- الأحد مايو 05, 2013 6:12 am
#62286
العنف السياسي في الكويت: المؤشرات والتداعيات
د. عصام عبد الشافي
العنف السياسي ليس ظاهرة عرضية أو وليدة الصدفة، وليس كذلك ظاهرة مستحدثة على المجتمعات البشرية. ولكنه أكثر تعقيداً وأبعد عمقاً من المفاهيم السائدة في المرحلة الراهنة، وهو كظاهرة لا يختص بأمة دون أخرى ولكنه ظاهرة عالمية، متعددة الخصائص، متباينة الأشكال، تشكل أحد أهم مظاهر السلوك البشري التي عرفها الإنسان خلال مسيرة تطوره. ومع أن العنف السياسي غير مقبول على العديد من المستويات، إلا أنه ليس دائماً سلبياً، فقد يكون له إيجابيات، بل وقد يكون ضرورة تاريخية في حياة الأمم والجماعات البشرية رفضاً للهيمنة الخارجية أو الاستبداد والفساد الداخلي، ودفاعاً عن الحقوق المشروعة ضد أى انتهاك.
أولاً: أشكال العنف السياسي:
يتضمن العنف السياسي معنى الإكراه المادي أو حتى مجرد التهديد بإستخدامه لإحداث تغيير أو تحقيق أهداف بعينها على إرادة من يمارس ضده العنف. وقد تتم ممارسة العنف من جانب النظام ضد المواطنين أو ضد قطاع أو ضد فئة معينة منهم ﺑﻬدف الإستمرار في السلطة وتقليص دور القوى المناوئة والمعارضة وهو ما يعرف بـ "العنف الرسمي"، وقد يمارس العنف من جانب المواطنين ضد النظام السياسي أو بعض رموزه وهو ما يعرف بالعنف الشعبي وغالبا ما يهدف إلى ممارسة ضغوط على النظام السياسي لتحقيق مطالب خاصة كالعدالة في توزيع الثروة أو المشاركة في صناعة وإتخاد القرارات التي تمس حياة المواطنين أو إجبار النظام على العدول عن قرارات أو سياسات اتخذها أو يزمع إتخاذها وترى القوى التي تمارس العنف أﻧﻬا تضر بمصالحها.
ويأخذ هذا العنف العديد من الأشكال، منها:
1ـ الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تستهدف شخصيات رسمية تشغل مناصب ذات تأثير على القرار السياسي أو ذات صلة بمراكز صناعة القرار.
2ـ الإنقلابات أو محاولات الإنقلاب وقد تتم من داخل النخبة ذاﺗﻬا أو تحل نخبة جديدة محل النخبة التي تمت الإطاحة ﺑﻬا، وقد لا تقترن بتغير في طبيعة النظام السياسي، وقد يترتب عليها تحولات جذرية ويتحول الإنقلاب إلى ثورة.
3ـ التمرد: وهو شكل من أشكال المواجهة المسلحة للنظام القائم من قبل بعض العناصر المدنية أو العسكرية أو الإثنين معا وذلك لممارسة الضغط والتأثير على النظام للإستجابة لمصالح معينة لهذه القوى، وقد يكون التمرد طويل المدى مقدمة لثورة قد تطيح بالنظام برمته.
4ـ أعمال الشغب: إستخدام العنف من جانب تجمعات من المواطنين ضد النظام السياسي أو بعض رموزه أو ضد الممتلكات الخاصة أو العامة، وقد تكون أعمال الشغب محدودة، أو عامة تنتشر على نطاق جغرافي واسع نسبيا ويشترك فيها عدة فئات إجتماعية وتمارس خلالها أعمال التدمير والتخريب على نطاق واسع.
5ـ عمليات الإعتقال لأسباب سياسية: وعادة ما تأتي هذه الإعتقالات في إطار تصدي النظم الحاكمة للاحتجاج الجماعي والعنف السياسي، وفي حالات عديدة تتم عمليات الإعتقال ﻟﻤﺠرد الإشتباه أو من باب اتخاد إجراءات تعتبرها السلطات وقائية لحفظ الأمن والنظام وهو ما يعرف بالإعتقال التحفظي أو الوقائي.
6ـ إستخدام وحدات الجيش لمواجهة أعمال العنف السياسي: ففى حالات العنف الحادة والتي تمثل ﺗﻬديدا جديا للنظام السياسي، وتعجز أجهزة الأمن عن التعامل معها، فإنه يتم إستدعاء الجيش للسيطرة على الأحداث.
