صفحة 1 من 1

اتخاذ القرار في إيران

مرسل: الأحد مايو 05, 2013 9:26 pm
بواسطة مشاري بن سعود
مقدمة
يعتبر عالمنا الاسلامى بؤرة اهتمام دول العالم باسره من الشرق للغرب،وما يحدث فيه يؤثر على مجريات الامور فى هذا العالم الذى اصبح قرية صغيرة بفضل العولمة وتلاشى الحدود بين الدول، وقد مر على عالمنا الاسلامى العديد من الانظمة ما بين مستبد وعادل وجاءت العديد من الثورات به لتعبر عن اتجاهات مختلفة من الافكار لتثور ضد حكام ظالمين فاسدين او ضد مستعمر نهب ثروات البلاد وتفشى فيها كالوباء وتعتبر الثورة الاسلامية الايرانية مثالا لهذه الثورات.
جاءت الثورة الايرانية فى عام 1979 لتثور ضد حكم الشاه الفاسد، واضفت تلك الثورة طابعا اسلاميا ثوريا للدولة الايرانية الفارسية وقد اعطاها ذك الطابع خصوصية ملحوظة تؤثر على عملية صنع القرار الايرانى و، وهذه الخصوصية انما هى نابعة من خصوصية النظام الايرانى نفسه بتركيبته التى جاءت بها الثورة، هذا النظام الثيروقراطى الذى كون حكومة اسلامية (بعد ثورة على الحاكم) قد اقام نموذجا مؤسسيا فريدا يعكس فكرا ايديولجيا واسلاميا قائما على اساس مبدا ولاية الفقيه الذى وضعه الامام الخومينى والذى قاد تلك الورة وهو المنظر لها واحتل فكره محورا اساسيا بها .
ان نظام صنع القرار الايرانى يعبر عن وجود هيكل غير مركزى للقوة السياسية فليس هنالك هيمنة واضحة على عملية صنع القرار حيث ان انقسام هيكل القوة بين المرشد والرئيس كان عالا كبيرا لفتح المجال امام القوى والمؤسسات المختلفة لتبرز وتعطى دورا سواء كان ايجابيا او سلبيا فى تلك العملية ، وذلك كان له اثرا كبيرا على ان تأخذ السياسة الايرانية شكلا شبه ثابت ومستمر.
لذا كان علينا دراسة عملية صنع القرار الايرانى ومعرفة أهم القوى والمؤسسات السياسية فى النظام السياسى الايرانى وكيفية تاثيرها على تلك العملية ، وهذا ما سنتعرض له من خلال المبحث الأول الذى يتناول الاطار النظرى للنظام السياسى وعملية صنع القرار ، ثم يتناول الفصل الثانى عملية صنع القرار الإيرانى والبيئة المحيطة بتلك العملية ، كما يتناول الاطار الأيديولوجى والدستورى ، وأخيراَ الفصل الثالث وفيه نتناول أهم القوى والمؤسسات السياسية الموجودة على الساحة الايرانية ثم نعرض لكيفية تدخل تلك القوى فى التأثير على عملية صنع القرار السياسى .


صنع القرار في إيران
الاطار الأيديولوجى والدستورى لعملية صنع القرار:-
كانت الثورة الايرانية مثالاَ لثورات للثورات الكبرى التى غيرَت من مجريات الحياة فى كثير من دول العالم مثل الثورة البلشفية والثورة الصينية ، وقد كانللخومينى دور كبير فى قيادة تلك الثورة يختلف عن دور لينين فى الثورة البلشفية ودور ماوتسى تونغ فى الثورة الصينية ، حيث كان فكر الخومينى أحد الأسس التى قامت عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويظل ذلك الفكر مؤثراً فى النظام السياسى الايرانى رغم تعاقب الرؤساء واختلافهم ، وبالتالى فان هذة الأهمية تساعد على التعرف على خصائص الاطار الذى تدور فيه عملية صنع القرار فى ايران ، كما أن الدستور - الذى تم وضعه من قبل الخومينى فى 1979 – كان يمثل المحدد الثانى بعد الخومينى ذاته ( كشخصية كاريزمية ) فى تحديد علاقات السلطة وتحديد ملامح السياسة الخارجية وكيفية صنع القرار داخل الدولة ، كما أن الظروف التى وضع فيها الدستور وكذلك آلية وضعه والتصديق عليه وتغييره وآلية تغيره تعكس أبعاد صراع القوى السياسية فى ايران ، لذا سنتناول الاطار الايديولوجى المتمثل فى أفكار الخومينى والاطار القانونى المتمثل فى الدستور الايرانى .
