- الأحد مايو 05, 2013 5:15 am
#62271
د. رغد صالح الهدلة*
عرف الانسان منذ بداية وجوده على سطح الارض اشكالا من الصراع والتناقض سواء أكان ذلك الصراع بينه وبين بيئته المحيطة أو بينه وبين أبناء جنسه، وكان مطالبا دوما بمجابهة تلك التحديات والخروج منها بما يحقق مصلحته واستمراره، ثم اصبح مطالبا بما يحقق مصلحة اسرته ثم قبيلته ثم بلاده، وذلك كله أصبح يعرف اليوم بالأزمة (Crisis) .
عرفت الأزمة لغويا، أنها الشدة والقحط والمحنة، وأزم الشيىء أمسك عنه، والأزم يعني الحمية، والمأزم المضيق، وكل طريق ضيق بين جبلين مأزم، وموضع الحرب ايضا مأزم .
أما اصطلاحا، فهي مرحلة تحول في احداث متتابعة، كما انها تعنـي حالة التغيير ( عدم الثبات )، او انها تؤدي الى تغيير حاسم او فاصل .
فيما يذهب آخر واصفا الأزمة انها نقطة تحول في أي شيىء، وان التغيير يكون فيها قطعيا اما للأحسن او للأسوء، او انها مرحلة متقدمة من مراحل الصراع. فيما يعرفها آخر على انها مرحلة الذروة في توتر العلاقات في بيئة ستراتيجية وطنية او اقليمية او دولية بحيث يصبح اطراف تلك العلاقات قاب قوسين او ادنى من الحرب .
يعود اصطلاح الازمة الى الفكر اليوناني القديم الذي يقصد بها نقطة تحول في الامراض الخطيرة والقاتلة والتي تؤدي الى الموت المحقق او الشفاء التام .
أما دلالات الأزمة في المجال الدولي، فإن مصطلح (Interrational Crisis ) يعني تلك الحالة التي تحكم العلاقات بين طرفين دوليين او اكثر تتميز بالشك الكبير في النوايا، وانها تلك الفترة الزمنية القصيرة نسبيا والمتضمنة ضغطــاغير اعتيادي على صانعي القرار وتشتمل على امكانية اندلاع الحرب والنهاية المأساوية لها .
لقد برزت ثلاثة مفاهيم في معالجة ماهية الأزمة خلال العقدين الاخيرين من القرن الماضي، وهي
1. مفهوم يرتكز على نظرية النظم .
يؤكد هذا المفهوم على ان هنــــاك تأثير متبادل بين النظام السياسي الدولي Interernational Politicl sysyem ) ( والأزمة، فيما يعرف الأزمة الدولية على اساس مظاهرها وتفاعلاتها، بأنها فترة انتقالية ما بين الحرب والسلم، وان معضمها يتضاءل دون اللجوء الى استخدام القوة من قبل الدولة المتورطة في الأزمة، وان الأزمة الدولية رغم خطورتها لاتؤدي بصورة دائمة الى الحرب .
ان انصار مدرسة النظم قدموا تعريفات مهمة للأزمة الدولية، حيث انهم وجدوا علاقة تفاعلية بين الأزمات الدولية واستقرار النظام السياسي الدولي، فكلما كان النظام الدولي على درجة عالية نسبيا من الادراك الذاتي لحقائقه والكيفية التي تتفاعل بها وتتغير من خلالها، أصبح بالامكان ان يأخذ في الحسبان للازمة بصورة مسبقة بما يتناسب لها من اجراءات وافعــال وقائية وتصحيحية، فيما لاتوجد مثل هذه الامكانية في ظل نظام دولي يفتقر لذلك الادراك، حيث تكون للصدمات العنيفة غير المحسوبة والمفاجئة للازمة تأثيرات مدمرة على توازن النظام الدولي .
2. مفهوم يرتكز على منهج صنع القرار.
يؤمن معتنقو هذا المفهوم ان الأزمة الدولية هــي موقف يهدد الاطراف المشاركة في الأزمة، وان ذلك الموقف يترك آثارا مهمة علــى تلك الاطراف، اذ يرى اصحاب ذلك المفهوم ان تعريف الازمة لايستند على مظهرها الخارجي، بل ان اهم ما يؤكد عليه المفهوم في تعريفه لمفهوم الازمة الدولية وخصائصها هو ضرورة توفر عدة عناصر فيها وان تكون مدركة من قبل صناع القرار، اما عناصر الازمة فهي اعمال غير متوقعة من الخصم وادراك او تصور وجود تهديد كبير وادراك الوقت المحدد لصنع القرار والرد واخيرا ادراك العواقب المهلكة لعدم الرد .
