- الثلاثاء مايو 07, 2013 6:08 pm
#63199
مفهوم السياسة العامة :
التحدث عن السياسة العامة أمر شائع في الحياة العامة فقد يستخدم المصطلح في إطاره الواسع (كالسياسة الخارجية الأمريكية) أو (السياسة الاقتصادية السوفيتية) أو (السياسة الزراعية في أوربا الغربية) أو يستخدم في إطار ضيق جدا كالسياسة المتعلقة بإزالة الجليد من الطرقات فهي إذا ليست موجهه لفرد أو لأحد بذاته وإنما هي تؤثر بعمق في نمط الحياة للمواطنين عامة .
والواقع أن علماء السياسة والإدارة العامة استعملوا عبارة السياسة العامة لتعبر عن عدة معاني ونذكر منها ما يلي:
1-في مواجهة مشكلة عامة معينة، قد تعلن الحكومة سياستها بواحد من الأساليب التالية:
أ-الصمت عن التعبير وتجاهل الجدل العم حول الموضوع وعدم الاستجابة للضغوط التي تطالب بتدخل الحكومة . أي أن الحكومة تتخذ موقفا سلبيا وكأنها لا تعترف بوجود المشكلة .
ب-التصريح علنا وشفاهة من القيادة السياسية لحكومة بعبارات تعتبرها كافية للتعبير عن رأي الحكومة في المشكلة وتوضيحا لمواقفها نحوها . وقد يكون هذا التصريح كافيا لإحداث ردة الفعل المطلوبة لحل المشكلة.
ج-اتخاذ إجراءات رسمية تنتهي بإصدار قرارات تشريعية أو تنفيذية بما تنوي القيام به لعلاج المشكلة . وهذا يتطلب قيام الحكومة بتعريف المشكلة واختيار أسلوب معين لعلاجها وإصدار القرار، أو القانون أو المرسوم اللازم لذلك.
2-كما تعرف السياسة العامة بأنها (قرار دائم يتميز بثبات السلوك الذي يترتب عليه كما أنه يمثل وجهات نظر أولئك الذين اتخذوا القرار والذين يلتزمون بتنفيذه ) ويوضح هذا التعريف أن السياسة العامة لها خصائص معينة منها:
أ-أنها قرار تتخذه الحكومة. بمعنى أنها تختار من بين أساليب بديلة أسلوبا معينا لتحقيق الأهداف المنشودة.
ب-أن القرار يتميز بالثبات أي الدوام أو عدم التغير - نسبيا – ما دامت السياسة العامة لم تتغير.
ج-أن تطبيق السياسة العامة عام شامل وبنفس الأسلوب على كل أفراد المجتمع الذين تخدمهم هذه السياسة.
د-أن السياسة العامة تتخذ بالتشاور بين كافة المسؤولين الحكوميين ومع من ينطبق عليهم القرار أو على الأقل أنها تعبر عن وجهات نظرهم جميعا .
هـ -أن السياسة العامة عملية ديناميكية حركية مستمرة دائمة التطور والتغير. (خيري عبدالقوي / ص 44 – 46 ).
أولا: تعريف السياسة العامة
السياسة العامة أو السياسة الحكومية هي: ما تقوم به الحكومة أو تعتزم القيام به لحل مشكلة عامة تواجه المجتمع لتوفير حاجات يتطلبها المجتمع أو لتحقيق أهداف ينشدها المجتمع. والحكومة تقوم بالكثير لحماية ورعاية وخدمة الصالح العام ومن أجل هذا ترسم سياسات عامة تمثل الأهداف التي تسعى لتحقيقها والقواعد والقيم وأساليب العمل التي تلتزم بها. فعلى سبيل المثال، ترسم سياسات عامة للتعليم والصحة والإسكان والعملة الوافدة والآداب والأخلاقيات العامة وغير ذلك. (خيري عبدالقوي / ص13)
هنالك تعريف واسع للسياسة العامة يقول بأنها: (العلاقة بين الوحدة الحكومية وبيئتها )وهذه السعة والشمولية في التعريف تجعل اغلب الدارسين غير متأكدين من حقيقة المعنى وربما لا يسعفهم بأي تصور.
أما رجارد روز فعرف السياسة العامة بأنها (سلسلة من الأنشطة المترابطة قليلا أو كثيرا ) وأن نتائجها تؤثر على من تهمهم مستقبلا وليست قرارات منفصلة ، كما إن تعريف روز يتضمن الفكرة المهمة القائلة بأن السياسة ليست قرارا بفعل شيء وإنما برنامج أو نسق من الأنشطة غير المحددة .
