صفحة 1 من 1

الشورى في الاسلام

مرسل: الأحد مايو 05, 2013 5:04 pm
بواسطة سليمان أحمد
لا يمكن بأي حال أن نتطرق إلى المؤسسة السياسية الإسلامية دون الحديث عن واحدة من أهم مميزات هذه المؤسسة؛ فالإسلام قد جاء بمبدأ إنساني غاية في العظمة والروعة، وهو مبدأ الشورى، بل سُميت سورة من سور القرآن الكريم باسم "الشورى"؛ دلالة على أهمية تحقق هذا الشرط في أي شأن من شئون المسلمين.

وعلى الرغم من اختلاف الفقهاء حول آليات تنفيذ هذا المبدأ من ناحية الاختيار أو الوجوب والإلزام، لكنهم مُجْمِعُون على ضرورة تَحَقُّقها بين المسلمين[1] مصداقًا لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159].

مفهوم الشورى
وتُعرَّف الشورى بأنها طلب الرأي ممن هو أهل له، أو هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها[2]، وعليه فقد اتخذ المسلمون الشورى أصلاً وقاعدة من أصول الحكم وقواعده، وعليها قام ترشيح العدول من المسلمين لمن يرونه أهلاً للقوَّة والإمامة لتولِّي أمرهم؛ ومما يؤكِّد ذلك ويؤصِّله أن الرسول لم يترك نصًّا مكتوبًا ولم يستخلف أحدًا ليتولَّى إمامة المسلمين، وإنما ترك الأمر شورى بينهم، وقد روى أبو وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب : ألا تستخلف علينا؟ قال: "ما استخلف رسول الله فأستخلف، ولكن إن يُرِدِ اللهُ بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم"[3].

أهمية الشورى
تعتبر الشورى أصلاً من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي، بل امتدَّت لتشمل كل أمور المسلمين؛ وتأسيسًا على ذلك فإن الدولة الإسلامية تكون قد سبقت النظم الديمقراطية الحديثة في ضرورة موافقة الجماعة على اختيار مَنْ يقوم بولاية أمورها ورعاية مصالحها وتدبير شئونها؛ ممَّا يؤكِّد قيمة وفاعلية الإجماع عند المسلمين[4].

أهل الحل والعقد
لكن من هُمْ أهل الشورى؟ أو أهل الاختيار؟ أو كما قال عنهم فقهاء المسلمين ومؤرخوهم: أهل الحل والعقد.

هناك اتفاق بأن الشورى في الإسلام منوطة بفئة من المسلمين يُطلق عليهم أهل الشورى (الحلِّ والعقد)، وقد تحدَّث الفقهاء عن ضرورة توافر بعض الشروط فيهم؛ وهي: العدالة، والعلم، والرأي، والحكمة. ومن ثَمَّ يمكن إجمالهم في "العلماء والرُّؤساء ووجوه النَّاس الَّذين يتيسَّر اجتماعهم"[5].

لذلك كانت الشورى من الأمور الضرورية الملحة التي يفرضها الإسلام على ولاة الأمور، ويمكن القول: إنها من أهم المظاهر الحضارية التي أسهم المسلمون في إيجادها وإرسائها في المجتمع الإسلامي، وتأثر بها الآخرون، خاصة في أوربا منذ القرن الثالث عشر الميلادي، ولذلك كانت الشورى نوعًا من التعبير عن الإرادة الإلهية؛ استنادًا إلى ما يقوله الرسول : "إِنَّ أُمَّتِي لاَ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلاَلَةٍ"[6].

ويهمنا أن نلاحظ أن الخليفة في الإسلام لا يمكن أن يُعطي لنفسه حق التعبير عن الإرادة الإلهية، أي أنه لا يملك أن يُصدر تشريعًا؛ لأن سلطة التشريع لجماعة المسلمين أو مجموع الأمة[7]، وهذا بالطبع في حالة غياب نصٍّ صريح قطعي الدلالة من القرآن والسنة.

الشورى في اختيار عثمان بن عفان
ومن أبرز الأمثلة التي تُدلل على رُقي مبدأ الشورى وتفوقه على غيره من الآليات والوسائل المستحدثة في تولية الحاكم، ما لمسناه في واقع الخلفاء الراشدين، فعندما طُعن عمر بن الخطاب وقارب الأجل، سأله الصحابة أن يترك عهدًا لمن سيخلفه فرفض، بيد أنه جعل البيعة في ستة من صحابة رسول الله ، وهم الذين أجمعت الأمة على صلاحهم والالتفاف حولهم، ومن ثَمَّ قرَّر عمر أن يوقظ أمر الشورى بين المسلمين، فقال: "عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله : إنهم من أهل الجنة. سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم؛ ولست مدخله؛ ولكن الستَّة: عليٌّ وعثمان ابنا عبد مناف، وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله ، والزبير بن العوام حواريُّ رسول الله وابن عمته، وطلحة الخير بن عبيد الله ؛ فليختاروا منهم رجلاً؛ فإذا وَلَّوا واليًا فأحسنوا مؤازرته وأعينوه، إن ائتَمَن أحدًا منكم فليؤدِّ إليه أمانته..."[8].

