جون ستيوارت مل
مرسل: الأحد مايو 05, 2013 7:05 pm
هو فيلسوف واقتصادي بريطاني، ولد في لندن عام 1806 م، وكان البكر لأسرة كبيرة أنجبت تسعة أولاد، وكان والده جيمس ميل أحد كبار أهل العلم والمعرفة في القرن الثامن عشر. عاش بعيدا عن تأثير التيارات الرومانتيكية الجديدة، وترك فيه جيرمي بنثام والماديون الفلاسفة الفرنسيون أثرا كبيرا. وقد أنشأ بنه جون ستيوارت في عزلة عن بقية الأطفال، فنال تربية عقلانية. تعلم جون الإغريقية في السنة الخامسة من عمره، حيث اطلع على أعمال هيرودوت وأفلاطون، وتعلم اللاتينية في التاسعة، وفي الثانية عشرة درس أرسطو ومنطق هوبز، وفي الثالثة عشرة قرأ مبادئ ريكاردو، كان غذاؤه الفكري موجها بعناية من قبل أبيه وخليطا من العلم الطبيعي والآداب الكلاسيكية، وحين بلغ جون الرابعة عشرة، كان له من المعرفة والاطلاع ما كان لرجل في الثلاثين. لقد نجح والده في أن يجعل منه كائنا عقلانيا مزودا بمعلومات واسعة.
لم يكن جون ثوريا بطبعه، وكان يحب أباه ويعجب به أيما إعجاب، وكان مقتنعا بصحة معتقداته الفلسفية، ووقف مع بنثام ضد النزعة اليقينية وكل ما كان يقاوم مسيرة العقل والتحليل والعلم التجريبي، وكان يجاهر باستمرار بأن السعادة هي الغاية الحميدة للوجود البشري، وكان ما يخشاه ويمقته ضيق الأفق وسحق الأفراد من قبل وطأة السلطة أو العادة أو الرأي العام، لذا وقف بحزم ضد عبادة النظام.
في السابعة عشرة من عمره، بلغ مبلغ الرجال على المستوى العقلي، فقد كان صافي الذهن، صريح، فصيح جدا، بالغ الوقار دونما أثر لخوف أو غرور، وخلال السنين العشر التالية، زاول كتابة المقالات والنقد، وحمل عبء الحركة النفعية على كاهله، وكانت مقالاته مصدر شهرة واسعة له، مما جعله خبير في الشؤون العامة. لقد امتدح ما كان أبوه امتدحه من قبله، العقلانية والمنهج التجريبي، والديموقراطية والمساواة، وهاجم، ما كان يهاجمه النفعيون، التعصب الديني والإيمان بالحقائق البديهية التي لا يمكن إقامة الدليل عليها ونتاجها اليقينية التي أفضت في رأيه إلى التنازل عن المنطق.
في العام 1830 تع ها حبا، وأراد أن يظهر لها أنه فارسها الوفي طيلة عشرين عام قبل أن يتزوجها في العام 1851، لقد ألفى لدى تلك السيد رقة عاطفية مميزة توخى من خلالها أن يجد كوة فكرية يطل منها على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي كانت مثار اهتمامه على الدوام. لقد اعترف لها بحب جامح تضمنه الإهداء الموجه لها في كتابه "في الحرية" (بالإنجليزية: On Liberty)، بيد أن سعادتهما لم تدم، فقد توفيت زوجته في العام 1858، مما حمل ميل على الاعتكاف في منزل صغير في إحدى ضواحي آفينيون.
الحياة الفكرية
لقد نشر ميل خلال أربع عشرة سنة العديد من المقالات والكتب، تناول فيها بالبحث قضايا فلسفية وسياسية واقتصادية، ورغم الشروط التي وضعها، فإنه لم يساهم في أية حملة انتخابية حين قرر أن يخوض ميدان السياسة، وطالب بحق التصويت للمرأة(بالإنجليزية: Sufferage) وانتخب نائبا عن وستمنستر(بالإنجليزية: Westminster) في العام 1865، وشارك في المناقشات حول المسألة الإيرلندية، وأبدى تعاطفا مع السود في جامايكا، وانتقد الأحزاب، لذا لم يفاجأ حين لم ينتخب مجددا في العام 1868، فعاد إلى عزلته في منزل صغير في سانت فيران، حيث انكب على القراءة والكتابة مكرسا لها كل وقته. إن أسمى المبادئ عنده هي حرية الفرد والتنوع والعدالة وصولا إلى السعادة البشرية.
لم يكن ميل يعتبر الاشتراكية، التي دافع عنها في كتابه "الاقتصاد السياسي"، خطرا على حرية الفرد، كما كان يعتبر الديموقراطية مثلا، وذلك عائد لتأثير السيدة تايلر، فعلى الرغم من مجاهرته بآرائه الاشتراكية- فإن أيا من القادة الاشتراكيين في زمنه مثل (لويس بلانك وبرودون وسالن لم يعتبره رفق درب، إذ كان بنظرهم التجسيد الحي لإصلاحي وديع ليبرالي، أو راديكاليا بورجوازيا، وهذا الأمر أقره الفابيون الذين اعتبروه أبا روحيا لهم.