أما كارل فردريك فيقول : (إن السياسة هي برنامج عمل مقترح لشخص أو لجماعة أو لحكومة في نطاق بيئة محدده لتوضيح الفرص المستهدفة والمحددات المراد تجاوزها سعيا للوصول إلى هدف أو لتحقيق غرض مقصود) فالسياسة هنا موجهه نحو أهداف وهذا ما يجعل فيها سلوكا وموجها على الرغم من أن أهداف الحكومة قد يصعب فرزها أحيانا على وجه التحديد وأن المطلوب من السياسة هو بلورة ما يتم فعله وليس مجرد افتراض أو مقترح يمكن أخذه .
ويقول جيمس أندرسون أن السياسة العامة هي (برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو لمواجهة قضية أو موضوع )فالتعريف يركز على ما يتم فعله في إطار ما يستوجب أو يراد فيه تمييزا للسياسة من القرار الذي هو مجرد خيار من البدائل .
والسياسة العامة هي تلك التي تطورها الأجهزة الحكومية من خلال مسؤوليتها علما أن بعض القوى غير الحكومية أو غير الرسمية قد تسهم أو تؤثر في رسم و تطوير بعض السياسات العامة وتستمد خصوصيتها من كونها متخذة من قبل السلطات المخولة كما يقول ديفد ايستن من جانب النظام السياسي وهؤلاء عادة هم المشرعون والقياديون والحكام والملوك والرؤساء والمجالس والهيئات العليا .(جيمس أندرسون / ص14 -15 ) .
ولا بد هنا من تحديد بعض المفاهيم للسياسة العامة كما عرفت هنا وعلى الوجه التالي:
1-إنه تشمل الأعمال الموجهة نحو أهداف مقصودة ولا تشمل التصرفات العشوائية والعفوية التي تصدر عن بعض المسؤولين .
2-إنها تشمل البرامج والإعمال المنسقة التي تصدر عن القادة الحكوميين وليست القرارات المنفصلة المنقطعة .
3-وتشمل السياسات العامة جميع القرارات الفعلية المنظمة والضابطة للتجارة أو لمعالجة التضخم أو لمعالجة مشكلة السكن ولا تشمل ما تنوي الحكومة أن تفعله أو تعد لفعله.
4--وقد تكون السياسة العامة إيجابية في صياغتها مثلما تكون سلبية فهي قد تأمر بالتصرف باتجاه معين وقد تنهى عن القيام بتصرفات غير مرغوبة أو قد يعد سكوتها أو عدم التزامها بالتصرف إزاء ظواهر معينة بمثابة توجه.
ويمكن فهم مصطلح السياسة العامة بصورة أدق حينما يجزأ إلى أصنافه مثل مطالب السياسة العامة ،القرارات ،التصريحات ،المخرجات ،العوائد . وسنعرضها بإيجاز.
مطالب السياسة :
وتشمل كل ما يطرح على المسئولين من جانب الآخرين سواء كانوا من الأهالي أم من الرسميين الفاعلين في النظام السياسي وذلك للتحرك إزاء قضية معينة أو التوقف عن المضي في اتجاه ما وهذه المطالب تتراوح بين الإلحاح على الحكومة لفعل شيء ما والمقترحات المحددة المطالبة بفعل محدد بذاته .
قرارات السياسة:
وتشمل ما يصدره الموظفون العموميون المخولون بإصدار الأوامر والتوجيهات المحركة للفعل الحكومي . وقرارات السياسة هي غير القرارات الروتينية المعتادة .
تصريحات السياسة:
وهي تعبيرات رسمية أو عبارات موحية بسياسة عامة وتشمل الأوامر الشفهية والتفسيرات القانونية والضوابط المحددة للسلوك وآراء الحكام والقضاة وحتى خطب المسؤولين وشعاراتهم التي تعبر عن المقاصد العامة والأغراض المطلوب تحقيقها والأعمال الموجه نحوها .
مخرجات السياسة:
وهي الانعكاسات المحسومة الناجمة عن السياسة العامة وفي ضوء قرارات السياسة والتصريحات التي يتلمسها المواطنون من الأعمال الحكومية. وقد تكون المخرجات المتحققة عن السياسة العامة بعيده أو مختلفة عما يتوقع تحقيقه أو ما تنص عليه السياسة نفسها .
