الاقتصاد الريعي
مرسل: الاثنين مايو 06, 2013 1:21 am
الاقتصاد الريعي
اقتصاديات
الثلاثاء 13/5/2008
د.حيان احمد سلمان
من خلال العودة الى معجم »المنجد« لمعرفة معنى كلمة »الريع« وجدت ان اكثر المعاني مرتبط بالزيادة و النمو ولكن للعمل في الارض. ومن هنا ظهرت أول مرة في بريطانيا كمصطلح اقتصادي عندما كان الاقتصاد البريطاني يعتمد على السيطرة على موارد الفحم في مستعمراتها. واستخدم هذا المصطلح (كارل ماركس) حيث قال انه ( في المجتمعات التي يسيطر بها الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية أما في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات الانتاج ) وقد نتج عن ذلك مصطلح( المرض الهولندي) .
وكتبنا عنه في احدى مقالاتنا في جريدتنا الغراء الثورة وان جوهره يتجلى بزيادة الاهمية النسبية لقطاع الخدمات على حساب قطاع الانتاج واقتصاد المعرفة. ونجد ان مقومات هذا المصطلح موجودة عند علامتنا الكبير » ابن خلدون« عندما ميز »الكسب« من»الرزق«. ويقول في الباب الخامس من مقدمته الشهيرة وفي الصفحة /380/ » ان الكسب هو قيمة الاعمال البشرية.. ثم اعلم ان الكسب هو بالسعي نحو الاقتناء والقصد الى التحصيل أما الرزق فلا بدّ له من سعي وعمل ولو لا العمل لم تحصل قيمتها وان الكسب الذي يستفيده البشر إنما هو قيم أعمالهم « ويقول في الفصل الرابع» إن ابتغاء الاموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي. وهكذا فرق بين »الكسب « و» الرزق« . وبرأينا هناك فارق اساسي بين جوهر » الاقتصاد الريعي« ومصطلح »الريع« الذي يعني مقدار نصيب عامل الارض من عوائد العمل الانتاجي.
وبالتالي فإن الاعتماد على الارض كما اكدّ »الفيزوقراطيون« ليس اقتصاداً ريعياً. لأن جوهره هو الاعتماد على مورد واحد سواء كان نفطاً أم زراعةً أم ملكية عقارية وبالاستغلال البدائي للموارد الطبيعية وزيادة الثروات من دون زيادة في معدلات الانتاجية.و الدولة الريعية هي التي تعتمد على مورد واحد وتكون في حالة حرجة أمام المتغيرات الداخلية والخارجية وبالتالي ينسجم مع مقومات الدولة الضعيفة أو الدولة الرخوة كما يحب ان يطلق عليها عالم الاجتماع السويدي »ميردال« وبالتالي يشوه المؤشرات الاقتصادية من خلال تحويل أغلب الاستثمارات الى قطاع الخدمات والعقارات وتحويل المجتمع الى مجتمع استهلاكي واشاعة نمط الاستهلاك الترفي و التفاخري واستغلال الفرص عن طريق المضاربات وبالتالي يوجد فصل وانفصال بين العمل ومردوده. وإن من أهم خصائصه ان آفاق تطوره محدودة ويؤدي الى تخمة واكتناز على حساب تناقض الامكانيات المتاحة . بسبب ضعف التراكم الرأسمالي أي اضافة طاقات انتاجية جديدة الى الطاقات القديمة والابتعاد عن المنافسة والعصرنة ويتم التوجه من قبل الفئات المسيطرة اقتصاديا الى السيطرة على » مراكز الثروة للتحكم بتوزيعها« ويؤدي الى اضعاف الصناعة التحويلية المثورة للقطاعات الاخرى. والاعتماد على استيراد التكنولوجيا واليد العاملة بدلا من التوجه نحو تصنيعها او توظيفها أو على الأقل البدء بذلك. ويترافق مع سوء توزيع للناتج الاجمالي وفي أغلب الأحيان يترافق مع امتلاك أموال كثيرة من قبل الدولة لكن مع اشتداد حدة الفقر بين المواطنين من خلال سيطرة الدولة على كل مقومات المجتمع وزيادة معدلات البطالة لأن هذا الاقتصاد بطبيعته غير مولد لفرص العمل.
