- الأحد مايو 05, 2013 10:58 pm
#62855
مثيرة للعجب هي التهديدات الكورية الشمالية المتصاعدة. مجرد حرب كلامية تسعى من خلالها بيونغ يانغ للضغط على واشنطن وفرض قوتها على محيطها الإقليمي، أو تهديد فعلي قد يصل إلى إعادة إشعال نار حرب هدأت 60 عاماً؟
يحتار المرء فعلاً في تفسير ما يحصل، فماذا بقي فعلاً للحرب بعد هذه التهديدات، هل هناك أي شيء آخر يستطيع الزعيم الشاب كيم جونغ أون التلويح به؟ أطلق تجربة نووية؛ توقع العقوبات الدولية وواجهها بوضع جيشه في أهبة الاستعداد؛ علق العمل باتفاق وقف إطلاق نار مع جارته الجنوبية يعود تاريخه إلى العام 1953؛ قطع خط التواصل مع كوريا الجنوبية؛ أعلن أن بلاده في حالة حرب مع سيول؛ حتى أنه هدد باستهداف الولايات المتحدة، بعد إعلانه عن تطوير صواريخ طويلة المدى حاملة للرؤوس النووية.
استفزت واشنطن؟ ربما، فتصريحات مسؤوليها تجمع بين السخرية والجدية في آن. وكما في باقي المناطق الاستراتيجية في العالم، الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، يتقاتلان على أراضي غيرهم. الصين بين نارين، لا تستطيع التخلي عن حليفتها «المجنونة» وفي الوقت ذاته، غير مستعدة للدخول في حرب كورية جديدة. وروسيا أيضاً ليست بعيدة عن ذلك.
ماذا وراء التصعيد؟
«هدوء نسبي» شهدته الكوريتان بين آذار العام ٢٠١٠، حين استهدفت بيونغ يانغ بالمدفعية جزيرة تابعة لكوريا الجنوبية، و١٢ شباط العام ٢٠١٣، يوم التجربة النووية الشمالية الثالثة. وبدأ التوتر، إدانات دولية متلاحقة، حتى من الحليفتين روسيا والصين، وعقوبات دولية صاغتها بكين مع واشنطن، وأخيراً المناورات العسكرية السنوية بين واشنطن وسيول، ولكن في إطار أوسع من المعتاد. لم تسكت بيونغ يانغ، وهددت فعلاً بوقف التزامها باتفاق وقف إطلاق النار بين الكوريتين، وهذا ما حصل في 11 آذار الماضي، حتى أنها ذهبت أبعد من ذلك لتعلن حالة الحرب مع سيول ولتهدد بضربة وقائية، وربما نووية ضد واشنطن.
ولكن ماذا وراء هذا التصعيد أصلاً؟ المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية سنوية، وربما الجديد هذه المرة هو المضي بها بعدما شدد مجلس الأمن الدولي عقوباته بحق كوريا الشمالية. يرى البعض في ذلك كله حجة لإطلاق «الصراخ» من جديد، وربما للضغط من أجل مبادرة سلام دائمة، أو لتمكين سلطة الزعيم الشاب كيم جون أون في بلاده. إلا أنه في المقابل، هناك خوف فعلي من أن يجر «جنون العظمة» هذا الشاب الثلاثيني إلى حسابات خاطئة تدخل المنطقة في حرب لا تريدها.
رئيس قسم الدراسات الكورية والمنغولية في أكاديمية العلوم الروسية ألكسندر فورونتسوف يلقي اللوم على واشنطن وسيول، فهما بنظره من بدأ بالاستفزاز. ويقول في حديث إلى «السفير» إنه «يمكن اختصار ما وراء التصعيد في العلاقات بين المثلت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بسبيين. الأول، هو ما يطفو على سطح التصريحات الرسمية، أي التجربة النووية الأخيرة والمشروع النووي الكوري الشمالي بشكل عام، حيث زادت حدة التوتر بعد فرض المزيد من العقوبات على بيونغ يانغ، أما السبب الأعمق فهو تزامن تلك العقوبات، مع المناورات السنوية المشتركة بين واشنطن وسيول، وهي اليوم على مستوى أوسع من قبل».
