- الأحد مايو 05, 2013 8:00 pm
#62704
مقدمة
لا شك أن السلام والأمن الدوليين هما مطلبان أساسيان لجميع الوحدات السياسية في العالم والتي نشأت معالمها المعاصرة نتيجة لمعاهدة ويستفاليا (Westphalia) في عام 1648م. فمنذ ذلك الوقت وحتى بداية الحرب العالمية الأولى كانت الآلية العسكرية المنظمة للنظام الدولي، هو ما يعرف بنظام "توازن القوى" (BALANCE OF POWER) الذي تطورت مفاهيمه بشكل واسع منذ أن ظهرت استخداماته الأولى في القرن السابع عشر في أوروبا.
تكاد تجمع الأدبيات التي تناولت مفهوم توازن القوى على أنه الأداة أو الآلية (ميكانيزم) التي تستطيع الدول من خلاله أن تنظم صراعات القوة فيما بينها بحيث تضمن استمرار النظام الدولي القائم على مبدأ التعددية (MULTI-STATE SYTSTEM) وبالتالي حماية استقلالها من خلال الحيلولة دون ابتلاع كيانها القومي من جانب قوى دولية متفوقة عليها. إلا أن هذا المفهوم سرعان ما ثبت فشله في حماية السلام والأمن الدوليين مع أولى الشرارات التي انطلقت مؤذنة باندلاع الحرب العالمية الأولى.
ولقد تميزت الممارسة السياسية الدولية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين بالتساهل والمرونة وعدم الوضوح بالنسبة لشكل النظام الدولي المطلوب. والذي كان مرده في الغالب إلى الحذر الشديد بين مختلف المحاور السياسية والعسكرية، الأمر الذي لم يبرز فيه نظام دولي يعتمد عليه في الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، بالرغم من تأسيس عصبة الأمم كمنظمة دولية من مهامها الأساسية الحفاظ على الأمن والسلام في العالم. إلا أن ذلك النظام كان نظاماً هلامياً لم يستمر طويلاً لذلك فلا غرو أن نجده ينهار بعد سنوات معدودة من تأسيسه، مفرزاً متغيرات كبرى تمخضت عنها أحداث جوهرية كبرى لعل من أهمها قيام الحرب العالمية الثانية.
مشكلة البحث:
أحدث الاعتداء العراقي على دولة الكويت واحتلالها شرخاً عميقاً في مصداقية النظام الإقليمي العربي والنظام الدولي، وشكل بتداعياته العربية والدولية أزمة خطيرة هي الأولى من نوعها على مستوى النظام الإقليمي العربي، والتي أدت إلى تداخل في الأبعاد الإقليمية والدولية.
فعلى المستوى الإقليمي، سبب العدوان العراقي على الكويت فوضى إقليمية وانشطار النظام العربي إلى كتلتين متناقضتين وعدم انسجام الأمر الذي أدى إلى تعميق مشاعر الشك وعدم الثقة بين مكونات النظام العربي والعودة لتأكيد عملية التحالفات الفرعية التقليدية، بل إن الأزمة أدت إلى انقسام بالغ الحدة بين الدول العربية الأمر الذي أثر على تماسك النظام العربي، وكاد أن يؤدي إلى تفكك أو زوال هذا النظام. بل إن الأزمة كشفت عن مدى هشاشة الأسس التي يقوم عليها النظام العربي وبينت مكامن الخلل فيه، وبرزت الحاجة إلى مراجعة شاملة لصيغة تفاعلات العمل العربي المشترك، تفادياً لانهياره وقيام نظام إقليمي جديد اشمل من ذلك في منطقة الشرق الأوسط.
أما على المستوى الدولي فإن منطقة الخليج تحتل موقعاً استراتيجياً على خارطة الاهتمامات والمصالح الدولية، باعتبارها منطقة ذات بعد استراتيجي جغرافياً وسياسياً واقتصادياً، ولذلك فإن التواصل التاريخي بين منطقة الخليج والدول المؤثرة في النظام الدولي نابع من تفاعلات الطرفين المصالحية، وأن أي تغيير في هذا التفاعل هو بمثابة تجاوز المحظور الدولي، مما يؤدي إلى إثارة حساسيات عناصر النظام الدولي، بل هو خروج على المألوف من قيم وقواعد دولية تم التعارف على عدم المساس بها. لذلك فقد فرضت الأزمة على الأطراف الإقليمية والدولية مجتمعة أن تتعامل معها نظراً لتأثيرها المباشر على أمن الخليج، والذي بدوره ترتبط به مصالح غالبية دول العالم، أي أن العدوان العراقي على الكويت لا يشكل في مجمله تحدياً للنظام الإقليمي والدولي فحسب، بل وكذلك تجاهلاً للمتغيرات الدولية الحادثة، ولجوهر النظام الدولي الجديد الذي بدأ يبرز منذ انهيار الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى، والذي يقوم على أساس الوفاق الدولي وعدم الخروج على الشرعية الدولية. ولذلك جاء رد الفعل الدولي على العدوان العراقي ملائماً ومتناسقاً مع أهمية الحدث، حيث أصبح هناك شبه إجماع دولي غير مسبوق وقدرة تكاد تكون نادرة في مستوى التنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي بين جميع الدول حول إدارة هذه الأزمة. فعلى صعيد التحرك السياسي والعسكري، التزمت غالبية دول العالم منذ ظهور الأزمة موقفاً واضحاً برفض العدوان العراقي وإدانته. وهذه الاستجابة الدولية لرفض العدوان العراقي نابعة من تأكيد دور النظام الدولي الجديد، بل وتزامنت مع المناخ الدولي الجديد المتمثل في إعادة تفعيل نظام الأمن الجماعي الذي بدأ يبرز بعد فترة من الشلل أثناء الحرب الباردة.
ولذلك تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن مجموعة من التساؤلات أهمها:
ما هو دور العوامل الأيديولوجية، والعرقية، والجغرافية في التصدي للغزو العراقي على دولة الكويت؟
الهدف من الدراسة وأهميتها:
تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على ردة الفعل العالمية تجاه الغزو العراقي للكويت والتي تراوحت بين التنديد كحد أدنى والمشاركة العسكرية كحد أعلى. وكذلك تحاول هذه الدراسة أن تصل إلى بعض النتائج المتعلقة بأثر العوامل الأيديولوجية والانتماءات العرقية والمواقع الجغرافية وانعكاساتها على موقف الدول من العدوان العراقي.
تبرز أهمية هذه الدراسة في كونها نواة أساسية، بل وأول محاولة من نوعها -حسب معرفتنا- في مجال إعداد التحليل الكمي وجمع المعلومات اللازمة لبناء نماذج سياسية يعتمد عليها في تفسير مواقف دول العالم من العدوان العراقي على الكويت.
الغزو العراقي للكويت :
الغزو العراقي للكويت هجوم شنه الجيش العراقي على الكويت في 2 أغسطس 1990 استمرت العملية العسكرية يومان وانتهت باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 أغسطس ثم شكلت حكومة صورية برئاسة العقيد علاء حسين خلال 4 - 8 أغسطس تحت مسمى جمهورية الكويت ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 أغسطس 1990م، ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت إعلان الكويت المحافظة 19 للعراق وتغيير أسماء الشوارع والمنشآت ومنها تغيير اسم العاصمة الكويتية. في الطائف بالمملكة العربية السعودية تشكلت الحكومة الكويتية في المنفى حيث تواجد أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح والعديد من الوزراء وأفراد القوات المسلحة الكويتية. استمر الاحتلال العراقي الكويت لمدة 7 شهور، انتهى الاحتلال بتحرير الكويت في 26 فبراير 1991 بعد حرب الخليج الثانية.
أسباب الأزمة الكويتية : هناك عدة عوامل وأسباب لغزو الكويت وهي :
الخلاف على الحدود
جاء أول ترسيم للحدود بين الكويت والدولة العثمانية عام 1913 بموجب المعاهدة الأنجلو-عثمانية لعام 1913 والتي تضمنت اعتراف العثمانيين باستقلال الكويت وترسيم الحدود. وقد نصت المادة السابعة من المعاهدة على أن يبدأ خط إشارات الحدود من مدخل خور الزبير في الشمال ويمر مباشرة إلى جنوب أم قصر وصفوان وجبل سنام حتى وادي الباطن وأن تكون تبعية جزر بوبيان ووربة وفيلكا وقاروه ومسكان للكويت، وبينت المادة السادسة أن تبعية القبائل الداخلة ضمن هذه الحدود ترجع للكويتوبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين احتلت بريطانيا الأراضي العثمانية في العراق. وقد طالب أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في أبريل 1923 بأن تكون حدود هي ذات التي كانت زمن العثمانيين وقد رد المندوب السامي بالعراق السير بيرسي كوكس على طلب الكويت باعتراف الحكومة البريطانية بهذه الحدود وقد سعت بريطانيا بتعمد تصغيير ميناء العراق على الخليج لكي لا تهدد أي حكومة عراقية مستقبلية النفوذ والسيطرة البريطانية على الخليج.
