- الأحد مايو 05, 2013 6:55 pm
#62624
الضبابية:
التداعيات المحتملة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر
هند مهيار منقولة من موقع :
http://rcssmideast.org/
على الرغم من أن التركة الاقتصادية التي خلفها الرئيس السابق حسني مبارك وراءه كانت مثقلةً بالمشكلات الاقتصادية، فإن سوء إدارة المرحلة الانتقالية أدت إلى تفاقم تلك المشكلات إلى درجة حدت بالبعض إلى التساؤل عن مدى إمكانية وصول مصر إلى مرحلة الإفلاس. فقد أدى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حالة التخبط في إدارة الدولة -والتي بدت واضحةً في إصدار القرارات والتراجع السريع عنها في أكثر من مرة- إلى إشاعة حالة من الضبابية حول البيئة الاستثمارية في مصر، وعدم الاطمئنان إليها، مما تسبب في عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية، من أبرزها:
موضوعات ذات صلة مرجعية الأزهر... الدور والإمكانيات المستقبلية
إشكاليات الجيوش بعد الثورات العربية في حلقة نقاشية بـ"الإقليمي"
مأزق الشفافية في القروض الدولية للمنطقة بعد الثورات
«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا!
المتغيرات الوسيطة لبروز "العنف الفوضوي" في الدول العربية
1- انخفاض معدلات النمو بصورة كبيرة لتصل إلى 1,8% في عام 2011، مقارنة بنحو 5,1% في عام 2010، كما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل النمو سيواصل الانخفاض في عام 2012 ليصل إلى 1,5%.
2- هروب كثير من الاستثمارات إلى خارج البلاد، وتراجع معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كبيرة، حيث انخفض صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليصل إلى 2078,2 مليون دولار في العام المالي 2011/2012، مقارنةً بنحو 2188,6 مليون دولار في عام 2010/2011، ونحو 6758,2 مليون دولار في العام المالي 2009/2010.
3- انخفاض الاحتياطي النقدي بصورة كبيرة من 35.221 مليار دولار في يونيو 2010 إلي نحو 15.533 مليار دولار في يونيو 2012، بما يعنيه ذلك من أن حصيلة الاحتياطيات الدولية أصبحت لا تكفي لتغطية الواردات السلعية المصرية سوى لثلاثة أشهر فقط.
4- تزايد عجز الموازنة العامة للدولة واتساع الفجوة بين النفقات والإيرادات والتي يتوقع أن تتجاوز 10% بنهاية العام المالي الحالي على الرغم من أن التوقعات في بداية العام لم تتخطَّ 8%.
5- تدهور التصنيف الائتماني الخاص بمصر وما تبعه من ارتفاع أسعار فائدة القروض التي تبرمها مصر سواء من الداخل أو الخارج.
6- اعتمدت الحكومة على الاقتراض كحل سهل وسريع لتمويل ذلك العجز، مما أدى إلى تضخم حجم الديون بصورة كبيرة حتى وصل الدين العام المحلي إلى 1238,137 مليار جنيه في العام المالي 2011/2012، مقارنة بنحو 1044,898 مليار جنيه خلال نفس الفترة في العام المالي 2010/2011. وقد تم عقد غالبية هذه القروض بأسعار فائدة مرتفعة للغاية وصلت إلى 15- 17%، وهو ما جعل خدمات الديون وحدها تلتهم ما يقرب من 25% من نفقات الموازنة الحالية.
7- أيضًا ارتفعت معدلات البطالة بصورة كبيرة لتصل المعدلات الرسمية المعلنة إلى نحو 12% في عام 2011، مقارنة بنحو 9% في عام 2010، وهي معدلات يتشكك الكثير من الاقتصاديين في مدى صحتها، ويرون أن المعدلات الحقيقية تتخطاها بكثير.
محاولات الخروج من الأزمة: قرض صندوق النقد الدولي
وتتمثل أفضل الطرق للتعامل مع عجز الموازنة في إعادة هيكلة النفقات والإيرادات لترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات كمحاولة أولية لتضييق حجم الفجوة بينهما، وعدم تحميل الحكومات القادمة بأعباء الديون، بما قد يكبل من حرية حركة تلك الحكومات في اختيار السياسات التي قد ترتئيها مناسبة في حينه. لكن كثيرًا ما قد تقرر الحكومات اللجوء إلى الحل الأسهل وهو الاقتراض.
