منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By هشام حسن الشمراني333
#62549
وبعد أن أنهينا ثلاث مراحل في طريقنا لمعرفة كيف كانت مراحل تكون الفكر الغربي الحديث ، وكيف تبلور الفكر منذ القرون الأولى مرورًا بالعصور الوسطى حتى عصر النهضة.
وبعد أن رسمنا خطوطًا عامة في فهم أسباب الثورة على الكنيسة؛ نشرع اليوم في ذكر الحدث نفسه، وكيف كانت الثورة الفرنسية هي نقطة تحول في تاريخ أوروبا من قارة مسيحية إلى اللادينية.
لقد بدأت نذر الثورة على الكنيسة ورجال الدين منذ عصر النهضة، وبدأ الكتاب يتمردون على سلطان الكنيسة الطاغي ويهاجمون رجال الدين، بل يهاجمون كذلك خرافات ذلك الدين الكنسي ومعمياته.
وفي السنوات السابقة للثورة بلغ الفساد السياسي والتدهور الاقتصادي في فرنسا غايته، حتى إن "كالون" وزير الخزانة الملكية اعترف بذلك عام (1787م)، وأرادت الحكومة سد عجز الميزانية بإرهاق الشعب بضرائب جديدة فادحة، فازدادت أحوال الطبقات المسحوقة سواءً، وعصفت بالبلاد موجة من الجوع ونقص المؤن.
وفي الوقت الذي عيل فيه صبر الشعب وأنهكته المجاعة والبؤس، كان هناك طبقتان تترنحان في أعطاف النعيم وتنغمسان في مختلف الملاذ، وهما: طبقة رجال الدين، وطبقة الأشراف، بالإضافة إلى الأسرة المالكة التي كانت عبئًا ثقيلًا على الجميع.
وكان إنقاذ الشعب يتطلب منه أن يقوم بعمل يودي بالظلم ويزيح كابوسه عن المهضومين، ووقف الشعب بكل فئاته "الفلاحين، المهنيين، القساوسة الصغار" جبهة واحدة، وكانت الجبهة الأخرى ائتلافاً بين الطبقتين المحتكرتين "رجال الدين والأشراف".
وعندما بدأت أحداث الثورة الفرنسية في 14 يوليو 1789، بدأ معها مسلسل مخيف من القتل الجماعي، وذاع صيت طبيب يدعى جيلوتين لاختراعه آلة قتل عرفت باسمه وعرفناها باسم المقصلة، التي التهمت أرواح العديد من الأبرياء والشرفاء تحت شعار الثورة، ولم تكن إلا فوضى وتسارع بربري نحو القتل الجماعي.
كانت الثورة الفرنسية بكل ما تضمنت من ألوان العنف والبطش والقتل وإسالة الدماء.
وقامت الثورة الفرنسية تدعو إلى ثلاث شعارات: الحرية, والإخاء, والمساواة.
فأمام هذا خرجت الثورة الفرنسية تقول: لا. المواطنون كلهم سواء في الحقوق والواجبات، ففرحت أوروبا ، وهذا صحيح وشيء جيد.
والحقيقة أنها جاءت بظلم آخر, فالثورة الفرنسية رفعت ظلم الإقطاعيين, وجاءت بظلم الرأسماليين، فدفعت ظلم الملوك, وجاءت بظلم نابليون وأمثاله.
والجدير بالذكر أن تعبير حكم الإرهاب Reign of Terror يعني الفترة الأخيرة من شهور الثورة الفرنسية التي غاب فيها المنطق وتولى زمام الأمور فيها ماكسميليان روبسبيير Robespiere الذي يعد بحق واحداً من أشهر السفاحين الذين أنجبتهم البشرية.
وكانت الأمور قد تطورت في أعقاب قيام الثورة الفرنسية التي قضت على الملك لويس السادس عشر وزوجته الشهيرة الأميرة النمسوية ماري انطوانيت وترك ولدهما يموت في السجن وهو صبي دون الثانية عشرة.
جاء هذا التطور في شكل تجمع خارجي للقوى المحيطة بفرنسا وعلى رأسها بريطانيا والنمسا واسبانيا والبرتغال وروسيا وبروسيا وسردينيا ونابولي قرر الهجوم على فرنسا الى جانب الحرب الأهلية التي اشتعل أوارها بين الملكيين وأنصار الثورة.
نتيجة لذلك أصدرت الجمهورية الفرنسية قراراً في الخامس من سبتمبر 1973م يجعل "الإرهاب" المظلة الوحيدة لكل التحركات وكما أسموه "أصبح الإرهاب نظام اليوم".
كان تفسير القرار باختصار هو القضاء الفوري على النبلاء ورجال الدين وأولئك الذين لديهم ممتلكات خاصة ومخزون للطعام، من هنا بدأت موجة عاتية من العنف والقتل عرفت باسم (حكم الإرهاب).