يعتقد ميل أنه إذا تسنى لكل إنسان أن يعرف قدر ما يستطيع، ولم يتسن له من السلطة إلا مقدار معين، فقد نتجنب حينئذ دولة "تمسخ مواطنيها" يكون فيها الحكم المطلق بيد رأس السلطة التنفيذية على مجموعة من الأفراد المتفردين المتساوين كلهم، إلا أنهم عبيد كلهم أيضا، ذلك أنه، إا كان الناس أقراما فلا يمكن إنجاز أشياء كبيرة، كما أن خطرا مريعا يكمن في تلك العقائد وأشكال الحياة التي تمسخ البشر، فالإدراك المرهف لأثر التربية الجماعية التي تجرد البشر من مزاياهم الإنسانية، وتجعلهم كائنات غير عقلانية، يجب التصدي لها ومقاومتها بمختلف الوسائل. لقد أطلق ميل مقولة وسمت الحقبة التاريخية التي عاش يها، ومفادها: "إن كل ما يقيد المنافسة الحرة هو الشر المطلق، وكل ما يطلقها هو الخير العميم"
وهو من رواد الفلسفة الليبرالية، وترى الفلسفة الليبرالية في الإعلام أنها تقوم بتزويد الجماهير بالحقائق المجردة، بهدف بناء عقولهم بناء سليماً بصورة طبيعية، وأن المعلومات التي يجب أن تتناولها أجهزة الإعلام يجب أن تتسم بالموضوعية، كما أن الفرد في ظل هذه الفلسفة يتمتع بحرية مطلقة، ويستطيع أن يفعل ما يحلو له، وليس لأحد التدخل في شؤونه وحياته.
وفي هذا يقول جون ستوارت ميل: (إن البشر جميعًا لو أجتمعوا على رأي، وخالفهم في هذا الرأي فرد واحد، لما كان لهم أن يسكتوه، بنفس القدر الذي لا يجوز لهذا الفرد إسكاتهــم حتى لـو كانت لــه القوة والسلطة).
ويبرر جون ستوارت ميل ذلك بقوله: (إننا إذا أسكتنا صوتاً فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة، وإن الرأي الخاطئ ربما يحمل في جوانحهِ بذور الحقيقة الكامنة، وإن الرأي المجمع عليه لا يمكن قبوله على أسس عقلية إلا إذا دخل واقع التجربة والتمحيص، وإن هذا الرأي ما لم يواجه تحديًا من وقت لآخر فإنه سيفقد أهميته وتأثيره).
اقتبس فلسفته من مذهب يوم التجريبي ومذهب بنثام القائم على مفهوم المنفعة، ومذهب والده جيمس ميل الترابطي، وشدد على المدى المحدود الذي وصلت إليه نظرياتهم مجدسدا في تركيب رائع المذهب الذري القائم بين الإنسان والعالم.
توفي عام 1873م.
لم يكن جون ثوريا بطبعه، وكان يحب أباه ويعجب به أيما إعجاب، وكان مقتنعا بصحة معتقداته الفلسفية، ووقف مع بنثام ضد النزعة اليقينية وكل ما كان يقاوم مسيرة العقل والتحليل والعلم التجريبي، وكان يجاهر باستمرار بأن السعادة هي الغاية الحميدة للوجود البشري، وكان ما يخشاه ويمقته ضيق الأفق وسحق الأفراد من قبل وطأة السلطة أو العادة أو الرأي العام، لذا وقف بحزم ضد عبادة النظام.
في السابعة عشرة من عمره، بلغ مبلغ الرجال على المستوى العقلي، فقد كان صافي الذهن، صريح، فصيح جدا، بالغ الوقار دونما أثر لخوف أو غرور، وخلال السنين العشر التالية، زاول كتابة المقالات والنقد، وحمل عبء الحركة النفعية على كاهله، وكانت مقالاته مصدر شهرة واسعة له، مما جعله خبير في الشؤون العامة. لقد امتدح ما كان أبوه امتدحه من قبله، العقلانية والمنهج التجريبي، والديموقراطية والمساواة، وهاجم، ما كان يهاجمه النفعيون، التعصب الديني والإيمان بالحقائق البديهية التي لا يمكن إقامة الدليل عليها ونتاجها اليقينية التي أفضت في رأيه إلى التنازل عن المنطق.