3. المفهوم المتغير الشمولي للازمة.
لقد تبنى اصحاب المفهوم المتغير الشمولي تعريفا للازمة الدولية حاولوا فيه ان يمازجوا بين مفهومي النظم وصنع القرار ويوفقوا بينهما، فعرفوا الازمة الدولية بانها حالة ترافقها اربعـة ظروف تفي بغرض قيامها، هي، تغير فــي المحيط الداخلي والخارجي للازمة الدولية و تهديد للقيم الاساسية في الحاضر والمستقبل و احتمال عالي الدرجة بقيام اعمال عنف عسكري واخيرا ايجاد وقت محدد للرد . كما انها مرئية مــن اعلى مستوى لصانعي القـرار المعنيين .
ان تحديدا دقيقا لمفهوم الازمة الدولية وفقا للمفاهيم الثلاث التي ذكرت هو موقف حاد مفاجىء ينتج عن تطور التناقض والاختلاف، وهــي مرحلة متقدمة من الصراع بين اطراف الازمة علنية كانت أم خفية وآنية، مفاجئة أم قديمة مستمرة وعرضية أم نتيجة وعي أو تخطيط مسبق، تتداخل في حدوثها وتطورها عوامل عديدة موضوعية وذاتية .
ثانيا :أسباب الأزمة الدولية:
يتداخل مفهوم الازمة الدولية كثيرا مع مفهــوم الصراع الدولي، (International Conflict)، مما يسبب خلطا في استعمالهما، غير ان مفهوم الصراع الدولي يختلف فــي حقيقة الامر عن مفهوم الازمة الدوليــة، فالصراع الدولي هو ذلك الموقف الذي ينتج عن الاختلاف في الاهداف والمصالح القومية، وانه يرتبط بعدة امور مثل الحدود الجغرافية وعدد الاطراف المشاركة فيه وحجم الموارد والامكانيات التي تخصص للصراع ونوعية الاسلحة المستخدمة وخصائصها التدميرية والاهداف التي تحددها الدولة من وراء هذا الصراع .
فيما يذهب آخر في تعريف الصراع الدولي على انه، تصادم ارادات وقوى خصمين او اكثر، ويكون هدف كل طرف من الاطراف تحطيم الآخر كليا او جزئيا بحيث تتحكم ارادته في ارادة الخصم، ومن ثم يمكنه ان ينهي الصراع بما يحقق اهدافه واغراضه، او انها موقف تدهور خطير في عناصر البيئة الداخلية او الخارجية لاطراف الازمة يمثل تهديدا للقيم والاهداف الرئيسة للدولة وقد يصاحبه احتمالات كبيرة لاستخدام القوة العسكرية الشاملة مع وجود وقت محدود لاتخاذ قرارات حاسمة بشان هذا التدهور او التهديد الخطير.
بينما مفهوم الازمة الدولية هو موقف ينشأ من احتدام صراع دولتين او اكثر، وذلك نتيجة لسعي أحد الاطراف الى تغيير التوازن الاستراتيجي القائم لصالحه مما يشكل تهديدا جوهريا لقيــــم ومصالح واهداف الخصم الذي يتجه للمقاومة، ويستمر هذا الموقف لفترة قصيرة ومحدودة، وقد يتخللها لجوء الاطراف الى استخدام القوة العسكرية وتنتهي الازمة غالبا الى اقرار نتائج مهمة ومؤثرة في النظام الدولي العام .
وباختصار يمكننا القول بان الازمة الدولية عبارة عن المرحلة الحساسة والقاطعة من الصراع الدولي، والتي تتصف بتصاعد وتائر هذا الصراع وشدته وخطورته، وهي المرحلة الاعلى في الصراع حيث تبرز فيها امكانيات وضع حد ونهاية لهذا الصراع باستخدام القوة والعنف نتيجة المساس بالمصالح القومية والاهداف والقيم العليا .
لقد تعددت اسباب الازمة الدولية، غير ان هذا التعدد لايعدو كونه مجرد ظواهـر لحالة اساسية واحدة هي مساسها بالامن القومي والمصالح الحيوية، فالاستعمار بحد ذاته يمثل مصدرا اساسيا للازمات الدولية بما يوفره من فرص كبيرة لنشوب العنف المسلح في البلدان التي يحتلها او الخاضعة له .
