منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#62733
الحديث عن «النظرة القرآنية للمجتمع والاقتصاد» موضوع عملي أكثر مما هو موضوع نظري، سيما إذا ما عرفنا ان الاقتصاد من العوامل المهمة والمؤثرة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والمادي. وان الجوانب العامة التي اشار اليها القرآن الكريم تعدّ منطلقاً اساسياً ومذهبا واضحاً في بيان:
الاقتصاد الاسلامي وبنية المجتمع الاسلامي الاقتصادية
علماً بأنّ القرآن الكريم ليس كتاباً علمياً يبحث في الاقتصاد. وبقدر ما هو منهج واضح يبين فيه الله تعالى لعبده صور التحرك في هذه الحياة من اجل تعميرها ومن اجل خلافته «جلّت قدرته» خلافة حقيقية كما يريدها هو سبحانه... ولذا جاءت العديد من الآيات المباركة وبمختلف الاغراض والاهداف الاقتصادية لتحقيق ركن اساس من اجل استقرار المجتمع.
ان الدراسات والبحوث والمفاهم والاطروحات التي طرحت في هذا المجال ـ وان كانت والحق يقال ذات قيمة علمية جيدة وذات جهود مشكورة، لكنها تبقى في دائرة النظرية وعدم الكمال، وذلك:
1ـ لأنها جهود فردية.
2ـ لأنها لم تدخل الواقع العملي.
3ـ لم تُحدّد وفق برنامج واقعي ومحدد مسبق.
4ـ تعوزها التجربة العملية والخبرة.
5ـ غير متكاملة الطرح ويشوبها التكرار.
وبالرغم من مجموعة العناوين التي كتبت في هذا المجال الا انها لا تزال لم تف الغرض بل ولا تزال تعيش في دائرة «الحلم» في تطبيق اقتصاد اسلامي.. يمكن ان ينعم بظله المسلمون وغيرهم ويُنقذوا من بؤسهم ويشعروا بلذة الإسلام دون الشعارات.
إن الصعوبات الكثيرة، والمشاكل المتعددة، وإن كانت عاملاً من عوامل التعكير إلاّ أن لا يجب أن تكون عائقاً منيعاً أمام حركة الإسلام الصاعد، وأن قيام لجنة أقتصادية، وأخرى سياسية وأخرى كذا توزع فيها الأقسام الخاصة لفروع الاقتصاد على شكل لجان ثابتة، ومتوفرة فيها الشروط المطلوبة، ليشرع فعلاً بـصياغة مواد قانون الاقتصاد الاسلامي ومراجعته وتثبيته بشكله المفيد.
إن القرآن الكريم الذي نزل على رسولنا الكريم محمد(ص)، لينذر به الناس ويبشرهم بما فيه من فوائد ومصالح ـ إن التزم نهجه وخطه ـ مستعيناً بسنة نبي الهدى، وملتزماً بخط عترة النبي المصطفى(ص) الذين جاءوا لينقذوا الاُمّة من تيه الضلال، وهوى النفس في التأويل، لكونهم الفصل والمرجع الذي يفرق فيه بين الحق والباطل. «فلولاك يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي».. نعم طرح القرآن مجموعة من الآيات الشريفة الدالة على عناصر الاقتصاد الاسلامي كأسس وبنيات أساسية وأخلاقية خاصة، إذا ما عرفنا أ  الاقتصاد والمال في نظر الإسلام لها بالغ الأهمية لأن الاقتصاد من عناصر تحقيق الخلافة الربانية في الأرض، كما أشرنا قبل قليل عند توفر العدالة في ذلك، يربط الإقتصاد في النواحي الأخرى، باعتبار الإسلام وحدة واحدة لا تنفك أجزاؤه عن بعضها البعض.