كان أول مظاهر هذه الموجة هو إرسال "الجيش الثوري" من باريس الى المدن الصغرى والقرى ومعه مقصلة متحركة، وكان روبسبيير([1]) -الذي كان يرأس لجنة الأمن العام وهي القوة الكبرى في فرنسا آنذاك- يريد تجهيز جيش قوامه نصف مليون رجل للقيام بمهمة تصفية معارضي روبسبيير ولجنته، ومن ثم فقد أصدر قراراً ببدء التجنيد الإجباري.
وفي السابع عشر من سبتمبر، أصدرت لجنة الأمن العام قانون المشبوهين الذي يتيح للسلطات التابعة للجنة الأمن العام اعتقال وإعدام أي شخص يتهم بالعمل ضد "الثورة"، وقد علق روبسبيير على ذلك متباهياً ومتفاخراً بقوله:"إنني سأجعل خط الحدود بيني وبين أعداء فرنسا من حولنا نهراً من الدماء".
وزاد الضغط على المقصلة، ففي يوم الحادي عشر من نوفمبر 1793م تم قطع رؤوس اثنين وثلاثين ضحية في ثمان وعشرين دقيقة!! بعد ذلك بأسبوع قطعت رؤوس اثني عشر رجلاً في خمس دقائق، كان هذا هو أسلوب التخلص من الخصوم السياسيين.
ولقد عُرف أن فوضى القتل إبان الثورة الفرنسية فتحت المجال أمام أعداد هائلة من المرضى النفسيين لممارسة القتل على نطاق واسع، وكل ذلك باسم الثورة وتحت مظلة العشوائية، التي حكمت سلوك الفرنسيين في تلك الحقبة الغريبة، وكان أبرز الضحايا هم الأثرياء ورجال الدين وأبناء الطبقة الارستقراطية، وأضاف السفاحون لهم نماذج أخرى مثل العاطلين عن العمل ومن أسمتهم المحكمة الثورية بالمتعصبين.
وقد اخترع روبسبيير مجموعة فريدة من التهم يعاقب مقترفها بالإعدام:
التعرض للوطنية بالسب أو القذف.
بث روح اليأس لدى المواطنين.
ترويج أخبار كاذبة.
انتهاك الأخلاقيات.
إفساد الضمير العام.
تعكير البراءة والطهارة الثورية، وتعويق طاقة الحكومة.
ومن أجل الإسراع بالإجراءات القانونية صدرت قوانين بمنع محامي الدفاع أو استدعاء أي شهود، أما المحلفون فكانوا مجموعة من المواطنين الشرفاء الذين كان بوسعهم الوصول الى حكم عادل دون الاستماع الى مرافعات الدفاع أو إفادات الشهود، وكان الحكم دائماً واحداً من اثنين، البراءة أو الموت.
وإذا وضعنا في الحسبان مقولة روبسبيير بأن الرأفة مرادفة لقتل الأمهات أو الآباء؛ لعرفنا أن المحاكمة كانت تعني دائماً الموت، وارتفع معدل تنفيذ الأحكام الى ثلاثين حكماً يومياً مع بداية نوفمبر 1793م.
وهكذا اكتسحت الثورة الفرنسية في طريقها ما كان قد تراكم من المظالم خلال ألف وأربعمائة عام، وأزالت الطبقتين الحاكمتين الطاغيتين المتحالفتين، رجال الإقطاع ورجال الدين.
نتائج الثورة الفرنسية:
يعتبر التركيز على حقوق الإنسان من أهم النتائج التي ترتبت عن الثورة الفرنسية، و التي استهلت بالتنصيص على الحرية و المساواة وحق الإنسان في تكوين الجمعيات السياسية و الأمن و السلام، مع حرية الرأي و التعبير إضافة إلى أن ميزانية الدولة المجموعة من الضرائب تنفق في المصلحة العامة.
* استناد الحكم على الأمة و الفصل بين السلط مع وضع دستور للبلاد منح حق الإنتخاب لكل الرجال من دافعي الضرائب.
* وعلى الصعيد الإداري أقرت الثورة الفرنسية توحيد القانون و اللغة الفرنسية بجميع أرجاء البلاد، و إلغاء الحواجز الجمركية الداخلية.
* وعلى الصعيد الخارجي طالب الثوار بمساعدة الشعوب من أجل الحصول على استقلالها.
ومع ذلك فإن الأمور - في تلك الثورة- لم تسر في مسارها الطبيعي، فعلى الرغم من كل الظلم المتراكم أكثر من ألف عام، من الإقطاعيين ورجال الدين سواء، وعلى الرغم من كل الحقد المشحون في الصدور تجاه هاتين الطبقتين، وعلى الرغم من وحشية الجماهير حين تتولى هي القيادة.
على الرغم من ذلك كله فقد كان يمكن أن تسير الثورة في تمردها وقضائها على الظالمين مساراً آخر، لولا أن يد خبيثة تدخلت لتتجه بالثورة في مسار معين، يخدم أغراضها هي قبل كل شيء أخر.. سواء خدم أو لم يخدم أهداف الآخرين!
وهولاء هم اليهود
ونتناول بإذن الله في النقال القادم دور اليهود ي الثورة وكيف نجحوا في تنحية الدين من الفكر والعقل الغربي.