ثانياً: أسباب العنف السياسي في الكويت ومستوياته:
تعددت الأسباب التي أدت لتفاقم ظاهرة العنف السياسي، في دولة الكويت خلال عامي 2011 و2012، لعل في مقدمتها:
1ـ الأزمة السياسية بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء على خلفية قضايا الفساد السياسي، وقضية الإيداعات المليونية، والتي أدت لتقديم الحكومة استقالتها مرتين خلال هذه الفترة، قبل حل مجلس الأمة، في ديسمبر 2011، والدعوة لانتخابات جديدة في 2 فبراير 2012.
2ـ الممارسات السياسية السلبية، من جانب مختلف القوي والتيارات السياسية، فالحملات الانتخابية لانتخابات أمة 2012، كشفت عن وجود عدد من المرشحين هدفهم الرئيس هو الوصول إلى البرلمان، ولو كان ذلك على حساب أمن الدولة واستقرارها، كما أن بعض التيارات السياسية والكتل الانتخابية لم تقم بالدور الوطني المنوط بها، وانخرطت في تأجيج الوضع للاستفادة منه لتحقيق مكاسب لمصلحة مرشحيها دون اكتراث لأية اعتبارات وطنية، بجانب وجود عدد من الشخصيات السياسية تسببت، بممارساتها وتصريحاتها في انتشار ثقافة المظاهرات والاعتصامات في البلاد والحث على مخالفة القانون ومهاجمة الأجهزة الأمنية.
3ـ العنف الانتخابي الطلابي: فقد تكررت ظاهرة العنف في الانتخابات الطلابية، وجاءت امتداداً للحركة السياسية في الكويت وتياراتها السياسية الممثلة في الخريطة الانتخابية الطلابية أو ما يطرحه الطلبة من قضايا سياسية محلية وإقليمية. وأصبحت الساحة الانتخابية الطلابية تجتاحها الامراض التي أصابت الجسد الانتخابي العام في البلاد من مشاحنات وتنابز وتفريق لوحدة المجتمع، وبروز العنصر القبلي والفئوي في الانتخابات الجامعية.
وإذا كانت الرشيحة طلاب الجامعة، هى الأكثر حيوية وتأثيراً في المجتمع، فقد انعكس عنفها داخل الحرم الجامعي على مستويات عنفها خارج الحرم الجامعي، في الإطار الأوسع للحركة السياسية في المجتمع.
4ـ تفشي ظاهرة العنف المدرسي: فقد كشفت الجمعية الكويتية لحقوق الطفل أن حوادث العنف المعلنة من وزارة التربية ارتفعت إلى 28887 حالة عام 2011، منها ما يزيد على 10 آلاف حالة وقعت في المرحلة الابتدائية.
5ـ الأسباب الدينية: وتتمثل في حالة الاحتقان بين السنة والشيعة في المجتمع الكويتى، والتي تكشف عن نفسها بين الحين والآخر، في أحداث تبدأ فردية ثم سرعان ما تصبح مجتمعية، تنال من أمن المجتمع واستقراره، كان آخرها، ولن تكون الأخيرة، الأزمة التي أثارتها تغريدات الكاتب محمد المليفي، والتي اعتبرها البعض إهانة للطائفة الشيعية وشقاً لصفوف الوحدة الوطنية. وبسببها انتفضت حشود كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية في ساحة الارادة (9 فبراير 2012) في تظاهرات دعا إليها تجمع "الله يحفظج يا كويت"، وشهد العديد من الخطابات والعبارات على لسان عدد من النواب، التي من شأنها تأجيج حالة الاحتقان القائمة بالفعل.
6ـ الأسباب الخارجية: وتتملث في تأثيرات التطورات التي شهدتها المنطقة العربية، وثورات وانتفاضات ما عرف بالربيع العربي، في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وغيرها، على الأوضاع الداخلية في الكويت.