عوائد السياسة:
وهي النتائج التي يتلقاها المجتمع من تطبيق السياسة العامة سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة والتي تنجم عن رد الفعل والامتناع عن الفعل. وسياسات الرفاهية . (جيمس أندرسون / ص 16 – 18)
ثانيا: ماهية السياسة العامة
من الظواهر المميزة للحياة في المجتمع الحديث امتداد سلطة الحكومة إلى كافة جوانب حياة ونشاط أفراد المجتمع. فالمواطن يخضع لسيطرة ونفوذ حكومي متشعب يتناول كل ما يمارسه وينظم حياته كعضو اجتماعي وعلى الرغم من أن الدافع إلى تغلغل سلطة الحكومة قد يكون حماية المجتمع وتنظيم حياة أفراده ، فهذا لا يغير من واقع أن هذه السلطة تؤثر وتوجه كل نشاط يمارسه الفرد بدرجة قد لا يتصور البعض مداها . والواقع أن تدخل الحكومة في حياة الفرد يبدأ قبل مولده ويمتد إلى ما بعد وفاته.
أن السياسة العامة التي تقررها وتنفذها الحكومة تتميز بالتنوع والشمول والتغلغل الذي يمس كافة جوانب الحياة في المجتمع ، وأن من أهدافها تنظيم حياة الأفراد وحل مشاكلهم وتوفير مطالبهم ، وأن لها تأثير مباشر وغير مباشر إيجابي وسلبي في وقت واحد ، وأخيرا إن لها مغزى ومعنى موضوعي يتعلق مباشرة بنوع ومستوى حياة الأفراد في المجتمع وما يتمتعون به – أو يحرمون منه – بالمقارنة بمجتمعات أخرى .
أن رسم سياسات حكومية أو عامة لحل مشاكل المجتمع هي عملية سياسية في المقام الأول وتتسم بالصعوبة والتعقيد. وتختلف طبيعة وإجراءات رسم السياسة العامة من دولة إلى أخرى تبعا للنظام السياسي ودور الأجهزة الحكومية وغير الحكومية في كل منها . والسياسة العامة هي نتاج تفاعل ديناميكي معقد يتم في إطار نضام فكري بيئي سياسي محدد تشترك فيه عناصر معينة رسمية وغير رسمية يحددها النظام السياسي. وأهم هذه العناصر: دستور الحكم في الدولة ، الأيديولوجية أو الفلسفة السياسية الحاكمة ، السلطة التشريعية ، السلطة التنفيذية ، السلطة القضائية ، جماعات النفع العام والخاص ، الصحافة والرأي العام ، الإمكانات والموارد المتاحة وطبيعة الظروف العامة للبلد .
مؤدى ما تقدم أن رسم السياسة العامة ليس عملية سهلة بأي حال من الأحوال ، بل هي عملية على درجة من الصعوبة والتعقيد . (فوضع السياسة العمة عملية حركية بالغة الحساسية والتعقيد وتشمل على العديد من المتغيرات والمؤثرات وعوامل الضغط التي يؤدي تداخلها وتفاعله المستمران إلى إنتاج سلسلة من ردود الفعل التي تنصرف بدورها إلى كل جوانب العمل داخل النظام السياسي ) .
ومع المبالغة في التبسيط، يمكن تلخيص الكيفية التي تمارس بها الحكومة دورها في العمل على حل مشاكل المجتمع وتوفير احتياجاته بتقسيمها إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: تتولى الحكومة القيام بسلسلة معقده من الخطوات التي تنتهي بإصدار قانون أو قرار بسياسة عامة ينطوي على تعريف للمشكلة وتحديد للأهداف المرغوب فيها وكيفية وأساليب تحقيقها وتخصيصا للموارد المالية وغيرها اللازمة للتنفيذ. وهذا يعتبر من اختصاص السلطة التشريعية بصفة أساسية .
المرحلة الثانية: هي تنفيذ السياسة العامة بمعنى القيام بسلسلة معقدة من الخطوات غايتها تحقيق أهداف السياسية العامة. ومن بين هذه الخطوات تكوين جهاز إداري ضمن وحدات السلطة التنفيذية يكلف بمسؤولية تنفيذ السياسة العامة ، وتنظيم هذا الجهاز داخليا بما يضمن تنسيق الجهود لتحقيق الأهداف ، وتوظيف الموارد البشرية المناسبة عددا وتأهيلا والمدربة عملا على أداء الوظائف اللازمة ، وتوفير الموارد المالية اللازمة للتنفيذ ، وأخيرا قيام هذه البيروقراطية بتوصيل الخدمات إلى المواطنين . وهذه الأعمال تدخل بطبيعتها في نطاق الإدارة العمة أو الحكومية التي تعتبر من اختصاصات السلطة التنفيذية.