لهذا وقبل أن نتحدث عن موضوع بحثنا لابد من أن نبين الأسس التي إعتمدها التوجه الإقتصادي في القرآن الكريم، والتي يعتمدها البحث، وتتلخص في المبادىء التالية:
أوّلاً ـ مبدأ الملكية المطلقة لله تعالى: ونقصد به أن كل ما في الكون هو ملك لله تعالى.. أي أنه هو المالك الحقيقي، وأن ملكية الإنسان هي ملكية إعتبارية تتحدد وفق أسلوب ومفاهيم معينة. قال تعالى: «ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض» وقوله سبحانه: «ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير»، وفي آية أخرى: «ولله ملك السموات والارض وما بينهما وإليه المصير» و«إن الله له ملك السموات والأرض يُحي ويميت وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير» و«ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير» وآية أخرى «تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير» وقوله جلت قدرته «ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون» وقوله تعالى «ولله ميراث السموات والأرض» وكذلك قوله سبحانه «فأبتغوا عند الله الرزق وأعبدوا وأشكروا له» وغيرها عشرات الآيات الكريمة التي تؤكد وبشكل واضح أن «الملكية الحقيقية» المطلقة لله جلت قدرته ولا أحد معه منازع كما في قوله تعالى «الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك» أما ملكية الإنسان فهي ملكية إعتبارية فوضها الله سبحانه له لتحقيق عملية الإستخلاف لذا قال تعالى «آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه» وقوله «هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره» وقوله «وآتوهم من مال الله الذي آتاكم» وآيات عديدة أخرى تشير إلى هذه الحقيقة.
ثانياً ـ مبدأ الملكية المتعددة، وهو أن الملكية في الإسلام وكما أوضح القرآن الكريم في آيات مختلفة ومتعددة وكذلك السنّة المطهّرة أن للملكية عدّة أشكال:
منها ما كان ملكية عامة وهي الملكية التي تملكها الأمة جميعاً لما ورد فيها من حق عام كالأرض الخراجية «وهي الارض العامرة المفتوحة بالجهاد».
ومنها ما كان ملكية للدولة كملكية المعادن والأنفال «يسألونك عن الأنفال. قل الأنفال لله والرسول فأتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين» وهذا بسبب المنصب الإلهي، ومنها الملكية الخاصة كتوزيع الفيء (الغنيمة) وهناك المباحات وأمثالها.
ثالثاً ـ مبدأ الحرية الاقتصادية: وهذا يعني كما في القرآن الكريم مجال الحرية واسع ضمن الخط العام للرسالة الشريفة، فإن هذه الحرية متوفرة في الجانب الإقتصادي وفق الأخلاق الإسلامية وضمن الترابط المتصل بين أجزاء هذا النظام... إلاّ أنه يجدر القول أن الحرية الإقتصادية الممنوحة للمجتمع أفراداً ومؤسسات لم تكن الدولة محرومة منها، بل لديها حق التدخل في النشاط الإقتصادي وكذلك لها حق الاشراف العام حينما تتعدى حرية الأفراد الإقتصادي السلوك الإنساني المطلوب.
رابعاً ـ مبدأ العدالة في التوزيع: وهذا ما ينسجم تماماً مع أخلاقية النظام الاسلامي ككل، فلا أكتناز للثروات وأبطال عملها وجعلها مشلولة الحركة، ولا أستيلاء على الاراضي وأسترقاق الآخرين فيها أو أحتكارها وتعطيلها، فالأرض والبئر لمن أحياها... ولهذا المبدأ أهمية بالغة وسوف نحاول التعرض له في المستقبل.
خامساً ـ مبدأ كون الاقتصاد في المفهوم القرآني وسيلة وليست غاية أو هدف.... إنما هو طريق ووسيلة لتمكين الإنسان من تحقيق مبدأ الخلافة الربانية على الأرض.. حيث ان الإسلام لا يجيز للمسلم أن يعمل فقط على تجميع الثروات دون توظيفها في مكانها المناسب أو إنفاقها بالصالح العام..... ولذا فقد حرم الله تعالى كل عمل غير إنساني ومنع الكتسب منه.... والمعروف أن كل عمل غير إنساني هو عمل ضار لا فائدة فيه.