في 21 يوليو 1932 أعترف رئيس وزراء العراق نوري سعيد بالحدود بين الكويت والعراق. وفي4 أكتوبر 1963 أعترف العراق رسميا باستقلال الكويت وبالحدود العراقية الكويتية كما هي مبينة بتبادل بالرسائل المتبادلة في 21 يوليو و10 أغسطس 1932 بين رئيس وزراء العراق نوري سعيد وحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح من خلال توقيع محضر مشترك بين الكويت والعراق من خلال اجتماع حضره كل من الشيخ صباح السالم الصباح ولي العهد الكويتي آنذاك وأحمد حسن البكر رئيس الوزراء العراقي في تلك الفترة
في عام 1991 شكل مجلس الأمن لجنة لترسيم الحدود البلدين ووافق العراق على الالتزام بقرارات اللجنة. وفي عام 1993 صدر قرار مجلس الأمن رقم "833" لترسيم الحدود بين الكويت والعراق وأعترفت الكويت به فيما أعترف العراق بالقرار في عام 1994.
الخلاف على انتاج النفط
خلال الحرب العراقية-الأيرانية دعمت الكويت والسعودية العراق اقتصاديا ووصلت حجم المساعدات الكويتية للعراق أثناء الحرب العراقية-الأيرانية إلى ما يقارب 14 مليار دولار، كان العراق يأمل بدفع هذه الديون عن طريق رفع أسعار النفط بواسطة تقليل نسبة إنتاج منظمة أوبك للنفط. واتهم العراق كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة برفع نسبة إنتاجهما من النفط بدلا من خفضه وذلك للتعويض عن الخسائر الناتجة من انخفاض أسعار النفط مما أدى إلى انخفاض النفط إلى مستوى يتراوح بين 10 و12 $ بدلاً من 18$ للبرميل. ولكن إحصائيات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تشير إلى أن 10 دول من ضمنهم العراق لم تكن ملتزمة بحصص الإنتاج. و على الرغم من ذلك تعهدت كل من الكويت والإمارات بالالتزام بحصص الإنتاج المقدرة بمليون ونصف برميل في 10 يوليو 1990، وصرحت الكويت في 26 يوليو 1990 بإنها خفضت إنتاجها من النفط إلى مستوى حصص منظمة أوبك. وبدأت الأحداث تأخذ منحنى تصعيدياً من قبل النظام العراقي حيث بدأ العراق بتوجيه اتهامات للكويت مفادها أن الكويت قام بأعمال تنقيب غير مرخصة عن النفط في الجانب العراقي من حقل الرميلة النفطي ويطلق عليه في الكويت حقل الرتقة وهو حقل مشترك بين الكويت والعراق.
الخلاف على الديون
صرح الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين أن الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات كانت بمثابة دفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي حسب تعبيره وأن على الكويت والسعودية التفاوض على الديون أو إلغاء جميع ديونها على العراق، ويُقدر صندوق النقد الدولي حجم الديون العراقية للكويت بستين مليار دولار. وتعدت مطالبه إلى طلبه من دول الخليج 10 مليارات دولار كمنحة للعراق وطلب تأجير جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين. ولم تثمر الجهود الدبلوماسية في تخفيف حدة التوتر. ففي آخر يوليو من عام 1990 عُقد اجتماع في مدينة جدة بين وفد كويتي يرأسه الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، ولي العهد الكويتي، ووفد عراقي برئاسة عزة الدوري. ونتج عن هذا الاجتماع الموافقة على تقديم الكويت منحة 9 مليارات دولار وتبرع الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بعشرة مليارات دولار بشرط أن يتم ترسيم الحدود بين الكويت والعراق دولياً قبل دفع أي مبلغ. وقد جاء طلب الكويت هذا إثر قيام العراق بترسيم الحدود وعقد المعاهدات والتسويات مع كل من المملكة العربية السعودية والأردن وأجل عقد معاهدات مماثلة مع الكويت كي يتم استخدام هذه القضايا كوسيلة ضغط على الأخيرة
إحدى نتائج الحرب العراقية الإيرانية كان تدمير موانئ العراق على الخليج العربي مما شل حركة التصدير العراقي للنفط من هذه الموانئ، وكانت القيادة العراقية تأخذ في حساباتها المستقبلية احتمالية نشوب الصراع مع إيران مرة أخرى،ولكنها كانت تحتاج إلى مساحة أكبر من السواحل المطلة على الخليج العربي، فكانت الكويت أحسن فرصة لتحقيق هذا التفوق الإستراتيجي. وهناك آراء تؤمن بأن الغزو العراقي للكويت كان مؤامرة أمريكية-إسرائيلية نفذها صدام حسين ليتم تأمين والسيطرة على منابع النفط في الخليج وفي 25 يونيو 1990 إلتقى صدام حسين مع السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي والتي قالت أن أمريكا «ليس لها راي بشان صراع عربي-عربي
الأسباب والحجج التي تمسك بها الرئيس العراقي صدام حسين لتبرير غزو الكويت :
في وثيقة نشرت في لندن خلال شهر أيلول 1990م,عرض العراق الأسباب و الحجج التي دفعته لغزو الكويت فجاء فيها :
إن العراق يشعر بأنه ومنذ عامين, ضحية مؤامرة دبرتها الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل والمملكة العربية السعودية و الكويت لمنعه من الوقوف على قدميه مالياً بعد حربه مع إيران.وقد قدم ثلاث مبررات لغزو الكويت:
1- الحق التاريخي للعراق في الإمارة التي كانت تابعة للبصرة.
2- الرفض الكويتي لعقد اتفاق إقليمي.
3- سياسة الكويت النفطية التي تهدف بشكل معتمد إلى تخفيض سعر برميل النفط,مع تجاوزه الحصه المحددة للانتاج.
أثارت مطالبة العراق بكامل الأراضي الكويتية دهشة العالم واستنكاره خاصة وأن النزاع بين الطرفين كان محصوراً منذ عام 1963م بمسألة الحدود وقضية الجزر.
علاوة على الحجج التاريخية والخلاف القديم بين البلدين ,يجب البحث عن الأسباب المباشرة لغزو الكويت في السنتين التي أعقبتا نهاية الحرب مع إيران , عشية وقف إطلاق النار مع إيران سنة 1988م,كان وضع العراق مقبولاً تماماً رغم خسائره الفادحة,إذ ضمن لنفسه نهاية مشرفة للحرب,و المجال مفتوح أمامه لإنطلاقة جديدة تعيد عجلة التقدم إلى الدوران,صحيح أن إعادة البناء كانت هائلة بحجمها وأبعادها,والديون ثقيلة جداً,إلا أن العلاقات السياسية لبغداد عبر العالم كانت تتيح الأمل الكبير بإعادة جدولة هذه الديون,كما سيؤدي استئناف تصدير النفط إلى تسديد الديون المترتبة على العراق للدول الأجنبية و شطب معظم الديون المترتبة للدول العربية.
لذلك أعلنت الحكومة عن خطة هائلة للتطوير تهدف بالدرجة الأولى إلى نسيان شبح الحرب ,إلا أن سعر برميل النفط انخفض بمقدار ثمانية دولارات خلال الأشهر الستة الأولى من العام 1990م,ما أبدى شركاء العراق في التجارة بعض التحفظات في توقيع عقود لأجل.كذلك زادت نقمة الجماهير العراقية مع انخفاض القدرة الشرائية,وبدأ الثقل النفسي للديون التي لم يتعود عليها العراق سابقاً,ومما زاد الطين بلة رفض الكويت مسامحة صدام حسين بالدين المقدم له أثناء الحرب و البالغة قيمته إثنا عشر مليون دولار,إضافة لذلك وصول المفاوضات مع إيران حول مسألة شط العرب إلى طريق مسدود.ومنذ ذلك الحين قرر صدام غزو الكويت جزئياً أو كلياً.
محاولات حل الأزمة بين العراق والكويت قبل الأزمة :
في 24 شباط عام 1990م أثناء اجتماع مجلس التعاون العربي في عمان,أعلن صدام حسين مطالب محددة و تكلم بلهجة شديدة وأشار إلى 30 مليار دولار من الديون التي كانت المملكة العربية السعودية والكويت قد منحتها للعراق خلال الحرب مع أيران و قال بالحرف الواحد:"في حال لم يلغوا الديون و في حال لم يعطوني 30 مليار دولار إضافية سوف أتخذ التدابير الرادعة".
فتصدى له الرئيس حسني مبارك قائلاً:"إن مطالبك ليست مبررة ولا معقولة وسوف تؤدي إلى كارثة".ومع عودة الرئيس حسني مبارك السريعة للقاهرة اضطر الملك حسين إلى إلغاء اجتماعات اليوم الثاني لمجلس التعاون.
لقد أدت مطالب صدام حسين الضخمة إلى إثارة القلق في العالم العربي وعلى الأخص بالنسبة للكويت والمملكة العربية السعودية,حيث كان الخوف شديداً من استخدام بغداد لصواريخها و قيامها بهجوم مباغت يتبعه اجتياح شامل أو اللجوء إلى أعمال ارهابية تستهدف أفراد الأسرتين الحاكمتين.