كذلك مشكلات الحدود والمطالبة بالاقاليم تعد سببا في اثارة العديد من الازمات الخطيرة والحروب . كما ان محاولة الدول لتغيير الوضع الراهن يعد سببا في نشوء الازمة الدولية، ويراد هنا بتغيير الوضع هو الحصول على مكاسب استراتيجية جديدة لصالح الدولة القائمة بالمحاولة .
ان مسببات التوتر والازمات الدولية تكمن ايضا في سعي الدول لتحقيق مصالحها الاقتصادية دونما اكتراث لمصالح الدول والاطراف الدولية الاخــرى، والتي تعمل هي الاخرى من جانبها على تحقيق وانجـــاز وحماية مصالحها القومية وان هذا المفهوم يعرف بـ ( تعارض المصالح )، وهو سبب آخر في نشوء الازمة الدولية. كما ان مشكلة عدم الاستقرار السياسي في الداخل لأي دولة يفقد تلك الدولة التمتــع بالمرونة والقدرة على المبادرة مما يدفعها عـادة الـى الاندفاع نحـو الخارج بافتعال ازمات او حروب مع دول اخرى لاحتواء مشكلات الصراع الداخلي ولخلق التماسك في الداخل .
ثالثا : اسلوب ادارة الأزمة الدولية .
تتصف الازمة الدولية بانها حالة من الشك وعدم اليقين بنسبة كبيرة، وتشمل على فرص واسعة للنكسات والنهايات المأساوية، ولهذا فان البعض يشبه الازمة بظاهرة الحرب من حيث الخطورة بل ولا يفرق بينهما .
ان تقييم مخاطر الازمة الدولية يختلف من دولة الى اخرى، كما يختلف اختيار الاساليب المناسبة للتعامل معها، غير ان هناك ثلاثة اساليب يمكن اعتمادها لادارة الازمة الدولية هي، اسلوب معالجة الازمة وتجميدها والتعامل معها، فالمعالجة تعني الاحاطة بجوانب الازمة المختلفة، وايجاد الحلول الناجعة والنهائية لها ولمسبباتها وعوامل تصاعدها، اما تجميدها فهي الابقاء على الازمة الدولية في وضع معين، وابقاء تاثيراتها خارج دائرة التاثير المباشر على قيم الدولة واهدافها، والتعامل معها على انها حالة قابلة للاستخدام والاستثمار بقصد الانتفاع بها والافادة منها، وان كانت تعرض الدولة لوضع تواجه فيه تهديدات واخطارا متعددة .
ان ادارة الازمة ( Crisis Management ) يعني قيادة الازمة وتوجيهها والامساك بمتغيراتها وادارة هذه المتغيرات وتشكيلها بالصورة التي تسمح لمدير الازمة بدفعها في الطريق الذي يرغب ان تندفع فيه لايصالها الى النهاية التي تحقق اهدافه وتحمي مصالحه .
ان مفهوم ادارة الازمة يختلف عن مفهوم ( حل الازمة ) ففي الوقت الذي يكون مفهوم حل الازمة هو انهاء الازمة دون الاستفادة من الفرصة التي هي احدى معـالم الازمة، تكون ادارة الازمة هي سعي صناع القرار لدى كل اطرافها الى ممارسة الضغط بشكل مرن وحكيم وفق مقتضيات الموقف او سعيهم الى التعايش والتوافق من دون ان تتحمل دولهم تكلفة او خسائر عالية .
لقد عنت ادارة الازمة بانها السعي للتعامل مع الأزمة الدولية والعمل على توجيهها وادارتها بشكل يحقق لمدير الازمة اهدافا ومصالح يرى او يقدر بانها اكبر بكثير من تلك التي يوفرها له تجميد الازمة او حلها بصورة نهائية .
يتبين مما تم ذكره، ان ادارة الازمة الدولية تعني الابقاء على الازمة ومحاولة الوصول بها الى ما يحقق لصانع القرار اكبر قدر من الاهداف وحماية مصالحه الحيوية، حيث تقع على مدير الازمة مهام جسيمة في تقرير مصالح دولته وحمايتها، فاذا استطاع حل موضوع الازمة بهذا الاتجاه دون اللجوء للحرب، فان هذه القدرة في تجنيب الحرب تعني انه قرر الكيفية التي تمكنه من ذلك .
