صفحة 1 من 1

البرجوازية

مرسل: الأحد مايو 05, 2013 6:19 pm
بواسطة عبدالله الجردان1
البرجوازية هي، في جوهرها، طبقة الرأسماليين المالكين والمديرين للإنتاج الاجتماعي (أي الذي يشترك في إنتاجه أفراد المجتمع) والذين يتحكمون في هذا الإنتاج ووسائله، وهو ما يعني أنهم يستغلون العمال عن طريق التحكم في قوة عملهم.

والرأسماليون هم مجموعة صغيرة من الأشخاص تتركز في أيديهم الثروة، ويستطيعون بسهولة، بالنظر إلى ما لديهم من سلطة وثروة، إدارة النظام الاجتماعي بما فيه من بشر. والثروة التي يراكمها الرأسماليون لا يحصلون عليها بسبب جهدهم وعرقهم، الذي ربما يلعب أحيانًا دور محدود جدًا في ذلك، إنما يحصلون عليها بسبب سيطرتهم على أدوات الإنتاج التي تتيح لهم نهب عمل الآخرين. ويميل الرأسماليون إلى البحث عن المزيد من الأرباح عن طريق رفع معدلات استغلال العمال وزيادة فائض القيمة المأخوذ من عرقهم. ولذلك نجد أن الرأسمالي يسعى، في أوقات الأزمة، إلى تقليص أجور العمال، وإطالة يوم العمل، ودفع نفس الأجور في مقابل بيع العمال وقت عمل أكبر.

وعلى الرغم من أن بحث الرأسماليين باستمرار عن الأرباح، وروح المنافسة التي هي شيمة المجتمع الرأسمالي – الحر!! – تخلق تقسيم وصراع مصالح بين الرأسماليين. إلا أن هذا التضارب في المصالح لا يزعزع أبدًا وحدتهم في مواجهة العمال. فهذه الطبقة تعي جيدًا مصلحتها الواحدة. تتمثل هذه المصلحة المشتركة في ضرورة تعظيم الربح وتقليل الخسائر وضرورة الحفاظ على نظام الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج وصيانته. والدولة الرأسمالية – كما نعلم جميعًا – هي التي تحقق، عمليًا، وحدة الطبقة الرأسمالية، وهي التي تصون مصالحها الأساسية؛ ربما أحيانًا حتى ضد مصالح جناح أو آخر من الطبقة ذاتها.

وفهم الثوريون الطبقي يقودهم إلى التأكيد على أن الرأسماليين، الذين هم أقلية ضيقة في المجتمع، لا يشكلون وحدهم الطبقة البرجوازية، وإنما تشتمل البرجوازية أيضًا على عائلات هؤلاء الرأسمالية وعلى المديرين وقادة الجيش والشريحة العليا والوسطى من القضاة والحكام الذين يديرون المجتمع من وجهة نظر المصالح الاجتماعية للرأسماليين، هذه الفئات تلعب دورًا رئيسيًا في إدارة والمحافظة على المجتمع الرأسمالي وهو ما يعني أنهم يساهمون في استغلال الطبقة العاملة. وبالتالي فهم جميعًا ينبغي أن يضافوا إلى البرجوازية لكونهم جزء لا يتجزأ من مشروعها الواحد، متفقين في المصلحة الواحدة وفي الموقع الطبقي الواحد. ومن ناحية أخرى فأجور هؤلاء جميعهم ليست مقابلاً لعملهم وإنما هي مقابل المشاركة في نهب فائض القيمة، المأخوذ من عرق العمال.