ثالثاً: مظاهر العنف السياسي في الكويت:
تعددت مظاهر ومؤشرات العنف السياسي في الكويت خلال عامي 2011 و2012، ومن أبرزها:
1ـ مظاهرات البدون:
فقد نظم المئات من الشباب البدون اعتصاما سلميا، يوم الجمعة 18 فبراير 2011، على مدى ثلاثة أيام في منطقة الجهراء والصليبية ومنطقة الأحمدي، وتدخلت الشرطة والقوات الخاصة بتفريق المعتصمين، وتم تعليق عمليات الاعتصام على وعد من الوزراء ونواب مجلس الأمة بحل المشكلة في جلسة خاصة في 8 مارس 2011. وفي مارس ومايو وديسمبر 2011، تجددت المظاهرات في نفس المناطق، ثم تجددت مع بدايات العام 2012، وكانت البداية في جمعة السادس من يناير 2012، حيث تجمع نحو 3 آلاف "بدون" من منطقة تيماء في الجهراء. ثم تجددت يوم الجمعة 13 يناير، وأعلنت وزارة الداخلية أن 21 من عناصرها أصيبوا خلال المظاهرة التي نظمها "البدون" ، منهم (16) تم علاجهم في موقع الحادث، و(5) آخرين تم نقلهم لتلقي العلاج في المستشفيات، اضافة الى تعرض عدد من دوريات الأمن وبعض ممتلكات الدولة للاتلاف والحرق.
2ـ اقتحام مجلس الأمة:
ففي 16 نوفمبر 2011، وعلى خلفية الأزمة السياسية بين مجلس الوزراء ومجلس المة، قام عشرات المواطنين، بحضور عدد من النواب باقتحام مجلس الأمة، في سابقة هى الأولي في تاريخ الكويت، والعبث بمحتوياته وهو ما اعتبره البعض مخططات انقلابية ضد نظام الدولة بأكمله.
3ـ حرق المقرات الانتخابية
في 31 يناير 2012 أقدم مئات المواطنين من أبناء إحدى القبائل الكويتية على إحراق مقر أحد مرشحى الدائرة الثالثة، مما أدى إلى إتلاف محتوياته في أعقاب ندوة عقدها ضمن حملته الانتخابية. ومع انتشار تصريحاته، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال الرسائل التليفونية، برزت دعوات للرد على استهدافه القبيلة وأبناءها، وسارع عدد من مرشحي القبيلة إلى إصدار بيانات استنكار، داعين رئيس الحكومة إلى محاسبته، متهمين إياه بشق الوحدة الوطنية من خلال خطاب عنصري ومهين لأحد المكونات الأساسية للنسيج الاجتماعي الكويتي والوحدة الوطنية.
وسادت حالة من الفوضى، ولم يستطع رجال الأمن ضبط حالة الفوضى التي أدت إلى زيادة أعداد أبناء القبيلة، ومنع المهاجمون رجال الإطفاء من القيام بعملهم بإخماد النيران، كما أعطيت التعليمات لرجال القوات الخاصة بعدم إثارة المجاميع المتظاهرة.
وفي 3 فبراير 2012، اندلعت النيران بثلاثة مقرات انتخابية بمقر مرشحي العجمان، ثم حريق التهم احدى خيام المرشح عايض بوخوصة العتيبي ثم حريق بمقر النائب خالد شخير المطيري في منطقتي الرقة وفهد الاحمد، مع اقتصار الخسائر على الاضرار المادية دون وقوع اصابات بشرية.
4ـ التهديد بقتل المرشحين:
حيث صرح أحد مرشحي الدائرة الثالثة في انتخابات أمة 2012، انه تعرض لمحالوة قتل، وتلقي تهديدات بالقتل من جانب أنصار خصومه السياسيين، وأكد أنه لن يرضخ لأية محاولات ارهابية تحاول دفعه الى الاستقالة، مبينا أن سياسة النزول للشارع وراء انتشار ثقافة العنف في البلاد، بجانب أن عدم تطبيق القوانين منذ فترة طويلة شجع على هذه الأعمال.
5ـ عمليات التجمهر واقتحام القنوات الفضائية:
ففي 31 يناير 2012 قام عدد من المتظاهرين باقتحام قناة "سكوب" الفضائية وتكسير ما بها من معدات وطرد العاملين بها, بعد أن نقلت ندوة لأحد المرشحين، تضمنت عبارات مسيئة ضد إحدى القبائل، وقد أحاطت قوات الأمن بمقر القناة ومنعت دخول المنطقة المحيطة إلا لحاملي البطاقة المدنية، كما أحالت القناة والمرشح للنيابة العامة، بتهمة إحداث فتنة مجتمعية وسب وقذف قبيلة أخري وإقامة ندوات علي اساس قبلي طائفي وإطلاق ألفاظ نابية تجاه شخصيات سياسية أخرى في الكويت.