وقد اختارت حكومات ما بعد الثورة اللجوء إلى هذا الحل الأسهل سواء من خلال الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وفي هذا الإطار تم الإعلان عن بدء التفاوض مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 3,2 مليار دولار ثم تم رفعه بعد ذلك ليصل إلى 4,8 مليار دولار، وهو ما شكل قضية خلافية كبيرة بين الحكومات المختلفة وبعض رموز الثورة الذين رأوا أن الاقتراض من الصندوق قد يهدد استقلال القرار الاقتصادي المصري، ويكبله بسياسات بعينها قد لا تتوافق مع السياسات التي تحقق أهداف الثورة في المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر. وربما ترجع تلك المخاوف إلى الخبرات السابقة مع صندوق النقد الدولي حيث أدى اقتراض مصر من الصندوق في تسعينيات القرن الماضي إلى إجبارها على تطبيق "سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي"، والتي رأى كثير من الاقتصاديين أنها لم تكن تتناسب مع طبيعة الاقتصاد المصري، وأنها كانت سببًا رئيسيًّا في ارتفاع معدلات البطالة وزيادة نسب الفقر، بالإضافة إلى ما نتج عن سياسات الخصخصة من استحواذ القطاع الخاص على كثير من السلع والخدمات الاستراتيجية في صفقات شابها الفساد، وتسببت في عمليات إهدار واسعة للمال العام.
وفي خبرة دولية حديثة، أدى تطبيق هذه الإجراءات مؤخرًا في اليونان إلى قيام حركة احتجاجات شعبية واسعة نتيجة لما تمخضت عنه هذه السياسات من ارتفاع في معدلات البطالة، وزيادة في معدلات الفقر، وتعميق مشكلة سوء توزيع الدخل.إلا أن الحكومة أعلنت -في محاولة منها لتهدئة الرأي العام- أن القرض لن يكون مشروطًا، وبذلك لن يؤثر على استقلال القرار الاقتصادي المصري أو قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية. ثم أعلنت فيما بعد أن القرض مشروط بتقديم الحكومة لخطة اقتصادية تضمن خفض عجز الموازنة من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، وخفض الدعم، ولكن دون أن تعلن الحكومة عن الطريقة التي تنتوي بها تطبيق هذه الخطة بصورة مباشرة وشفَّافة، واكتفت بالتصريح بأن محدودي الدخل لن يتأثروا بها.
تداعيات التدهور الاقتصادي
ومن الواضح أن الحكومة قد بدأت في تنفيذ شروط صندوق النقد منذ أعلنت رفع أو تخفيض الدعم على عدد من السلع من دون الإشارة إلى أن تلك الإجراءات تأتي في إطار تنفيذ روشتة الصندوق. وبدأت الحكومة بتنفيذ هذه الإجراءات تدريجيًّا بداية من إعلان خطة زمنية لبدء تخفيض الدعم على البنزين والسولار، مرورًا برفع أسعار الكهرباء وصولا بالضرائب الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا ثم ما لبث الرئيس محمد مرسي أن ألغاها تحت وطأة الغضب الشعبي، معلنًا أنه سيطرحها للحوار المجتمعي في الوقت الذي توجهت فيه حكومته لصندوق النقد لتأجيل إعلان الصندوق للمصير النهائي للقرض لمدة شهر حتى تتمكن الحكومة من تطبيق السياسات المتفق عليها. وهو ما يعني أن نتيجة الحوار المجتمعي محسومة مسبقًا، وما هو إلا محاولة لتهدئة الرأي العام قبل إجراء الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من ديسمبر.