سادساً ـ مبدأ التفاؤل: وهو المبدأ الذي لا يجعل الإنسان مشدود القلب لعناصر المادة، دون التوكل على الله والايمان بالجانب الغيبي، ولذا ورد في جواب الامام لأحد السائلين، من هم المتوكلون على الله؟ قال: الفلاحون، الذين يبذرون البذور ويودعوها الأرض ويذهبون، فينبتها الله تعالى، وأن الإنسان المسلم وفق التصور القرآني لا يوافق المادية التي تثير مسألة فناء العالم ممكن أن يكون بسبب المجاعة التي تنشا عن عدم كفاية الانتاج نسبة للنمو السكاني المتواصل ومحدودية الانتاج.. ومن هؤلاء العالم «مالتوس» الذي يذكر ذلك، وهو ناتج عن تأثره وغيره بالواقع المادي المحض.... في حين أكد الخالق العظيم جلت وعظمت قدرته على عكس هذا التصور وخلاف هذا المعنى في الكثير من الآيات كقوله«وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين» وقوله تعالى «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها».
سابعاً ـ مبدأ الاستقامة: ويعني أن الله تعالى ـ وهو الذي لا تخفى عليه خافية، يراقب الإنسان وأعماله، فإذا ما تلكأ، في تصوره الايماني القائم على ان المؤمن لابد أن لا يأخذه الغرور، وأنه يجب أن لا ينسى من حقق له هذه الخيرات، ولا يستكبر فإذا ما تمادى وطغى فإن الله سبحانه يحبس رزقه، بل وينزل عليه البلاء، كما تشير القصص القرآنية الرائعة في قصص الأولين، وهي عبرّ رائعة، ونجد القرآن الكريم يذكر فيقول سبحانه وتعالى «ولو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا» وقوله في آية أخرى «ولو أن اهل القرى آمنوا وأتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون» وكذلك قوله سبحانه لأهل الكتاب «ولو أنهم أقاموا التوراة والأنجيل وما أنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم» وقوله تعالى «يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيّباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان أنه لكم عدوّ مبين» وقوله سبحانه «كلوا من طيّبات ما رزقناهم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى»، وآيات كثيرة في هذا الصدد.
ثامناً ـ مبدأ العمل وحق جميع أفراد المجتمع فيه: إذ أكد القرآن الكريم على العمل وفق نظامه في العمل الصالح وأرجع الثروة والملكية والحصول عليها إلى العمل، فالعمل في نظر القرآن أساس الثروة والملكية الرئيس.
قال سبحانه «فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه» «وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» بل إن الله تعالى جعل العمل من أشرف الموضوعات في هذا الجانب، ثم جعل العمل حق لكل أنسان وعلى الدولة أن تهيىء العمل لكل من يستطيع عليه.
السياسة الإقتصادية في الآيات القرآنية
قبل الدخول في البحث من الضروري معرفة كلمة «السياسة»، والمقصود بها «الإدارة» أو «تدبير الأمر» وورد أيضاً «ساس الرعية إذا ولي حكمها وقام فيها بالأمر والنهي، وتصرف في شؤونها بما يصلحها».
وقال الدكتور أحمد الحصري، السياسة الشرعية: هي الأحكام التي تنظم بها مرافق الدولة وتدبر بها شئون الاُمّة بشرط أن تكون متفقة مع روح الشريعة، ونازلة على أصولها الكلية ومحققة لأغراضها الاجتماعية ومهما يكن أو يقال من تعاريف فالسياسة الإقتصادية التي نقصدها: «هي تدبير الأمور الاقتصادية وفق منهج محدّد».
والسياسة الإقتصادية في القرآن الكريم.... هي المنهجة العامة أو التوجيه العام للجانب الإقتصادي وفق ما يريده القرآن الكريم.
وفي هذا المجال نتحدث عن:
(1) رعاية القرآن للمجتمع.
(2) عوامل الإنتاج كما أشار اليها القرآن الكريم.
(3) التكامل الإقتصادي في الإسلام ضرورة لسلامة المجتمع وأستقراره.
(4) الجانب المالي والسياسة المالية في القرآن الكريم.