وبالتالي فإننا ندعو الى ضرورة الخروج من الاقتصاد الريعي عن طريق تنويع الموارد الانتاجية واستغلال كل الامكانات المتاحة. وتصنيع المواد الأولية وعدم تصديرها على شكل مواد خام . ولو حاولنا اسقاط ذلك على الاقتصاد العربي فإن زيادة ناتجه الاجمالي من /1092/ مليار دولار عام 2005 الى 1236 مليار دولار عام 2006 كان بسبب زيادة اسعار النفط والمواد الاولية. وبالعودة الى التقرير الاقتصادي العربي الاخير لعام 2007 وجدنا ان مقومات الاقتصاد الريعي وخصائصه تنطبق عليه وكمثال على ذلك » وأن اكثر العمالة فيه تتركز في الزراعة بحدود 29% ومساهمتها بحدود 6% من الناتج المحلي الاجمالي فقط بينما تشكل مساهمة الصناعة الاستخراجية نسبة 41% والصناعة الاستخراجية نسبة 62% ورغم ضخامة الاموال العربية المستثمرة في الخارج إلا ان الاستثمارات الاجنبية في العالم العربي لم تتجاوز لعام 2006 نسبة 4.8% من اجمالي الاستثمارات العالمية وهي أقل مما حصلت الصين عليه ويزيد قليلا عما حصلت عليه هونغ كونغ وحدها 3.3% ووصل معدل البطالة الى 30% وبالتالي لا بد من تخصيص الايرادات الريعية لتطوير المجالات الاخرى وتطويرها وزيادة القدرة التنافسية من خلال الاستغلال الامثل لعناصر الانتاج والانتقال تدريجيا نحو الاقتصاد الصناعي ومن ثم اقتصاد المعرفة القائم على زيادة المحتوى التكنولوجي والمعرفي في السلع والخدمات المنتجة.
اقتصاديات
الثلاثاء 13/5/2008
د.حيان احمد سلمان
من خلال العودة الى معجم »المنجد« لمعرفة معنى كلمة »الريع« وجدت ان اكثر المعاني مرتبط بالزيادة و النمو ولكن للعمل في الارض. ومن هنا ظهرت أول مرة في بريطانيا كمصطلح اقتصادي عندما كان الاقتصاد البريطاني يعتمد على السيطرة على موارد الفحم في مستعمراتها. واستخدم هذا المصطلح (كارل ماركس) حيث قال انه ( في المجتمعات التي يسيطر بها الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية أما في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات الانتاج ) وقد نتج عن ذلك مصطلح( المرض الهولندي) .
وكتبنا عنه في احدى مقالاتنا في جريدتنا الغراء الثورة وان جوهره يتجلى بزيادة الاهمية النسبية لقطاع الخدمات على حساب قطاع الانتاج واقتصاد المعرفة. ونجد ان مقومات هذا المصطلح موجودة عند علامتنا الكبير » ابن خلدون« عندما ميز »الكسب« من»الرزق«. ويقول في الباب الخامس من مقدمته الشهيرة وفي الصفحة /380/ » ان الكسب هو قيمة الاعمال البشرية.. ثم اعلم ان الكسب هو بالسعي نحو الاقتناء والقصد الى التحصيل أما الرزق فلا بدّ له من سعي وعمل ولو لا العمل لم تحصل قيمتها وان الكسب الذي يستفيده البشر إنما هو قيم أعمالهم « ويقول في الفصل الرابع» إن ابتغاء الاموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي. وهكذا فرق بين »الكسب « و» الرزق« . وبرأينا هناك فارق اساسي بين جوهر » الاقتصاد الريعي« ومصطلح »الريع« الذي يعني مقدار نصيب عامل الارض من عوائد العمل الانتاجي.