أما ديون كيم في صحيفة «نيويورك تايمز» فرأى في التصعيد الشمالي، محاولة للضغط على الولايات المتحدة للدخول في محادثات سلام تنتهي أساساً بانسحاب أميركي من شبه الجزيرة الكورية، وفي الوقت ذاته تحافظ بيونغ يانغ على قنابلها النووية. وحصل ما يشبه ذلك سابقاً، ففي شباط العام ٢٠٠٣، أعلنت بيونغ يانغ عدم التزامها بوقف إطلاق النار، ولحق ذلك المفاوضات السداسية حول البرنامج النووي الكوري الشمالي. وبالتالي من الممكن القول إن تحركات بيونغ يانغ مدروسة فعلاً، أكثر منها جنونية.
يُذكر أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها كوريا الشمالية تعليق العمل باتفاقية وقف إطلاق النار، بل إنها المرة السادسة بين العامين ١٩٩٤ و٢٠١٣، كما أن بيونغ يانغ أعلنت مراراً أنها تطمح إلى توقيع معاهدة سلام دائمة بدلاً من البقاء في حالة حرب معلقة.
وبالتالي فإن تعليق العمل بالاتفاقية ليس إعلانا للحرب، وبحسب فورونتسوف فإن «كوريا الشمالية تحاول منذ فترة بكافة الأشكال الديبلوماسية والسياسية استبدال هذه الهدنة باتفاقية أو بمعاهدة جدية، وقد لاحت بالأفق فعلاً بوادر للتوصل إلى تلك المعاهدة المنتظرة حين كان الحكم في كوريا الجنوبية يسارياً، إلا أن الوضع تغير اليوم». وبالنسبة للخبير في الشؤون الكورية فإن «بيونغ يانغ تعي تماماً أن إبرام معاهدة سلام يضع نقطة نهائية لحالة الحرب الباردة، التي انتهت فعلياً، إنما لا تزال تتنفس من خلال الهدنة».
واختصر مسؤول أميركي التوتر الحاصل، بحسب ما نقلت عنه «واشنطن بوست»، باعتباره نتاج «كتيب كوريا الشمالية التقليدي» أي إطلاق التهديدات تزامناً مع المناورات العسكرية، أما التصعيد فليس سوى محاولة لتوحيد الشعب والجيش حول قائد شاب لا يعرفونه جيداً.
وبحسب التصريحات الأميركية الرسمية وحديث المسؤولين، فإن واشنطن تراقب بجدية ما يحصل في شبه الجزيرة الكورية، كما أنها طورت وسائل التواصل والمراقبة مع سيول في ظل تهديدات وجدها البعض أشد من أي وقت سبق، وبالتالي فإن الوضع معرض كثيراً لحسابات خاطئة.
طبول الحرب
التجارب السابقة أثبتت أن تهديدات بيونغ يانغ «فارغة»، إلا أنها تبقى مهمة، وربما الهدف الأساسي منها هو الضغط على الولايات المتحدة والدول الإقليمية الأخرى، بحسب صحيفة «واشنطن بوست». فالجيش الكوري الشمالي «مسن وضعيف»، ولا يمكنه التحمل كثيراً أمام ردة فعل أميركية، فأي حرب محتملة «ستنتهي بتدمير النظام بالكامل». وتجدر الإشارة هنا إلى أن غالبية الأسلحة التقليدية التي تملكها كوريا الشمالية هي صينية وروسية الصنع وتعود لستينات القرن الماضي، وفقاً لمجلة «ذي ناشونال إنترست» الأميركية.