المرحلة الثالثة: هي متابعة وتقييم نتائج تنفيذ السياسة العامة للتأكد من مدى النجاح في تحقيق الأهداف. وهذه أيضا تنطوي على سلسلة معقدة من الخطوات التي يشترك فيها عدة أجهزه حكومية وغير حكومية منها : السلطة التشريعية ، القيادة السياسية للدولة ، السلطة التنفيذية عامة والجهاز المسؤول عن التنفيذ الخاص ، أجهزة الرقابة المركزية مثل ديوان المحاسبة ، المنظمات والجمعيات الأهلية وجمهور المواطنين الذين يتأثرون إيجابا وسلبا بما تقوم به الحكومة . وقد تختلف نتيجة التقييم تبعا للجهاز الذي يقوم به ومجموعات المصالح المتعلقة بهذا النشاط الحكومي وقد ينتهي الأمر بالحكم بأن السياسة العامة وأسلوب تنفيذها سليمين وأن الأهداف تتحقق بالكم والكيف المطلوب .كما قد ينتهي التقييم بالحكم بغير ذلك مما قد يستدعي إعادة النظر في السياسة العامة ذاتها أو أساليب التنفيذ أو حتى أسس ومعادلات التقييم . خيري عبدالقوي / ص 35- 37 )
ثالثا: منشأ السياسة العامة
تنشأ السياسة العامة نتيجة وجود مشكلة عامة تتطلب تدخلا حكوميا . والمشكلة هي جوهر السياسة العامة وتعرف بأنها (حاجات إنسانية، مسببات عدم رضا، حرمان، أو ظلم يتطلب تعويضا أو علاجا ). كما تعرف المشكلة بأنها (حاجات إنسانية تتطلب علاجا ) ويقسم البعض المشاكل إلى مستويات ثلاثة. مشاكل شخصية تتعلق بفرد أو مجموعة صغيرة من الأفراد ولا تثير اهتمام أو انتباه الرأي العام ويتطلب علاجها جهد وموارد خاصة. ومن قبيل هذا النوع المشاكل العائلية. وفي المستوى الثاني المشاكل الاجتماعية وهي على مستوى أعلى من المشاكل الشخصية وأثارها أكثر منها اتساعا ولكنها أيضا لا تتطلب لحلها تدخلا حكوميا أو اعتمادا على موارد الدولة. أما المستوى الثالث فهو المشاكل العامة وهي أعلى المستويات إذ أنها تؤثر في كل أو غالبية أفراد المجتمع تأثيرا مباشرا أو غير مباشر ويتطلب علاجها موارد تزيد عن طاقة الأفراد أو الجماعات المتفاعلة في المشكلة كما يستلزم علاجها تدخلا من الحكومة لاتخاذ قرار بالحل الأنسب وفرضه بحكم القانون.
وتعتبر السياسة العامة بحكم تعريفها محاولة حكومية لحل المستوى الثالث فقط من المشاكل وهي المشكلات العامة. إذ لا ترسم سياسة عامة لعلاج المشكلة الخاصة والاجتماعية حتى لو استدعى حلها تدخلا حكوميا باعتبار أن أهميتهما وآثارهما محدودتين. لذا يقصد بالسياسة العامة العلاج الذي تتخذه الحكومة أو تعتزم اتخاذه بقصد حل مشكلات عامة تؤثر تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في المجتمع ككل .
إن التوسع الكبير في نشاط الحكومة في العصر الحديث هو نتيجة وجود مشاكل تواجه المجتمع تتطلب لحلاها تدخلا حكوميا. هذه المشاكل قد تتخذ شكل تضارب مصالح ، صراع طبقي ، استغلال اقتصادي ، سوء توزيع للثروة ، عدم وجود عدالة ، حاجة إلى التعليم والصحة والإسكان والتنمية والحماية – داخليا وخارجيا – ومئات غير ذلك من الحاجات والرغبات والطموحات التي يشعر بها أفراد المجتمع . ولكن نظرا لعدم قدرة الفر بذاته أو بتنظيم اجتماعي صغير كالقبيلة أو العائلة على – أو رغبة في حل هذه المشاكل ، كان طبيعيا أن يتجه الكل للحكومة كوسيط يتولى عنهم القيام بهذه الرسالة السياسية الخطيرة .