عرف الانسان منذ بداية وجوده على سطح الارض اشكالا من الصراع والتناقض سواء أكان ذلك الصراع بينه وبين بيئته المحيطة أو بينه وبين أبناء جنسه، وكان مطالبا دوما بمجابهة تلك التحديات والخروج منها بما يحقق مصلحته واستمراره، ثم اصبح مطالبا بما يحقق مصلحة اسرته ثم قبيلته ثم بلاده، وذلك كله أصبح يعرف اليوم بالأزمة (Crisis) .
عرفت الأزمة لغويا، أنها الشدة والقحط والمحنة، وأزم الشيىء أمسك عنه، والأزم يعني الحمية، والمأزم المضيق، وكل طريق ضيق بين جبلين مأزم، وموضع الحرب ايضا مأزم .
أما اصطلاحا، فهي مرحلة تحول في احداث متتابعة، كما انها تعنـي حالة التغيير ( عدم الثبات )، او انها تؤدي الى تغيير حاسم او فاصل .
فيما يذهب آخر واصفا الأزمة انها نقطة تحول في أي شيىء، وان التغيير يكون فيها قطعيا اما للأحسن او للأسوء، او انها مرحلة متقدمة من مراحل الصراع. فيما يعرفها آخر على انها مرحلة الذروة في توتر العلاقات في بيئة ستراتيجية وطنية او اقليمية او دولية بحيث يصبح اطراف تلك العلاقات قاب قوسين او ادنى من الحرب .
يعود اصطلاح الازمة الى الفكر اليوناني القديم الذي يقصد بها نقطة تحول في الامراض الخطيرة والقاتلة والتي تؤدي الى الموت المحقق او الشفاء التام .
أما دلالات الأزمة في المجال الدولي، فإن مصطلح (Interrational Crisis ) يعني تلك الحالة التي تحكم العلاقات بين طرفين دوليين او اكثر تتميز بالشك الكبير في النوايا، وانها تلك الفترة الزمنية القصيرة نسبيا والمتضمنة ضغطــاغير اعتيادي على صانعي القرار وتشتمل على امكانية اندلاع الحرب والنهاية المأساوية لها .
لقد برزت ثلاثة مفاهيم في معالجة ماهية الأزمة خلال العقدين الاخيرين من القرن الماضي، وهي
1. مفهوم يرتكز على نظرية النظم .
يؤكد هذا المفهوم على ان هنــــاك تأثير متبادل بين النظام السياسي الدولي Interernational Politicl sysyem ) ( والأزمة، فيما يعرف الأزمة الدولية على اساس مظاهرها وتفاعلاتها، بأنها فترة انتقالية ما بين الحرب والسلم، وان معضمها يتضاءل دون اللجوء الى استخدام القوة من قبل الدولة المتورطة في الأزمة، وان الأزمة الدولية رغم خطورتها لاتؤدي بصورة دائمة الى الحرب .
ان انصار مدرسة النظم قدموا تعريفات مهمة للأزمة الدولية، حيث انهم وجدوا علاقة تفاعلية بين الأزمات الدولية واستقرار النظام السياسي الدولي، فكلما كان النظام الدولي على درجة عالية نسبيا من الادراك الذاتي لحقائقه والكيفية التي تتفاعل بها وتتغير من خلالها، أصبح بالامكان ان يأخذ في الحسبان للازمة بصورة مسبقة بما يتناسب لها من اجراءات وافعــال وقائية وتصحيحية، فيما لاتوجد مثل هذه الامكانية في ظل نظام دولي يفتقر لذلك الادراك، حيث تكون للصدمات العنيفة غير المحسوبة والمفاجئة للازمة تأثيرات مدمرة على توازن النظام الدولي .
2. مفهوم يرتكز على منهج صنع القرار.
يؤمن معتنقو هذا المفهوم ان الأزمة الدولية هــي موقف يهدد الاطراف المشاركة في الأزمة، وان ذلك الموقف يترك آثارا مهمة علــى تلك الاطراف، اذ يرى اصحاب ذلك المفهوم ان تعريف الازمة لايستند على مظهرها الخارجي، بل ان اهم ما يؤكد عليه المفهوم في تعريفه لمفهوم الازمة الدولية وخصائصها هو ضرورة توفر عدة عناصر فيها وان تكون مدركة من قبل صناع القرار، اما عناصر الازمة فهي اعمال غير متوقعة من الخصم وادراك او تصور وجود تهديد كبير وادراك الوقت المحدد لصنع القرار والرد واخيرا ادراك العواقب المهلكة لعدم الرد .