لا يتفق فورونتسوف مع هذا الطرح، فهو لا يستبعد الحرب، فما يحصل اليوم هو حالة من الفوضى تفتح المجال أمام تصعيد أكثر جدية. ويختلف الخبير الروسي مع مقولة «التهديد الفارغ»، وبالنسبة إليه «لا شك في أن الأوضاع الراهنة مخيفة، كما أنها تخرج عن إطار التوتر والتصعيد المعهود، فمنذ متى سمعنا أحداً يهدد بضرب الولايات المتحدة؟... إذا نظرنا إلى كوريا الشمالية اليوم، نستطيع القول إن تصريحاتها الضخمة ليست مجرد عرض للإمكانيات أو التهديد الفارغ، إنما هي تحذير فعلي، ربما على الولايات المتحدة أن تأخذه بجدية أكبر».
«شبه الجزيرة الكورية لا يزال في حالة حرب معلقة رسمياً، وللأسف لا تستثنى حرب جديدة فيها»، يخلص فورونتسوف.
المقاربة الأخرى لاحتمال الحرب تقول بتحرك كوري شمالي بسيط يلحقه الهدوء. وكتب بروس كلينجر في صحيفة «نيويورك تايمز» أنه من الممكن ألا يتخطى الأمر «الحرب الكلامية» بين الكوريتين. إلا أنه بالنسبة للموظف الإستخباراتي الأميركي السابق، فإن بيونغ يانغ عادة ما تنفذ تهديداتها، وهذا ما حصل في العام 2010، حين استهدفت مدافعها جزيرة تابعة لجارتها الجنوبية.
صحيح، أن قنبلة نووية على واشنطن أو اجتياح كامل لكوريا الجنوبية، أمران يبقيان بعيدي الاحتمال، إلا أن ضربة مدروسة تستهدف سيول أمر وارد جد. فالقائد الكوري الشمالي كيم جون أون يفتقد للخبرة، بحسب كلينجر، وبالتالي من المحتمل أن يتخطى خطاً أحمر، حرص أسلافه على عدم الاقتراب منه، كما أنه قد يعتمد على «عضلات بلاده النووية»، وعلى معرفته بأن واشنطن وسيول لم يردا يوماً على أي تهديد أطلقته بلاده.
الصين بين الحرب والاستقرار
قضيتان أساسيتان تقلقان الصين، انتشار السلاح النووي في المنطقة من جانب طوكيو وسيول تحديداً، رداً على بيونغ يانغ؛ واندلاع حرب جديدة.
الصين القوة العظمى، لن تقبل بثلاث جارات كل منها توجه مشروعها النووي ضد الأخرى. إلا أن الباحث في الانتشار النووي ديون كيم اعتبر أن تطوير سيول للسلاح النووي أمر غير واقعي، وذلك بالرغم من «مطالب بعض السياسيين المحافظين». وكتب في «نيويورك تايمز» أن ذلك من شأنه أن يعقد العلاقات بين سيول وحليفتها الأقرب أي الولايات المتحدة، فضلاً عن أنه انتهاك للقانون الدولي، وهي الموقعة على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية. وذلك قد «يعيد الساعة إلى الوضع الاقتصادي المُدمر خلال الحرب الكورية، ومن شأنه أن يعطل اقتصاد كوريا الجنوبية وهو الـ12 في العالم، والذي يعتمد بشكل أساسي على التجارة العالمية... من الهواتف الذكية إلى الموضة إلى الآلات الموسيقية».
التسلح النووي طالما كان مطروحاً في اليابان، وهو فعلاً خيار للحاق بالتطور النووي الكوري الشمالي. ولكنه في المقابل قد يكون غير مجدٍ نظراً لقدرة بيونغ يانغ على الرد باستهداف اليابان. والأمر هنا بحاجة إلى دراسة من كل الجوانب، فإن أي توتر في المنطقة سيؤثر سلباً على الدولة الرابعة في التجارة العالمية، إلا أنه بنظر البعض، فان سكوت طوكيو سيقلل أكثر من أهميتها كقوى آسيوية.
أما في حالة الحرب، فستجد بكين نفسها مضطرة إلى استقبال الملايين من اللاجئين، وهذا ما لا ترغب به. أما إذا توحدت الكوريتان في إطار جنوبي، فسيحد الصين حليف أساسي للولايات المتحدة، خصوصاً أن كوريا الشمالية تشكل بدرجة أولى عائقاً بينها وبين 29000 جندي أميركي في الدولة الجنوبية.