أن الأسلوب الذي تتبعه الحكومة في الاستجابة لهذه المطالب وحل هذه المشاكل، هو إصدار قرارات بسياسات عامة. ومن هذا يتضح أن هذه السياسات العامة تتناول كافة جوانب الحياة في المجتمع من دفاع إلى علاقات دولية ، تعليم صحة ، رعاية اجتماعية إسكان اقتصاد قومي رياضة ، وما إلى ذلك . فكل من هذه المجالات يمثل مشكلة أو مجموعات من المشاكل التي يعجز أفراد المجتمع عن علاجها ويطالبون الحكومة بالقيام بذلك بالنيابة عنهم.( خيري عبدالقوي / ص42-43 )
المراجع:
1-د. جيمس اندرسون ، صنع السياسة العامة ، ترجمة الدكتور عامر الكبيسي (عمان : دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ، 1999م ) .
2-خيري عبدالقوي ، دراسة السياسة العامة (الكويت : منشورات ذات السلاسل ، 1989 م ) .
*هذه المشاركة تلخيص جزئ من الكتابين السابقين قام به العضو نفسه
التحدث عن السياسة العامة أمر شائع في الحياة العامة فقد يستخدم المصطلح في إطاره الواسع (كالسياسة الخارجية الأمريكية) أو (السياسة الاقتصادية السوفيتية) أو (السياسة الزراعية في أوربا الغربية) أو يستخدم في إطار ضيق جدا كالسياسة المتعلقة بإزالة الجليد من الطرقات فهي إذا ليست موجهه لفرد أو لأحد بذاته وإنما هي تؤثر بعمق في نمط الحياة للمواطنين عامة .
والواقع أن علماء السياسة والإدارة العامة استعملوا عبارة السياسة العامة لتعبر عن عدة معاني ونذكر منها ما يلي:
1-في مواجهة مشكلة عامة معينة، قد تعلن الحكومة سياستها بواحد من الأساليب التالية:
أ-الصمت عن التعبير وتجاهل الجدل العم حول الموضوع وعدم الاستجابة للضغوط التي تطالب بتدخل الحكومة . أي أن الحكومة تتخذ موقفا سلبيا وكأنها لا تعترف بوجود المشكلة .
ب-التصريح علنا وشفاهة من القيادة السياسية لحكومة بعبارات تعتبرها كافية للتعبير عن رأي الحكومة في المشكلة وتوضيحا لمواقفها نحوها . وقد يكون هذا التصريح كافيا لإحداث ردة الفعل المطلوبة لحل المشكلة.
ج-اتخاذ إجراءات رسمية تنتهي بإصدار قرارات تشريعية أو تنفيذية بما تنوي القيام به لعلاج المشكلة . وهذا يتطلب قيام الحكومة بتعريف المشكلة واختيار أسلوب معين لعلاجها وإصدار القرار، أو القانون أو المرسوم اللازم لذلك.
2-كما تعرف السياسة العامة بأنها (قرار دائم يتميز بثبات السلوك الذي يترتب عليه كما أنه يمثل وجهات نظر أولئك الذين اتخذوا القرار والذين يلتزمون بتنفيذه ) ويوضح هذا التعريف أن السياسة العامة لها خصائص معينة منها:
أ-أنها قرار تتخذه الحكومة. بمعنى أنها تختار من بين أساليب بديلة أسلوبا معينا لتحقيق الأهداف المنشودة.
ب-أن القرار يتميز بالثبات أي الدوام أو عدم التغير - نسبيا – ما دامت السياسة العامة لم تتغير.
ج-أن تطبيق السياسة العامة عام شامل وبنفس الأسلوب على كل أفراد المجتمع الذين تخدمهم هذه السياسة.
د-أن السياسة العامة تتخذ بالتشاور بين كافة المسؤولين الحكوميين ومع من ينطبق عليهم القرار أو على الأقل أنها تعبر عن وجهات نظرهم جميعا .
هـ -أن السياسة العامة عملية ديناميكية حركية مستمرة دائمة التطور والتغير. (خيري عبدالقوي / ص 44 – 46 ).
أولا: تعريف السياسة العامة
السياسة العامة أو السياسة الحكومية هي: ما تقوم به الحكومة أو تعتزم القيام به لحل مشكلة عامة تواجه المجتمع لتوفير حاجات يتطلبها المجتمع أو لتحقيق أهداف ينشدها المجتمع. والحكومة تقوم بالكثير لحماية ورعاية وخدمة الصالح العام ومن أجل هذا ترسم سياسات عامة تمثل الأهداف التي تسعى لتحقيقها والقواعد والقيم وأساليب العمل التي تلتزم بها. فعلى سبيل المثال، ترسم سياسات عامة للتعليم والصحة والإسكان والعملة الوافدة والآداب والأخلاقيات العامة وغير ذلك. (خيري عبدالقوي / ص13)
هنالك تعريف واسع للسياسة العامة يقول بأنها: (العلاقة بين الوحدة الحكومية وبيئتها )وهذه السعة والشمولية في التعريف تجعل اغلب الدارسين غير متأكدين من حقيقة المعنى وربما لا يسعفهم بأي تصور.