3. المفهوم المتغير الشمولي للازمة.
لقد تبنى اصحاب المفهوم المتغير الشمولي تعريفا للازمة الدولية حاولوا فيه ان يمازجوا بين مفهومي النظم وصنع القرار ويوفقوا بينهما، فعرفوا الازمة الدولية بانها حالة ترافقها اربعـة ظروف تفي بغرض قيامها، هي، تغير فــي المحيط الداخلي والخارجي للازمة الدولية و تهديد للقيم الاساسية في الحاضر والمستقبل و احتمال عالي الدرجة بقيام اعمال عنف عسكري واخيرا ايجاد وقت محدد للرد . كما انها مرئية مــن اعلى مستوى لصانعي القـرار المعنيين .
ان تحديدا دقيقا لمفهوم الازمة الدولية وفقا للمفاهيم الثلاث التي ذكرت هو موقف حاد مفاجىء ينتج عن تطور التناقض والاختلاف، وهــي مرحلة متقدمة من الصراع بين اطراف الازمة علنية كانت أم خفية وآنية، مفاجئة أم قديمة مستمرة وعرضية أم نتيجة وعي أو تخطيط مسبق، تتداخل في حدوثها وتطورها عوامل عديدة موضوعية وذاتية .
ثانيا :أسباب الأزمة الدولية:
يتداخل مفهوم الازمة الدولية كثيرا مع مفهــوم الصراع الدولي، (International Conflict)، مما يسبب خلطا في استعمالهما، غير ان مفهوم الصراع الدولي يختلف فــي حقيقة الامر عن مفهوم الازمة الدوليــة، فالصراع الدولي هو ذلك الموقف الذي ينتج عن الاختلاف في الاهداف والمصالح القومية، وانه يرتبط بعدة امور مثل الحدود الجغرافية وعدد الاطراف المشاركة فيه وحجم الموارد والامكانيات التي تخصص للصراع ونوعية الاسلحة المستخدمة وخصائصها التدميرية والاهداف التي تحددها الدولة من وراء هذا الصراع .
فيما يذهب آخر في تعريف الصراع الدولي على انه، تصادم ارادات وقوى خصمين او اكثر، ويكون هدف كل طرف من الاطراف تحطيم الآخر كليا او جزئيا بحيث تتحكم ارادته في ارادة الخصم، ومن ثم يمكنه ان ينهي الصراع بما يحقق اهدافه واغراضه، او انها موقف تدهور خطير في عناصر البيئة الداخلية او الخارجية لاطراف الازمة يمثل تهديدا للقيم والاهداف الرئيسة للدولة وقد يصاحبه احتمالات كبيرة لاستخدام القوة العسكرية الشاملة مع وجود وقت محدود لاتخاذ قرارات حاسمة بشان هذا التدهور او التهديد الخطير.
بينما مفهوم الازمة الدولية هو موقف ينشأ من احتدام صراع دولتين او اكثر، وذلك نتيجة لسعي أحد الاطراف الى تغيير التوازن الاستراتيجي القائم لصالحه مما يشكل تهديدا جوهريا لقيــــم ومصالح واهداف الخصم الذي يتجه للمقاومة، ويستمر هذا الموقف لفترة قصيرة ومحدودة، وقد يتخللها لجوء الاطراف الى استخدام القوة العسكرية وتنتهي الازمة غالبا الى اقرار نتائج مهمة ومؤثرة في النظام الدولي العام .
وباختصار يمكننا القول بان الازمة الدولية عبارة عن المرحلة الحساسة والقاطعة من الصراع الدولي، والتي تتصف بتصاعد وتائر هذا الصراع وشدته وخطورته، وهي المرحلة الاعلى في الصراع حيث تبرز فيها امكانيات وضع حد ونهاية لهذا الصراع باستخدام القوة والعنف نتيجة المساس بالمصالح القومية والاهداف والقيم العليا .
لقد تعددت اسباب الازمة الدولية، غير ان هذا التعدد لايعدو كونه مجرد ظواهـر لحالة اساسية واحدة هي مساسها بالامن القومي والمصالح الحيوية، فالاستعمار بحد ذاته يمثل مصدرا اساسيا للازمات الدولية بما يوفره من فرص كبيرة لنشوب العنف المسلح في البلدان التي يحتلها او الخاضعة له .