(5) الضمان الإجتماعي في القرآن.
(6) عملية الانفاق العام وعلاقتها بالتكامل الإجتماعي والضمان.
(7) ميزات السياسة الإقتصادية.
أوّلاً ـ رعاية القرآن للمجتمع
الإسلام كدين وشريعة مستقلة لها طرقها وأساليبها وقواعدها لا يمكن إيراد ماليس فيها أو إستعانته بغيره... ولأنها الشريعة الخاتمة والخالدة، حتى يبعث الله الناس، فقد جاء القرآن ليضم ما يجب أن يهتدي به الإنسان المسلم، ويبين ما يمكن للمسلم أن يعتمد عليه في أصداره الحكم. فقال «ونزّلنا عليك القرآن تبياناً لكل شيء».
أي أن القرآن لكونه نازلاً من المحيط العليم فقد عمل على توجيه المؤمنين به إلى الاُمور المهمة من شؤونهم.... وأن هذا الدين جاء لسعادة المجتمع سعادة حقيقية، قدّرها العليم الخبير، وإبعاده عن ومواقع الفساد والدمار، لذا فإن هذا الدين عمد إلى
رعاية الدين الحنيف للأنسان في سلوكه الشخصي وسلوكه مع الآخرين، بكل أبعاد هذا السلوك إبتداءً من إهتمام القرآن الكريم بالعقل وما يثبت وظيفته، ويحافظ عليه من الإخلال فيه إلى ما يجنبه الشذوذ والانحراف، وفي ذلك العديد من الموارد والنصوص وكيف لا وهو العالم بكل جنبات النفس الإنسانيّة وقال عزّ من قائل «وقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس له نفسه...».
رعاية الإسلام لعلاقات الإنسان في المجتمع وأهتمامه بما يحقق المصالح العامة من مختلف الأحكام المباحة وغيرها، ودواعي العمل بمكارم الأخلاق والآداب، وصدق المعاملة وما إلى ذلك.
رعاية الإسلام لأمن الإنسان  وفي هذا المجال تعددت المقاصد الأمنية هذه:
- فمرّة رعاية الأمن الجسماني، بتشريعه للقوانين الجنائية وتحديده العقوبات وما يحتاجه هذا المورد.
- ومرّة ثانية برعاية الأمن النفسي وتحقيق ما يناسب النفس الإنسانيّة وجل من قائل «قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق».
- ومرّة أخرى رعاية الإسلام للأمن الإقتصادي باعتبار الإقتصاد ركن أساس لتحقيق الرخاء والرفاه والأمن الغذائي، بتوفير حاجة الإنسان لغذائه من دون قلق وذل، وهو الأمر الذي يعيد للإنسان جزءاً من صفوه.
لقد أهتمّ القرآن الكريم إهتماماً بالغاً بالجانب الاقتصادي وبين أثره في المجتمع، فحث على العمل، فقال تعالى «وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».
كما أهتم بمسائل الانفاق وذكر في ذلك العديد من الآيات، فقال تعالى «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما» وقال سبحانه في مورد آخر: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً».
ثانياً ـ عوامل الانتاج كما أشار اليها القرآن الكريم
لقد أسلفنا مدى الاهتمام الذي أولاه القرآن الكريم على الجانب الاقتصادي، وهذا واضح من الآيات القرآنية الشريفة المتناثرة في الكتاب، والتي جاءت لتؤكد تأكيداً حيّاً ومباشراً على الانتاج الذي يعتبر العمود الفقري في السياسة الاقتصادية، والاهتمام به هو الاهتمام بالاقتصاد والعمل على نجاحه....
وإذا كانت المبادىء الوضعية قد أشارت لعوامل الانتاج فإن القرآن الكريم أكد على خطوطه العامة في سياسته الاقتصادية وبصورة جميلة ورائعة تبعث الجد والعمل والأمل في النفس الإنسانيّة  طاردة منها عنصر البؤس والكسل والخمول، وموجهة لها نحو التقدم والتطور والابداع، ولعل التأريخ العام لرسالتنا السمحاء وعلى الرغم من كل الانحرافات والابتعاد عن الخط الأصيل والصحيح يعطينا صورة مشرقة لنتائج هذه السياسة.