أما رجارد روز فعرف السياسة العامة بأنها (سلسلة من الأنشطة المترابطة قليلا أو كثيرا ) وأن نتائجها تؤثر على من تهمهم مستقبلا وليست قرارات منفصلة ، كما إن تعريف روز يتضمن الفكرة المهمة القائلة بأن السياسة ليست قرارا بفعل شيء وإنما برنامج أو نسق من الأنشطة غير المحددة .
أما كارل فردريك فيقول : (إن السياسة هي برنامج عمل مقترح لشخص أو لجماعة أو لحكومة في نطاق بيئة محدده لتوضيح الفرص المستهدفة والمحددات المراد تجاوزها سعيا للوصول إلى هدف أو لتحقيق غرض مقصود) فالسياسة هنا موجهه نحو أهداف وهذا ما يجعل فيها سلوكا وموجها على الرغم من أن أهداف الحكومة قد يصعب فرزها أحيانا على وجه التحديد وأن المطلوب من السياسة هو بلورة ما يتم فعله وليس مجرد افتراض أو مقترح يمكن أخذه .
ويقول جيمس أندرسون أن السياسة العامة هي (برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو لمواجهة قضية أو موضوع )فالتعريف يركز على ما يتم فعله في إطار ما يستوجب أو يراد فيه تمييزا للسياسة من القرار الذي هو مجرد خيار من البدائل .
والسياسة العامة هي تلك التي تطورها الأجهزة الحكومية من خلال مسؤوليتها علما أن بعض القوى غير الحكومية أو غير الرسمية قد تسهم أو تؤثر في رسم و تطوير بعض السياسات العامة وتستمد خصوصيتها من كونها متخذة من قبل السلطات المخولة كما يقول ديفد ايستن من جانب النظام السياسي وهؤلاء عادة هم المشرعون والقياديون والحكام والملوك والرؤساء والمجالس والهيئات العليا .(جيمس أندرسون / ص14 -15 ) .
ولا بد هنا من تحديد بعض المفاهيم للسياسة العامة كما عرفت هنا وعلى الوجه التالي:
1-إنه تشمل الأعمال الموجهة نحو أهداف مقصودة ولا تشمل التصرفات العشوائية والعفوية التي تصدر عن بعض المسؤولين .
2-إنها تشمل البرامج والإعمال المنسقة التي تصدر عن القادة الحكوميين وليست القرارات المنفصلة المنقطعة .
3-وتشمل السياسات العامة جميع القرارات الفعلية المنظمة والضابطة للتجارة أو لمعالجة التضخم أو لمعالجة مشكلة السكن ولا تشمل ما تنوي الحكومة أن تفعله أو تعد لفعله.
4--وقد تكون السياسة العامة إيجابية في صياغتها مثلما تكون سلبية فهي قد تأمر بالتصرف باتجاه معين وقد تنهى عن القيام بتصرفات غير مرغوبة أو قد يعد سكوتها أو عدم التزامها بالتصرف إزاء ظواهر معينة بمثابة توجه.
ويمكن فهم مصطلح السياسة العامة بصورة أدق حينما يجزأ إلى أصنافه مثل مطالب السياسة العامة ،القرارات ،التصريحات ،المخرجات ،العوائد . وسنعرضها بإيجاز.
مطالب السياسة :
وتشمل كل ما يطرح على المسئولين من جانب الآخرين سواء كانوا من الأهالي أم من الرسميين الفاعلين في النظام السياسي وذلك للتحرك إزاء قضية معينة أو التوقف عن المضي في اتجاه ما وهذه المطالب تتراوح بين الإلحاح على الحكومة لفعل شيء ما والمقترحات المحددة المطالبة بفعل محدد بذاته .
قرارات السياسة:
وتشمل ما يصدره الموظفون العموميون المخولون بإصدار الأوامر والتوجيهات المحركة للفعل الحكومي . وقرارات السياسة هي غير القرارات الروتينية المعتادة .
تصريحات السياسة:
وهي تعبيرات رسمية أو عبارات موحية بسياسة عامة وتشمل الأوامر الشفهية والتفسيرات القانونية والضوابط المحددة للسلوك وآراء الحكام والقضاة وحتى خطب المسؤولين وشعاراتهم التي تعبر عن المقاصد العامة والأغراض المطلوب تحقيقها والأعمال الموجه نحوها .