كذلك مشكلات الحدود والمطالبة بالاقاليم تعد سببا في اثارة العديد من الازمات الخطيرة والحروب . كما ان محاولة الدول لتغيير الوضع الراهن يعد سببا في نشوء الازمة الدولية، ويراد هنا بتغيير الوضع هو الحصول على مكاسب استراتيجية جديدة لصالح الدولة القائمة بالمحاولة .
ان مسببات التوتر والازمات الدولية تكمن ايضا في سعي الدول لتحقيق مصالحها الاقتصادية دونما اكتراث لمصالح الدول والاطراف الدولية الاخــرى، والتي تعمل هي الاخرى من جانبها على تحقيق وانجـــاز وحماية مصالحها القومية وان هذا المفهوم يعرف بـ ( تعارض المصالح )، وهو سبب آخر في نشوء الازمة الدولية. كما ان مشكلة عدم الاستقرار السياسي في الداخل لأي دولة يفقد تلك الدولة التمتــع بالمرونة والقدرة على المبادرة مما يدفعها عـادة الـى الاندفاع نحـو الخارج بافتعال ازمات او حروب مع دول اخرى لاحتواء مشكلات الصراع الداخلي ولخلق التماسك في الداخل .
ثالثا : اسلوب ادارة الأزمة الدولية .
تتصف الازمة الدولية بانها حالة من الشك وعدم اليقين بنسبة كبيرة، وتشمل على فرص واسعة للنكسات والنهايات المأساوية، ولهذا فان البعض يشبه الازمة بظاهرة الحرب من حيث الخطورة بل ولا يفرق بينهما .
ان تقييم مخاطر الازمة الدولية يختلف من دولة الى اخرى، كما يختلف اختيار الاساليب المناسبة للتعامل معها، غير ان هناك ثلاثة اساليب يمكن اعتمادها لادارة الازمة الدولية هي، اسلوب معالجة الازمة وتجميدها والتعامل معها، فالمعالجة تعني الاحاطة بجوانب الازمة المختلفة، وايجاد الحلول الناجعة والنهائية لها ولمسبباتها وعوامل تصاعدها، اما تجميدها فهي الابقاء على الازمة الدولية في وضع معين، وابقاء تاثيراتها خارج دائرة التاثير المباشر على قيم الدولة واهدافها، والتعامل معها على انها حالة قابلة للاستخدام والاستثمار بقصد الانتفاع بها والافادة منها، وان كانت تعرض الدولة لوضع تواجه فيه تهديدات واخطارا متعددة .
ان ادارة الازمة ( Crisis Management ) يعني قيادة الازمة وتوجيهها والامساك بمتغيراتها وادارة هذه المتغيرات وتشكيلها بالصورة التي تسمح لمدير الازمة بدفعها في الطريق الذي يرغب ان تندفع فيه لايصالها الى النهاية التي تحقق اهدافه وتحمي مصالحه .
ان مفهوم ادارة الازمة يختلف عن مفهوم ( حل الازمة ) ففي الوقت الذي يكون مفهوم حل الازمة هو انهاء الازمة دون الاستفادة من الفرصة التي هي احدى معـالم الازمة، تكون ادارة الازمة هي سعي صناع القرار لدى كل اطرافها الى ممارسة الضغط بشكل مرن وحكيم وفق مقتضيات الموقف او سعيهم الى التعايش والتوافق من دون ان تتحمل دولهم تكلفة او خسائر عالية .
لقد عنت ادارة الازمة بانها السعي للتعامل مع الأزمة الدولية والعمل على توجيهها وادارتها بشكل يحقق لمدير الازمة اهدافا ومصالح يرى او يقدر بانها اكبر بكثير من تلك التي يوفرها له تجميد الازمة او حلها بصورة نهائية .
يتبين مما تم ذكره، ان ادارة الازمة الدولية تعني الابقاء على الازمة ومحاولة الوصول بها الى ما يحقق لصانع القرار اكبر قدر من الاهداف وحماية مصالحه الحيوية، حيث تقع على مدير الازمة مهام جسيمة في تقرير مصالح دولته وحمايتها، فاذا استطاع حل موضوع الازمة بهذا الاتجاه دون اللجوء للحرب، فان هذه القدرة في تجنيب الحرب تعني انه قرر الكيفية التي تمكنه من ذلك .
ساس 499
ساس 245
ساس 380
ساس 245
ساس 380