وعلى الرغم من أن إعادة هيكلة الدعم وإصلاح النظام الضريبي كانا دائمًا في قلب الإصلاحات التي نادى بها الجميع لإعادة توزيع الدخل بصورة عادلة تضمن تحسين الظروف المعيشية للغالبية الكاسحة من الشعب المصري، والتي تعاني من الفقر ولا تحصل على أبسط حقوقها في حياة كريمة، فإن الإصلاحات التي أقبلت عليها الحكومة الحالية جاءت في عكس الاتجاهات المرجوة، فبدلا من أن تلجأ لزيادة الإيرادات الضريبية من خلال فرض الضرائب التصاعدية وزيادة معدلات الضريبة على الشرائح الأعلى قامت بفرض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، وبدلا من أن تلغي دعم الطاقة الموجه للشركات الكبرى التي تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية أعلنت أنها ستخفضه بنسبة 30% فقط مع تخفيض الدعم الموجه للكهرباء والسولار والبنزين أيضًا.
وعلى ذلك فإنه على الأرجح أن تشهد مصر ارتفاعات كبيرة في أسعار معظم السلع والخدمات للأسباب الآتية:
1. تخفيض الدعم الموجه للسولار والبنزين والكهرباء وهو ما سيؤثر -سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة- على أسعار كافة السلع والخدمات الأخرى.
2. ارتفاع الضرائب غير المباشرة على بعض السلع والخدمات. حتى وإن تراجع الدكتور مرسي في الوقت الحالي عن تنفيذ هذا القرار، إلا أنه بدا واضحًا أنه عاجلا أو آجلا سيتم تنفيذه.
3. الانخفاضات المتحملة في قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي، وما ينتج عنه من ارتفاع لأسعار كافة السلع المستوردة.
وفي ظل تدهور الظروف الاقتصادية وما تمخضت عنه من ارتفاعات كبيرة في معدلات البطالة بالإضافة إلى ثبات هياكل الأجور والمرتبات وعدم تطورها مع ارتفاع الأسعار، فإن أي زيادة في الأسعار ستؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية للملايين من محدودي الدخل. وهو ما ينذر بإمكانية تكرار مشهد انتفاضة الخبز في عام 1977 إن لم تحاول الحكومة بصورة جادة تعديل مسار سياستها الاقتصادية لتتوقف عن المحاباة للطبقة الرأسمالية، ولتصبح أكثر توافقًا مع مطالب الثورة في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر.
التداعيات المحتملة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر
هند مهيار منقولة من موقع :
http://rcssmideast.org/
على الرغم من أن التركة الاقتصادية التي خلفها الرئيس السابق حسني مبارك وراءه كانت مثقلةً بالمشكلات الاقتصادية، فإن سوء إدارة المرحلة الانتقالية أدت إلى تفاقم تلك المشكلات إلى درجة حدت بالبعض إلى التساؤل عن مدى إمكانية وصول مصر إلى مرحلة الإفلاس. فقد أدى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حالة التخبط في إدارة الدولة -والتي بدت واضحةً في إصدار القرارات والتراجع السريع عنها في أكثر من مرة- إلى إشاعة حالة من الضبابية حول البيئة الاستثمارية في مصر، وعدم الاطمئنان إليها، مما تسبب في عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية، من أبرزها:
موضوعات ذات صلة مرجعية الأزهر... الدور والإمكانيات المستقبلية
إشكاليات الجيوش بعد الثورات العربية في حلقة نقاشية بـ"الإقليمي"
مأزق الشفافية في القروض الدولية للمنطقة بعد الثورات
«القاعدة» و«الإخوان»... ومصير سوريا!
المتغيرات الوسيطة لبروز "العنف الفوضوي" في الدول العربية
1- انخفاض معدلات النمو بصورة كبيرة لتصل إلى 1,8% في عام 2011، مقارنة بنحو 5,1% في عام 2010، كما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل النمو سيواصل الانخفاض في عام 2012 ليصل إلى 1,5%.
2- هروب كثير من الاستثمارات إلى خارج البلاد، وتراجع معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كبيرة، حيث انخفض صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليصل إلى 2078,2 مليون دولار في العام المالي 2011/2012، مقارنةً بنحو 2188,6 مليون دولار في عام 2010/2011، ونحو 6758,2 مليون دولار في العام المالي 2009/2010.