مخرجات السياسة:
وهي الانعكاسات المحسومة الناجمة عن السياسة العامة وفي ضوء قرارات السياسة والتصريحات التي يتلمسها المواطنون من الأعمال الحكومية. وقد تكون المخرجات المتحققة عن السياسة العامة بعيده أو مختلفة عما يتوقع تحقيقه أو ما تنص عليه السياسة نفسها .
عوائد السياسة:
وهي النتائج التي يتلقاها المجتمع من تطبيق السياسة العامة سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة والتي تنجم عن رد الفعل والامتناع عن الفعل. وسياسات الرفاهية . (جيمس أندرسون / ص 16 – 18)
ثانيا: ماهية السياسة العامة
من الظواهر المميزة للحياة في المجتمع الحديث امتداد سلطة الحكومة إلى كافة جوانب حياة ونشاط أفراد المجتمع. فالمواطن يخضع لسيطرة ونفوذ حكومي متشعب يتناول كل ما يمارسه وينظم حياته كعضو اجتماعي وعلى الرغم من أن الدافع إلى تغلغل سلطة الحكومة قد يكون حماية المجتمع وتنظيم حياة أفراده ، فهذا لا يغير من واقع أن هذه السلطة تؤثر وتوجه كل نشاط يمارسه الفرد بدرجة قد لا يتصور البعض مداها . والواقع أن تدخل الحكومة في حياة الفرد يبدأ قبل مولده ويمتد إلى ما بعد وفاته.
أن السياسة العامة التي تقررها وتنفذها الحكومة تتميز بالتنوع والشمول والتغلغل الذي يمس كافة جوانب الحياة في المجتمع ، وأن من أهدافها تنظيم حياة الأفراد وحل مشاكلهم وتوفير مطالبهم ، وأن لها تأثير مباشر وغير مباشر إيجابي وسلبي في وقت واحد ، وأخيرا إن لها مغزى ومعنى موضوعي يتعلق مباشرة بنوع ومستوى حياة الأفراد في المجتمع وما يتمتعون به – أو يحرمون منه – بالمقارنة بمجتمعات أخرى .
أن رسم سياسات حكومية أو عامة لحل مشاكل المجتمع هي عملية سياسية في المقام الأول وتتسم بالصعوبة والتعقيد. وتختلف طبيعة وإجراءات رسم السياسة العامة من دولة إلى أخرى تبعا للنظام السياسي ودور الأجهزة الحكومية وغير الحكومية في كل منها . والسياسة العامة هي نتاج تفاعل ديناميكي معقد يتم في إطار نضام فكري بيئي سياسي محدد تشترك فيه عناصر معينة رسمية وغير رسمية يحددها النظام السياسي. وأهم هذه العناصر: دستور الحكم في الدولة ، الأيديولوجية أو الفلسفة السياسية الحاكمة ، السلطة التشريعية ، السلطة التنفيذية ، السلطة القضائية ، جماعات النفع العام والخاص ، الصحافة والرأي العام ، الإمكانات والموارد المتاحة وطبيعة الظروف العامة للبلد .
مؤدى ما تقدم أن رسم السياسة العامة ليس عملية سهلة بأي حال من الأحوال ، بل هي عملية على درجة من الصعوبة والتعقيد . (فوضع السياسة العمة عملية حركية بالغة الحساسية والتعقيد وتشمل على العديد من المتغيرات والمؤثرات وعوامل الضغط التي يؤدي تداخلها وتفاعله المستمران إلى إنتاج سلسلة من ردود الفعل التي تنصرف بدورها إلى كل جوانب العمل داخل النظام السياسي ) .
ومع المبالغة في التبسيط، يمكن تلخيص الكيفية التي تمارس بها الحكومة دورها في العمل على حل مشاكل المجتمع وتوفير احتياجاته بتقسيمها إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: تتولى الحكومة القيام بسلسلة معقده من الخطوات التي تنتهي بإصدار قانون أو قرار بسياسة عامة ينطوي على تعريف للمشكلة وتحديد للأهداف المرغوب فيها وكيفية وأساليب تحقيقها وتخصيصا للموارد المالية وغيرها اللازمة للتنفيذ. وهذا يعتبر من اختصاص السلطة التشريعية بصفة أساسية .