أولاَ : الاطار الأيديولوجى :
أثار المحدد الثقافى العديد من الجدل حوله باعتباره مدخلاَ فى العملية الثورية ، وتعتبر الأيديولوجية هى العنصر الثقافى الأكثر مباشرة فى تأثيره على الثورة ( ) وفى الحالة الإيرانية فإن الأيديولوجية المؤسسة للثورة هى تلك التى كان فيها الترابط الوثيق بين الدين والسياسة والرفض التام لمقولة الفصل بينهما أو القول بأن الدين يمثل شيئا والسياسة شيئا منفصلا عنهوقد اتضح ذلك من خلال أفكار الامام الخومينى وسنتعرض لنشأته سريعاَ :
ولد الخومينى عام 1900 فى جنوب طهران من أسرة متدينة ودرس العلوم الفقهية ثم قام هو بتدريسها ، ومنذ عام 1962 واهتمام الامام ينصب على الصعود الى مستوى مرجع التقليد وهو أعلى مستوى فى المؤسسة الدينية ، وتفعيل دور المؤسسة الدينية وزيادة شعبيتها ، وقد كان الخومينى قبل هذا العام يسعى الى اصلاح النظام الحاكم والتوعية الفكرية ولكن بعد ذلك العام تحول إلى العمل السياسى ومحاولة تحريك حركة مقاومة شعبية ضد النظام الحاكم .
وقد أثر فى فكر الخومينى اثنان من كبار علماء الشيعة الايرانيين ، وكذلك الظروف السياسية التى اتخذها محمد رضا بهلوى ( شاه ايران ) فقد اتخذ خطوتين اعتبرتهما المؤسسة الدينية ماستين بالعقيدة الإسلامية وهما : قانون انتخابات البلدية الجديد الذى يسقط شرط الإسلام من شروط الترشيح لعضوية مجلس البلدية ، واحلال القسم بأى كتاب سماوى آخر على احترام الوظيفة محل القسم بالقرآن ، والثانى الاستفتاء على الثورة البيضاء وعناصرها والتى اعتبرها الخومينى مضادة للاسلام .
وعن تحليل فكر الامام الخومينى يجب التركيز على ثلاثة مفاهيم أساسيةوهى : فكرة الحكومة الإسلامية - ومبدأ الحياد - والأممية الدينية .
فهذة المفاهيم ارتبطت بقضايا أعم وأشمل ، ولكن كان دائماَ هناك تناقض بين ما تراه إيران مصلحة قومية لها والتزامها الأيديولوجى بخط الخومينى ، وبسبب التناقض القائم بين المفاهيم الثلاثة وبعضها البعض ، ابتعدت السياسة الايرانية سواء فى حياة الخومينى أو بعد وفاته عن التزام فكره على طول الخط .
1- فكرة الحكومة الإسلامية :
يعتبر الخومينى أن خير الحكومات هى الحكومة الإسلامية ، ويرى أن النظام الجمهورى هو أفضل البدائل التى ستوصلنا إلى المحتوى الاجتماعى للنظام السياسى ويحقق تقدم المجتمع( ) ، ولكن الحكومة الإسلامية عنده لاتشبه الأشكال الحكومية المعروفة فهى حكومة دستورية وليست مطلقة أو مستبدة ولكن ذلك له معنى خاصاَ عند الخومينى فالدستورية هنا تعنى التقيد بالأوامر الإلهية والسنة النبوية المطهرة وليست النصوص الوضعية ، وبالتالى فالاختلاف هنا فى أمران : الأول هو أن البرلمان هنا يحول شرع الله إلى قواعد وإجراءات وقوانين قابلة للتطبيق ولايشرع بنفسه ، فلا مشرع غير الله سبحانه وتعالى ، وبالتالى فالمشرع هنا هو الله وليس الشعب ، وبطبيعة الحال فتلك الحكومة لم تستطيع أن تقيد مجلس شوراها دائماَ بوظيفته المحددة له ومثال ذلك ما حدث خلال الأزمة الاقتصادية، أما الأمر الثانى فهو يتعلق بدور الفقهاء فى تلك الحكومة حيث أنهم يأتون على رأس تلك الحكومة الإسلامية ويتلخص ذلك فى فكر الخومينى فى نظرية ولاية الفقيه ومؤداها أن الحكام الحقيقيون هم الفقهاء والسلاطين هم مجرد عمال لهم أى أنها تتمدد من المجال الدينى إلى السياسى كما جعل للفقيه صلاحيات الانبياء فى الدور الذى يقومون به وميَز بينهم فى العصمة والخطأ وهو ما اتضح من خلال رؤيته لمبدأ ولاية الفقيه وأن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء يمتلكون خصاصئص ما أسماه " الولاية الاعتبارية " ، والتى تشمل جميع الاختصاصات التى شملتها الولاية التكوينية التى كفلها الشارع سبحانه وتعالى للمعصوم وآل بيته الأطهار( ) ، كما أن الخومينى برَر الولايتين الدينية والسياسية للفقيه بالعديد من الأسانيد الشرعية التى قدم لها تفسيراَ يعتم على اجتهادات الآحاد ، ولكن تطبيق هذا الفكر لم يكن سهلاَ نظراَ للاختلاف داخل الطبقة الشيعية ولكن أفكار الخومينى حكمت شكل النظام الايرانى كما حكمت ممارساته السياسية . ( )
2- فكرة الأممية الدينية :
انتقد الخومينى النعرات القومية التى تقسم العالم الاسلامى إلى ترك وأكراد وعرب وفرس . وأرجع إثارتها إلى تآمر القوى العظمى التى لاهمَ لها إلا بعث مشاعر العداء والكراهية بين المسلمين ، ولكن هذا النقد الحاد الذى وجهه لمفهوم القومية ، وتمييزه بينه وبين مفهوم الوطنية ، لم يتمتع بانبهار الشخصية القومية الايرانية ، وأهم من ذلك أنه لم يعصم بعض مؤسسات الدولة - خاصة فى السنوات المبكرة الثورة - عن التعبير عن شدة مشاعرها القومية .