وعلى الصعيد الاقتصادي وصلت الاستثمارات الصينية في كوريا الشمالية في العام 2011 إلى ستة مليارات دولار، وفقاً لـ«نيويورك تايمز». كما أن بكين تؤمن ٩٠ في المئة من موارد الطاقة لبيونغ يانغ، فضلاً عن ٨٠ في المئة من السلع التجارية و٤٥ في المئة من المواد الغذائية. وبالنتيجة لا يمكن أن يكون الاستقرار في شبه الجزيرة سوى أساسي لها.
وربما لتلك الأسباب، كان الرد الصيني على تهديدات حليفتها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية هوا شانينغ، حيث قال إن «الاتفاق يقوم بدور أساسي بالحفاظ على الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية».
ومن وجهة نظر وزير الخارجية الأميركي الأشهر هنري كسينجر، بحسب ما نقلت «واشنطن بوست»، فإن «الصين لا تريد أن يُنظر إليها وكأنها تخلت عن حليفتها أو أنها تتواطأ مع واشنطن... يعرف الصينيون أن اليوم هناك خطر حقيقي... وإذا حصل ذلك فعليهم والولايات المتحدة التحرك بسرعة... ما قد يؤدي إلى حرب. ولذلك، يجب علينا (الولايات المتحدة) أن نقترح حواراً استراتيجياً جدياً».
وكما الصين، فان روسيا لا تريد تصعيدا نوويا من جهة ولكنها تريد الحفاظ على حليفتها من جهة ثانية. وهنا يقول فورونتسوف أن «موسكو صديقة وجارة لكوريا الشمالية وتحافظ على كافة أشكال التعاون معها، إلا أنه لا يمكنها سوى الانضمام إلى موقف المجتمع الدولي من القضية النووية، ولذلك وافقت على المزيد من العقوبات، ولكنها أصرت على ضرورة حصرها بالتسلح النووي والتنازل عنه من دون أن تهدد الاقتصاد أو تطال النواحي الاجتماعية في البلاد».
يحتار المرء فعلاً في تفسير ما يحصل، فماذا بقي فعلاً للحرب بعد هذه التهديدات، هل هناك أي شيء آخر يستطيع الزعيم الشاب كيم جونغ أون التلويح به؟ أطلق تجربة نووية؛ توقع العقوبات الدولية وواجهها بوضع جيشه في أهبة الاستعداد؛ علق العمل باتفاق وقف إطلاق نار مع جارته الجنوبية يعود تاريخه إلى العام 1953؛ قطع خط التواصل مع كوريا الجنوبية؛ أعلن أن بلاده في حالة حرب مع سيول؛ حتى أنه هدد باستهداف الولايات المتحدة، بعد إعلانه عن تطوير صواريخ طويلة المدى حاملة للرؤوس النووية.
استفزت واشنطن؟ ربما، فتصريحات مسؤوليها تجمع بين السخرية والجدية في آن. وكما في باقي المناطق الاستراتيجية في العالم، الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، يتقاتلان على أراضي غيرهم. الصين بين نارين، لا تستطيع التخلي عن حليفتها «المجنونة» وفي الوقت ذاته، غير مستعدة للدخول في حرب كورية جديدة. وروسيا أيضاً ليست بعيدة عن ذلك.
ماذا وراء التصعيد؟
«هدوء نسبي» شهدته الكوريتان بين آذار العام ٢٠١٠، حين استهدفت بيونغ يانغ بالمدفعية جزيرة تابعة لكوريا الجنوبية، و١٢ شباط العام ٢٠١٣، يوم التجربة النووية الشمالية الثالثة. وبدأ التوتر، إدانات دولية متلاحقة، حتى من الحليفتين روسيا والصين، وعقوبات دولية صاغتها بكين مع واشنطن، وأخيراً المناورات العسكرية السنوية بين واشنطن وسيول، ولكن في إطار أوسع من المعتاد. لم تسكت بيونغ يانغ، وهددت فعلاً بوقف التزامها باتفاق وقف إطلاق النار بين الكوريتين، وهذا ما حصل في 11 آذار الماضي، حتى أنها ذهبت أبعد من ذلك لتعلن حالة الحرب مع سيول ولتهدد بضربة وقائية، وربما نووية ضد واشنطن.