بعد فشل لقاء عمان,اقترح الرئيس الأردني على الرئيس العراقي أن يقوم بنفسه بجولة تشمل دول الخليج في محاولة للتفتيش عن اتفاق بين الكويت والسعودية والعراق,وفعلاً قام الملك حسين بجولة خليجية امتدت ثلاث أيام ثم عاد إلى عمان,ثم اجتمع بالرئيس العراقي وقدم خلال الاجتماع تقريراً مفصلاً عن جولته وأبلغه أنه لم يتلق أي إشارة إيجابية من زعماء المنطقة فيما يتعلق بأهداف صدام الثلاثة:
• تسوية الخلافات الحدودية مع الكويت و بالأخص حقول الرملية الغنية بالبترول والتي تقع في المنطقة المتنازع عليها.
• الموافقة على تأجيره جزيرتي وربة و بوبيان اللتين تؤمنان له منفذاً على الخليج.
• تسوية مشكلة الديون المتراكمة على العراق خلال الحرب مع إيران.
كما أبلغ الملك حسين صدام أن أمير دولة الكويت يرفض المفاوضات المباشرة مادام أن العراق لم يعترف رسمياً بسيادة واستقلال الكويت,و عند نهاية اللقاء شكر صدام حسين زائره مطولاً على الجهد اللذي بذله وأبلغه بأنه يأمل "أن تسود مع الوقت روح الوئام و الإرادة الطيبة في هذه القضية وأن تحل الحكمة المتوخاة".
ومما يدعو للاستغراب الملامح الهادئة التي استخدمها صدام والتي توحي بالرغبة في التفاهم والبعيدة كل البعد عن سلوكه المعتاد المتسم بردات الفعل العنيفة.
ولم يتطلب الأمر بعد عودة الملك حسين إلى الأردن,أكثر من ثلاثة أيام كي يتخذ الرئيس العراقي قراراً بدعوة قيادته العسكرية إلى اجنماع سري طلب خلاله من المسؤلين العسكريين السرعة القصوى في إعداد خطة لحشد القوات على الحدود مع الكويت.
وبعد أسبوعين من إعطاء الأوامر بتجميع القوات في المنطقة الحدودية وصل مسؤول كويتي رفيع المستوى إلى عمان,وبالرغم من أن أية فرقة عسكرية لم تكن قد تحركت بعد إلا أن هذا المسؤول صارح الأردنيين بالتالي:"لايريد صدام حسين الجزيرتين اللتين يطالب بهما فقط واللتين تؤمنان له منفذاً على الخليج,إنه يريد الكويت بأكملها".
ألتقى 21 رئيس دولة عربية صبيحة 28 أيار في بغداد وهم يجهلون مارسم من قبل,لقد أتوا لإدانة تدفق اليهود السوفييت وتقديم الدعم لصدام حسين الذي كان قد هدد بتدمير نصف اسرائيل,وعند اختتام جلسة الافتتاح,فاجأ صدام الجميع عندما اقترح تحويل اللقاء إلى جلسة سرية.حاول الملك فهد معارضة هذا الإقتراح إلا أن موقفه لم يلق تأييداً واسعاً,وهكذا تحقق لصدام مايطلبه.إنه يريد الزعماء العرب بمفردهم دون مساعدين ولا مستشارين.
حبس الزعماء العرب أنفسهم في قاعة مغلقة,وكان أول المتكلمين صدام حسين الذي لم يبدأ باتهام اسرائيل وأمريكا كما كان الجميع يتوقع وإنما أخذ يهاجم دول الخليج بعنف ويضرب الطاولة بقبضته:"إنهم يستخرجون البترول بأكثر من اللازم لتخفيض سعره..وكل انخفاض يوازي دولار واحد من سعر البرميل يجعل العراق يخسر مليار دولار في السنة..إنكم تخوضون حرباً اقتصادية حقيقية ضد العراق."
سعى الرؤساء العرب إلى الوساطة بين العراق والكويت لحل المشاكل بالحسنى إلا أن جميع المفاوضات والاجتماعات واللقاءات باءت بالفشل الذريع,وزادت اتهامات العراق للكويت بعد ذلك,وأصبح الغزو العراقي للكويت أمراً لا مفر منه.
الخطوات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لمواجهة الأزمة :
لم تضع المملكة العربية السعودية ضمن حساباتها العسكرية أن تقوم دولة عربية شقيقة بالاعتداء على دولة عربيـة أخـرى ، لذا بادرت المملكة بمبادرات سياسية ودبلوماسية ووساطات عربية وإسلامية ودولية ، كلها باءت بالفشل والرفض من النظام العراقي . وفي (6) أغسطس (أي بعد أربعة أيام من احتلال الكويت) وحين كثف العراق من حشد قواته على حدود المملكة العربية السعودية ، دعا الملك فهد بن عبدالعزيز الدول الشقيقة والصديقة لمساندة المملكة في الدفاع عن حدودها البرية والجوية والبحرية ، وقد استجاب لهذه الدعوة (36) دولة ، وحينما بدأت قوات تلك الدول تتوافد إلى المملكة، أعدت خطة عمليات مشتركة عرفت باسم (درع الصحراء) للدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد أي هجوم مباشر من العراق .
أ) خطة العمليات المشتركة (درع الصحراء) . بعد أن توافدت إلى أراضي ومياه ومطارات المملكة العربية السعودية أعداد كبيرة من القوات الشقيقة والصديقة ، أعدت خطة عمليات مشتركة أطلق عليها (درع الصحراء) للدفاع عن المملكة ودول مجلس التعاون ضد أي هجوم مباشر من القوات المعتدية وذلك للأهداف التالية :
• تقوية القدرات الدفاعية ، وتحسين العمل المشترك بين القوات لتقوم القوات المسلحة السعودية تساندها القوات الصديقة والشقيقة بالدفاع عن أراضي وأجواء ومياه المملكة العربية السعودية ضد أي هجـــوم معاد
• ضمان حرية استعمال خطوط المواصلات البحرية إلى المملكة ودول مجلس التعاون.
• رفع القدرات الدفاعية لتشمل الدفاع ضد الحرب الكيميائية والإلكترونية ، والدفاع ضد الصواريخ البالستية .
وانطلاقاً من خطة (درع الصحراء) وتحقيقاً لأهدافها ، فلقد تم تحديد عدة مناطق على الشريط الحدودي الشمالي للعمليات الدفاعية ، وتغطيتها بدوريات جوية على مدار الساعة يتخللها عمليات التزود بالوقود ، وتغطية رادارية لمسرح الحرب بثلاث طائرات إنذار مبكر سعودية موزعة على عدة مناطق ، كما تم زيادة أعداد طائرات الإقلاع الفوري لإسناد وتعزيز القدرة الدفاعية . وقد خصص جزء كبير من الطائرات الهجومية لتنفيذ عمليات هجومية مضادة وإسناد جوي قريب مدبر وفوري للقوات البرية في حالة عبور القوات المعتدية للحدود ، علاوة على عمليات هجومية في العمق تنفذ بعد مرور (24) ساعة من هجوم المعتدي تستهدف إضعاف البنية العسكرية للمعتدي للحد من تأثير هجومه . ومن الخطوات الهامة التي طبقت في بداية عملية درع الصحــراء توحيد الإجــراءات ، حيث تم تحديث وتوحيد قوانين الاشتباك المعمول بها من قبل القوات المتعاونة ، كما تم توحيد جميع مفاهيم القيادة والسيطرة المتمثلة بمركزية القيادة والسيطرة لا مركزية التنفيذ ، وتقسيم المهام العسكرية والواجبات ، علاوة على التدريبات العسكرية اليومية وأدرجت جميع هذه المهام في أمر عمليات يومي موحد يضم جميع النشاطات العسكرية لجميع الدول المتعاونة يصدر عن مركز عمليات الدفاع الوطني للمملكة العربية السعودية
ب) معركة تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) :
المهمة . تهجم القوات المسلحة السعودية والقوات الشقيقة والصديقة لطرد القوات المعتدية من الكويت ، وتستعد لتأمين الكويت والدفاع عنها
مراحل عملية تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) . بدأت طائرات القوات الجوية الملكية السعودية بالمشاركة مع القوات الصديقة بالهجوم في حرب تحرير الكويت منذ فجر يوم الخميس الموافق 17يناير 1991م في تمام الساعة الثالثة وخمس دقائق ، أي بعد خمس دقائق من ساعة الصفر ، وقد استهدفت طائرات القوات الجوية الملكية السعودية في هجماتها قواعد جوية معتدية وفقاً لخطة العمليــات المشتركة (عاصفة الصحراء) والتي تشتمل مراحلها على التالي:
oالمرحلة الأولى (الحملة الجوية الإستراتيجية) . وتهدف إلى تدمير مراكز القيادة والسيطرة ومحطات الاتصالات ، ووسائل الإنذار المبكر ، والقواعد الجوية ، وأسلحة الدمار الشامل (النووية والكيماوية والبايولوجية) ، ومخازن ومصانع ومنصات صواريخ سكود وقد استمرت لمدة ثلاثــة أيام oالمرحلة الثانية (التفوق الجوي على مسرح العمليات بالكويت) . وتهدف هذه المرحلة مواصلة أهداف المرحلة الأولى بالإضافة إلى تدمير مخازن الذخيرة ، ووحدات الحرس الجمهوري ، ومخازن الوقود . بعد (10) أيام من بدء الحرب تم إعلان السيطرة الجوية على مسارح العمليات بالكويت ، ويعني ذلك إتمام المرحلة الثانية
oالمرحلة الثالثـة (تحضيـر ميـدان المعركة) . بعد تحقيق أهداف الحملة الجوية الإستراتيجية تم التحول تدريجياً والتركيز بجميع الإمكانات ضد القوات البرية المعتدية لغرض تقليص حجمها إلى أقل من(50%) قبل بدء المرحلة الرابعة . في هذه المرحلة تم تصعيد نسبة تدمير الدبابات والمدرعات والمدفعية ولمدة ثلاثة أسابيع متتالية علاوة على متابعة ضرب الأهداف السابقة في المرحلتين الأولى والثانية ، كما تم تدمير جزء كبير من راجمات صواريخ أرض/أرض وصواريخ سكود والأسلحة الكيمياوية وطرق الإمداد ووحدات الإسناد العسكري
oالمرحلة الرابعة (الحرب البرية) . بدأت هذه المرحلة بعد مرور (39) يوماً من بداية الحرب ولم تقف الحملة الجوية عند هذا الحد بل استقطعت جزءاً كبيراً من قوتها الجوية لمساندة القوات البرية وتقليل الخسائر البشرية تمثلت بطلعات إسناد جوي قريب بصورة مكثفة ضد القوة البرية المعادية في الخطوط الأمامية ، علاوة على مواصلة ضرب الجسور ومراكز الاتصالات ومخابىء القيادة والسيطرة . وبعد مرور (100) ساعة من القتال الأرضي تم تلقي الأوامر بوقف إطلاق النار
الهجوم البري
oمحور قوات المنطقة الشرقية . تهجم قوات المنطقة الشرقية من الشرق لاختراق الدفاعات المعادية ، وحماية الجناح الأيمن لمشاة البحرية الأمريكية بتدمير القوات المعتدية، وتأمين الأهــداف الحيويــة في منطقتها المخصصة ، وعند الأمر تؤمن قوات المنطقة الشرقية مدينة الكويت .
