الدولة القومية
مرسل: الاثنين مايو 06, 2013 12:05 pm
ما الدولة القومية؟
التنظيم الاجتماعي يتشكّل من نواة هي الأسرة، والأسرة عندما تتوسع عن طريق التزاوج مع الأقارب تصبح عشيرة أو قبيلة. أما عندما تكون الروابط الجامعة بين أفراد المجتمع هي غير الانتماء الأسري فإننا ننتقل إلى وضع آخر أكثر تطورا نشاهده في «المدن». التنظيم الاجتماعي الإنساني من المفترض أنه تصاعد من القبيلة إلى المدينة ثم إلى الدولة.
المفكرون اختلفوا بشأن الدولة، وإذا ما كان لها شخصية اعتبارية أم لا. فهناك من قال إنها قامت في الأصل على أساس غير أخلاقي (الفيلسوف نيتشه)، على حين قال آخرون بأهميتها إلى حد التأليه (مثل هيغل). غير أن الآراء التي عمت الفكر الإنساني في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تقول إن «الدولة» هي التعبير القانوني للأمة أو الوطن، وإن أي اعتداء على الدولة هو اعتداء على الأمة والوطن، لأنها مستمدة من ارادة جماعية.
- في عهد الرومان كان يطلق على من يخالف الدولة الرومانية مرتكب جريمة «المساس بالعظمة». وعندما نشأ العهد الامبراطوري الروماني (بعد العهد الجمهوري) أصبح مفهوم «المساس بالعظمة» يعني أي شخص يخالف القيصر. وكان يعاقب في البداية بالحرمان من الأكل والشرب، إلى الحرق والرمي أمام الحيوانات المفترسة.
- بعد انهيار العهد الروماني ومجيء عهد الإقطاع في أوروبا أصبح مفهوم الدولة يعني الأراضي التي يملكها سادة الإقطاع. وكلمة الدولة بالإنجليزية «STATE» قريبة من كلمة «ESTATE»، التي تعني العقار وقطعة الأرض، ولهذا لم يكن التفريق بين الإقطاع والدولة في تلك الفترة واضحا.
- الملوك الأوروبيون دخلوا في صراع مع الإقطاعيين على السلطة وحدودها، وانتصر الملوك على الإقطاعيين بعد أن لجأ الملوك للمفهوم الروماني نفسه الذي يرى «المساس بالعظمة» هو «المساس بالملك» وهي جريمة يعاقب عليها. وقد طوّر الملوك المفهوم الروماني وضمّنوه الاعتداءات المباشرة ضد شخص الملك أو أولاده أو امتيازاته بالإضافة، إلى أي اعتداء غير مباشَر على سلطة من سلطات الملك.
- ثم تغير الأمر بعد الثورة الفرنسية في العام 1789م، إذ أعطت مفاهيمُ الثورة الدولةَ شخصية معنوية أو شخصية قانونية مستقلة عن شخصيات الحكام سواء كانوا ملوكا أو أمراء أو رؤساء. ومفاهيم الثورة الفرنسية قامت على أساس أن الحكام أداة من أدوات الحكم، أو جهاز من أجهزته، يتبدل ويتغير تبعا للحاجات والظروف. أما الدولة ذاتها فتبقى؛ لأنها «ظاهرة اجتماعية»، أي وليدة للتعامل بين أفراد المجتمع. وعلى هذا الأساس تم استبدال جرائم «المساس بالعظمة» بالجرائم المخلة بـ«أمن الدولة».
- انتشرت الأفكار القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر بصورة ألهبت المشاعر وأعطت قدسية وربما ألوهية لفكرة «الوطن» و«الأمة» و«القوم». وقد أدى ذلك اللهب القومي لاحقا إلى نشوء حركات عنصرية ووصول الحكم النازي في ألمانيا والحكم الفاشي في إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى. وقام هؤلاء الحكام بتحوير مفهوم حماية أمن الدولة ضد جميع المعارضين واعتبروا المعارض السياسي مجرما وعدوا للشعب؛ لأنه عادى نظام الحكم القائم.
