صفحة 1 من 1

أزمة الترويكا:

مرسل: الأحد مايو 05, 2013 6:48 pm
بواسطة عبدالكريم المطيري 5
أزمة الترويكا:

هل تنجح حكومة العريض باجتياز المأزق الانتقالي في تونس؟

على الرغم من إعلان رئيس الوزراء التونسي على العريض عن أن هناك عددًا من الأولويات وضعتها حكومته على قمة أجندتها، يأتي في مقدمتها، استعادة الأمن، وفرض سيادة القانون على الجميع، وإنهاء المرحلة الانتقالية عبر صياغة الدستور، وتهيئة الأجواء الملائمة لعملية انتخابية سليمة ونزيهة، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية المتدنية، وتوفير فرص العمل، فضلا عن تحقيق أهداف الثورة لا سيما محاربة الفساد؛ إلا أن تلك الأهداف تتعارض بشكل كبير مع تصريحات العريض التي أشار فيها إلى أن حكومته لن تستمر أكثر من تسعة أشهر إلى حين الانتهاء من المرحلة الانتقالية، فضلا عن أن ثمة تحديات عديدة تواجه تلك الحكومة، تتمثل في اتساع فجوة الثقة بين قطاعات مختلفة من المجتمع التونسي، وتحالف "الترويكا" بقيادة حزب "النهضة"، وتصاعد حدة الاستقطاب السياسي، واحتدام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، واستمرار حالة الانفلات الأمني، وهو ما يؤشر إلى أن تونس سوف تواجه، على الأرجح، أزمة مبكرة لا محالة.
موضوعات ذات صلة إشكاليات الجيوش بعد الثورات العربية في حلقة نقاشية بـ"الإقليمي"
مأزق الشفافية في القروض الدولية للمنطقة بعد الثورات
المتغيرات الوسيطة لبروز "العنف الفوضوي" في الدول العربية
لماذا تتعثر الثورات العربية؟
مراجعات الربيع!
أزمة ثقة
تزامن وصول العريض إلى رئاسة الحكومة مع تسرب شعور لدى قطاعات عريضة من المجتمع التونسى بعدم الثقة في أحزاب "الترويكا" الثلاثة (النهضة، والتكتل، والمؤتمر)، على المستويين التنفيذي والسياسي على حد سواء. فعلى الصعيد التنفيذي، أثبتت حكومة "الترويكا" الأولى بقيادة حمادي الجبالي، لشهور طويلة، عدم قدرتها على طرح حلول حقيقية لمشكلات الدولة التونسية، بل على العكس من ذلك، فقد تدهورت الأوضاع على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون القدرة على التعامل معها.
وعلى الصعيد السياسي، لم ينجح المجلس التأسيسي الذي تسيطر عليه "الترويكا" بقيادة حزب "النهضة" في الانتهاء من صياغة الدستور، ما أدى إلى مد فترة عمله لعدة شهور أخرى، وهو ما يعني أن "الترويكا" لم تستطع التوافق فيما بينها حول المبادئ الدستورية التي من شأنها أن تضع البلاد على الطريق الصحيح. ولعل استعادة هذه الثقة المفقودة يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه حكومة العريض خلال المرحلة القادمة.
استقطاب سياسي
وصل الاستقطاب السياسي إلى ذروته على خلفية اغتيال المعارض والقيادي بـ"الجبهة الشعبية" شكري بلعيد، الذي تسبب في إحداث مزيد من الانقسام بين تيارات الإسلام السياسي بقيادة "النهضة" من جانب، والقوى الليبرالية خاصة حزب "نداء تونس" بقيادة القائد الباجي السبسي، و"الجبهة الشعبية اليسارية" بقيادة حمه الهمامي من جانب آخر، وهو ما انعكس في تحميل الليبراليين واليساريين مسئولية اغتيال بلعيد لـ"النهضة"، الأمر الذي زاد من حالة الاحتقان والتوتر التي يتسم بها المشهد التونسي.
بل إن التوتر امتد أيضًا إلى داخل حركة "النهضة" ذاتها، بعد الخلاف الذي نشب بين رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي وتيار الغنوشي حول تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية، وهو الاقتراح الذي رفضه تيار الغنوشي، ما أدى إلى استقالة الجبالي من منصبه.