وعوامل الانتاج التي أشار اليها القرآن الكريم هي كالآتي:
1 ـ الطبيعة: وتشمل الأرض وما فيها مما ينفع الناس، وقد أكد القرآن الكريم بشكل منقطع النظير حول هذه المسألة لدرجة تشويق الانسان لهذا العامل المهم في عملية الانتاج، وما في الطبيعة من نعم ومالها من أهمية بالغة سخرها الله تعالى للانسان ففي آية مباركة يقول الباري عزّ وجلّ «قل انظروا ماذا في السموات والأرض» وفي آية أخرى «وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً» وفي هاتين الآيتين دلالات كثيرة.
فالعالم في الفلسفة والكلام يستخرج منها ضالته وما يريد في موضوعه من معرفة الخالق من مخلوقاته، والاقتصادي يفتش عمّا في السماوات والأرض من كنوز.
ثم يقول عز من قائل في آية أخرى «الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج من الثمرات رزقاًلكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الأنسان لظلوم كفّار» حيث أن القرآن سبق الأنظمة الاقتصادية الأخرى في تبين العنصر الرئيس والأول للانتاج والسابق له، بل ولم يقتصر الإسلام على الأرض لوحدها بأعتبارها العنصر الأول للانتاج، بل أكد على الأرض بأعتبارها الحقيقة التي لابد منها لعملية الانتاج  Productian Operation وأضاف اليها العناصر الأخرى كالمياه التي هي عنصر الحياة وما احتوته من ثروات عظيمة وكثيرة، كذلك عناصر الطاقة كالشمس والقمر وما أحتوته من معادن.... وكذا ما حوت السماوات من أمور وأشياء أخرى.... الخ.
والحديث في هذا المجال طويل جداً ينبغي الوقوف عنده لدى المقنن الاسلامي، يقول تعالى: «والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور».
وفي آية أخرى: «الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله».
وفي آية آخرى: «سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون».
وقوله جلت قدرته: «هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شراب ومنه شجر فيه تُسيمون. يُنبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لأية لقوم يتفكّرون».
وقوله: «وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون».
وفي الآية يقول سبحانه «إن في خلق السموات والأرض وأختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب والمسخّر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون».
كذلك الآية: «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يُخرج زرعاً مختلفاً ألوانّه ثم يهيج فتراه مُصفراً ثم يجعله حطاماً إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب».
وقوله سبحانه: «وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون. وهو الذي أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً نُخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون».
وقوله تعالى: «وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانّه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون».
وكذلك قوله سبحانه: «أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم».
وغير ذلك من الآيات كثيرة في هذا المضمون، بل نرى المولى جل شأنه يؤكد في آيات أخرى حول «التوازن» والتقدير..
فيقول عزّ من قائل: «وكل شيء عنده بمقدار» «إنّا كل شيء خلقناه بقدر» «فقدرنا فنعم القادرون» «وإن شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله إلاّ بقدر معلوم» «قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى» كل ذلك وغيره آخر يعطينا الدقة في النظام والادارة وأن الأعمال لابد أن تكون وفق المجرى العام... ولذلك يأتي القرآن الكريم فينبه الإنسان الذي سخر له كل شيء بقوله: «إنّك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه» إذ على الإنسان أن يعرف مسار حياته، وإتجاهها، فإذا ماسار نحو الكمال تعهد المولى جل شأنه هديه.
إن القرآن الكريم في سياسة هذه في مجال الاقتصاد أبرز العنصر الرئيس في مجال الانتاج... والذي يبدأ من الارض وزراعتها وأستغلالها، وأستثمارها... ولعل الأمن الغذائي الآن في العالم يشكل أكبر مشكلة إقتصادية، لا يزال العالم يئن من ثقلها، وما أنفكت أخبار العالم اليومية عن ذكر ضحايا المجاعة.