وبالتالي فإن الاعتماد على الارض كما اكدّ »الفيزوقراطيون« ليس اقتصاداً ريعياً. لأن جوهره هو الاعتماد على مورد واحد سواء كان نفطاً أم زراعةً أم ملكية عقارية وبالاستغلال البدائي للموارد الطبيعية وزيادة الثروات من دون زيادة في معدلات الانتاجية.و الدولة الريعية هي التي تعتمد على مورد واحد وتكون في حالة حرجة أمام المتغيرات الداخلية والخارجية وبالتالي ينسجم مع مقومات الدولة الضعيفة أو الدولة الرخوة كما يحب ان يطلق عليها عالم الاجتماع السويدي »ميردال« وبالتالي يشوه المؤشرات الاقتصادية من خلال تحويل أغلب الاستثمارات الى قطاع الخدمات والعقارات وتحويل المجتمع الى مجتمع استهلاكي واشاعة نمط الاستهلاك الترفي و التفاخري واستغلال الفرص عن طريق المضاربات وبالتالي يوجد فصل وانفصال بين العمل ومردوده. وإن من أهم خصائصه ان آفاق تطوره محدودة ويؤدي الى تخمة واكتناز على حساب تناقض الامكانيات المتاحة . بسبب ضعف التراكم الرأسمالي أي اضافة طاقات انتاجية جديدة الى الطاقات القديمة والابتعاد عن المنافسة والعصرنة ويتم التوجه من قبل الفئات المسيطرة اقتصاديا الى السيطرة على » مراكز الثروة للتحكم بتوزيعها« ويؤدي الى اضعاف الصناعة التحويلية المثورة للقطاعات الاخرى. والاعتماد على استيراد التكنولوجيا واليد العاملة بدلا من التوجه نحو تصنيعها او توظيفها أو على الأقل البدء بذلك. ويترافق مع سوء توزيع للناتج الاجمالي وفي أغلب الأحيان يترافق مع امتلاك أموال كثيرة من قبل الدولة لكن مع اشتداد حدة الفقر بين المواطنين من خلال سيطرة الدولة على كل مقومات المجتمع وزيادة معدلات البطالة لأن هذا الاقتصاد بطبيعته غير مولد لفرص العمل.
وبالتالي فإننا ندعو الى ضرورة الخروج من الاقتصاد الريعي عن طريق تنويع الموارد الانتاجية واستغلال كل الامكانات المتاحة. وتصنيع المواد الأولية وعدم تصديرها على شكل مواد خام . ولو حاولنا اسقاط ذلك على الاقتصاد العربي فإن زيادة ناتجه الاجمالي من /1092/ مليار دولار عام 2005 الى 1236 مليار دولار عام 2006 كان بسبب زيادة اسعار النفط والمواد الاولية. وبالعودة الى التقرير الاقتصادي العربي الاخير لعام 2007 وجدنا ان مقومات الاقتصاد الريعي وخصائصه تنطبق عليه وكمثال على ذلك » وأن اكثر العمالة فيه تتركز في الزراعة بحدود 29% ومساهمتها بحدود 6% من الناتج المحلي الاجمالي فقط بينما تشكل مساهمة الصناعة الاستخراجية نسبة 41% والصناعة الاستخراجية نسبة 62% ورغم ضخامة الاموال العربية المستثمرة في الخارج إلا ان الاستثمارات الاجنبية في العالم العربي لم تتجاوز لعام 2006 نسبة 4.8% من اجمالي الاستثمارات العالمية وهي أقل مما حصلت الصين عليه ويزيد قليلا عما حصلت عليه هونغ كونغ وحدها 3.3% ووصل معدل البطالة الى 30% وبالتالي لا بد من تخصيص الايرادات الريعية لتطوير المجالات الاخرى وتطويرها وزيادة القدرة التنافسية من خلال الاستغلال الامثل لعناصر الانتاج والانتقال تدريجيا نحو الاقتصاد الصناعي ومن ثم اقتصاد المعرفة القائم على زيادة المحتوى التكنولوجي والمعرفي في السلع والخدمات المنتجة.