منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#16304

التغيرات الدولية وإشكالية الكفاح الثوري


لطفي حاتم
الحوار المتمدن - العدد: 1100 - 2005 / 2 / 5



يثير انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي وظهور التشكيلة الرأسمالية المعولمة الكثير من الإشكالات الفكرية والسياسية لقوى اليسار الديمقراطي، وتبرز هذه الإشكالات في كيفية الجمع بين الكفاح الديمقراطي الذي يتمتع بأهمية أساسية وبين التصدي لهجوم القوى الطبقية الماسكة بالسلطة السياسية لمكتسبات الشعوب العربية التي أنجزتها في سنين نضالها الوطني.
وإزاء تداخل المصالح الوطنية/ الدولية وتنامي ميول التبعية والتهميش التي تفرضها المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي تثار أسئلة كثيرة منها:ـ هل تستطيع الأحزاب اليسارية تجديد منطلقاتها الفكرية والسياسية بما يلائم التحديات الجديدة؟ وهل بمكانها صياغة أساليب فاعلة محركة للنضال الوطني/ الديمقراطي.؟ واستنادا الى ذلك هل بمكان اليسار الديمقراطي أن يرفد قاعدته الاجتماعية بقوى جديدة من خلال جذب شرائح طبقية تتعدى إطاره الطبقي التقليدي؟.
بهدف المساهمة في إدامة الحوار الجاري حول عملية التجديد المستمرة في الكثير من أحزاب اليسار الراديكالي أحاول التعرض الى موضوعتين أساسيتين: الأولى منهما العنف الثوري وموقعه في الجدل السياسي التاريخي بين فصائل الحركة الاشتراكية العمالية. وثانيتهما التعرض بملاحظات عامة لمفاصل التجديد في البنية الفكرية/ الاجتماعية لقوى اليسار الديمقراطي.

الحركة الاشتراكية بين الثورة والإصلاح

انقسمت الحركة الاشتراكية العمالية إلى تيارين كبيرين انطلاقا من رؤيتين متعارضتين لطبيعة الرأسمالية، فبالوقت الذي استندت الرؤية الأولى الى تقدمية النظام الرأسمالي، وتواصل مستلزمات تطوره وضرورة استثمار مؤسساته للوصول الى السلطة السياسية، استند ت الرؤية الثانية الى اعتبار( الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية وعشية الثورة الاشتراكية) .
إن اختلاف الحركة الاشتراكية حول طريقة الوصول الى سلطة الدولة فرضتها درجة تطور البلدان الرأسمالية حيث رأى الكثير من أحزاب الاشتراكية الديمقراطية أن النضال السلمي ونهج الإصلاح يتطلب الإقرار بالشرعية البرجوازية والعمل على تطوير الديمقراطية المتمثلة بمبادئ الانتخاب العام ، والحريات السياسية ، واستندت أحزاب الاشتراكية الديمقراطية في محاجاتها تلك على أن مبادئ الشرعية البرجوازية خاصة مبدأ فصل السلطات حقوق سياسية وقانونية مكتسبة تؤدي إذا ما تعزز النضال الديمقراطي السلمي الى تفكك احتكار السلطة السياسية من قبل الطبقة البرجوازية الحاكمة ويفرض في نهاية المطاف اقتسامها ـ السلطة ـ بين القوى الاجتماعية المتصارعة على أساس الموازنة الطبقية.
إن الرؤية المشار إليها تقاطعت معها رؤية التيار البلشفي الذي رأى في اعتماد العنف الثوري وسيلة ضرورية للوصول الى السلطة.
لقد نضجت الرؤية اللنينية حول الانقلاب الثوري من عوامل ثلاث:ـ
أولاهما دراسته لتجربة الحركة العمالية الأوربية بدا ء من كومونة باريس وانتهاء بتجربة الحركة الديمقراطية الروسية.
وثانيتهما طبيعة الظروف الاقتصادية ـ السياسية التي تفرد ت بها روسيا القيصرية والتي يمكن تحديدها بــ : ـ
1 - حكم استبدادي مطلق حول البلاد الى سجن لشعوب الإمبراطورية . فضلا عن اضطهاده للحركة الديمقراطية الثورية .
2- تعرض الطبقة العاملة الروسية الى استغلال مزدوج من قبل الرأسمال المحلي والوافد ، وما نتج عن ذلك من تداخل المهام الوطنية ـ الطبقية .
3- قدرة الحركة الثورية الروسية على استنهاض حركة جماهيرية وطنية معادية للحكم الاستبدادي .
وثالثهما القراءة اللنينية للفكر الماركسي المتعلق بطبيعة الدولة البرجوازية حيث شكلت موضوعات ـ الاستيلاء الثوري على السلطة السياسية وتحطيم ماكثة الدولة الرأسمالية ، وضرورة ديكتاتورية البروليتاريا كمرحلة انتقالية في التطور الاشتراكي وأخيرا ضرورة الثورة الاجتماعية ـ أساسا نظريا لتبرير العنف الثوري .
إن الرؤية اللنينية حول الثورة الاجتماعية اكتملت بتحديده النظري لطبيعة الإمبريالية وموقعها في التطور التاريخي اللاحق حيث توصل الى استنتاجات فكرية / سياسية أبرزها إمكانية انتصار الثورة الاشتراكية في الحلقة الأضعف من النظام الرأسمالي .
إن انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية والذي جاء بفعل عوامل دولية وطنيه يتصدرها استخدام وتوظيف مختلف أشكال النضال الاقتصادي السياسي الفكري في خدمة التكتيك الانقلابي أعطى دفعة جديدة للنضال الثوري ،حيث استثار انقلاب اكتو بر موجة جديدة من النضالات السياسية والتحولات الفكرية التنظيمية لدى الكثير من الأحزاب العمالية ، وجرى اعتماد العنف الثوري وسيلة أساسية لاستلام سلطة الدولة .
لقد أدى التطور المشار إليه الى تكريس التعارضات الفكرية بين فصائل الحركة الاشتراكية العمالية وتحولها فيما بعد الى تناقضات عدائية بين صفوف المعسكر الواحد . والسؤال الذي يواجهنا هو كيف أثرت ثورة أكتوبر العظمى على نضالات حركة التحرر الوطني ؟ وكيف تطورت موضوعة العنف الثوري عند مختلف الحركات الثورية؟
لغرض الاجابة على تلك التساؤلات يجدر بنا التوقف عند بعض أشكال الكفاح الثوري الذي أفرزته التجربة التاريخية .