وربما يمكن القول إن حالة الاستقطاب هذه سوف تتصاعد وتيرتها خلال المرحلة المقبلة، لا سيما مع تشكيل جبهة "الاتحاد من أجل تونس" من خمسة أحزاب هي: "نداء تونس"، و"الحزب الجمهوري"، و"الحزب الاشتراكي"، و"العمل الوطني الديمقراطي"، و"المسار الديمقراطي الاجتماعي"، وذلك في إعلان صريح عن وقوفها في مواجهة فشل حكومة "الترويكا".
تأزم اقتصادي
تواجه حكومة العريض تحديات اقتصادية ليست هينة، فوفقًا لإحصائيات البنك المركزي التونسي، من المتوقع أن يصل إجمالي الديون الخارجية إلى 14,960 مليار دولار، وهو ما يعادل 50,28% من إجمالي الدخل القومي التونسي. وقد انخفض احتياطي البلاد من العملات الأجنبية ليصل إلى 11,38 مليار دينار تونسي، أي ما يوازي 7 مليارات دولار، وهو ما يغطي واردات البلاد لمدة 107 أيام فقط، وذلك في الوقت الذي ارتفع فيه معدل التضخم إلى 6%، وهي النسبة الأعلى منذ عام 2008.
وقد قامت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، في أوائل مارس الماضي، بتخفيض الدين السيادي لتونس مجددًا درجة واحدة ليصبح "بي أي 1" بدلا من "بي أي أي 3"، وهو ما يعني أن تصنيف الاستثمارات في البلاد تحول لدرجة المضاربة بعد أن كان يصنف ضمن الدرجة متوسطة الخطورة، وذلك دون أن تستبعد تخفيضه مرة أخرى في المستقبل إذا استمرت حالة التدهور السياسي القائمة الآن على حالها.
كما يواجه العريض أوضاعًا اجتماعية متدنية، فقد أوضح بيان للبنك المركزي أن معدلات البطالة بلغت نسبة 16.7%، كما أعلنت وزارة التشغيل والتدريب المهني أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 653 ألف مواطن، إلا أن هذا العدد أقل من تقديرات أخرى غير رسمية قدرت عدد العاطلين بما يزيد عن 800 ألف، من بينهم نحو 300 ألف من خريجي الجامعات.
تدهور أمني
تعتبر حالة الانفلات الأمن التي تعاني منها تونس أبرز التحديات التي تواجه حكومة العريض، وتتمثل أبرز تجلياتها في المطالبات الشعبية الواسعة بضرورة الإسراع بالكشف عن هوية المتورطين في اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، باعتبارها أول قضية اغتيال سياسي لقيادة معارضة بعد الثورة، لا سيما وأن عدم التعامل معها من شأنه أن يفتح الباب أمام أحداث مشابهة في المستقبل، وخصوصًا مع زيادة معدلات الفتاوى التي تبيح إهدار دم المعارضين، فضلا عن انتشار السلاح بشكل غير مسبوق، وما ترتب عليه من أعمال عنف واضطرابات شهدتها العديد من المدن والمحافظات في الآونة الأخيرة.
والخلاصة، أن نجاح حكومة العريض في التعامل مع تلك التحديات ليس أمرًا يسيرًا، لا سيما في ظل تأكيده على أن حكومته قصيرة الأجل ولن تستمر أكثر من تسعه أشهر فقط، وهي ما يجعلها أمام اختبار حقيقي بين محدودية الوقت واتساع الأهداف وتعدد التحديات. ولهذا فإن النجاح يتطلب اتخاذ عدة إجراءات، منها حسم قضية اغتيال شكري بلعيد بالقبض على الجناة، فضلا عن سرعة انتهاء المجلس التأسيسي من صياغة دستور توافقي، وهو أمر من شأنه أن يقلص من حالة الاحتقان السياسي، ويمهد الطريق لعملية انتخابية جديدة. لكن الإشكالية الحقيقية تكمن في أن فشل حكومة العريض سوف ينتج تداعيات وخيمة، وسيفجر الأوضاع، ويدخل البلاد في نفق مظلم، وخصوصًا مع حالة عدم الاستقرار التي تشهدها تونس منذ اغتيال بلعيد.
أحمد زكريا الباسوسي
باحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة
منقول من موقع :
http://rcssmideast.org