oمحور قوات مشاة البحرية . تهجم وتخترق الدفاعات المعادية ، وتدمر القوات المعتدية في منطقتها المخصصة وتؤمن الأهداف الحيوية لمنع وصول تعزيزات للقوات المعتدية التي تواجه المنطقة الشمالية ، وتحتل مواقع لمنع انسحاب القوات المعتدية من جنـوب مدينــة الكويت .
oمحور قوات المنطقة الشمالية . تهجم وتخترق الدفاعات المعادية ، وتحمي جانب الفيلق السابع حتى الأبرق شمالاً ، عند الأمر تستمر في الهجوم لسد طرق المواصلات شمال مدينة الكويت ، وعند الأمر تستعد للمساعدة في تأمين وتطهير مدينـة الكويت .
العمليات البحرية السعودية في معركة تحرير الكويت (عاصفة الصحراء(
oوفي بداية الهجوم الجوي في 17/1/1991م أصبح عدد القطع البحرية في مسرح العمليات البحـــري (216) قطعة بحرية منهـــا (28) قطعة بحرية سعودية ، البقية (188) قطعة بحريةلـ (14) دولة متعددة الجنسيات . الملحق (هـ) يوضح الوحدات البحرية السعودية المشاركة في حرب تحرير الكويت .
oاستمرت القوات البحرية بالدوريات سواءً في القطع البحرية أو في الطائرات العمودية (دوفان – سوبر بوما
oفي صباح يوم الخميس 9/7/1411هـ الموافق 24 يناير 1991م قامت القوات البحرية الملكية السعودية في أول اشتباك بحري مع قوات المعتدي حيث تمكنت سفينة جلالة الملك (فيصل) من إغراق سفينة (هدف بحري) بواسطة صاروخ من نوع هاربون، بينما كان الهدف البحري المعتدي يقوم بزراعة الألغام قرب السواحل الكويتية
oقامت إحدى الطائرات العمودية للقوات البحرية الملكية السعودية بتدمير هدف آخر وذلك في 20 رجب 1411هـ الموافق 4 فبراير 1991م قرب مدينة الخفجي
oقامت كاسحـــات الألغام السعوديـــة (2) بدور بارز في عملية الكسح التي قامت بها القوات البحرية للدول المتحالفة في شمال الخليج العربي وهي (صفوي – الوديعة – القيصومة) ، وقامت بتطهير وتفجير كثير من الألغام التي زرعتها القوات العراقية
oكان لمشاة البحرية الملكية السعودية لها مشاركة فعالة في تطهير وتحرير مدينة الخفجي .
oالإستنتاج . بعد استعراض كامل لمبادرات المملكة العربية السعودية الدبلوماسية والسياسية لاحتواء أزمة احتلال العراق لدولة الكويت وبعد أن أعلنت العراق رفضها القاطع لقرارات الأمم المتحدة بالانسحاب من الكويت ولتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي وضعتها حكومة المملكة العربية السعودية وهي انسحاب العراق من أراضي دولة الكويت ، وعودة الشعب والحكومة الكويتية الشرعيـة إلى الكويت ، وحين فشلت جميع المبادرات السلمية بأنواعها وأشكالها المختلفة لجأت المملكة العربية السعودية تناصرها الدول الصديقة والشقيقة إلى الحل العسكري ، وهنا كان الدور البطولي للقوات المسلحة السعودية والقوات الشقيقة والصديقة في تحرير الكويت . وكان دور القوات المسلحة السعودية كالتالي :
في عملية (عاصفة الصحراء) كانت القوات البرية السعودية في أخطر محاور عملية (عاصفة الصحراء) ، فقوات المنطقة الشرقية كانت مواجهة لأكثف الوحدات المعتدية ، كما أن قوات المنطقة الشمالية كانت مواجهة لأفضل الوحدات المعتدية (الحرس الجمهوري(
بعد تحرير دولة الكويت ساهمت القوات المسلحة السعودية بإعادة الخدمات المدنية لدولة الكويت ، كمحطات الكهرباء والماء وساهمت أيضاً في إزالة الألغام من الطرق والمناطق الهامة .
كانت القوات المسلحة السعوديـــة المشاركة في حرب تحريـــر الكويت ثاني أكبر دولة مــن حيث عــــدد المقاتلين بعد الولايــــات المتحــــدة الأمريكية ، وكان عدد الشهداء من القوات المسلحة السعودية أكبر عــدد من بين الــدول المشاركة حيث استشهـد في حـرب تحريــر الكويت عدد (28) شهيــداً ، وجـرح (175) جريحاً ، أما المفقدون فكان عددهم (10)
دور الملك فهد في تحرير الكويت :
الملك فهد له الكثير من الادوار في تلك الحرب ..
1. السماح للقوات الامريكية باستخدام الاراضي السعودية
2. ارسال الجيش السعودي مع الدول المحررة للكويت
3. استقبال الشعب الكويتي وتوفير لهم المساكن والمصروف على كفالة الحكومة السعودية وكذلك الكويتية
4. عقد جلسات في الجامعة العربية لمناقشة ما يحدث في الكويت
المراجـع
المراجع العربية.
1. إبراهيم، حسنين توفيق. "النظام الدولي الجديد في الفكر العربي." عالم الفكر. (العددان 3-4 مارس/ابريل 1995).
2. أبو خزام، إبراهيم. الحرب وتوازن القوى: دراسة شاملة لنظرية توازن القوى وعلاقتها الجدلية بالحرب والسلم. (الأهلية للنشر، الأردن: عمان، 1999).
3. عبد المجيد، وحيد. "مستقبل النظام الإقليمي العربي بعد الغزو." السياسة الدولية (العدد 102 أكتوبر 1990)
4. محمد المشاط. كنت سفيراً للعراق في واشنطن: حكايتي مع صدام في غزو الكويت.المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. ٢٠٠٨
5. مقلد، إسماعيل صبري. العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات (الكويت: جامعة الكويت، 1971)
6. نافعة، حسن. الأمم المتحدة وأزمة الخليج: دراسة حالة في نظام الأمن الجماعي، في احمد الرشيدي (محرر)، الانعكاسات الدولية والإقليمية لأزمة الخليج (القاهرة: مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية، 1990
المراجع الأجنبية.
1_ Gilpin, Robert. War & Change in World Politics. Ccambridge University Press, 1981).
2- Holsti, Ole R. (ed.) Change in the International Sustem. (Boulder, Colorado: Westview Press, 1980
3- Morgenthou, Hans J. Politics Among Nations: The Struggle for Power and Peace. (New York: Alfred A. Knopf, 1978)
لا شك أن السلام والأمن الدوليين هما مطلبان أساسيان لجميع الوحدات السياسية في العالم والتي نشأت معالمها المعاصرة نتيجة لمعاهدة ويستفاليا (Westphalia) في عام 1648م. فمنذ ذلك الوقت وحتى بداية الحرب العالمية الأولى كانت الآلية العسكرية المنظمة للنظام الدولي، هو ما يعرف بنظام "توازن القوى" (BALANCE OF POWER) الذي تطورت مفاهيمه بشكل واسع منذ أن ظهرت استخداماته الأولى في القرن السابع عشر في أوروبا.
تكاد تجمع الأدبيات التي تناولت مفهوم توازن القوى على أنه الأداة أو الآلية (ميكانيزم) التي تستطيع الدول من خلاله أن تنظم صراعات القوة فيما بينها بحيث تضمن استمرار النظام الدولي القائم على مبدأ التعددية (MULTI-STATE SYTSTEM) وبالتالي حماية استقلالها من خلال الحيلولة دون ابتلاع كيانها القومي من جانب قوى دولية متفوقة عليها. إلا أن هذا المفهوم سرعان ما ثبت فشله في حماية السلام والأمن الدوليين مع أولى الشرارات التي انطلقت مؤذنة باندلاع الحرب العالمية الأولى.
ولقد تميزت الممارسة السياسية الدولية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين بالتساهل والمرونة وعدم الوضوح بالنسبة لشكل النظام الدولي المطلوب. والذي كان مرده في الغالب إلى الحذر الشديد بين مختلف المحاور السياسية والعسكرية، الأمر الذي لم يبرز فيه نظام دولي يعتمد عليه في الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، بالرغم من تأسيس عصبة الأمم كمنظمة دولية من مهامها الأساسية الحفاظ على الأمن والسلام في العالم. إلا أن ذلك النظام كان نظاماً هلامياً لم يستمر طويلاً لذلك فلا غرو أن نجده ينهار بعد سنوات معدودة من تأسيسه، مفرزاً متغيرات كبرى تمخضت عنها أحداث جوهرية كبرى لعل من أهمها قيام الحرب العالمية الثانية.
مشكلة البحث:
أحدث الاعتداء العراقي على دولة الكويت واحتلالها شرخاً عميقاً في مصداقية النظام الإقليمي العربي والنظام الدولي، وشكل بتداعياته العربية والدولية أزمة خطيرة هي الأولى من نوعها على مستوى النظام الإقليمي العربي، والتي أدت إلى تداخل في الأبعاد الإقليمية والدولية.
فعلى المستوى الإقليمي، سبب العدوان العراقي على الكويت فوضى إقليمية وانشطار النظام العربي إلى كتلتين متناقضتين وعدم انسجام الأمر الذي أدى إلى تعميق مشاعر الشك وعدم الثقة بين مكونات النظام العربي والعودة لتأكيد عملية التحالفات الفرعية التقليدية، بل إن الأزمة أدت إلى انقسام بالغ الحدة بين الدول العربية الأمر الذي أثر على تماسك النظام العربي، وكاد أن يؤدي إلى تفكك أو زوال هذا النظام. بل إن الأزمة كشفت عن مدى هشاشة الأسس التي يقوم عليها النظام العربي وبينت مكامن الخلل فيه، وبرزت الحاجة إلى مراجعة شاملة لصيغة تفاعلات العمل العربي المشترك، تفادياً لانهياره وقيام نظام إقليمي جديد اشمل من ذلك في منطقة الشرق الأوسط.
أما على المستوى الدولي فإن منطقة الخليج تحتل موقعاً استراتيجياً على خارطة الاهتمامات والمصالح الدولية، باعتبارها منطقة ذات بعد استراتيجي جغرافياً وسياسياً واقتصادياً، ولذلك فإن التواصل التاريخي بين منطقة الخليج والدول المؤثرة في النظام الدولي نابع من تفاعلات الطرفين المصالحية، وأن أي تغيير في هذا التفاعل هو بمثابة تجاوز المحظور الدولي، مما يؤدي إلى إثارة حساسيات عناصر النظام الدولي، بل هو خروج على المألوف من قيم وقواعد دولية تم التعارف على عدم المساس بها. لذلك فقد فرضت الأزمة على الأطراف الإقليمية والدولية مجتمعة أن تتعامل معها نظراً لتأثيرها المباشر على أمن الخليج، والذي بدوره ترتبط به مصالح غالبية دول العالم، أي أن العدوان العراقي على الكويت لا يشكل في مجمله تحدياً للنظام الإقليمي والدولي فحسب، بل وكذلك تجاهلاً للمتغيرات الدولية الحادثة، ولجوهر النظام الدولي الجديد الذي بدأ يبرز منذ انهيار الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى، والذي يقوم على أساس الوفاق الدولي وعدم الخروج على الشرعية الدولية. ولذلك جاء رد الفعل الدولي على العدوان العراقي ملائماً ومتناسقاً مع أهمية الحدث، حيث أصبح هناك شبه إجماع دولي غير مسبوق وقدرة تكاد تكون نادرة في مستوى التنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي بين جميع الدول حول إدارة هذه الأزمة. فعلى صعيد التحرك السياسي والعسكري، التزمت غالبية دول العالم منذ ظهور الأزمة موقفاً واضحاً برفض العدوان العراقي وإدانته. وهذه الاستجابة الدولية لرفض العدوان العراقي نابعة من تأكيد دور النظام الدولي الجديد، بل وتزامنت مع المناخ الدولي الجديد المتمثل في إعادة تفعيل نظام الأمن الجماعي الذي بدأ يبرز بعد فترة من الشلل أثناء الحرب الباردة.
ولذلك تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن مجموعة من التساؤلات أهمها:
ما هو دور العوامل الأيديولوجية، والعرقية، والجغرافية في التصدي للغزو العراقي على دولة الكويت؟
الهدف من الدراسة وأهميتها:
تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على ردة الفعل العالمية تجاه الغزو العراقي للكويت والتي تراوحت بين التنديد كحد أدنى والمشاركة العسكرية كحد أعلى. وكذلك تحاول هذه الدراسة أن تصل إلى بعض النتائج المتعلقة بأثر العوامل الأيديولوجية والانتماءات العرقية والمواقع الجغرافية وانعكاساتها على موقف الدول من العدوان العراقي.
تبرز أهمية هذه الدراسة في كونها نواة أساسية، بل وأول محاولة من نوعها -حسب معرفتنا- في مجال إعداد التحليل الكمي وجمع المعلومات اللازمة لبناء نماذج سياسية يعتمد عليها في تفسير مواقف دول العالم من العدوان العراقي على الكويت.
الغزو العراقي للكويت :
الغزو العراقي للكويت هجوم شنه الجيش العراقي على الكويت في 2 أغسطس 1990 استمرت العملية العسكرية يومان وانتهت باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 أغسطس ثم شكلت حكومة صورية برئاسة العقيد علاء حسين خلال 4 - 8 أغسطس تحت مسمى جمهورية الكويت ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 أغسطس 1990م، ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت إعلان الكويت المحافظة 19 للعراق وتغيير أسماء الشوارع والمنشآت ومنها تغيير اسم العاصمة الكويتية. في الطائف بالمملكة العربية السعودية تشكلت الحكومة الكويتية في المنفى حيث تواجد أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح والعديد من الوزراء وأفراد القوات المسلحة الكويتية. استمر الاحتلال العراقي الكويت لمدة 7 شهور، انتهى الاحتلال بتحرير الكويت في 26 فبراير 1991 بعد حرب الخليج الثانية.
أسباب الأزمة الكويتية : هناك عدة عوامل وأسباب لغزو الكويت وهي :
الخلاف على الحدود
جاء أول ترسيم للحدود بين الكويت والدولة العثمانية عام 1913 بموجب المعاهدة الأنجلو-عثمانية لعام 1913 والتي تضمنت اعتراف العثمانيين باستقلال الكويت وترسيم الحدود. وقد نصت المادة السابعة من المعاهدة على أن يبدأ خط إشارات الحدود من مدخل خور الزبير في الشمال ويمر مباشرة إلى جنوب أم قصر وصفوان وجبل سنام حتى وادي الباطن وأن تكون تبعية جزر بوبيان ووربة وفيلكا وقاروه ومسكان للكويت، وبينت المادة السادسة أن تبعية القبائل الداخلة ضمن هذه الحدود ترجع للكويتوبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين احتلت بريطانيا الأراضي العثمانية في العراق. وقد طالب أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح في أبريل 1923 بأن تكون حدود هي ذات التي كانت زمن العثمانيين وقد رد المندوب السامي بالعراق السير بيرسي كوكس على طلب الكويت باعتراف الحكومة البريطانية بهذه الحدود وقد سعت بريطانيا بتعمد تصغيير ميناء العراق على الخليج لكي لا تهدد أي حكومة عراقية مستقبلية النفوذ والسيطرة البريطانية على الخليج.