- مع تطور «الدولة القومية» واحتلالها الموقع الأساسي في تركيبة الأمم المتحدة العام 1945م تعزز كيان الدولة وأصبح بإمكان الحكومات المستبدة أن تصدر القوانين الاستثنائية، أو أحكام الطوارئ بحجة محاربة الإرهاب والتطرف... إلخ، وأنشأت الدولة محاكم أمن دولة ومحاكم استثنائية لمعاقبة المخالفين لها.
- الرغبة القوية في المحافظة على أمن الدولة يواجهها اتجاه المطالبة بحقوق الأفراد وحرياتهم الاجتماعية والمدنية؛ إذ إن إباحة الأمر للدولة حفظ «أمنها» من دون حدود يؤدي بصورة حتمية إلى سلب الأفراد والجماعات أمنهم وطمأنينتهم وحرياتهم وحقوقهم التي منحها إياهم دستور البلاد.
- «الدولة القومية» توسعت في قوتها بعد الحرب العالمية الثانية كثيرا، ولأنها الكيان الوحيد المعترف به والذي يؤخذ بصوته في الأمم المتحدة، فإن هيمنة أية مجموعة أو حزب أو قبيلة على «الدولة» يعني إفساح المجال أمام هذه الفئة لأن تظلم أفراد المجتمع بحجة الحفاظ على أمن الدولة. وعلى رغم أن الأمم المتحدة تشترط على الدول أن تكون منبثقة من شعوبها تحت عنوان «حق تقرير المصير» فإن المؤسسة الدولية عاجزة أمام سلطة الدولة داخل حدود تلك الدولة؛ لأن الأمم المتحدة تمنع «التدخل في الشئون الداخلية للدول القومية». ولذلك فقد سعى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948م إلى موازنة ميثاق الأمم المتحدة من خلال تأكيد حقوق المواطن ومطالبة «الدول القومية» بتوقيع المعاهدات التي تضمن للمواطنين حقوقهم.
- مازال المبدأ الأساسي لتشكيل الدولة القومية (حق تقرير المصير) يشكو من الخلل والالتباس بخصوص كيفية التحقق من تقرير شعب ما لمصيره. وأيضا من هو الشعب الذي يقرر مصيره؟ وما مكوناته؟ هل الشعب هو الذي تجمعه لغة مشتركة؟ دين مشترك؟ أصل إثني مشترك؟ العيش على أرض مشتركة؟ إقليم معين؟
- لقد نجح مبدأ «حق تقرير الشعوب لمصيرها» في إسقاط الحكم الملكي المطلق في أوروبا وإيجاد صيغة لهيئة الأمم المتحدة، ولكنه فشل في تحديد الأنموذج والتطبيق العملي «العالمي». ولهذا فإن الفكر السياسي يتجه إلى موازنة الخلل من خلال تقوية أطروحة «المجتمع المدني» .
- الدولة، إذا، يمكن إقامتها في هذا العصر مع الاحتفاظ بالحكم المطلق، ويمكن أن تقام ضمن إطار دستوري، ويمكن أن تعتبر ظاهرة إلهية أو اجتماعية بحسب المنطلق الفلسفي، ويمكن أن تكون طبقية. وفي كل الأحوال استطاعت الدولة بمجرد أن ترفع علما لها وتصدر عملة باسمها ونشيدا وطنيا وجيشا وأمنا وإعلاما ومطارا دوليا، أن تصبح عضوا معترفا به في منظمة الأمم المتحدة، مُحدِثة بذلك تناقضا بين قول المبدأ وحكم الواقع.
- غير أن الدولة القومية تواجه اليوم تحديا حقيقيا لسلطاتها. فلقد تشبّعت الدولة من امتلاكها السلطات وأصبحت عاجزة عن تنمية القدرات الاقتصادية، بل إنها أصبحت عالة على نفسها والمجتمع. ولهذا اتجهت الدول القومية إلى «الخصخصة» و«عولمة الاقتصاد» و«تحرير سوق النقد والأموال» للتخلص من الأعباء التي ألقتها على نفسها، واكتشفت أنها لا تستطيع إدارتها وتنميتها بنجاح.