العنف الثوري في مرحلة النضال الوطني

من المعروف أن انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية وظهور الدولة السوفيتية أوجدا مناخا دوليا ملائما لتطور نضال الحركة الوطنية التحررية العالمية التي اعتمدت بدورها على التكتيك الثوري لتحقيق طموحاتها الوطنية والاجتماعية.
إن اعتماد الكفاح الثوري الذي أملته شرعية المقاومة الوطنية للهيمنة الكولنيالية من جهة ومواجهة شراسة القوى المحلية من جهة أخرى تجلت بأساليب متنوعة نشير الى بعض منها:ـ

أولا:ـ الكفاح المسلح

لقد اعتمدت الحركات الثورية في بلدان مختلفة هذا الشكل الكفاحي ، حيث عكس النضال المسلح خصائص تاريخية ملموسة عاشتها تلك البلدان وعلى أساس تلك الخصائص يمكننا الإشارة الى نماذجه الأساسية :ـ
1 : ـ كفاح مسلح اندلع في دول تشكلت تاريخيا بمعنى أن تلك الدول ارتكزت على تشكيلة اجتماعية تبلورت بفعل التطور التاريخي الداخلي لها .وعلى الرغم من غلبة العنصرالفلاحي فيها إلا أنها أفرزت أحزابا ديمقراطية / ثورية مكنتها من قيادة النضال الوطني / الطبقي وتمثل المسيرة الصينية الكبرى، وكفاح شعوب شرق أسيا نموذجا لذلك الشكل النضالي.
2 : ـ حروب تحرير ساهمت في إنضاجها عوامل عدة بتقدمها الهيمنة الكولنيالية المباشرة وغياب الدولة الوطنية من جهة وقوة المؤسسة العشائرية التي احتضنت المشاعر المعادية للأجانب من جهة أخرى .
إن أهداف تلك الحروب التحررية تلخصت بطرد القوى الأجنبية وإقامة السلطة الوطنية، فضلا عن تحقيق تحولات اجتماعية معادية للرأسمالية كخيار للتطور الاجتماعي. وتقدم القارة الأفريقية المثال الملموس لهذا الأسلوب الكفاحي
3 : ـ حروب أنصار تطورت الى حروب أهلية كخيار فرضته متطلبات مواجهة عنف الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية ومن الملاحظ إن الحروب الثورية ركزت على التخلص من الوصاية الأجنبية وإقامة سلطة العدالة الاجتماعية .