وفي الأول من فبراير 2012 حاول عشرات الأشخاص اقتحام مقر قناة "الوطن" على خلفية عن مناظرة بين اثنين من المرشحين لانتخابات مجلس الأمة، ومنعت القوات الخاصة المحتجين من الدخول، إلا أنهم تدافعوا وتمكنوا من تحطيم الباب الخلفي، وحدث الاشتباك بين القوات الخاصة والمتظاهرين مما أدى إلى إصابة 17 بينهم 14 من القوات الخاصة. واضطرت القوات الخاصة إلى استدعاء قوات إضافية لضبط الوضع واستخدمت القنابل المسيلة للدموع وقنابل الغاز لتفريق المتجمهرين الذين غادروا المكان.
وقد أحالت وزارة الداخلية 13 شخصاً إلى المباحث الجنائية بعد مشاركتهم في تجمهر أمام مبنى تلفزيون الوطن وقيامهم بإتلاف الممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على رجال الأمن مما ألحق بالبعض منهم إصابات، استدعت نقلهم للمستشفى لتلقي العلاج، وحددت الداخلية هوية 35 مشاركاً عن طريق الكاميرات ويواجه المتهمون تهماً تتمثل في عمل مظاهرات بدون تصريح واتلاف أملاك الغير بالاضافة الى الاعتداء على رجال الامن.
6ـ اقتحام السفارات الأجنبية:
ففي الرابع من فبراير 2012 قامت مجموعة من أبناء الجالية السورية، ومؤيديهم من المواطنين والمقيمين، باقتحام مبنى السفارة السورية في الكويت احتجاجاً على الاحداث التي تشهدها سورية. وقد تمكن المقتحمون من دخول السفارة حيث اعتلوا سطح المبنى وانزلوا العلم السوري واستبدلوه بعلم يسمى التحرير كما قاموا باتلاف محتويات المبنى. وقامت القوات الخاصة بفرض طوق أمني حول السفارة وألقت القبض على عدد من المقتحمين.
وأعربت وزارة الداخلية عن أسفها لوقوع مثل هذا الاعتداء على أي من البعثات الدبلوماسية العاملة بدولة الكويت والذي يعد خرقا لتشريعات وقوانين الدولة والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تحمي مقار السفارات واعضاء الهيئات الدبلوماسية ولا يجوز مطلقا تعريضها للتهديد او لمثل هذه الاعمال التخريبية.
رابعاً: العنف السياسي: التحدي والمواجهة:
يجب أن نتفق بداية أن الكويت دولة شديدة الحساسية لأية أحداث تشهدها، حتى ولو كانت فردية بسيطة يمكن احتواءها، مع حالة السيولة السياسية والإعلامية، التي تشهدها البلاد، ومع سرعة التأثر بالمتغيرات الإقليمية والدولية، وهو ما يجب أن يدركه أعضاء الحكومة من ناحية، ونواب مجلس الأمة من ناحية ثانية، باعتبارهما جناحي السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد، وأن يعملا على تسوية كل العوامل والمحفزات التي من شأنها ترسيخ ثقافة العنف السياسي في المجتمع، في ظل تفاقمها خلال العام الماضي، وتعدد المؤشرات التي تشير أنها في طريقها لمزيد من التفاقم في المرحلة القادمة، ما لم يتم التعاطي معها بحزم وفاعلية، وهو ما يتطلب:
1ـ البعد عن الشعارات الزائفة التي تتغني بالوحدة الوطنية، والوطن الواحد والقلب الواحد، رغم إدراك الجميع لوجود العديد من الانقسامات القبلية والطائفية والدينية التي تحتاج معالجة جذرية حرصاً على امن الدولة واستقرارها
2ـ الحسم في تطبيق القوانين، دون تمييز مهما كانت الاعتبارات والمبررات، فالتطبيق الحاسم والعادل للقوانين هو السبيل الأههم نحو توفير الردع لمن يحاول الخروج عن وحدة الصف، كما أنه كفيل بأن يوجه رسالة للجميع بأن حقوقهم مكفولة في مواجهة أى انتهاك أياً كان مصدره.
3ـ الجدية والحسم في مواجهة الفساد السياسي، الذي نال من معظم مؤسسات الدولة وهياكلها.
4ـ تعزيز ثقافة المواطنة وفق أطر محددة وآليات متنوعة تبدأ من الأسرة وتشارك فيها المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، على اختلاف توجهاتها.
5ـ إعادة النظر في قوانين الانتخاب والدوائر الانتخابية، بما يضمن التغلب على سلبيات العملية الانتخابية كشراء الأصوات والانتخابات الفرعية وتغلييب الاعتبارات القبلية والطائفية في الترشح والانتخاب.
ـ البحث في جذور العنف وأسبابه والعمل على معالجة هذه الأسباب، وفق رؤية إستراتيجية تراعي المتغيرات الداخلية والخارجية.