وقد كانت من أهم أسباب حرب الخليج الأولى فكرة القومية ومدى معارضة الخومينى لها واعتبار العراق دولة داعية لتلك الفكرة ، وقد ميَز الامام بين الفكرة القومية المثيرة للعداوات بين المسلمين وحب الوطن المثير للحمية فى الدفاع عن الأرض .
أيضاَ كان ذلك مختلفاَ عند التطبيق على أرض الواقع ، ومثال ذلك أن الخومينى فى وصيته فرَق بين شعب ايران وشعب الحجاز ، كذلك ما فعلته قوات الحرس الثورى الايرانى فى الحرب مع العراق من تصرفات أظهرت أنها حرب قومية ، أيضاَ تحفظ ايران على نشأة مجلس دول التعاون الخليجى واقتصاره على ضم دول عربية فقط .
3- فكرة الحياد :
تبنى الخومينى فكرة الحياد من محتوى اسلامى عبر محددات شرعية هى عدم جواز الخضوع لغير الله سبحانه وتعالى أى لا لقوة من شرق أو غرب ، وتآمر القوى العظمى على الإسلام كدين وعلى المسلمين كأمة وهو ما يستوجب أل نسمح لها ( أن تحكم بلادنا ) ، والحفاظ على الهوية الذى لا يتأتى إلا بمقاومة محاولة مسخها وتحويل المسلمين إلى ( دمى وعملاء ) ، والترابط الوثيق بين الدين والسياسة ورفض فصلها كأثر من أثار التبعية للخارج
لكن مفهوم الحياد كما حدده الخمينى اصطدم بطرحه الخاص بتقسيم العالم إلى مستكبرين ومستضعفين ، طالما أن هذا التقسيم كان يعنى فى جوهره التحيز للمستضعفين ضد المستكبرين ، وعندما حاول الخومينى التوفيق بين هذين الطرحين لم تزد محاولته الوضع الا غموضاَ فالخومينى يرفض أى شكل من أشكال التدخل الخارجى فى أى شأن من شؤون الدول الأخرى ، لكنه يعود ليستدرك فى مواضع أخرى مؤكداَ على ضرورة مكافحة المستكبرين ووجود ايران بجانب كل من يكافح ضده ، وحدد الهدف من ذلك وهو تصدير الثورة إلى كل الدول الإسلامية بل إلى كل الدول حيث يوجد مستكبرين يحكمون ضعفاء ، وهو يميز بين حروب هجومية لا تلجأ إليها ايران لتصدير ثورتها وبين حروب دفاعية تضطر إليها ، لكن الحدود الفاصلة بين الدفاع والهجوم حدود شديدة الالتباس فى واقع الأمر .
ثانيا : الاطار القانونى ( الدستوري ) :
ويتمثل الاطار القانونى لعملية صنع القرار الايرانى فى الدستور الذى تم وضعه بعد قيام الثورة فى 1979 ثم تم تعديله مرة واحدة فقط فى عام 1989 .
جاء وضع الدستور بعد إقامة الجمهورية الاسلامية الايرانية ، وتم إجلاء مهمة وضعه إلى مجلس منتخب من الخبراء والمقصود بهم رجال الدين رغم أنه كان هناك اقتراح بتكوين مجلس يضم كل القوى السياسية ولكن الخمينى كان يريد التخلص من بعض القوى الغير مرغوب فيها ، لذا اقتصر مهمة وضع الدستور على مجلس مكون من رجال الدين وتم تكوين المجلس من 75 عضواَ ، وتم وضع الدستور والاستفتاء عليه فى ضيغته النهائية فى ديسمبر 1979 .