إن الطبيعة التي خلقت مسخرة للأنسان لازال لا يعرف كيف يستثمرها بالشكل العادل.... والموضوعات المتعلقة بالأرض عميقة وواسعة في كتب الفقه والقانون وبشكل مسهب.
2 ـ العمل: وهو العامل الثاني الذي أكد عليه القرآن الكريم بشكل واسع وكبير بأعتباره الأساس المهم للملكية وتحققها، إذ أن الملكية في الإسلام تحدد من خلال العمل المصروف عليها وهو بطبيعة الحال العمل المؤدي إلى المنفعة «ويعتبر مصدر الحقوق الخاصة» ويقصد بالعمل... هو العمل المشروع الناتج عن تقديم الجهد المشروع وليس جهد القوة كما يقوم به الغرب من أرهاب وأستيلاء بالقوة على البلدان وإستلاب خيراتها، ولا العامدين على الاستيلاء على الأراضي بالقوة، كما يفعل الإقطاع والملاّك، فلذا أطلق الإسلام على العمل ذي الجهد المشروع بالعمل الاقتصادي وأعتبره مصدراً طبيعياً للتملك كإحياء الأرض الميتة والعمل في المصنع أو تربية المواشي أو.... الخ.
لا غرابة من ذكر كلمة العمل حوالي(350) مرة للأهمية البالغة، حيث العمل الوسيلة الحقيقية لإيجاد الثروة وقد جاء في المأثور تأكيداً على أهمية العمل «ما أكل أحد طعاماً قط خير من يأكل من عمل يده» وقول الرسول الاعظم(ص) «إذا قامت القيامة على أحدكم وفي يده فسيلة فليغرسها».
وقد نهى الإسلام بغلظة عن البطالة وتروى قصة ان الرسول واجه فقير يسأل فقال له أما لك مال؟ فقال: لا فأعاد عليه السؤال مؤكداً فقال عندي حلس (أي بساط) نجلس على بعضه ونتغطى ببعضه وقدح نشرب به فقال إتيني بهما نعرضها على من كان عنده قائلاً من يشتري مني هذين، إلى أن باعهما بدرهمين فأعطاه أياهما وقال أشتر بأحدهما طعاماً لعيالك وأشتر بالآخر فأساً وأمره بأن يعود إليه فعاد إليه فوضع له خشبة في الفأس، وقال إذهب وأحتطب ولا أرينك خمسة عشر يوماً فذهب ثم عاد إليه بعد خمسة عشر يوماً ومعه عشرة دراهم فقال: يا رسول الله بارك الله لي فيما أمرتني به، فقال هذا الأخير أن تأتي يوم القيامة وفي وجهك نكتة المسألة ولذلك فالعمل حسب ما جاء من نصوص مؤكدة ومشددة فيه يدخل من باب الواجب، وأن السؤال لا يجوز لمن يقدر على العمل، فهو معال، أما هو يعيل نفسه أو الدولة.
قال تعالى: «فإذا قضيت الصلاة فأنتشروا في الأرض وأبتغوا من فضل الله وأذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون» وفي هذا المجال:
1 ـ يؤكد القرآن الكريم على العمل الحلال. فيقول تعالى «وقال أجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم».
وفي آية أخرى: «يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين».
وفي آية أخرى: «يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم».
2 ـ اختيار العمل وأن الإنسان ليس مجبوراً على عمل معين بل حسب رغبته وهو ما يتناسب مع قدرة الإنسان الجسيمة والعقلية لذا يقول تعالى: «ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً»، فخلقهم متباينين ومتفاوتين كي يخدم بعضهم بعضاً.
3 ـ بعض الأعمال التي تكون ضرورية للمجتمع تجب على المسلمين وجوباً كفائياً، ويعمل ولي الأمر على البت في ذلك.
4 ـ بناء على عدالة الإسلام فإن الأمور تحدد وفق الكفاءات والقابليات والأسراع في أعطاء الأجر.
5 ـ يعمل الإسلام على التوفيق في الأعمال وتوضيفها بما يناسب الرجال والصبيان والنساء، كل على قدره.