الكويت: 8 أبريل 2012
د. عصام عبد الشافي
العنف السياسي ليس ظاهرة عرضية أو وليدة الصدفة، وليس كذلك ظاهرة مستحدثة على المجتمعات البشرية. ولكنه أكثر تعقيداً وأبعد عمقاً من المفاهيم السائدة في المرحلة الراهنة، وهو كظاهرة لا يختص بأمة دون أخرى ولكنه ظاهرة عالمية، متعددة الخصائص، متباينة الأشكال، تشكل أحد أهم مظاهر السلوك البشري التي عرفها الإنسان خلال مسيرة تطوره. ومع أن العنف السياسي غير مقبول على العديد من المستويات، إلا أنه ليس دائماً سلبياً، فقد يكون له إيجابيات، بل وقد يكون ضرورة تاريخية في حياة الأمم والجماعات البشرية رفضاً للهيمنة الخارجية أو الاستبداد والفساد الداخلي، ودفاعاً عن الحقوق المشروعة ضد أى انتهاك.
أولاً: أشكال العنف السياسي:
يتضمن العنف السياسي معنى الإكراه المادي أو حتى مجرد التهديد بإستخدامه لإحداث تغيير أو تحقيق أهداف بعينها على إرادة من يمارس ضده العنف. وقد تتم ممارسة العنف من جانب النظام ضد المواطنين أو ضد قطاع أو ضد فئة معينة منهم ﺑﻬدف الإستمرار في السلطة وتقليص دور القوى المناوئة والمعارضة وهو ما يعرف بـ "العنف الرسمي"، وقد يمارس العنف من جانب المواطنين ضد النظام السياسي أو بعض رموزه وهو ما يعرف بالعنف الشعبي وغالبا ما يهدف إلى ممارسة ضغوط على النظام السياسي لتحقيق مطالب خاصة كالعدالة في توزيع الثروة أو المشاركة في صناعة وإتخاد القرارات التي تمس حياة المواطنين أو إجبار النظام على العدول عن قرارات أو سياسات اتخذها أو يزمع إتخاذها وترى القوى التي تمارس العنف أﻧﻬا تضر بمصالحها.
ويأخذ هذا العنف العديد من الأشكال، منها:
1ـ الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تستهدف شخصيات رسمية تشغل مناصب ذات تأثير على القرار السياسي أو ذات صلة بمراكز صناعة القرار.
2ـ الإنقلابات أو محاولات الإنقلاب وقد تتم من داخل النخبة ذاﺗﻬا أو تحل نخبة جديدة محل النخبة التي تمت الإطاحة ﺑﻬا، وقد لا تقترن بتغير في طبيعة النظام السياسي، وقد يترتب عليها تحولات جذرية ويتحول الإنقلاب إلى ثورة.
3ـ التمرد: وهو شكل من أشكال المواجهة المسلحة للنظام القائم من قبل بعض العناصر المدنية أو العسكرية أو الإثنين معا وذلك لممارسة الضغط والتأثير على النظام للإستجابة لمصالح معينة لهذه القوى، وقد يكون التمرد طويل المدى مقدمة لثورة قد تطيح بالنظام برمته.
4ـ أعمال الشغب: إستخدام العنف من جانب تجمعات من المواطنين ضد النظام السياسي أو بعض رموزه أو ضد الممتلكات الخاصة أو العامة، وقد تكون أعمال الشغب محدودة، أو عامة تنتشر على نطاق جغرافي واسع نسبيا ويشترك فيها عدة فئات إجتماعية وتمارس خلالها أعمال التدمير والتخريب على نطاق واسع.
5ـ عمليات الإعتقال لأسباب سياسية: وعادة ما تأتي هذه الإعتقالات في إطار تصدي النظم الحاكمة للاحتجاج الجماعي والعنف السياسي، وفي حالات عديدة تتم عمليات الإعتقال ﻟﻤﺠرد الإشتباه أو من باب اتخاد إجراءات تعتبرها السلطات وقائية لحفظ الأمن والنظام وهو ما يعرف بالإعتقال التحفظي أو الوقائي.
6ـ إستخدام وحدات الجيش لمواجهة أعمال العنف السياسي: ففى حالات العنف الحادة والتي تمثل ﺗﻬديدا جديا للنظام السياسي، وتعجز أجهزة الأمن عن التعامل معها، فإنه يتم إستدعاء الجيش للسيطرة على الأحداث.