وتوجد العديد من القطاعات في المجتمع تلعب أحيانًا أدوارًا بارزة في مساعدة البرجوازية في إدارة المجتمع الرأسمالي كالشرائح العليا من الإداريين في الجهاز التعليمي، وكالصحفيين الكبار في المؤسسات الصحفية الحكومية. تساهم هذه الفئات في تشكيل وعي جماهير الفقراء والعمال، وتبث الأفكار التي تساعد على تدعيم استقرار المجتمع الرأسمالي. كما يساعد في إدارة هذا المجتمع الشرائح العليا من المهنيين، كالأطباء والمهندسين والمحامين. وبالرغم من ذلك، فإن القضية، فيما يتعلق بالوضع الطبقي لهؤلاء، تتمثل أولاً وأخيرًا في علاقتهم – المباشرة أو غير المباشرة – بعملية الإنتاج وبالطبقات الأخرى إذ يعمل العديد منهم بأجر محدود (الأطباء الصغار مثلاً) وبالتالي لا يمكن اعتبارهم من البرجوازية، ويعمل آخرين كرأسماليين (الأطباء مالكي المستشفيات)، وهؤلاء هم جزء من الطبقة البرجوازية.

وإذا كانت البرجوازية كطبقة قد ظهرت للوجود مع ظهور الرأسماليين، فهي قد تطورت مع تطور الرأسمالية. حيث أدى التطور والتثوير المستمر لأدوات الإنتاج إلى تطور في النظام الرأسمالي، وبالتالي إلى تطور أشكال الملكية. كان من نتيجة هذا التطور أن اختفت صورة الرأسمالي القديم المالك لمصنع أو مصنعين ويعمل عنده مئات قليلة من العمال وعدد من المديرين، وهي الصورة التي كانت واضحة في القرن 19. وبدلاً من هذه الصورة القديمة ظهرت الشركات المساهمة والشركات الضخمة عابرة القومية ومتعددة الجنسية. هذه الشركات، بالرغم من إننا يمكن أن نجد فيها مساهمين (ملاك) كثيرين وليس مالك واحد، وبالرغم من أن إدارتها يقوم عليها متخصصون منفصلون – نسبيًا – عن المالكين (يحصلون على حصة من فائض القيمة نظير قيامهم بالإدارة) إلا أن هذا الاختلاف في الأشكال لا يمكن أن ينفي الطبيعة الرأسمالية والوحشية لتلك الشركات. والحقيقة أنه كانت من نتائج هذا التطور أن ازدادت أهمية شريحة هامة وهي شريحة المديرين الكبار – المتحكمين المحترفين – الذين يديرون شركات ضخمة ويلعبون دور بارز كشركاء للبرجوازية، وتجمعهم معها وحدة المصلحة. هذه الشريحة، بدون شك، تدخل في تعريف البرجوازية، فهي تلعب دورًا في السيطرة واستغلال العمال، وتحصل في مقابل عملها على جزء من الأرباح. وتختلف هذه الفئة عن هؤلاء المديرين والموظفين المتوسطين الذين يلعبون دور خدم محدودي السلطة للرأسماليين يبيعون قوة عملهم.

وفي أحيان كثيرة تدخلت الدولة لتؤمم بعض الصناعات أو انتزعت لنفسها احتكار العمل في بعض المجالات، خاصة البنية الأساسية – كالطرق مثلاً. ويعتبر المديرين الكبار لهذه الصناعات والشركات جزءًا من الطبقة الرأسمالية. ويرتكب أدعياء الاشتراكية مغالطات انتهازية قذرة عندما يفرقون بين الرأسماليين في القطاع العام والقطاع الخاص، ففي الحقيقة لا توجد هذه التفرقة. ففي العديد من الدول لا يمكن أن نعتبر هؤلاء الذين يلعبون دور بارز في استغلال العمال باسم الدولة – في مجتمعات رأسمالية الدولة – إلا رأسماليين. ذلك أن تطور البرجوازية في هذه المجتمعات قادها إلى اتخاذ شكل البرجوازية البيروقراطية، كما هو الحال في مجتمعات مثل روسيا ستالين، وكوبا كاسترو، ومصر عبد الناصر.

ويتحكم في الأمر التطور الرأسمالي الذي بموجبه يتطور المجتمع في مراحل معينة، ولا يعرف الحدود الجامدة بين الطبقات، ويجعل قطاعات معينة تعيش نمط حياة الرأسمالي وتشارك في نهب فائض القيمة، كما يحول آخرين إلى عمال مأجورين.