في 21 يوليو 1932 أعترف رئيس وزراء العراق نوري سعيد بالحدود بين الكويت والعراق. وفي4 أكتوبر 1963 أعترف العراق رسميا باستقلال الكويت وبالحدود العراقية الكويتية كما هي مبينة بتبادل بالرسائل المتبادلة في 21 يوليو و10 أغسطس 1932 بين رئيس وزراء العراق نوري سعيد وحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح من خلال توقيع محضر مشترك بين الكويت والعراق من خلال اجتماع حضره كل من الشيخ صباح السالم الصباح ولي العهد الكويتي آنذاك وأحمد حسن البكر رئيس الوزراء العراقي في تلك الفترة
في عام 1991 شكل مجلس الأمن لجنة لترسيم الحدود البلدين ووافق العراق على الالتزام بقرارات اللجنة. وفي عام 1993 صدر قرار مجلس الأمن رقم "833" لترسيم الحدود بين الكويت والعراق وأعترفت الكويت به فيما أعترف العراق بالقرار في عام 1994.
الخلاف على انتاج النفط
خلال الحرب العراقية-الأيرانية دعمت الكويت والسعودية العراق اقتصاديا ووصلت حجم المساعدات الكويتية للعراق أثناء الحرب العراقية-الأيرانية إلى ما يقارب 14 مليار دولار، كان العراق يأمل بدفع هذه الديون عن طريق رفع أسعار النفط بواسطة تقليل نسبة إنتاج منظمة أوبك للنفط. واتهم العراق كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة برفع نسبة إنتاجهما من النفط بدلا من خفضه وذلك للتعويض عن الخسائر الناتجة من انخفاض أسعار النفط مما أدى إلى انخفاض النفط إلى مستوى يتراوح بين 10 و12 $ بدلاً من 18$ للبرميل. ولكن إحصائيات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تشير إلى أن 10 دول من ضمنهم العراق لم تكن ملتزمة بحصص الإنتاج. و على الرغم من ذلك تعهدت كل من الكويت والإمارات بالالتزام بحصص الإنتاج المقدرة بمليون ونصف برميل في 10 يوليو 1990، وصرحت الكويت في 26 يوليو 1990 بإنها خفضت إنتاجها من النفط إلى مستوى حصص منظمة أوبك. وبدأت الأحداث تأخذ منحنى تصعيدياً من قبل النظام العراقي حيث بدأ العراق بتوجيه اتهامات للكويت مفادها أن الكويت قام بأعمال تنقيب غير مرخصة عن النفط في الجانب العراقي من حقل الرميلة النفطي ويطلق عليه في الكويت حقل الرتقة وهو حقل مشترك بين الكويت والعراق.
الخلاف على الديون
صرح الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين أن الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات كانت بمثابة دفاع عن البوابة الشرقية للوطن العربي حسب تعبيره وأن على الكويت والسعودية التفاوض على الديون أو إلغاء جميع ديونها على العراق، ويُقدر صندوق النقد الدولي حجم الديون العراقية للكويت بستين مليار دولار. وتعدت مطالبه إلى طلبه من دول الخليج 10 مليارات دولار كمنحة للعراق وطلب تأجير جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين. ولم تثمر الجهود الدبلوماسية في تخفيف حدة التوتر. ففي آخر يوليو من عام 1990 عُقد اجتماع في مدينة جدة بين وفد كويتي يرأسه الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، ولي العهد الكويتي، ووفد عراقي برئاسة عزة الدوري. ونتج عن هذا الاجتماع الموافقة على تقديم الكويت منحة 9 مليارات دولار وتبرع الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بعشرة مليارات دولار بشرط أن يتم ترسيم الحدود بين الكويت والعراق دولياً قبل دفع أي مبلغ. وقد جاء طلب الكويت هذا إثر قيام العراق بترسيم الحدود وعقد المعاهدات والتسويات مع كل من المملكة العربية السعودية والأردن وأجل عقد معاهدات مماثلة مع الكويت كي يتم استخدام هذه القضايا كوسيلة ضغط على الأخيرة
إحدى نتائج الحرب العراقية الإيرانية كان تدمير موانئ العراق على الخليج العربي مما شل حركة التصدير العراقي للنفط من هذه الموانئ، وكانت القيادة العراقية تأخذ في حساباتها المستقبلية احتمالية نشوب الصراع مع إيران مرة أخرى،ولكنها كانت تحتاج إلى مساحة أكبر من السواحل المطلة على الخليج العربي، فكانت الكويت أحسن فرصة لتحقيق هذا التفوق الإستراتيجي. وهناك آراء تؤمن بأن الغزو العراقي للكويت كان مؤامرة أمريكية-إسرائيلية نفذها صدام حسين ليتم تأمين والسيطرة على منابع النفط في الخليج وفي 25 يونيو 1990 إلتقى صدام حسين مع السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي والتي قالت أن أمريكا «ليس لها راي بشان صراع عربي-عربي
الأسباب والحجج التي تمسك بها الرئيس العراقي صدام حسين لتبرير غزو الكويت :
في وثيقة نشرت في لندن خلال شهر أيلول 1990م,عرض العراق الأسباب و الحجج التي دفعته لغزو الكويت فجاء فيها :
إن العراق يشعر بأنه ومنذ عامين, ضحية مؤامرة دبرتها الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل والمملكة العربية السعودية و الكويت لمنعه من الوقوف على قدميه مالياً بعد حربه مع إيران.وقد قدم ثلاث مبررات لغزو الكويت:
1- الحق التاريخي للعراق في الإمارة التي كانت تابعة للبصرة.
2- الرفض الكويتي لعقد اتفاق إقليمي.
3- سياسة الكويت النفطية التي تهدف بشكل معتمد إلى تخفيض سعر برميل النفط,مع تجاوزه الحصه المحددة للانتاج.
أثارت مطالبة العراق بكامل الأراضي الكويتية دهشة العالم واستنكاره خاصة وأن النزاع بين الطرفين كان محصوراً منذ عام 1963م بمسألة الحدود وقضية الجزر.
علاوة على الحجج التاريخية والخلاف القديم بين البلدين ,يجب البحث عن الأسباب المباشرة لغزو الكويت في السنتين التي أعقبتا نهاية الحرب مع إيران , عشية وقف إطلاق النار مع إيران سنة 1988م,كان وضع العراق مقبولاً تماماً رغم خسائره الفادحة,إذ ضمن لنفسه نهاية مشرفة للحرب,و المجال مفتوح أمامه لإنطلاقة جديدة تعيد عجلة التقدم إلى الدوران,صحيح أن إعادة البناء كانت هائلة بحجمها وأبعادها,والديون ثقيلة جداً,إلا أن العلاقات السياسية لبغداد عبر العالم كانت تتيح الأمل الكبير بإعادة جدولة هذه الديون,كما سيؤدي استئناف تصدير النفط إلى تسديد الديون المترتبة على العراق للدول الأجنبية و شطب معظم الديون المترتبة للدول العربية.
لذلك أعلنت الحكومة عن خطة هائلة للتطوير تهدف بالدرجة الأولى إلى نسيان شبح الحرب ,إلا أن سعر برميل النفط انخفض بمقدار ثمانية دولارات خلال الأشهر الستة الأولى من العام 1990م,ما أبدى شركاء العراق في التجارة بعض التحفظات في توقيع عقود لأجل.كذلك زادت نقمة الجماهير العراقية مع انخفاض القدرة الشرائية,وبدأ الثقل النفسي للديون التي لم يتعود عليها العراق سابقاً,ومما زاد الطين بلة رفض الكويت مسامحة صدام حسين بالدين المقدم له أثناء الحرب و البالغة قيمته إثنا عشر مليون دولار,إضافة لذلك وصول المفاوضات مع إيران حول مسألة شط العرب إلى طريق مسدود.ومنذ ذلك الحين قرر صدام غزو الكويت جزئياً أو كلياً.
محاولات حل الأزمة بين العراق والكويت قبل الأزمة :
في 24 شباط عام 1990م أثناء اجتماع مجلس التعاون العربي في عمان,أعلن صدام حسين مطالب محددة و تكلم بلهجة شديدة وأشار إلى 30 مليار دولار من الديون التي كانت المملكة العربية السعودية والكويت قد منحتها للعراق خلال الحرب مع أيران و قال بالحرف الواحد:"في حال لم يلغوا الديون و في حال لم يعطوني 30 مليار دولار إضافية سوف أتخذ التدابير الرادعة".
فتصدى له الرئيس حسني مبارك قائلاً:"إن مطالبك ليست مبررة ولا معقولة وسوف تؤدي إلى كارثة".ومع عودة الرئيس حسني مبارك السريعة للقاهرة اضطر الملك حسين إلى إلغاء اجتماعات اليوم الثاني لمجلس التعاون.
لقد أدت مطالب صدام حسين الضخمة إلى إثارة القلق في العالم العربي وعلى الأخص بالنسبة للكويت والمملكة العربية السعودية,حيث كان الخوف شديداً من استخدام بغداد لصواريخها و قيامها بهجوم مباغت يتبعه اجتياح شامل أو اللجوء إلى أعمال ارهابية تستهدف أفراد الأسرتين الحاكمتين.
بعد فشل لقاء عمان,اقترح الرئيس الأردني على الرئيس العراقي أن يقوم بنفسه بجولة تشمل دول الخليج في محاولة للتفتيش عن اتفاق بين الكويت والسعودية والعراق,وفعلاً قام الملك حسين بجولة خليجية امتدت ثلاث أيام ثم عاد إلى عمان,ثم اجتمع بالرئيس العراقي وقدم خلال الاجتماع تقريراً مفصلاً عن جولته وأبلغه أنه لم يتلق أي إشارة إيجابية من زعماء المنطقة فيما يتعلق بأهداف صدام الثلاثة:
• تسوية الخلافات الحدودية مع الكويت و بالأخص حقول الرملية الغنية بالبترول والتي تقع في المنطقة المتنازع عليها.
• الموافقة على تأجيره جزيرتي وربة و بوبيان اللتين تؤمنان له منفذاً على الخليج.
• تسوية مشكلة الديون المتراكمة على العراق خلال الحرب مع إيران.
كما أبلغ الملك حسين صدام أن أمير دولة الكويت يرفض المفاوضات المباشرة مادام أن العراق لم يعترف رسمياً بسيادة واستقلال الكويت,و عند نهاية اللقاء شكر صدام حسين زائره مطولاً على الجهد اللذي بذله وأبلغه بأنه يأمل "أن تسود مع الوقت روح الوئام و الإرادة الطيبة في هذه القضية وأن تحل الحكمة المتوخاة".
ومما يدعو للاستغراب الملامح الهادئة التي استخدمها صدام والتي توحي بالرغبة في التفاهم والبعيدة كل البعد عن سلوكه المعتاد المتسم بردات الفعل العنيفة.
ولم يتطلب الأمر بعد عودة الملك حسين إلى الأردن,أكثر من ثلاثة أيام كي يتخذ الرئيس العراقي قراراً بدعوة قيادته العسكرية إلى اجنماع سري طلب خلاله من المسؤلين العسكريين السرعة القصوى في إعداد خطة لحشد القوات على الحدود مع الكويت.
وبعد أسبوعين من إعطاء الأوامر بتجميع القوات في المنطقة الحدودية وصل مسؤول كويتي رفيع المستوى إلى عمان,وبالرغم من أن أية فرقة عسكرية لم تكن قد تحركت بعد إلا أن هذا المسؤول صارح الأردنيين بالتالي:"لايريد صدام حسين الجزيرتين اللتين يطالب بهما فقط واللتين تؤمنان له منفذاً على الخليج,إنه يريد الكويت بأكملها".
ألتقى 21 رئيس دولة عربية صبيحة 28 أيار في بغداد وهم يجهلون مارسم من قبل,لقد أتوا لإدانة تدفق اليهود السوفييت وتقديم الدعم لصدام حسين الذي كان قد هدد بتدمير نصف اسرائيل,وعند اختتام جلسة الافتتاح,فاجأ صدام الجميع عندما اقترح تحويل اللقاء إلى جلسة سرية.حاول الملك فهد معارضة هذا الإقتراح إلا أن موقفه لم يلق تأييداً واسعاً,وهكذا تحقق لصدام مايطلبه.إنه يريد الزعماء العرب بمفردهم دون مساعدين ولا مستشارين.
حبس الزعماء العرب أنفسهم في قاعة مغلقة,وكان أول المتكلمين صدام حسين الذي لم يبدأ باتهام اسرائيل وأمريكا كما كان الجميع يتوقع وإنما أخذ يهاجم دول الخليج بعنف ويضرب الطاولة بقبضته:"إنهم يستخرجون البترول بأكثر من اللازم لتخفيض سعره..وكل انخفاض يوازي دولار واحد من سعر البرميل يجعل العراق يخسر مليار دولار في السنة..إنكم تخوضون حرباً اقتصادية حقيقية ضد العراق."
سعى الرؤساء العرب إلى الوساطة بين العراق والكويت لحل المشاكل بالحسنى إلا أن جميع المفاوضات والاجتماعات واللقاءات باءت بالفشل الذريع,وزادت اتهامات العراق للكويت بعد ذلك,وأصبح الغزو العراقي للكويت أمراً لا مفر منه.
الخطوات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لمواجهة الأزمة :
لم تضع المملكة العربية السعودية ضمن حساباتها العسكرية أن تقوم دولة عربية شقيقة بالاعتداء على دولة عربيـة أخـرى ، لذا بادرت المملكة بمبادرات سياسية ودبلوماسية ووساطات عربية وإسلامية ودولية ، كلها باءت بالفشل والرفض من النظام العراقي . وفي (6) أغسطس (أي بعد أربعة أيام من احتلال الكويت) وحين كثف العراق من حشد قواته على حدود المملكة العربية السعودية ، دعا الملك فهد بن عبدالعزيز الدول الشقيقة والصديقة لمساندة المملكة في الدفاع عن حدودها البرية والجوية والبحرية ، وقد استجاب لهذه الدعوة (36) دولة ، وحينما بدأت قوات تلك الدول تتوافد إلى المملكة، أعدت خطة عمليات مشتركة عرفت باسم (درع الصحراء) للدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد أي هجوم مباشر من العراق .
أ) خطة العمليات المشتركة (درع الصحراء) . بعد أن توافدت إلى أراضي ومياه ومطارات المملكة العربية السعودية أعداد كبيرة من القوات الشقيقة والصديقة ، أعدت خطة عمليات مشتركة أطلق عليها (درع الصحراء) للدفاع عن المملكة ودول مجلس التعاون ضد أي هجوم مباشر من القوات المعتدية وذلك للأهداف التالية :
• تقوية القدرات الدفاعية ، وتحسين العمل المشترك بين القوات لتقوم القوات المسلحة السعودية تساندها القوات الصديقة والشقيقة بالدفاع عن أراضي وأجواء ومياه المملكة العربية السعودية ضد أي هجـــوم معاد
• ضمان حرية استعمال خطوط المواصلات البحرية إلى المملكة ودول مجلس التعاون.
• رفع القدرات الدفاعية لتشمل الدفاع ضد الحرب الكيميائية والإلكترونية ، والدفاع ضد الصواريخ البالستية .
وانطلاقاً من خطة (درع الصحراء) وتحقيقاً لأهدافها ، فلقد تم تحديد عدة مناطق على الشريط الحدودي الشمالي للعمليات الدفاعية ، وتغطيتها بدوريات جوية على مدار الساعة يتخللها عمليات التزود بالوقود ، وتغطية رادارية لمسرح الحرب بثلاث طائرات إنذار مبكر سعودية موزعة على عدة مناطق ، كما تم زيادة أعداد طائرات الإقلاع الفوري لإسناد وتعزيز القدرة الدفاعية . وقد خصص جزء كبير من الطائرات الهجومية لتنفيذ عمليات هجومية مضادة وإسناد جوي قريب مدبر وفوري للقوات البرية في حالة عبور القوات المعتدية للحدود ، علاوة على عمليات هجومية في العمق تنفذ بعد مرور (24) ساعة من هجوم المعتدي تستهدف إضعاف البنية العسكرية للمعتدي للحد من تأثير هجومه . ومن الخطوات الهامة التي طبقت في بداية عملية درع الصحــراء توحيد الإجــراءات ، حيث تم تحديث وتوحيد قوانين الاشتباك المعمول بها من قبل القوات المتعاونة ، كما تم توحيد جميع مفاهيم القيادة والسيطرة المتمثلة بمركزية القيادة والسيطرة لا مركزية التنفيذ ، وتقسيم المهام العسكرية والواجبات ، علاوة على التدريبات العسكرية اليومية وأدرجت جميع هذه المهام في أمر عمليات يومي موحد يضم جميع النشاطات العسكرية لجميع الدول المتعاونة يصدر عن مركز عمليات الدفاع الوطني للمملكة العربية السعودية
ب) معركة تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) :
المهمة . تهجم القوات المسلحة السعودية والقوات الشقيقة والصديقة لطرد القوات المعتدية من الكويت ، وتستعد لتأمين الكويت والدفاع عنها
مراحل عملية تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) . بدأت طائرات القوات الجوية الملكية السعودية بالمشاركة مع القوات الصديقة بالهجوم في حرب تحرير الكويت منذ فجر يوم الخميس الموافق 17يناير 1991م في تمام الساعة الثالثة وخمس دقائق ، أي بعد خمس دقائق من ساعة الصفر ، وقد استهدفت طائرات القوات الجوية الملكية السعودية في هجماتها قواعد جوية معتدية وفقاً لخطة العمليــات المشتركة (عاصفة الصحراء) والتي تشتمل مراحلها على التالي:
oالمرحلة الأولى (الحملة الجوية الإستراتيجية) . وتهدف إلى تدمير مراكز القيادة والسيطرة ومحطات الاتصالات ، ووسائل الإنذار المبكر ، والقواعد الجوية ، وأسلحة الدمار الشامل (النووية والكيماوية والبايولوجية) ، ومخازن ومصانع ومنصات صواريخ سكود وقد استمرت لمدة ثلاثــة أيام oالمرحلة الثانية (التفوق الجوي على مسرح العمليات بالكويت) . وتهدف هذه المرحلة مواصلة أهداف المرحلة الأولى بالإضافة إلى تدمير مخازن الذخيرة ، ووحدات الحرس الجمهوري ، ومخازن الوقود . بعد (10) أيام من بدء الحرب تم إعلان السيطرة الجوية على مسارح العمليات بالكويت ، ويعني ذلك إتمام المرحلة الثانية
oالمرحلة الثالثـة (تحضيـر ميـدان المعركة) . بعد تحقيق أهداف الحملة الجوية الإستراتيجية تم التحول تدريجياً والتركيز بجميع الإمكانات ضد القوات البرية المعتدية لغرض تقليص حجمها إلى أقل من(50%) قبل بدء المرحلة الرابعة . في هذه المرحلة تم تصعيد نسبة تدمير الدبابات والمدرعات والمدفعية ولمدة ثلاثة أسابيع متتالية علاوة على متابعة ضرب الأهداف السابقة في المرحلتين الأولى والثانية ، كما تم تدمير جزء كبير من راجمات صواريخ أرض/أرض وصواريخ سكود والأسلحة الكيمياوية وطرق الإمداد ووحدات الإسناد العسكري
oالمرحلة الرابعة (الحرب البرية) . بدأت هذه المرحلة بعد مرور (39) يوماً من بداية الحرب ولم تقف الحملة الجوية عند هذا الحد بل استقطعت جزءاً كبيراً من قوتها الجوية لمساندة القوات البرية وتقليل الخسائر البشرية تمثلت بطلعات إسناد جوي قريب بصورة مكثفة ضد القوة البرية المعادية في الخطوط الأمامية ، علاوة على مواصلة ضرب الجسور ومراكز الاتصالات ومخابىء القيادة والسيطرة . وبعد مرور (100) ساعة من القتال الأرضي تم تلقي الأوامر بوقف إطلاق النار
الهجوم البري
oمحور قوات المنطقة الشرقية . تهجم قوات المنطقة الشرقية من الشرق لاختراق الدفاعات المعادية ، وحماية الجناح الأيمن لمشاة البحرية الأمريكية بتدمير القوات المعتدية، وتأمين الأهــداف الحيويــة في منطقتها المخصصة ، وعند الأمر تؤمن قوات المنطقة الشرقية مدينة الكويت .