ثانياً: أسباب العنف السياسي في الكويت ومستوياته:
تعددت الأسباب التي أدت لتفاقم ظاهرة العنف السياسي، في دولة الكويت خلال عامي 2011 و2012، لعل في مقدمتها:
1ـ الأزمة السياسية بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء على خلفية قضايا الفساد السياسي، وقضية الإيداعات المليونية، والتي أدت لتقديم الحكومة استقالتها مرتين خلال هذه الفترة، قبل حل مجلس الأمة، في ديسمبر 2011، والدعوة لانتخابات جديدة في 2 فبراير 2012.
2ـ الممارسات السياسية السلبية، من جانب مختلف القوي والتيارات السياسية، فالحملات الانتخابية لانتخابات أمة 2012، كشفت عن وجود عدد من المرشحين هدفهم الرئيس هو الوصول إلى البرلمان، ولو كان ذلك على حساب أمن الدولة واستقرارها، كما أن بعض التيارات السياسية والكتل الانتخابية لم تقم بالدور الوطني المنوط بها، وانخرطت في تأجيج الوضع للاستفادة منه لتحقيق مكاسب لمصلحة مرشحيها دون اكتراث لأية اعتبارات وطنية، بجانب وجود عدد من الشخصيات السياسية تسببت، بممارساتها وتصريحاتها في انتشار ثقافة المظاهرات والاعتصامات في البلاد والحث على مخالفة القانون ومهاجمة الأجهزة الأمنية.
3ـ العنف الانتخابي الطلابي: فقد تكررت ظاهرة العنف في الانتخابات الطلابية، وجاءت امتداداً للحركة السياسية في الكويت وتياراتها السياسية الممثلة في الخريطة الانتخابية الطلابية أو ما يطرحه الطلبة من قضايا سياسية محلية وإقليمية. وأصبحت الساحة الانتخابية الطلابية تجتاحها الامراض التي أصابت الجسد الانتخابي العام في البلاد من مشاحنات وتنابز وتفريق لوحدة المجتمع، وبروز العنصر القبلي والفئوي في الانتخابات الجامعية.
وإذا كانت الرشيحة طلاب الجامعة، هى الأكثر حيوية وتأثيراً في المجتمع، فقد انعكس عنفها داخل الحرم الجامعي على مستويات عنفها خارج الحرم الجامعي، في الإطار الأوسع للحركة السياسية في المجتمع.
4ـ تفشي ظاهرة العنف المدرسي: فقد كشفت الجمعية الكويتية لحقوق الطفل أن حوادث العنف المعلنة من وزارة التربية ارتفعت إلى 28887 حالة عام 2011، منها ما يزيد على 10 آلاف حالة وقعت في المرحلة الابتدائية.
5ـ الأسباب الدينية: وتتمثل في حالة الاحتقان بين السنة والشيعة في المجتمع الكويتى، والتي تكشف عن نفسها بين الحين والآخر، في أحداث تبدأ فردية ثم سرعان ما تصبح مجتمعية، تنال من أمن المجتمع واستقراره، كان آخرها، ولن تكون الأخيرة، الأزمة التي أثارتها تغريدات الكاتب محمد المليفي، والتي اعتبرها البعض إهانة للطائفة الشيعية وشقاً لصفوف الوحدة الوطنية. وبسببها انتفضت حشود كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية في ساحة الارادة (9 فبراير 2012) في تظاهرات دعا إليها تجمع "الله يحفظج يا كويت"، وشهد العديد من الخطابات والعبارات على لسان عدد من النواب، التي من شأنها تأجيج حالة الاحتقان القائمة بالفعل.
6ـ الأسباب الخارجية: وتتملث في تأثيرات التطورات التي شهدتها المنطقة العربية، وثورات وانتفاضات ما عرف بالربيع العربي، في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وغيرها، على الأوضاع الداخلية في الكويت.
ثالثاً: مظاهر العنف السياسي في الكويت:
تعددت مظاهر ومؤشرات العنف السياسي في الكويت خلال عامي 2011 و2012، ومن أبرزها:
1ـ مظاهرات البدون:
فقد نظم المئات من الشباب البدون اعتصاما سلميا، يوم الجمعة 18 فبراير 2011، على مدى ثلاثة أيام في منطقة الجهراء والصليبية ومنطقة الأحمدي، وتدخلت الشرطة والقوات الخاصة بتفريق المعتصمين، وتم تعليق عمليات الاعتصام على وعد من الوزراء ونواب مجلس الأمة بحل المشكلة في جلسة خاصة في 8 مارس 2011. وفي مارس ومايو وديسمبر 2011، تجددت المظاهرات في نفس المناطق، ثم تجددت مع بدايات العام 2012، وكانت البداية في جمعة السادس من يناير 2012، حيث تجمع نحو 3 آلاف "بدون" من منطقة تيماء في الجهراء. ثم تجددت يوم الجمعة 13 يناير، وأعلنت وزارة الداخلية أن 21 من عناصرها أصيبوا خلال المظاهرة التي نظمها "البدون" ، منهم (16) تم علاجهم في موقع الحادث، و(5) آخرين تم نقلهم لتلقي العلاج في المستشفيات، اضافة الى تعرض عدد من دوريات الأمن وبعض ممتلكات الدولة للاتلاف والحرق.