ولكن ماذا وراء هذا التصعيد أصلاً؟ المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية سنوية، وربما الجديد هذه المرة هو المضي بها بعدما شدد مجلس الأمن الدولي عقوباته بحق كوريا الشمالية. يرى البعض في ذلك كله حجة لإطلاق «الصراخ» من جديد، وربما للضغط من أجل مبادرة سلام دائمة، أو لتمكين سلطة الزعيم الشاب كيم جون أون في بلاده. إلا أنه في المقابل، هناك خوف فعلي من أن يجر «جنون العظمة» هذا الشاب الثلاثيني إلى حسابات خاطئة تدخل المنطقة في حرب لا تريدها.
رئيس قسم الدراسات الكورية والمنغولية في أكاديمية العلوم الروسية ألكسندر فورونتسوف يلقي اللوم على واشنطن وسيول، فهما بنظره من بدأ بالاستفزاز. ويقول في حديث إلى «السفير» إنه «يمكن اختصار ما وراء التصعيد في العلاقات بين المثلت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بسبيين. الأول، هو ما يطفو على سطح التصريحات الرسمية، أي التجربة النووية الأخيرة والمشروع النووي الكوري الشمالي بشكل عام، حيث زادت حدة التوتر بعد فرض المزيد من العقوبات على بيونغ يانغ، أما السبب الأعمق فهو تزامن تلك العقوبات، مع المناورات السنوية المشتركة بين واشنطن وسيول، وهي اليوم على مستوى أوسع من قبل».
أما ديون كيم في صحيفة «نيويورك تايمز» فرأى في التصعيد الشمالي، محاولة للضغط على الولايات المتحدة للدخول في محادثات سلام تنتهي أساساً بانسحاب أميركي من شبه الجزيرة الكورية، وفي الوقت ذاته تحافظ بيونغ يانغ على قنابلها النووية. وحصل ما يشبه ذلك سابقاً، ففي شباط العام ٢٠٠٣، أعلنت بيونغ يانغ عدم التزامها بوقف إطلاق النار، ولحق ذلك المفاوضات السداسية حول البرنامج النووي الكوري الشمالي. وبالتالي من الممكن القول إن تحركات بيونغ يانغ مدروسة فعلاً، أكثر منها جنونية.
يُذكر أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها كوريا الشمالية تعليق العمل باتفاقية وقف إطلاق النار، بل إنها المرة السادسة بين العامين ١٩٩٤ و٢٠١٣، كما أن بيونغ يانغ أعلنت مراراً أنها تطمح إلى توقيع معاهدة سلام دائمة بدلاً من البقاء في حالة حرب معلقة.
وبالتالي فإن تعليق العمل بالاتفاقية ليس إعلانا للحرب، وبحسب فورونتسوف فإن «كوريا الشمالية تحاول منذ فترة بكافة الأشكال الديبلوماسية والسياسية استبدال هذه الهدنة باتفاقية أو بمعاهدة جدية، وقد لاحت بالأفق فعلاً بوادر للتوصل إلى تلك المعاهدة المنتظرة حين كان الحكم في كوريا الجنوبية يسارياً، إلا أن الوضع تغير اليوم». وبالنسبة للخبير في الشؤون الكورية فإن «بيونغ يانغ تعي تماماً أن إبرام معاهدة سلام يضع نقطة نهائية لحالة الحرب الباردة، التي انتهت فعلياً، إنما لا تزال تتنفس من خلال الهدنة».