وقد أحاط بذلك الدستور العديد من القضايا أهمها الخلاف بين بعض أعضاء المؤسسة الدينية ( خلاف الخومينى/ شريعتمدارى – طالقانى ) حول ما جاء به الدستور وتركيز السلطة فى أيدى رجالالمؤسسة الدينية .
ودستور 1979 يقع فى مائة وخمسن مادة تتوزع على اثنى عشر فصلاَ تتناول الموضوعات الآتية بالترتيب : مبادئ عامة ، واللغة والكتابة والتاريخ والعلم الرسمى للبلاد ، وحقوق الشعب ، والاقتصاد والشؤون المالية ، وسيادة الشعب والسلطات الناشئة عنها ، والسلطة التشريعية ، ومجالس الشورى ، والقائد أو مجلس القيادة ، والسلطة التنفيذية ، والسياسة الخارجية ، والسلطة القضائية ، ووسائل الاعلام العامة. ( )
وأول مايلفت النظر فى الانتباه فى تبويب هذا الدستور هو تفرّده ، بمعنى أنه يخالف الترتيب الدارج فى الدساتير بشكل عام ، والذى ينتقل فى العادة من الديباجة إلى الأحكام العامة ، إلى تحديد وضع السلطات الثلاثة : التنفيذية أولاَ ثم التشريعية والقضائية على الترتيب ، ثم المؤسسة العسكرية ، فحقوق المواطنين وواجباتهم ، وأخيراَ مبادئ السياسة الخارجية للدولة ، كما أن تبويب دستور 1979 ( والذى تعدَل بشكل طفيف فى 1989 ) يفتقد إلى التسلسل المنطقى ، ومن ذلك الأحكام الخاصة بالسلطة القضائية ووسائل الاعلام تأتى لاحقة على المواد الخاصة بالسياسة الخارجية ، فيما يفترض التدرج من الخاص للعام ومن الداخل للخارج ، كما أن الجيش وقوات حرس الثورة الإسلامية يدخلون فى الفصل المخصص للسلطة التنفيذية
وديباجة الدستور تشير إلى رمز الثورة وقائدها وكفاحه من أجل إسقاط النظام السابق كما جاءت مواد الدستور معبرة عن مجمل المنظومة القيمية للخومينى وكذلك أيضاَ تعديلات 1989 ، وقد جاءت تلك التعديلات نتيجة لأسباب مختلفة منها تغير الظروف السابقة والتى تم وضع دستور 1979 فيها ، حيث كانت البلاد فى وضع اسثنائى بعد سقوط نظام الشاه ومحاولة تثبيت دعائم الجمهورية والثورة ولكن بعد استقرار الأوضاع نسبياَ جاءت تلك التعديلات لتعديل وضع رئيس الجممهورية وصلاحيات المرشد ومواصفاته ، كما هدف لايجاد آلية لتسوية الخلافات بين جناحى السلطة التشريعية ( مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور ) وتحديد دور مجمع تشخيص مصلحة النظام الذى تأسس فى 1988 .
ويقع الدستور المعدَل فى مائة وسبعين مادة تتوزع على أرعة عشر فصلاَ ، تمثل عناوين الفصول من الأول إلى الثانى عشر منها تكرار لنظريتها فى دستور 1979 ، أما الفصل الثالث عشر فيخصص للمجلس الأعلى للأمن القومى وهو مؤسسة جديدة استحدثت فى عام 1989 ، وأما الفصل الرابع عشر فيخصص لاعادة النظر فى الدستور بواسطة مجلس إعادة النظر فى الدستور ، وسوف نتحدث عن أهم التعديلات فى الجزء المخصص لدراسة أهم القوى السياسية فى النظام الإيرانى ومعرفة أهم التعديلات التى حددت سلطات وصفات كل منها
خلاصة القول أن المتغير الأيديولوجى يلعب دوراَ مهماَ فى التأثير على عملية صنع القرار فى إيران ، وهذا يبدو منطقياَ بحكم الطبيعة المذهبية والاسلامية للثورة ونظامها ، كما أن البعد الدستورى يعد مكوناَ أساسياَ من مكونات بيئة صنع القرار ، سواء فى إيران أو فى غيرها من الدول ، أخذاَ فى الاعتبار تعبير الدستور عن النسق الفكرى للخومينى ، حتى بعد تعديله حيث أنه هو من أعطى الأمر بتعديله