2ـ اقتحام مجلس الأمة:
ففي 16 نوفمبر 2011، وعلى خلفية الأزمة السياسية بين مجلس الوزراء ومجلس المة، قام عشرات المواطنين، بحضور عدد من النواب باقتحام مجلس الأمة، في سابقة هى الأولي في تاريخ الكويت، والعبث بمحتوياته وهو ما اعتبره البعض مخططات انقلابية ضد نظام الدولة بأكمله.
3ـ حرق المقرات الانتخابية
في 31 يناير 2012 أقدم مئات المواطنين من أبناء إحدى القبائل الكويتية على إحراق مقر أحد مرشحى الدائرة الثالثة، مما أدى إلى إتلاف محتوياته في أعقاب ندوة عقدها ضمن حملته الانتخابية. ومع انتشار تصريحاته، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال الرسائل التليفونية، برزت دعوات للرد على استهدافه القبيلة وأبناءها، وسارع عدد من مرشحي القبيلة إلى إصدار بيانات استنكار، داعين رئيس الحكومة إلى محاسبته، متهمين إياه بشق الوحدة الوطنية من خلال خطاب عنصري ومهين لأحد المكونات الأساسية للنسيج الاجتماعي الكويتي والوحدة الوطنية.
وسادت حالة من الفوضى، ولم يستطع رجال الأمن ضبط حالة الفوضى التي أدت إلى زيادة أعداد أبناء القبيلة، ومنع المهاجمون رجال الإطفاء من القيام بعملهم بإخماد النيران، كما أعطيت التعليمات لرجال القوات الخاصة بعدم إثارة المجاميع المتظاهرة.
وفي 3 فبراير 2012، اندلعت النيران بثلاثة مقرات انتخابية بمقر مرشحي العجمان، ثم حريق التهم احدى خيام المرشح عايض بوخوصة العتيبي ثم حريق بمقر النائب خالد شخير المطيري في منطقتي الرقة وفهد الاحمد، مع اقتصار الخسائر على الاضرار المادية دون وقوع اصابات بشرية.
4ـ التهديد بقتل المرشحين:
حيث صرح أحد مرشحي الدائرة الثالثة في انتخابات أمة 2012، انه تعرض لمحالوة قتل، وتلقي تهديدات بالقتل من جانب أنصار خصومه السياسيين، وأكد أنه لن يرضخ لأية محاولات ارهابية تحاول دفعه الى الاستقالة، مبينا أن سياسة النزول للشارع وراء انتشار ثقافة العنف في البلاد، بجانب أن عدم تطبيق القوانين منذ فترة طويلة شجع على هذه الأعمال.
5ـ عمليات التجمهر واقتحام القنوات الفضائية:
ففي 31 يناير 2012 قام عدد من المتظاهرين باقتحام قناة "سكوب" الفضائية وتكسير ما بها من معدات وطرد العاملين بها, بعد أن نقلت ندوة لأحد المرشحين، تضمنت عبارات مسيئة ضد إحدى القبائل، وقد أحاطت قوات الأمن بمقر القناة ومنعت دخول المنطقة المحيطة إلا لحاملي البطاقة المدنية، كما أحالت القناة والمرشح للنيابة العامة، بتهمة إحداث فتنة مجتمعية وسب وقذف قبيلة أخري وإقامة ندوات علي اساس قبلي طائفي وإطلاق ألفاظ نابية تجاه شخصيات سياسية أخرى في الكويت.
وفي الأول من فبراير 2012 حاول عشرات الأشخاص اقتحام مقر قناة "الوطن" على خلفية عن مناظرة بين اثنين من المرشحين لانتخابات مجلس الأمة، ومنعت القوات الخاصة المحتجين من الدخول، إلا أنهم تدافعوا وتمكنوا من تحطيم الباب الخلفي، وحدث الاشتباك بين القوات الخاصة والمتظاهرين مما أدى إلى إصابة 17 بينهم 14 من القوات الخاصة. واضطرت القوات الخاصة إلى استدعاء قوات إضافية لضبط الوضع واستخدمت القنابل المسيلة للدموع وقنابل الغاز لتفريق المتجمهرين الذين غادروا المكان.