6 ـ للعمل في الإسلام قوانين خاصة تنظم علاقاته القانونية.
7 ـ يشمل قانون العمل وجود المشرفين على الاعمال لتحقيق العدالة وهو ما كان سائداً بنظام يسمّى «نظام الحسبة».
8 ـ من المفاهيم المتعلقة بالعمل في الإسلام أنه لا يقتصر الآجر على الأجر المادي فحسب، بل له أجر معنوي آخر في يوم الآخرة «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها».
لذا نجد ان الله تعالى ذكر في كتابه الكريم الكثير عما ورد أعلاه في خصوصيات العمل فقال عز من قائل: «الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً. إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون».
وقال تعالى: «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور».
وقال تعالى: «والله جعل لكم الأرض بساطاً. لتسلكوا منها سبلاً فجاجا».
قوله تعالى: «وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله....».
وقوله سبحانه «ألم نجعل الأرض مهاداً. والجبال أوتادا. وخلقناكم أزواجا. وجعلنا نومكم سباتا. وجعلنا الليل لباسا. وجعلنا النهار معاشا».
وقوله سبحانه: «لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف».
وقوله سبحانه: «ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون».
وقوله سبحانه: «والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون. وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين».
وقال تعالى: «واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فأذكروا ألاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين».
وقوله تعالى: «وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سُبلا لعلّهم يهتدون».
وقال تعالى: «أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوةً وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون».
وهناك آيات كثيرة ونصوص وردت عن الرسول الأعظم(ص) وأهل بيته الأطهار المعصومين الأبرار(ع) ومن مصادرها الموثوقة في خصوص العمل وشرفه في الإسلام ولكثرتها أقتصرنا على ما ذكر منها من القرآن الكريم.
3 ـ رأس المال: وهو العامل الثالث من عوامل الانتاج كما يصطلح عليه في الاقتصاد الحديث وعبر عنه الإسلام بالثروة.
والثروة كما اشار اليها القرآن الكريم بنقاط مختلفة نراه يؤكد على:
أ ـ الثروة والمجتمع: فالثروة هي رأس مال الأمم وهي رأس مال الفرد أيضاً وقد أهتم القرآن الكريم في هذا الجانب حتى ورد عن الامام الصادق(ع) قوله: «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكف به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه».
فالثروة من الأهداف المهمة، وكما يعبر عنها أحد الفقهاء العظام أنّها «هدف طريق لا هدف غاية»، وهي وسيلة يؤدي بها الإنسان المسلم دور الخلافة الربانية ويستخدمها في سبيل تنمية الطاقات البشرية والتسامي بأنسانية الإنسان في مجالاتها المعنوية والمادية.
فهي «الثروة» نعم العون على الآخرة إذا كانت مرشدة غير لاهية عن ذكر الله سبحانه حيث يقول «يا ايها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون».
ويقول الشهيد الصدر(رض): «فالإسلام يريد من الإنسان المسلم أن ينمي الثروة ليسيطر عليها وينتفع بها في تنمية وجوده ككل لا تسيطر عليه الثروة وتستلم منه زمام القيادة وتمحو من أحكامه الأهداف الكبرى».
فإذا ما أصبحت الثروة هي المسيطر فسيفقد الإنسان رسالته في الوجود وسينطبق عليه قول الله تعالى «ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر».
وقوله: «قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وأخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال أقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله يهدي القوم الفاسقين».
ويقول تعالى: «ويل لكل هُمزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده كلاّ ليُنبذن في الحطمة»، وآيات كثيرة أخرى.
وعلى هذا الأساس فإن الثروة تشمل كل ما يمكن الانتفاع به ويشبع حاجة أنسانية، وأن أمتلاكها أي الثروة يتحقق بصرف العمل عليها... لذا نلاحظ كثيراً من الآيات ترد في سياق هذا المعنى السالف الذكر.
قال تعالى: «ويل للمطففين. الذين إذا أكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون».
وقوله تعالى يخاطب المؤمنين: «يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم».