مفهوم ضيق للديموقراطية
مرسل: الثلاثاء مايو 07, 2013 7:48 am
تبني مفهوم ضيق للديمقراطية والهوس بالسياسة الرسمية
هناك مشكلتان أساسيتان في خطاب هذا التيار فيما يتعلق بالديمقراطية. الأولى إنه اختزل مطالب الثورة المصرية إلى إصلاح سياسي ديمقراطي فحسب. هذه المسألة خلافية بين المصريين أنفسهم. فهناك من يرى أن الثورة المصرية هي ثورة سياسية ديمقراطية فقط. وهناك من يرى أنها ثورة تهدف لعمل تغيير جذري مجتمعي شامل وليس مجرد تغيير النظام السياسي ليكون أكثر ديمقراطية فقط. لكن هؤلاء المحليين الغربيين يتبنون وجهة نظر واحدة. ويقولون إن الثورة المصرية قامت من أجل التغيير الديمقراطي. وبما أن مصر شهدت تحولاً لمزيد من التعددية الحزبية الأكثر حرية ونحو إجراء انتخابات أكثر حرية فليس هناك منطق في الكلام عن استكمال الثورة. والخطأ الثاني هو انحياز هؤلاء لمفهوم قاصر ومختزل عن الديمقراطية. الديمقراطية هي إجراء انتخابات دورية فقط. ولا بأس من الاهتمام بحق التجمع وحرية الرأي والتعبير وحقوق المرأة والأقليات. لكن الانتخابات هي جوهر الديمقراطية. والملمح الامبريالي هنا هو محاولة تسويق نموذج بعينه. ثم لوم غير المشاركين به. فلتكن الثورة انتهت تماماً، وإن مصر ليس أمامها إلا التحول من النظام الديكتاتوري والسلطوي السابق إلى الديمقراطية، كما يقول بعض أنصار هذا الاتجاه. لكن المشكلة الكبرى هي أن بعض أنصار هذا الإتجاه مهووسون بالسياسة الرسمية لدرجة اختزال كل ما يتعلق بالديمقراطية إلى بناء مؤسسات الديمقراطية التمثيلية. لكن بالطبع فان افتراض أن الثورة انتهت تماماً هو تصور غير تاريخي وغير سليم، لانها موجودة ولو في صورة مطالبها التي لم تتحقق أو الأحلام التي تم الغدر بها.
وبالنسبة لهؤلاء المحللين الشروة الديمقراطية هي شروة جاهزة يوافق عليها الغرب. والنموذج الأمثل لها ربما كان التحول الذي حدث في دول أوروبا الشرقية بعد التحول من الديكتاتورية. ولو كان كله تحولاً شكلياً، ولو أبقى على كل علاقات القوى الاجتماعية القديمة ولم يواجه الفساد، لكنه تحول جيد طالما كان يخدم المصالح الغربية. فالديمقراطية بالنسبة لهؤلاء هي صندوق الانتخاب ووجود مؤسسات رسمية للدولة وبعض أو جزء كبير من الحريات المدنية والسياسية. لكنها لا تشمل أي افكار عن الديمقراطية الإجتماعية أو الشعبية. ديمقراطية الصندوق رائعة طالما انها ترتبط وتحترم ديمقراطية/حرية السوق، وسياسات الليبرالية الاقتصادية. وفي هذا السياق كتب الكثير من المحللين المصريين الجادين عن هوس هؤلاء بالسياسة الرسمية ومفهومهم المختزل للديمقراطية. (انظر مثلا مقالات دينا الخواجة في ”المصري اليوم الانجليزية“ عن الفارق بين التحول الديمقراطي والانتقال الديمقراطي، وعن اختزال الديمقراطية لصندوق الانتخابات، كما نحت الباحث والكاتب المصري عمرو عزت مصطلح ”الصندوقراطية“ لنقد المفهوم العبثي لخطاب الإخوان عن الديمقراطية التى اختزلها إلى صندوق الاقتراع فقط) .
وهناك سؤال نظري هنا: ماذا لو اخترع المصريون شكلاً جديداً للديمقراطية المباشرة يختلف عن الديمقراطية التمثيلية المعروفة التي تتحكم فيها الشركات الرأسمالية الكبرى وطبقات بعينها؟ هل سيقبله هؤلاء؟ بدون مبالغة، بعض المهوسيين بالديمقراطية الشكلية المؤسسية لا يمكن وصفهم سوى بحالة لاكانية (نسبة الى عالم التحليل النفسي جاك لاكان) ووقوفهم عند مرحلة المرآة.
فالديمقراطية الشكلية المؤسسية هي الشكل المريح لهم والذي يعرفونه جيداً. هي مريحة لانهم يجدون أنفسهم فيها كمن ينظر في المرآة الى نفسه، وهي مريحة لأنها لا تهدد النمط السائد الرأسمالي للديمقراطية التمثيلية!
والمفارقة أنه بينما أصبح المصريون عازفين ومتشكيين في العملية السياسية، يتفق كل من الإخوان المسلمين وهؤلاء المحللين على التبشير بها. المجلس العسكري والاخوان احترموا صندوق الانتخابات واحتفظوا بمنظومة الفساد المباركية والأجهزة القمعية للدولة والتي استمرت في قتل وتعذيب المصريين. فهل هذه هي الديمقراطية؟ هؤلاء المحللين يتهكمون دائماً بأن المصريين لا يشاركون في العملية السياسية ويفضلون التظاهر عن المشاركة السياسية. وبالمناسبة ليس من الصحيح أن المصريين كانوا متشككين في العملية السياسية طوال الوقت. فقد شاركوا في الأحزاب الجديدة. والباحث المدقق لنسبة المشاركين في التصويت بعد الثورة سيجدها نسبة عالية لكنها بدأت في التراجع، بعد ما اكتشف كثير من المصريين انفصال العملية السياسية عن مطالب الثورة والمجتمع. لكن أليس من حق الكثير من المصريين التشكك وقد كان طريق التحول مفروض فرضاً. فلم يختار المصريون المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقيادة التحول، كما لم يكن هناك أي نقاش مجتمعي حقيقي يقرر ما الذي يريد المصريون أن يفعلوه بعد مبارك؟ أوليس من حق المصريين التشكك طالما لم تأت العملية السياسية إلا بمزيد من القمع والقتل والتجويع والتعذيب؟ ولا أقول هنا إن مفاهيم هؤلاء ظلت ثابتة بلا نقد لما حدث من مشاكل في التحول/الانتقال في مصر. فقد بدأوا مؤخراً ينتقدون الاخوان. لكن معظم نقدهم يركز فقط على عدم كفاءة الاخوان وحسب، لكنهم لا يلومون المفهوم السطحي للديمقراطية الذي يروجونه! يلوم هؤلاء المصريين لانهم أصبحوا متشكيين في العملية السياسية. ولا يرون الإقصائية والعنف الذي صاحب هذه العملية فضلاً عن مدى نخبويتها وسطحيتها. والطريف أن مصر فيها ديمقراطية الصناديق شكلياً ولكن يدير البلاد أصلا من لم ينتخب أصلا عن طريق الصناديق، وبلا حساب. والمقصود هنا هو جماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد. العملية السياسية التي قامت بعد الثورة تقريباً ماتت وليس لها مصداقية. ومشكلتها الاساسية ليست فقط أن من أداروها بأنانية وللحفاظ على مصالح مزيج من النظام القديم والإخوان المسلمين، ولكن لأنهم هم ومن روجوا لها في قرارة أنفسهم أرادوا عملية سياسية مشروطة، تحافظ على بعض مصالح النظام القديم ومصالح القوى الكبرى الدولية بحيث لا تهدد هذه المصالح.
وفي سياق انسداد وفشل العملية السياسية في مصر الآن يتحدث بعض هؤلاء بلغة العارفين بكل الأمور أحياناً فيقولون مثلاً: لقد تحدثنا مع كل من الحكومة والمعارضة ونستطيع أن نقول بكل ثقة أنه لا توجد أي مؤسسات حقيقية تساعد على بناء الديمقراطية في مصر وأن كلا من الطرفين غير جادين وغير ملتزمين بالديمقراطية. والمشكلة هنا ليست لهجة الاستعلاء وبناء الحكم العام على حوارات مع النخبة التي يدينوها، لكن المفارقة أنهم بدأوا يلومون العملية السياسية النخبوية التي بشروا بها بالرغم من كل مشاكلها.