ثانيا:ـ الانقلاب العسكري

لقد ظهر هذا الشكل من العنف الثوري في الكثير من الدول الوطنية التي نشأت كاستجابة ضرورية لمتطلبات الهيمنة الخارجية وبروز الجيش كأداة من أدوات الدولة الوطنية الناهضة.
إن تنامي دور المؤسسة ألعسكرية في الحياة السياسية واستخدامها للتغير السياسي / الاجتماعي فرضته طبيعة الدولة الوطنية الوليدة المتسمة بـ :ـ
ـ ضعف مكونات التشكيلة الطبقية في الدولة الجديدة، فضلا عن غياب الكتلة الاجتماعية المنظمة القادرة على فرض إرادتها الوطنية .
ـ تناقضات التشكيلة الكولونيالية وتطورها بالضد من المصالح الوطنية .
ـ تنامي الروح الوطنية، والقومية لدى الطاقم الوسطي في المؤسسة العسكرية بسبب حصولها على متطلبات التعليم الضرورية لاستخدام التكنيك العسكري.
إن المواصفات المشار إليها وفرت الشروط اللازمة لنمو وتطور النزعة الانقلابية.

قبل ختامنا لأشكال العنف الثوري لابد من إيراد الملاحظات التالية:ـ
أولا:ـ إن أشكال العنف الثوري المشار إليها قد استنفذت مشروعيتها التاريخية،ولم تعد إطارا ملائما لاستنهاض حركة شعبية ديمقراطية.
ثانيا:ـ إن الشرعية الثورية التي أفرزتها حروب التحرير ، والنزعة الإنقلابية قد تحولت الى غطاء أيديولوجي لاستمرار الأنظمة البوليسية .
استنادا الى الاستنتاجات المشار إليها نتساءل هل يستطيع اليسار الديمقراطي أن ينهض كقوة اجتماعية/ سياسية فاعلة في الظروف التاريخية الملموسة ؟ وهل بمقدوره الوصول الى السلطة السياسية بأساليب سلمية ـديمقراطية ؟.
إن الرد بإيجاب على التساؤلات المثارة تفترض دراسة ركيزتين أساسيتين واحدة منهما تفعيل بنيته الفكرية / التنظيمية.وثانيتهما تطوير برامجه النضالية / وأساليبه الكفاحية.

تفعيل البنية الفكرية /التنظيمية

إن تقدير السياسة كعلاقة قوه بين الطبقات الاجتماعية تتطلب تحديد الإمكانيات الفعلية لقدرة الطبقات وموقعها في الصراعات الدائرة في الظروف التاريخية الملموسة. واستنادا الى التحديد المشار إليه يتطلب الأمر صياغة رؤية فكرية / تاريخية تتبلور في توجهات سياسية ملموسة تنطلق من مستويين : ــ
* صياغة رؤية وطنيه لمستوى العلاقات الطبقية الداخلية/ الخارجية.
* المساهمة في صياغة منطلقات فكريه تشكل أساسا لنقل اليسار الديمقراطي من حركه سياسية معارضة سرية الى حركة شعبية فاعلة تساهم بنشاط في رسم توجهات السياسة الوطنية.
.إن ترسيخ العلاقة بين المستويين تشترط بناء سياسة تكون محصلة لدراسة وقائع الحياة الحقيقية وتحديد اتجاهات تطورها وعدم الارتكان الى صياغة شعارات سياسية عائمة تشكل عبئاً على الممارسة النضالية، تكون نتيجتها القطع بين الفكر والممارسة .
استنادا الى ذلك أرى أن رسم سياسة واقعية تشترط عاملين : ــ
1 : ــ مزاوجة التجربة النضالية لحزب اليسار/ الديمقراطي والتطورات الجديدة بعد تطعيمها برؤية واضحة للمهمات الكفاحية الملموسة.
2 : ــ الانتشار الجماهيري في منظمات المجتمع المختلفة ـ النقابات، الجمعيات، الاتحاديات ،النوادي ـ وما يوفره ذلك من قراءة صحيحة لطبيعة المهام النضالية ، فضلا عن ترسيخ العلاقات الفعلية بين الجهاز السياسي القائد للحزب وبين الحركة الفعلية لتطور الحياة الاجتماعية .
أخيرا لابد من التركيز على أهمية تحويل الحزب الى جهاز سياسي / تنظيمي / جماهيري يستند الى رؤية تتناغم ومستوى تطور التشكيلة الوطنية. وبهذا الطريق يستطيع اليسار الديمقراطي المساهمة بفعالية في إنضاج الحلول الاجتماعية / السياسية الهادفة الى صيانة مصالح شعوبنا الوطنية.
إن تفعيل البنية الفكرية / التنظيمية تتطلب الخوض في مرتكز آخر من مرتكزات الحركة اليسارية وبالتحديد طبيعة البرامج النضالية والقوى الاجتماعية الساندة لها.