وبعدما فرغ المسلمون من دفن عمر بن الخطاب ، اجتمع مجلس الشورى، وفي داخل هذا المجلس المحدَّد عددًا بستة أفراد، وزمنًا بثلاثة أيام، استطاع المجتمعون أن يفرغوا من الأمر بسلام، حيث تمكَّنوا من تولية عثمان بن عفان ، وكان أولُ المبايعين المنافسَ الأول علي بن أبي طالب ، وهذا دليل على رُقي نظام الشورى الإسلامي القائم على احترام حرية الأمة في الاختيار؛ فأهل المدينة قد وافقوا على ترشيح عمر بن الخطاب لمن عَيَّنهم لأمر الخلافة، ولم يكن هذا الترشيح من عمر قسرًا للأمة وإجبارًا لها، ثم وافق أعضاء الهيئة الاستشارية، وهم في ذات الوقت المرشحون أنفسهم على استخلاف أحدهم وهو عثمان ، ولم تكن موافقتهم وحدها هي المعتمد في تنصيب عثمان ، بل استشير في هذا الأمر كلّ من كان بالمدينة من ساكنيها، أو من زوارها، أو القادمين إليها من أمراء الأجناد وأشراف الناس[9]، ومن ثَمَّ فقد اجتمعت الأمة كلها، والمتمثلة في الأنصار والمهاجرين على عثمان وبايعوه.

الفرق بين الشورى والديمقراطية
ويبقى أن نشير إلى أن نظام الشورى الإسلامي يختلف كثيرًا عن النظم الديمقراطية الوضعية، فالديمقراطية التي تعتبر حكم الشعب للشعب، ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه، وهو السلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة، وحتى يتمكن الشعب من مباشرة سلطة التشريع، ووضع القوانين، والفصل بين السلطات، يتم اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة، والتي ينتج عنها اختيار مجموعة من الأفراد، يكونون قادرين على مراقبة سائر السلطات، فمن حق هذه الهيئة المنتخبة عزل الوزراء، ومحاسبة المسئولين وعلى رأسهم رئيس الدولة.

ومع وجاهة هذا الأمر إلا أن نظام الشورى الإسلامي يختلف عن هذا التصور؛ فالشورى في الإسلام تقوم على حقيقةٍ، مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي على رسول الله ، الذي يُعدُّ الالتزامُ به أساس الإيمان، والعلماء هم أهل الحلِّ والعقد، وهم على رأس رجال الشورى، وليس للعلماء مع حكم الله في إطار الشورى إلا الاجتهاد في ثبوت النصِّ، ودقَّة الفهم، ورسم الخطط المنهجية للتطبيق.

والحقُّ أن النظام الديمقراطي يَسْهُل التحايل عليه، من خلال سيطرة بعض الأحزاب أو القوى على العمل السياسي في دولة من الدول، ومن ثَم يفرض هذا الحزب، أو تلك الفئة وجهة نظرها على الأمة، لكن الشورى تجعل الهيمنة لله وحده، فتُعْلِي حُكْمه وتشريعه على سائر الأحكام والتشريعات، فتؤدِّي إلى ظهور رجال يعيشون في معية الله، ويخشونه بصدق[10].

ويبقى أن نشير إلى أن هذا النظام الإسلامي الباهر ظهر في وقت سيطرة الديكتاتوريات على أنظمة الحكم في العالم، سواء في بلاد الفرس أو الروم أو الهند أو الصين، وأن العالم لم يعرف هذه الشورى ولا حتى الديمقراطية -الأقل شأنًا من الشورى- إلا بعد ما يقرب من اثني عشر قرنًا من الزمان، وذلك بعد قيام الجمهورية الفرنسية وذهاب النظام الملكي فيها، ولهذا فالشورى -بلا جدال- تُعدُّ واحدة من أعظم إسهامات المسلمين للحضارة الإنسانية.

وبعدُ؛ فإننا لن نستطيع أن نستقصي كل ما أتت به هذه الحضارة الإسلامية العريقة، وكفى ما مرَّ بنا دليلاً على رُقي وعِظم حضارتنا في مجال من أهم مجالاتها على الإطلاق.