- في البعد الآخر، إن حركة حقوق الإنسان العالمية بدأت تؤثر على السياسة الدولية، وأصبحت المواثيق الدولية والعهود والاتفاقيات ذات فاعلية أكبر من ذي قبل. ولعل مؤتمر هلسنكي في العام 1976م، «منظمة التعاون والأمن الأوروبي» قد أوجد نقلة نوعية في هذا الشأن؛ إذ اعتبرت المنظمة أن لها الحق في أن تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء في المنظمة إذا كان ذلك الشأن يتعلق بحقوق الإنسان. وأخذ المفهوم يتعزز منذ ذلك الوقت في المحافل الدولية. ولذلك فإن نشاطات مفوضية حقوق الإنسان التابعة إلى الأمم المتحدة آخذة في الازدياد والأهمية.
- الحديث تركز على الدول الأوروبية بسبب أن النظام العالمي والأمم المتحدة و«حق تقرير المصير» نشأ في أوروبا/ أميركا... ويتحرك حاليا من خلال القوة السياسية الغربية. والأمم المتحدة، والنظام العالمي يتعرضان لإرهاصات الفكر الإنساني العالمي الداعي للعدالة وتحقيق السلم الدولي على أساس «الحقوق» و«التنمية» لا على أساس «القوة» و«الهيمنة».
- مازالت دساتير بعض الدول تشتمل على تحريم «المساس بالعظمة» أو «الذات الملكية»، أو «الذات الأميرية». وهذا المفهوم هو ذاته الذي سنّه الرومان في العصور القديمة. والمشكلة أن هناك خلطا بين شخص الملك أو عائلته وشخصية الدولة، إذ لا يستطيع البعض أن يفرّق بين «الدولة» و«القبيلة»، أو«الدولة» و«الملك». فالقبيلة تعني الدولة، والدولة تعني القبيلة، والملك يعني الدولة، والدولة تعني الملك. ولهذا فإن انتقاد الملك أو القبيلة أو الفئة المسيطرة يعتبر مساسا بأمن «الدولة»، وتقوم «أجهزة الدولة» بمعاقبة من تجرأ على الاشتراك في المعارضة.
- في الدول الديمقراطية، من الناحية النظرية على الأقل، يعتبر المواطن الدافع للضرائب هو الحجر الأساس في الدولة. والدولة ومؤسساتها جميعها تحت سيطرة المواطنين وخدمته من خلال ممثليهم. فالمواطن ليس تابعا لملك وليس أداة للدولة، بل العكس.
التنظيم الاجتماعي يتشكّل من نواة هي الأسرة، والأسرة عندما تتوسع عن طريق التزاوج مع الأقارب تصبح عشيرة أو قبيلة. أما عندما تكون الروابط الجامعة بين أفراد المجتمع هي غير الانتماء الأسري فإننا ننتقل إلى وضع آخر أكثر تطورا نشاهده في «المدن». التنظيم الاجتماعي الإنساني من المفترض أنه تصاعد من القبيلة إلى المدينة ثم إلى الدولة.
المفكرون اختلفوا بشأن الدولة، وإذا ما كان لها شخصية اعتبارية أم لا. فهناك من قال إنها قامت في الأصل على أساس غير أخلاقي (الفيلسوف نيتشه)، على حين قال آخرون بأهميتها إلى حد التأليه (مثل هيغل). غير أن الآراء التي عمت الفكر الإنساني في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تقول إن «الدولة» هي التعبير القانوني للأمة أو الوطن، وإن أي اعتداء على الدولة هو اعتداء على الأمة والوطن، لأنها مستمدة من ارادة جماعية.
- في عهد الرومان كان يطلق على من يخالف الدولة الرومانية مرتكب جريمة «المساس بالعظمة». وعندما نشأ العهد الامبراطوري الروماني (بعد العهد الجمهوري) أصبح مفهوم «المساس بالعظمة» يعني أي شخص يخالف القيصر. وكان يعاقب في البداية بالحرمان من الأكل والشرب، إلى الحرق والرمي أمام الحيوانات المفترسة.
- بعد انهيار العهد الروماني ومجيء عهد الإقطاع في أوروبا أصبح مفهوم الدولة يعني الأراضي التي يملكها سادة الإقطاع. وكلمة الدولة بالإنجليزية «STATE» قريبة من كلمة «ESTATE»، التي تعني العقار وقطعة الأرض، ولهذا لم يكن التفريق بين الإقطاع والدولة في تلك الفترة واضحا.