oمحور قوات مشاة البحرية . تهجم وتخترق الدفاعات المعادية ، وتدمر القوات المعتدية في منطقتها المخصصة وتؤمن الأهداف الحيوية لمنع وصول تعزيزات للقوات المعتدية التي تواجه المنطقة الشمالية ، وتحتل مواقع لمنع انسحاب القوات المعتدية من جنـوب مدينــة الكويت .
oمحور قوات المنطقة الشمالية . تهجم وتخترق الدفاعات المعادية ، وتحمي جانب الفيلق السابع حتى الأبرق شمالاً ، عند الأمر تستمر في الهجوم لسد طرق المواصلات شمال مدينة الكويت ، وعند الأمر تستعد للمساعدة في تأمين وتطهير مدينـة الكويت .
العمليات البحرية السعودية في معركة تحرير الكويت (عاصفة الصحراء(
oوفي بداية الهجوم الجوي في 17/1/1991م أصبح عدد القطع البحرية في مسرح العمليات البحـــري (216) قطعة بحرية منهـــا (28) قطعة بحرية سعودية ، البقية (188) قطعة بحريةلـ (14) دولة متعددة الجنسيات . الملحق (هـ) يوضح الوحدات البحرية السعودية المشاركة في حرب تحرير الكويت .
oاستمرت القوات البحرية بالدوريات سواءً في القطع البحرية أو في الطائرات العمودية (دوفان – سوبر بوما
oفي صباح يوم الخميس 9/7/1411هـ الموافق 24 يناير 1991م قامت القوات البحرية الملكية السعودية في أول اشتباك بحري مع قوات المعتدي حيث تمكنت سفينة جلالة الملك (فيصل) من إغراق سفينة (هدف بحري) بواسطة صاروخ من نوع هاربون، بينما كان الهدف البحري المعتدي يقوم بزراعة الألغام قرب السواحل الكويتية
oقامت إحدى الطائرات العمودية للقوات البحرية الملكية السعودية بتدمير هدف آخر وذلك في 20 رجب 1411هـ الموافق 4 فبراير 1991م قرب مدينة الخفجي
oقامت كاسحـــات الألغام السعوديـــة (2) بدور بارز في عملية الكسح التي قامت بها القوات البحرية للدول المتحالفة في شمال الخليج العربي وهي (صفوي – الوديعة – القيصومة) ، وقامت بتطهير وتفجير كثير من الألغام التي زرعتها القوات العراقية
oكان لمشاة البحرية الملكية السعودية لها مشاركة فعالة في تطهير وتحرير مدينة الخفجي .
oالإستنتاج . بعد استعراض كامل لمبادرات المملكة العربية السعودية الدبلوماسية والسياسية لاحتواء أزمة احتلال العراق لدولة الكويت وبعد أن أعلنت العراق رفضها القاطع لقرارات الأمم المتحدة بالانسحاب من الكويت ولتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي وضعتها حكومة المملكة العربية السعودية وهي انسحاب العراق من أراضي دولة الكويت ، وعودة الشعب والحكومة الكويتية الشرعيـة إلى الكويت ، وحين فشلت جميع المبادرات السلمية بأنواعها وأشكالها المختلفة لجأت المملكة العربية السعودية تناصرها الدول الصديقة والشقيقة إلى الحل العسكري ، وهنا كان الدور البطولي للقوات المسلحة السعودية والقوات الشقيقة والصديقة في تحرير الكويت . وكان دور القوات المسلحة السعودية كالتالي :
في عملية (عاصفة الصحراء) كانت القوات البرية السعودية في أخطر محاور عملية (عاصفة الصحراء) ، فقوات المنطقة الشرقية كانت مواجهة لأكثف الوحدات المعتدية ، كما أن قوات المنطقة الشمالية كانت مواجهة لأفضل الوحدات المعتدية (الحرس الجمهوري(
بعد تحرير دولة الكويت ساهمت القوات المسلحة السعودية بإعادة الخدمات المدنية لدولة الكويت ، كمحطات الكهرباء والماء وساهمت أيضاً في إزالة الألغام من الطرق والمناطق الهامة .
كانت القوات المسلحة السعوديـــة المشاركة في حرب تحريـــر الكويت ثاني أكبر دولة مــن حيث عــــدد المقاتلين بعد الولايــــات المتحــــدة الأمريكية ، وكان عدد الشهداء من القوات المسلحة السعودية أكبر عــدد من بين الــدول المشاركة حيث استشهـد في حـرب تحريــر الكويت عدد (28) شهيــداً ، وجـرح (175) جريحاً ، أما المفقدون فكان عددهم (10)
دور الملك فهد في تحرير الكويت :
الملك فهد له الكثير من الادوار في تلك الحرب ..
1. السماح للقوات الامريكية باستخدام الاراضي السعودية
2. ارسال الجيش السعودي مع الدول المحررة للكويت
3. استقبال الشعب الكويتي وتوفير لهم المساكن والمصروف على كفالة الحكومة السعودية وكذلك الكويتية
4. عقد جلسات في الجامعة العربية لمناقشة ما يحدث في الكويت
المراجـع
المراجع العربية.
1. إبراهيم، حسنين توفيق. "النظام الدولي الجديد في الفكر العربي." عالم الفكر. (العددان 3-4 مارس/ابريل 1995).
2. أبو خزام، إبراهيم. الحرب وتوازن القوى: دراسة شاملة لنظرية توازن القوى وعلاقتها الجدلية بالحرب والسلم. (الأهلية للنشر، الأردن: عمان، 1999).
3. عبد المجيد، وحيد. "مستقبل النظام الإقليمي العربي بعد الغزو." السياسة الدولية (العدد 102 أكتوبر 1990)
4. محمد المشاط. كنت سفيراً للعراق في واشنطن: حكايتي مع صدام في غزو الكويت.المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. ٢٠٠٨
5. مقلد، إسماعيل صبري. العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات (الكويت: جامعة الكويت، 1971)
6. نافعة، حسن. الأمم المتحدة وأزمة الخليج: دراسة حالة في نظام الأمن الجماعي، في احمد الرشيدي (محرر)، الانعكاسات الدولية والإقليمية لأزمة الخليج (القاهرة: مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية، 1990
المراجع الأجنبية.
1_ Gilpin, Robert. War & Change in World Politics. Ccambridge University Press, 1981).
2- Holsti, Ole R. (ed.) Change in the International Sustem. (Boulder, Colorado: Westview Press, 1980
3- Morgenthou, Hans J. Politics Among Nations: The Struggle for Power and Peace. (New York: Alfred A. Knopf, 1978)