في العام 1830 تع ها حبا، وأراد أن يظهر لها أنه فارسها الوفي طيلة عشرين عام قبل أن يتزوجها في العام 1851، لقد ألفى لدى تلك السيد رقة عاطفية مميزة توخى من خلالها أن يجد كوة فكرية يطل منها على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي كانت مثار اهتمامه على الدوام. لقد اعترف لها بحب جامح تضمنه الإهداء الموجه لها في كتابه "في الحرية" (بالإنجليزية: On Liberty)، بيد أن سعادتهما لم تدم، فقد توفيت زوجته في العام 1858، مما حمل ميل على الاعتكاف في منزل صغير في إحدى ضواحي آفينيون.
الحياة الفكرية
لقد نشر ميل خلال أربع عشرة سنة العديد من المقالات والكتب، تناول فيها بالبحث قضايا فلسفية وسياسية واقتصادية، ورغم الشروط التي وضعها، فإنه لم يساهم في أية حملة انتخابية حين قرر أن يخوض ميدان السياسة، وطالب بحق التصويت للمرأة(بالإنجليزية: Sufferage) وانتخب نائبا عن وستمنستر(بالإنجليزية: Westminster) في العام 1865، وشارك في المناقشات حول المسألة الإيرلندية، وأبدى تعاطفا مع السود في جامايكا، وانتقد الأحزاب، لذا لم يفاجأ حين لم ينتخب مجددا في العام 1868، فعاد إلى عزلته في منزل صغير في سانت فيران، حيث انكب على القراءة والكتابة مكرسا لها كل وقته. إن أسمى المبادئ عنده هي حرية الفرد والتنوع والعدالة وصولا إلى السعادة البشرية.
لم يكن ميل يعتبر الاشتراكية، التي دافع عنها في كتابه "الاقتصاد السياسي"، خطرا على حرية الفرد، كما كان يعتبر الديموقراطية مثلا، وذلك عائد لتأثير السيدة تايلر، فعلى الرغم من مجاهرته بآرائه الاشتراكية- فإن أيا من القادة الاشتراكيين في زمنه مثل (لويس بلانك وبرودون وسالن لم يعتبره رفق درب، إذ كان بنظرهم التجسيد الحي لإصلاحي وديع ليبرالي، أو راديكاليا بورجوازيا، وهذا الأمر أقره الفابيون الذين اعتبروه أبا روحيا لهم.
يعتقد ميل أنه إذا تسنى لكل إنسان أن يعرف قدر ما يستطيع، ولم يتسن له من السلطة إلا مقدار معين، فقد نتجنب حينئذ دولة "تمسخ مواطنيها" يكون فيها الحكم المطلق بيد رأس السلطة التنفيذية على مجموعة من الأفراد المتفردين المتساوين كلهم، إلا أنهم عبيد كلهم أيضا، ذلك أنه، إا كان الناس أقراما فلا يمكن إنجاز أشياء كبيرة، كما أن خطرا مريعا يكمن في تلك العقائد وأشكال الحياة التي تمسخ البشر، فالإدراك المرهف لأثر التربية الجماعية التي تجرد البشر من مزاياهم الإنسانية، وتجعلهم كائنات غير عقلانية، يجب التصدي لها ومقاومتها بمختلف الوسائل. لقد أطلق ميل مقولة وسمت الحقبة التاريخية التي عاش يها، ومفادها: "إن كل ما يقيد المنافسة الحرة هو الشر المطلق، وكل ما يطلقها هو الخير العميم"
وهو من رواد الفلسفة الليبرالية، وترى الفلسفة الليبرالية في الإعلام أنها تقوم بتزويد الجماهير بالحقائق المجردة، بهدف بناء عقولهم بناء سليماً بصورة طبيعية، وأن المعلومات التي يجب أن تتناولها أجهزة الإعلام يجب أن تتسم بالموضوعية، كما أن الفرد في ظل هذه الفلسفة يتمتع بحرية مطلقة، ويستطيع أن يفعل ما يحلو له، وليس لأحد التدخل في شؤونه وحياته.
وفي هذا يقول جون ستوارت ميل: (إن البشر جميعًا لو أجتمعوا على رأي، وخالفهم في هذا الرأي فرد واحد، لما كان لهم أن يسكتوه، بنفس القدر الذي لا يجوز لهذا الفرد إسكاتهــم حتى لـو كانت لــه القوة والسلطة).
ويبرر جون ستوارت ميل ذلك بقوله: (إننا إذا أسكتنا صوتاً فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة، وإن الرأي الخاطئ ربما يحمل في جوانحهِ بذور الحقيقة الكامنة، وإن الرأي المجمع عليه لا يمكن قبوله على أسس عقلية إلا إذا دخل واقع التجربة والتمحيص، وإن هذا الرأي ما لم يواجه تحديًا من وقت لآخر فإنه سيفقد أهميته وتأثيره).
اقتبس فلسفته من مذهب يوم التجريبي ومذهب بنثام القائم على مفهوم المنفعة، ومذهب والده جيمس ميل الترابطي، وشدد على المدى المحدود الذي وصلت إليه نظرياتهم مجدسدا في تركيب رائع المذهب الذري القائم بين الإنسان والعالم.
توفي عام 1873م.