برامج المهام الوطنية الملموسة

على الرغم من وضوح الهوية الطبقية لليسار / الديمقراطي إلا أن وحدانية التطور الرأسمالي، وتنامي عمليات التبعية والتهميش ترغم اليسار الراديكالي على تعديل تمثيله للقوى الطبقية وتجاوز حصرها بطبقات اجتماعية محددة. ويستند هذا التقدير على بعض المؤشرات منها سعة القاعدة الاجتماعية المتضررة من الطور الجديد لحركة التوسع الرأسمالي ، ومنها تفاقم المشاكل الاجتماعية النابعة من هجوم الرأسمال الدولي والقوى الحليفة على المكتسبات الشعبية التي أفرزتها سنين التطور الوطني ، وأخرها الاستقطاب الاستراتيجي المتنامي بين توجهات ( الرأسمالية المتوحشة )وبين تطلعات الإنسانية نحو التنمية والسلام .
إن المبررات المارة الذكر تدعو قوى اليسار الى مراجعة برامجه النضالية ، وتتركز هذه المراجعة حسب ما أرى على محورين:ـ
ـ التخلي عن البرامج التي تغطي مراحل تاريخية أو ما يسمى ببرامج الحد الأعلى والتي تشكل بجوهرها صياغة أيديولوجية ترتبط بموديلات فكريه للتطور . بمعنى أخر التخلي عن البرامج ذات المضامين الطبقية المشيدة لأغراض استلام السلطة واحتكارها.
ـ التركيز على صياغة برامج ملموسة تغطي فترات زمنية قصيرة معبرة عن الظروف التاريخية الملموسة التي تجد تعبيرها في الصراعات الاجتماعية الحقيقية. بعبارة أدق لابد أن تتوفر في هذه البرامج مواصفات عديدة منها:
أ : ـ ظرفية وملموسية الأهداف ألبرنامجيه.
ب : ـ واقعيتها وإمكانية تحقيقها . وهنا لابد من التذكير الى أن الكثير من البرامج لازالت تصاغ على أساس مهمات تعوزها القوى الاجتماعية القادرة على تنفيذها الأمر الذي يجعل تلك البرامج في مصاف الطوباوية رغم أهميتها الإنسانية.
ج : ـ تعبيرها ـ البرامج ـ عن أهداف وتطلعات قوى اجتماعية متعددة ، بمعنى عدم اختصارها على تمثيل مصالح اجتماعية محصورة بالتمثيل الطبقي التقليدي لليسار الاشتراكي ، والسبب يتلخص في أن المهام المطروحة هي مهام ديمقراطية / وطنية شامله الأمر الذي يتيح لقوى اليسار إمكانية التحرك على قوى اجتماعية عريضة تؤهله لبناء تحالفات اجتماعية / سياسية واسعة مقاومه لنهج التبعية والإفقار .
أ خيراً لابد من التأكيد على إن صياغة برامج وطنية ملموسة تتطلب تقدير العلاقة الواقعية بين الوطني / الدولي من جهة، وتحديد طبيعة التحولات الدولية من جهة أخرى .

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=31127