واختصر مسؤول أميركي التوتر الحاصل، بحسب ما نقلت عنه «واشنطن بوست»، باعتباره نتاج «كتيب كوريا الشمالية التقليدي» أي إطلاق التهديدات تزامناً مع المناورات العسكرية، أما التصعيد فليس سوى محاولة لتوحيد الشعب والجيش حول قائد شاب لا يعرفونه جيداً.
وبحسب التصريحات الأميركية الرسمية وحديث المسؤولين، فإن واشنطن تراقب بجدية ما يحصل في شبه الجزيرة الكورية، كما أنها طورت وسائل التواصل والمراقبة مع سيول في ظل تهديدات وجدها البعض أشد من أي وقت سبق، وبالتالي فإن الوضع معرض كثيراً لحسابات خاطئة.
طبول الحرب
التجارب السابقة أثبتت أن تهديدات بيونغ يانغ «فارغة»، إلا أنها تبقى مهمة، وربما الهدف الأساسي منها هو الضغط على الولايات المتحدة والدول الإقليمية الأخرى، بحسب صحيفة «واشنطن بوست». فالجيش الكوري الشمالي «مسن وضعيف»، ولا يمكنه التحمل كثيراً أمام ردة فعل أميركية، فأي حرب محتملة «ستنتهي بتدمير النظام بالكامل». وتجدر الإشارة هنا إلى أن غالبية الأسلحة التقليدية التي تملكها كوريا الشمالية هي صينية وروسية الصنع وتعود لستينات القرن الماضي، وفقاً لمجلة «ذي ناشونال إنترست» الأميركية.
لا يتفق فورونتسوف مع هذا الطرح، فهو لا يستبعد الحرب، فما يحصل اليوم هو حالة من الفوضى تفتح المجال أمام تصعيد أكثر جدية. ويختلف الخبير الروسي مع مقولة «التهديد الفارغ»، وبالنسبة إليه «لا شك في أن الأوضاع الراهنة مخيفة، كما أنها تخرج عن إطار التوتر والتصعيد المعهود، فمنذ متى سمعنا أحداً يهدد بضرب الولايات المتحدة؟... إذا نظرنا إلى كوريا الشمالية اليوم، نستطيع القول إن تصريحاتها الضخمة ليست مجرد عرض للإمكانيات أو التهديد الفارغ، إنما هي تحذير فعلي، ربما على الولايات المتحدة أن تأخذه بجدية أكبر».
«شبه الجزيرة الكورية لا يزال في حالة حرب معلقة رسمياً، وللأسف لا تستثنى حرب جديدة فيها»، يخلص فورونتسوف.
المقاربة الأخرى لاحتمال الحرب تقول بتحرك كوري شمالي بسيط يلحقه الهدوء. وكتب بروس كلينجر في صحيفة «نيويورك تايمز» أنه من الممكن ألا يتخطى الأمر «الحرب الكلامية» بين الكوريتين. إلا أنه بالنسبة للموظف الإستخباراتي الأميركي السابق، فإن بيونغ يانغ عادة ما تنفذ تهديداتها، وهذا ما حصل في العام 2010، حين استهدفت مدافعها جزيرة تابعة لجارتها الجنوبية.
صحيح، أن قنبلة نووية على واشنطن أو اجتياح كامل لكوريا الجنوبية، أمران يبقيان بعيدي الاحتمال، إلا أن ضربة مدروسة تستهدف سيول أمر وارد جد. فالقائد الكوري الشمالي كيم جون أون يفتقد للخبرة، بحسب كلينجر، وبالتالي من المحتمل أن يتخطى خطاً أحمر، حرص أسلافه على عدم الاقتراب منه، كما أنه قد يعتمد على «عضلات بلاده النووية»، وعلى معرفته بأن واشنطن وسيول لم يردا يوماً على أي تهديد أطلقته بلاده.
الصين بين الحرب والاستقرار
قضيتان أساسيتان تقلقان الصين، انتشار السلاح النووي في المنطقة من جانب طوكيو وسيول تحديداً، رداً على بيونغ يانغ؛ واندلاع حرب جديدة.