3- انخفاض الاحتياطي النقدي بصورة كبيرة من 35.221 مليار دولار في يونيو 2010 إلي نحو 15.533 مليار دولار في يونيو 2012، بما يعنيه ذلك من أن حصيلة الاحتياطيات الدولية أصبحت لا تكفي لتغطية الواردات السلعية المصرية سوى لثلاثة أشهر فقط.
4- تزايد عجز الموازنة العامة للدولة واتساع الفجوة بين النفقات والإيرادات والتي يتوقع أن تتجاوز 10% بنهاية العام المالي الحالي على الرغم من أن التوقعات في بداية العام لم تتخطَّ 8%.
5- تدهور التصنيف الائتماني الخاص بمصر وما تبعه من ارتفاع أسعار فائدة القروض التي تبرمها مصر سواء من الداخل أو الخارج.
6- اعتمدت الحكومة على الاقتراض كحل سهل وسريع لتمويل ذلك العجز، مما أدى إلى تضخم حجم الديون بصورة كبيرة حتى وصل الدين العام المحلي إلى 1238,137 مليار جنيه في العام المالي 2011/2012، مقارنة بنحو 1044,898 مليار جنيه خلال نفس الفترة في العام المالي 2010/2011. وقد تم عقد غالبية هذه القروض بأسعار فائدة مرتفعة للغاية وصلت إلى 15- 17%، وهو ما جعل خدمات الديون وحدها تلتهم ما يقرب من 25% من نفقات الموازنة الحالية.
7- أيضًا ارتفعت معدلات البطالة بصورة كبيرة لتصل المعدلات الرسمية المعلنة إلى نحو 12% في عام 2011، مقارنة بنحو 9% في عام 2010، وهي معدلات يتشكك الكثير من الاقتصاديين في مدى صحتها، ويرون أن المعدلات الحقيقية تتخطاها بكثير.
محاولات الخروج من الأزمة: قرض صندوق النقد الدولي
وتتمثل أفضل الطرق للتعامل مع عجز الموازنة في إعادة هيكلة النفقات والإيرادات لترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات كمحاولة أولية لتضييق حجم الفجوة بينهما، وعدم تحميل الحكومات القادمة بأعباء الديون، بما قد يكبل من حرية حركة تلك الحكومات في اختيار السياسات التي قد ترتئيها مناسبة في حينه. لكن كثيرًا ما قد تقرر الحكومات اللجوء إلى الحل الأسهل وهو الاقتراض.
وقد اختارت حكومات ما بعد الثورة اللجوء إلى هذا الحل الأسهل سواء من خلال الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وفي هذا الإطار تم الإعلان عن بدء التفاوض مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 3,2 مليار دولار ثم تم رفعه بعد ذلك ليصل إلى 4,8 مليار دولار، وهو ما شكل قضية خلافية كبيرة بين الحكومات المختلفة وبعض رموز الثورة الذين رأوا أن الاقتراض من الصندوق قد يهدد استقلال القرار الاقتصادي المصري، ويكبله بسياسات بعينها قد لا تتوافق مع السياسات التي تحقق أهداف الثورة في المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر. وربما ترجع تلك المخاوف إلى الخبرات السابقة مع صندوق النقد الدولي حيث أدى اقتراض مصر من الصندوق في تسعينيات القرن الماضي إلى إجبارها على تطبيق "سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي"، والتي رأى كثير من الاقتصاديين أنها لم تكن تتناسب مع طبيعة الاقتصاد المصري، وأنها كانت سببًا رئيسيًّا في ارتفاع معدلات البطالة وزيادة نسب الفقر، بالإضافة إلى ما نتج عن سياسات الخصخصة من استحواذ القطاع الخاص على كثير من السلع والخدمات الاستراتيجية في صفقات شابها الفساد، وتسببت في عمليات إهدار واسعة للمال العام.