- الملوك الأوروبيون دخلوا في صراع مع الإقطاعيين على السلطة وحدودها، وانتصر الملوك على الإقطاعيين بعد أن لجأ الملوك للمفهوم الروماني نفسه الذي يرى «المساس بالعظمة» هو «المساس بالملك» وهي جريمة يعاقب عليها. وقد طوّر الملوك المفهوم الروماني وضمّنوه الاعتداءات المباشرة ضد شخص الملك أو أولاده أو امتيازاته بالإضافة، إلى أي اعتداء غير مباشَر على سلطة من سلطات الملك.
- ثم تغير الأمر بعد الثورة الفرنسية في العام 1789م، إذ أعطت مفاهيمُ الثورة الدولةَ شخصية معنوية أو شخصية قانونية مستقلة عن شخصيات الحكام سواء كانوا ملوكا أو أمراء أو رؤساء. ومفاهيم الثورة الفرنسية قامت على أساس أن الحكام أداة من أدوات الحكم، أو جهاز من أجهزته، يتبدل ويتغير تبعا للحاجات والظروف. أما الدولة ذاتها فتبقى؛ لأنها «ظاهرة اجتماعية»، أي وليدة للتعامل بين أفراد المجتمع. وعلى هذا الأساس تم استبدال جرائم «المساس بالعظمة» بالجرائم المخلة بـ«أمن الدولة».
- انتشرت الأفكار القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر بصورة ألهبت المشاعر وأعطت قدسية وربما ألوهية لفكرة «الوطن» و«الأمة» و«القوم». وقد أدى ذلك اللهب القومي لاحقا إلى نشوء حركات عنصرية ووصول الحكم النازي في ألمانيا والحكم الفاشي في إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى. وقام هؤلاء الحكام بتحوير مفهوم حماية أمن الدولة ضد جميع المعارضين واعتبروا المعارض السياسي مجرما وعدوا للشعب؛ لأنه عادى نظام الحكم القائم.
- مع تطور «الدولة القومية» واحتلالها الموقع الأساسي في تركيبة الأمم المتحدة العام 1945م تعزز كيان الدولة وأصبح بإمكان الحكومات المستبدة أن تصدر القوانين الاستثنائية، أو أحكام الطوارئ بحجة محاربة الإرهاب والتطرف... إلخ، وأنشأت الدولة محاكم أمن دولة ومحاكم استثنائية لمعاقبة المخالفين لها.
- الرغبة القوية في المحافظة على أمن الدولة يواجهها اتجاه المطالبة بحقوق الأفراد وحرياتهم الاجتماعية والمدنية؛ إذ إن إباحة الأمر للدولة حفظ «أمنها» من دون حدود يؤدي بصورة حتمية إلى سلب الأفراد والجماعات أمنهم وطمأنينتهم وحرياتهم وحقوقهم التي منحها إياهم دستور البلاد.
- «الدولة القومية» توسعت في قوتها بعد الحرب العالمية الثانية كثيرا، ولأنها الكيان الوحيد المعترف به والذي يؤخذ بصوته في الأمم المتحدة، فإن هيمنة أية مجموعة أو حزب أو قبيلة على «الدولة» يعني إفساح المجال أمام هذه الفئة لأن تظلم أفراد المجتمع بحجة الحفاظ على أمن الدولة. وعلى رغم أن الأمم المتحدة تشترط على الدول أن تكون منبثقة من شعوبها تحت عنوان «حق تقرير المصير» فإن المؤسسة الدولية عاجزة أمام سلطة الدولة داخل حدود تلك الدولة؛ لأن الأمم المتحدة تمنع «التدخل في الشئون الداخلية للدول القومية». ولذلك فقد سعى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948م إلى موازنة ميثاق الأمم المتحدة من خلال تأكيد حقوق المواطن ومطالبة «الدول القومية» بتوقيع المعاهدات التي تضمن للمواطنين حقوقهم.