الصين القوة العظمى، لن تقبل بثلاث جارات كل منها توجه مشروعها النووي ضد الأخرى. إلا أن الباحث في الانتشار النووي ديون كيم اعتبر أن تطوير سيول للسلاح النووي أمر غير واقعي، وذلك بالرغم من «مطالب بعض السياسيين المحافظين». وكتب في «نيويورك تايمز» أن ذلك من شأنه أن يعقد العلاقات بين سيول وحليفتها الأقرب أي الولايات المتحدة، فضلاً عن أنه انتهاك للقانون الدولي، وهي الموقعة على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية. وذلك قد «يعيد الساعة إلى الوضع الاقتصادي المُدمر خلال الحرب الكورية، ومن شأنه أن يعطل اقتصاد كوريا الجنوبية وهو الـ12 في العالم، والذي يعتمد بشكل أساسي على التجارة العالمية... من الهواتف الذكية إلى الموضة إلى الآلات الموسيقية».
التسلح النووي طالما كان مطروحاً في اليابان، وهو فعلاً خيار للحاق بالتطور النووي الكوري الشمالي. ولكنه في المقابل قد يكون غير مجدٍ نظراً لقدرة بيونغ يانغ على الرد باستهداف اليابان. والأمر هنا بحاجة إلى دراسة من كل الجوانب، فإن أي توتر في المنطقة سيؤثر سلباً على الدولة الرابعة في التجارة العالمية، إلا أنه بنظر البعض، فان سكوت طوكيو سيقلل أكثر من أهميتها كقوى آسيوية.
أما في حالة الحرب، فستجد بكين نفسها مضطرة إلى استقبال الملايين من اللاجئين، وهذا ما لا ترغب به. أما إذا توحدت الكوريتان في إطار جنوبي، فسيحد الصين حليف أساسي للولايات المتحدة، خصوصاً أن كوريا الشمالية تشكل بدرجة أولى عائقاً بينها وبين 29000 جندي أميركي في الدولة الجنوبية.
وعلى الصعيد الاقتصادي وصلت الاستثمارات الصينية في كوريا الشمالية في العام 2011 إلى ستة مليارات دولار، وفقاً لـ«نيويورك تايمز». كما أن بكين تؤمن ٩٠ في المئة من موارد الطاقة لبيونغ يانغ، فضلاً عن ٨٠ في المئة من السلع التجارية و٤٥ في المئة من المواد الغذائية. وبالنتيجة لا يمكن أن يكون الاستقرار في شبه الجزيرة سوى أساسي لها.
وربما لتلك الأسباب، كان الرد الصيني على تهديدات حليفتها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية هوا شانينغ، حيث قال إن «الاتفاق يقوم بدور أساسي بالحفاظ على الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية».
ومن وجهة نظر وزير الخارجية الأميركي الأشهر هنري كسينجر، بحسب ما نقلت «واشنطن بوست»، فإن «الصين لا تريد أن يُنظر إليها وكأنها تخلت عن حليفتها أو أنها تتواطأ مع واشنطن... يعرف الصينيون أن اليوم هناك خطر حقيقي... وإذا حصل ذلك فعليهم والولايات المتحدة التحرك بسرعة... ما قد يؤدي إلى حرب. ولذلك، يجب علينا (الولايات المتحدة) أن نقترح حواراً استراتيجياً جدياً».
وكما الصين، فان روسيا لا تريد تصعيدا نوويا من جهة ولكنها تريد الحفاظ على حليفتها من جهة ثانية. وهنا يقول فورونتسوف أن «موسكو صديقة وجارة لكوريا الشمالية وتحافظ على كافة أشكال التعاون معها، إلا أنه لا يمكنها سوى الانضمام إلى موقف المجتمع الدولي من القضية النووية، ولذلك وافقت على المزيد من العقوبات، ولكنها أصرت على ضرورة حصرها بالتسلح النووي والتنازل عنه من دون أن تهدد الاقتصاد أو تطال النواحي الاجتماعية في البلاد».