وفي خبرة دولية حديثة، أدى تطبيق هذه الإجراءات مؤخرًا في اليونان إلى قيام حركة احتجاجات شعبية واسعة نتيجة لما تمخضت عنه هذه السياسات من ارتفاع في معدلات البطالة، وزيادة في معدلات الفقر، وتعميق مشكلة سوء توزيع الدخل.إلا أن الحكومة أعلنت -في محاولة منها لتهدئة الرأي العام- أن القرض لن يكون مشروطًا، وبذلك لن يؤثر على استقلال القرار الاقتصادي المصري أو قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية. ثم أعلنت فيما بعد أن القرض مشروط بتقديم الحكومة لخطة اقتصادية تضمن خفض عجز الموازنة من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، وخفض الدعم، ولكن دون أن تعلن الحكومة عن الطريقة التي تنتوي بها تطبيق هذه الخطة بصورة مباشرة وشفَّافة، واكتفت بالتصريح بأن محدودي الدخل لن يتأثروا بها.
تداعيات التدهور الاقتصادي
ومن الواضح أن الحكومة قد بدأت في تنفيذ شروط صندوق النقد منذ أعلنت رفع أو تخفيض الدعم على عدد من السلع من دون الإشارة إلى أن تلك الإجراءات تأتي في إطار تنفيذ روشتة الصندوق. وبدأت الحكومة بتنفيذ هذه الإجراءات تدريجيًّا بداية من إعلان خطة زمنية لبدء تخفيض الدعم على البنزين والسولار، مرورًا برفع أسعار الكهرباء وصولا بالضرائب الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا ثم ما لبث الرئيس محمد مرسي أن ألغاها تحت وطأة الغضب الشعبي، معلنًا أنه سيطرحها للحوار المجتمعي في الوقت الذي توجهت فيه حكومته لصندوق النقد لتأجيل إعلان الصندوق للمصير النهائي للقرض لمدة شهر حتى تتمكن الحكومة من تطبيق السياسات المتفق عليها. وهو ما يعني أن نتيجة الحوار المجتمعي محسومة مسبقًا، وما هو إلا محاولة لتهدئة الرأي العام قبل إجراء الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من ديسمبر.
وعلى الرغم من أن إعادة هيكلة الدعم وإصلاح النظام الضريبي كانا دائمًا في قلب الإصلاحات التي نادى بها الجميع لإعادة توزيع الدخل بصورة عادلة تضمن تحسين الظروف المعيشية للغالبية الكاسحة من الشعب المصري، والتي تعاني من الفقر ولا تحصل على أبسط حقوقها في حياة كريمة، فإن الإصلاحات التي أقبلت عليها الحكومة الحالية جاءت في عكس الاتجاهات المرجوة، فبدلا من أن تلجأ لزيادة الإيرادات الضريبية من خلال فرض الضرائب التصاعدية وزيادة معدلات الضريبة على الشرائح الأعلى قامت بفرض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، وبدلا من أن تلغي دعم الطاقة الموجه للشركات الكبرى التي تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية أعلنت أنها ستخفضه بنسبة 30% فقط مع تخفيض الدعم الموجه للكهرباء والسولار والبنزين أيضًا.
وعلى ذلك فإنه على الأرجح أن تشهد مصر ارتفاعات كبيرة في أسعار معظم السلع والخدمات للأسباب الآتية:
1. تخفيض الدعم الموجه للسولار والبنزين والكهرباء وهو ما سيؤثر -سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة- على أسعار كافة السلع والخدمات الأخرى.
2. ارتفاع الضرائب غير المباشرة على بعض السلع والخدمات. حتى وإن تراجع الدكتور مرسي في الوقت الحالي عن تنفيذ هذا القرار، إلا أنه بدا واضحًا أنه عاجلا أو آجلا سيتم تنفيذه.
3. الانخفاضات المتحملة في قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي، وما ينتج عنه من ارتفاع لأسعار كافة السلع المستوردة.
وفي ظل تدهور الظروف الاقتصادية وما تمخضت عنه من ارتفاعات كبيرة في معدلات البطالة بالإضافة إلى ثبات هياكل الأجور والمرتبات وعدم تطورها مع ارتفاع الأسعار، فإن أي زيادة في الأسعار ستؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية للملايين من محدودي الدخل. وهو ما ينذر بإمكانية تكرار مشهد انتفاضة الخبز في عام 1977 إن لم تحاول الحكومة بصورة جادة تعديل مسار سياستها الاقتصادية لتتوقف عن المحاباة للطبقة الرأسمالية، ولتصبح أكثر توافقًا مع مطالب الثورة في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر.