .
فقال جمال باشا : ولكن ماذا ستكون ردود الفعل العالمية تجاه هذا القرار ؟.
فما كان من فؤاد باشا إلا أن قال : إن أمن بلادنا أهم من ردود الفعل العالمية ياسعادة الباشا . ان الاحداث التي مرت منذ شهرين واعمال التجسس التي واجهناها من قبل اليهود قد سببت لدولتنا خسائر كبيرة . علاوة على ذلك فاليهود كانو يخططون لبناء دولة لهم على أراضينا في فلسطين بعد إجلائنا عنها , لقد كان هناك اتفاق قائم بينهم وبين الانكليز بهذا الصدد .
ومع ذلك أقدم جمال باشا لاحقا بإعطاء عهدا لليهود الجواسيس بعدم إعدامهم , مقابل تقديم مالديهم من معلومات .
وفي 12 كانون الثاني 1917 غادر جمال باشا الشام متوجها الى عاصمة امبراطوريته . وبعد ذلك تولى مصطفى كمال باشا الامور في البلاد , لكنه سرعان ماقرر انسحاب الجيوش التركية من سوريا .
وبسقوط دولة سوريا قررت الحكومة التركية توقيع معاهدة الصلح مع الانكليز . و كان في الجانب الانكليزي المفاوض النائب عمانوئيل قرة صو والحاخام نعوم افندي , وهما اصحاب المراكز المرموقة في تركيا , ومن زعماء الصهيونية في الوقت ذاته , واللذان منحتهما الحكومة الانكليزية صلاحيات وإمكانيات التفاوض مع الاتراك .
ولاحقا تم حل حزب الاتحاد والترقي وتصفية كل أعضائه من قبل الانكليز . وبعد إنهيار العثمانيين : هرب جمال باشا وأنور باشا وطلعت باشا في إحدى الليالي على متن غواصة ألمانية الى روسيا ثم المانيا . ولاحقا جرى إغتيال طلعت باشا من قبل أحد الأرمن في المانيا , واطلق أارمني رصاصة على جمال باشا في عام 1922 في مدينة تفليس ( عاصمة جورجيا ) وأراده قتيلا . وأخيرا قتل أنور باشا على يد أحد شيوعي المجر , بعد ان فر من روسيا الى أفغانستان ومنها الى المجر .