صفحة 1 من 1

تفكك يوغسلافيا

مرسل: الاثنين مايو 06, 2013 1:36 am
بواسطة فهاد آل حشان 3
حكاية يوغسلافيا

يشكل إعلان برلمان كوسوفو الاستقلال يوم 17/2/2008م (الموافق 10/2/1429هـ) عن صربيا، المرحلة الأخيرة من تفكك جمهورية يوغسلافيا الاتحادية السابقة. كانت هذه الجمهورية الاتحادية التي قامت عام 1945م، تضم ست جمهوريات (هي: صربيا، الجبل الأسود (مونتنجرو) سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، مقدونيا) إضافة إلى مقاطعتي كوسوفو ذات الأغلبية الألبانية (المسلمة) وفوفودينا ذات الغالبية المجرية.
ومعروف أن يوغسلافيا السابقة تقع في منطقة البلقان (جنوب شرق أوروبا) الشهيرة بتنوعها العرقي، وتنافر طوائفها، وقابلية هذه العرقيات للانفصال وتكوين دول ودويلات مستقلة، يضم كل منها غالبية عرقية معينة. فبالإضافة إلى عرقيات يوغسلافيا السابقة، توجد في منطقة البلقان أعراق وأقليات كثيرة مختلفة، منها: الإغريق، الإيطاليون، الأتراك، البلغار، الغجر، المجريون، الرومان، وغيرهم. حتى أصبحت لفظة (بلقنة) ـ في مجال السياسة ـ تعني: التنوع العرقي المائل للتنافر والتمزق والانفصال. وقد استطاع الحزب الشيوعي اليوغسلافي، بقيادة الجنرال الكرواتي (جوزيف بروز تيتو)، توحيد دولة يوغسلافيا في اتحاد فيدرالي.. ضم الأعراق المشار إليها آنفاً. ولكن اتسام حكم تيتو ـ الذي كان رئيساً ليوغسلافيا مدى الحياة ـ بالديكتاتورية (اقتصادياً وسياسياً) جعل الاتحاد اليوغسلافي يستمر على مضض فقط، وأحيانا بقوة الحديد والنار.. رغم تنافر وتناقض مكوناته.
* * *
وبعد انهيار حلف (وارسو) وزوال الاتحاد السوفيتي، في عام 1991م، اجتاحت أوروبا الشرقية والجنوبية موجة عارمة من الصراعات القومية، وسادت فيها رغبة جامحة نحو الانفصال و الاستقلال. ورغم أن يوغسلافيا السابقة لم تكن عضواً في حلف وارسو (وكانت على خلاف عقائدي مع الاتحاد السوفيتي السابق، رغم شيوعيتها المختلفة، التي يشار إليها بـ“التيتوية”) إلا أنها كانت - وما زالت - أكثر البلاد تأثراً بتلك الموجة، بعد الاتحاد السوفيتي نفسه، الذي تفكك إلى خمس عشرة جمهورية مستقلة، كما هو معروف. ولم تبقَ يوغسلافيا السابقة موحدة إلا القبضة الحديدية لتيتو، وحزبه الشيوعي. ولكن ومنذ وفاة ذلك الزعيم، يوم 4/5/1980م، بدأت مشاعر الانفصال تسود في مكونات يوغسلافيا.. رغم مقاومة "صربيا" لتلك المشاعر، رغبة منها في بقاء الدولة اليوغسلافية، التي تحظى فيها بسيطرة عرقية (وسياسية) نسبية واضحة. ولكن عقد هذه الدولة بدأ في الانفراط ـ حربا وسلماً ـ فور زوال المعسكر الشرقي. وهناك جمهوريات انفصلت بالقوة وسفك الدماء (منها البوسنة والهرسك) وهناك من تمكن من الانفصال سلماً بصفة أساسية (مقدونيا). كانت «سلوفينيا» أول من انفصل عن الاتحاد وأعلن استقلاله يوم 25/6/1991م، تلتها "مقدونيا" (يوم 15/9/1991م)، تلتهما «كرواتيا» (يوم 7/10/1991م)، ثم "البوسنة والهرسك"، بعد حرب ضروس، (يوم 5/4/1992م) ثم «الجبل الأسود» (يوم 3/6/2006م). ولم تبق غير "(صربيا) التي ما زالت تسمى جمهورية يوغسلافيا. وها هي "كوسوفو" تدق آخر مسمار في نعش جمهورية يوغسلافيا السابقة، إذ من غير المتوقع انفصال مقاطعة فوفودينا.
* * *
وتقدم الحالة اليوغسلافية دروسا سياسية مهمة عدة.. منها: أن ما حصل لها من اضطراب وتفكك يعزي (في الأساس) إلى أنها جمعت كل تلك الأعراق عنوة، وتسيد فيها "الحزب الشيوعي" اليوغسلافي (الذي كان يمثل أقلية محدودة من الشعوب اليوغسلافية) بينما كانت غالبية تلك الشعوب غير راضية (سياسياً واقتصادياً) بذلك "الاتحاد" (وبطريقة إدارته).. والذي سرعان ما انهار عندما تحررت الشعوب المكونة له من قبضة تيتو، وحزبه الشيوعي.
وان الاتحادات (متعددة الأعراق) التي تبقى هي: غالباً الاتحادات القائمة على الديموقراطية والفيدرالية الحقيقيتين معا، اللتين تحققا (بصفة عامة) رضى مكوناتها (عبر الوسائل المعروفة) وان اختلفت قوميات وعرقيات ومذاهب تلك المكونات. ومن الأمثلة على "الاتحادات" التي يتوقع لها الاستمرارية نذكر كلاً من: سويسرا والهند. إن التطبيق السليم للديمقراطية والفيدرالية يعتبره علماء السياسة أفضل حل للإشكال العرقي المأساوى؛ الأولى شبه معروفة، أما الثانية فلا يدرك كنهها إلا قلة أقل من الناس، والمتخصصين. والفيدرالية السليمة لا يمكن أن تنجح إلا بالديمقراطية. وان نجحت، فإنها توحد ولا تفرق. ويقول اؤلئك العلماء: إن الفيدرالية هي «الصيغة السحرية» الأهم، القادرة على: خلق كيان واحد من عدة كيانات، أو عرقيات مختلفة. واهم «أسباب»تفكك يوغسلافيا هي: سوء تطبيق هذه الصيغة، وتدخل القوى الكبرى.. التي رأت أن لها مصلحة في تمزيق ذلك الكيان.

د. صدقه يحيى فاضل.