وقد أحالت وزارة الداخلية 13 شخصاً إلى المباحث الجنائية بعد مشاركتهم في تجمهر أمام مبنى تلفزيون الوطن وقيامهم بإتلاف الممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على رجال الأمن مما ألحق بالبعض منهم إصابات، استدعت نقلهم للمستشفى لتلقي العلاج، وحددت الداخلية هوية 35 مشاركاً عن طريق الكاميرات ويواجه المتهمون تهماً تتمثل في عمل مظاهرات بدون تصريح واتلاف أملاك الغير بالاضافة الى الاعتداء على رجال الامن.
6ـ اقتحام السفارات الأجنبية:
ففي الرابع من فبراير 2012 قامت مجموعة من أبناء الجالية السورية، ومؤيديهم من المواطنين والمقيمين، باقتحام مبنى السفارة السورية في الكويت احتجاجاً على الاحداث التي تشهدها سورية. وقد تمكن المقتحمون من دخول السفارة حيث اعتلوا سطح المبنى وانزلوا العلم السوري واستبدلوه بعلم يسمى التحرير كما قاموا باتلاف محتويات المبنى. وقامت القوات الخاصة بفرض طوق أمني حول السفارة وألقت القبض على عدد من المقتحمين.
وأعربت وزارة الداخلية عن أسفها لوقوع مثل هذا الاعتداء على أي من البعثات الدبلوماسية العاملة بدولة الكويت والذي يعد خرقا لتشريعات وقوانين الدولة والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تحمي مقار السفارات واعضاء الهيئات الدبلوماسية ولا يجوز مطلقا تعريضها للتهديد او لمثل هذه الاعمال التخريبية.
رابعاً: العنف السياسي: التحدي والمواجهة:
يجب أن نتفق بداية أن الكويت دولة شديدة الحساسية لأية أحداث تشهدها، حتى ولو كانت فردية بسيطة يمكن احتواءها، مع حالة السيولة السياسية والإعلامية، التي تشهدها البلاد، ومع سرعة التأثر بالمتغيرات الإقليمية والدولية، وهو ما يجب أن يدركه أعضاء الحكومة من ناحية، ونواب مجلس الأمة من ناحية ثانية، باعتبارهما جناحي السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد، وأن يعملا على تسوية كل العوامل والمحفزات التي من شأنها ترسيخ ثقافة العنف السياسي في المجتمع، في ظل تفاقمها خلال العام الماضي، وتعدد المؤشرات التي تشير أنها في طريقها لمزيد من التفاقم في المرحلة القادمة، ما لم يتم التعاطي معها بحزم وفاعلية، وهو ما يتطلب:
1ـ البعد عن الشعارات الزائفة التي تتغني بالوحدة الوطنية، والوطن الواحد والقلب الواحد، رغم إدراك الجميع لوجود العديد من الانقسامات القبلية والطائفية والدينية التي تحتاج معالجة جذرية حرصاً على امن الدولة واستقرارها
2ـ الحسم في تطبيق القوانين، دون تمييز مهما كانت الاعتبارات والمبررات، فالتطبيق الحاسم والعادل للقوانين هو السبيل الأههم نحو توفير الردع لمن يحاول الخروج عن وحدة الصف، كما أنه كفيل بأن يوجه رسالة للجميع بأن حقوقهم مكفولة في مواجهة أى انتهاك أياً كان مصدره.
3ـ الجدية والحسم في مواجهة الفساد السياسي، الذي نال من معظم مؤسسات الدولة وهياكلها.
4ـ تعزيز ثقافة المواطنة وفق أطر محددة وآليات متنوعة تبدأ من الأسرة وتشارك فيها المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، على اختلاف توجهاتها.
5ـ إعادة النظر في قوانين الانتخاب والدوائر الانتخابية، بما يضمن التغلب على سلبيات العملية الانتخابية كشراء الأصوات والانتخابات الفرعية وتغلييب الاعتبارات القبلية والطائفية في الترشح والانتخاب.
ـ البحث في جذور العنف وأسبابه والعمل على معالجة هذه الأسباب، وفق رؤية إستراتيجية تراعي المتغيرات الداخلية والخارجية.
الكويت: 8 أبريل 2012