- مازال المبدأ الأساسي لتشكيل الدولة القومية (حق تقرير المصير) يشكو من الخلل والالتباس بخصوص كيفية التحقق من تقرير شعب ما لمصيره. وأيضا من هو الشعب الذي يقرر مصيره؟ وما مكوناته؟ هل الشعب هو الذي تجمعه لغة مشتركة؟ دين مشترك؟ أصل إثني مشترك؟ العيش على أرض مشتركة؟ إقليم معين؟
- لقد نجح مبدأ «حق تقرير الشعوب لمصيرها» في إسقاط الحكم الملكي المطلق في أوروبا وإيجاد صيغة لهيئة الأمم المتحدة، ولكنه فشل في تحديد الأنموذج والتطبيق العملي «العالمي». ولهذا فإن الفكر السياسي يتجه إلى موازنة الخلل من خلال تقوية أطروحة «المجتمع المدني» .
- الدولة، إذا، يمكن إقامتها في هذا العصر مع الاحتفاظ بالحكم المطلق، ويمكن أن تقام ضمن إطار دستوري، ويمكن أن تعتبر ظاهرة إلهية أو اجتماعية بحسب المنطلق الفلسفي، ويمكن أن تكون طبقية. وفي كل الأحوال استطاعت الدولة بمجرد أن ترفع علما لها وتصدر عملة باسمها ونشيدا وطنيا وجيشا وأمنا وإعلاما ومطارا دوليا، أن تصبح عضوا معترفا به في منظمة الأمم المتحدة، مُحدِثة بذلك تناقضا بين قول المبدأ وحكم الواقع.
- غير أن الدولة القومية تواجه اليوم تحديا حقيقيا لسلطاتها. فلقد تشبّعت الدولة من امتلاكها السلطات وأصبحت عاجزة عن تنمية القدرات الاقتصادية، بل إنها أصبحت عالة على نفسها والمجتمع. ولهذا اتجهت الدول القومية إلى «الخصخصة» و«عولمة الاقتصاد» و«تحرير سوق النقد والأموال» للتخلص من الأعباء التي ألقتها على نفسها، واكتشفت أنها لا تستطيع إدارتها وتنميتها بنجاح.
- في البعد الآخر، إن حركة حقوق الإنسان العالمية بدأت تؤثر على السياسة الدولية، وأصبحت المواثيق الدولية والعهود والاتفاقيات ذات فاعلية أكبر من ذي قبل. ولعل مؤتمر هلسنكي في العام 1976م، «منظمة التعاون والأمن الأوروبي» قد أوجد نقلة نوعية في هذا الشأن؛ إذ اعتبرت المنظمة أن لها الحق في أن تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء في المنظمة إذا كان ذلك الشأن يتعلق بحقوق الإنسان. وأخذ المفهوم يتعزز منذ ذلك الوقت في المحافل الدولية. ولذلك فإن نشاطات مفوضية حقوق الإنسان التابعة إلى الأمم المتحدة آخذة في الازدياد والأهمية.
- الحديث تركز على الدول الأوروبية بسبب أن النظام العالمي والأمم المتحدة و«حق تقرير المصير» نشأ في أوروبا/ أميركا... ويتحرك حاليا من خلال القوة السياسية الغربية. والأمم المتحدة، والنظام العالمي يتعرضان لإرهاصات الفكر الإنساني العالمي الداعي للعدالة وتحقيق السلم الدولي على أساس «الحقوق» و«التنمية» لا على أساس «القوة» و«الهيمنة».
- مازالت دساتير بعض الدول تشتمل على تحريم «المساس بالعظمة» أو «الذات الملكية»، أو «الذات الأميرية». وهذا المفهوم هو ذاته الذي سنّه الرومان في العصور القديمة. والمشكلة أن هناك خلطا بين شخص الملك أو عائلته وشخصية الدولة، إذ لا يستطيع البعض أن يفرّق بين «الدولة» و«القبيلة»، أو«الدولة» و«الملك». فالقبيلة تعني الدولة، والدولة تعني القبيلة، والملك يعني الدولة، والدولة تعني الملك. ولهذا فإن انتقاد الملك أو القبيلة أو الفئة المسيطرة يعتبر مساسا بأمن «الدولة»، وتقوم «أجهزة الدولة» بمعاقبة من تجرأ على الاشتراك في المعارضة.
- في الدول الديمقراطية، من الناحية النظرية على الأقل، يعتبر المواطن الدافع للضرائب هو الحجر الأساس في الدولة. والدولة ومؤسساتها جميعها تحت سيطرة المواطنين وخدمته من خلال ممثليهم. فالمواطن ليس تابعا لملك وليس أداة للدولة، بل العكس.