المرحلة الثانية: هي تنفيذ السياسة العامة بمعنى القيام بسلسلة معقدة من الخطوات غايتها تحقيق أهداف السياسية العامة. ومن بين هذه الخطوات تكوين جهاز إداري ضمن وحدات السلطة التنفيذية يكلف بمسؤولية تنفيذ السياسة العامة ، وتنظيم هذا الجهاز داخليا بما يضمن تنسيق الجهود لتحقيق الأهداف ، وتوظيف الموارد البشرية المناسبة عددا وتأهيلا والمدربة عملا على أداء الوظائف اللازمة ، وتوفير الموارد المالية اللازمة للتنفيذ ، وأخيرا قيام هذه البيروقراطية بتوصيل الخدمات إلى المواطنين . وهذه الأعمال تدخل بطبيعتها في نطاق الإدارة العمة أو الحكومية التي تعتبر من اختصاصات السلطة التنفيذية.
المرحلة الثالثة: هي متابعة وتقييم نتائج تنفيذ السياسة العامة للتأكد من مدى النجاح في تحقيق الأهداف. وهذه أيضا تنطوي على سلسلة معقدة من الخطوات التي يشترك فيها عدة أجهزه حكومية وغير حكومية منها : السلطة التشريعية ، القيادة السياسية للدولة ، السلطة التنفيذية عامة والجهاز المسؤول عن التنفيذ الخاص ، أجهزة الرقابة المركزية مثل ديوان المحاسبة ، المنظمات والجمعيات الأهلية وجمهور المواطنين الذين يتأثرون إيجابا وسلبا بما تقوم به الحكومة . وقد تختلف نتيجة التقييم تبعا للجهاز الذي يقوم به ومجموعات المصالح المتعلقة بهذا النشاط الحكومي وقد ينتهي الأمر بالحكم بأن السياسة العامة وأسلوب تنفيذها سليمين وأن الأهداف تتحقق بالكم والكيف المطلوب .كما قد ينتهي التقييم بالحكم بغير ذلك مما قد يستدعي إعادة النظر في السياسة العامة ذاتها أو أساليب التنفيذ أو حتى أسس ومعادلات التقييم . خيري عبدالقوي / ص 35- 37 )
ثالثا: منشأ السياسة العامة
تنشأ السياسة العامة نتيجة وجود مشكلة عامة تتطلب تدخلا حكوميا . والمشكلة هي جوهر السياسة العامة وتعرف بأنها (حاجات إنسانية، مسببات عدم رضا، حرمان، أو ظلم يتطلب تعويضا أو علاجا ). كما تعرف المشكلة بأنها (حاجات إنسانية تتطلب علاجا ) ويقسم البعض المشاكل إلى مستويات ثلاثة. مشاكل شخصية تتعلق بفرد أو مجموعة صغيرة من الأفراد ولا تثير اهتمام أو انتباه الرأي العام ويتطلب علاجها جهد وموارد خاصة. ومن قبيل هذا النوع المشاكل العائلية. وفي المستوى الثاني المشاكل الاجتماعية وهي على مستوى أعلى من المشاكل الشخصية وأثارها أكثر منها اتساعا ولكنها أيضا لا تتطلب لحلها تدخلا حكوميا أو اعتمادا على موارد الدولة. أما المستوى الثالث فهو المشاكل العامة وهي أعلى المستويات إذ أنها تؤثر في كل أو غالبية أفراد المجتمع تأثيرا مباشرا أو غير مباشر ويتطلب علاجها موارد تزيد عن طاقة الأفراد أو الجماعات المتفاعلة في المشكلة كما يستلزم علاجها تدخلا من الحكومة لاتخاذ قرار بالحل الأنسب وفرضه بحكم القانون.
وتعتبر السياسة العامة بحكم تعريفها محاولة حكومية لحل المستوى الثالث فقط من المشاكل وهي المشكلات العامة. إذ لا ترسم سياسة عامة لعلاج المشكلة الخاصة والاجتماعية حتى لو استدعى حلها تدخلا حكوميا باعتبار أن أهميتهما وآثارهما محدودتين. لذا يقصد بالسياسة العامة العلاج الذي تتخذه الحكومة أو تعتزم اتخاذه بقصد حل مشكلات عامة تؤثر تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في المجتمع ككل .
إن التوسع الكبير في نشاط الحكومة في العصر الحديث هو نتيجة وجود مشاكل تواجه المجتمع تتطلب لحلاها تدخلا حكوميا. هذه المشاكل قد تتخذ شكل تضارب مصالح ، صراع طبقي ، استغلال اقتصادي ، سوء توزيع للثروة ، عدم وجود عدالة ، حاجة إلى التعليم والصحة والإسكان والتنمية والحماية – داخليا وخارجيا – ومئات غير ذلك من الحاجات والرغبات والطموحات التي يشعر بها أفراد المجتمع . ولكن نظرا لعدم قدرة الفر بذاته أو بتنظيم اجتماعي صغير كالقبيلة أو العائلة على – أو رغبة في حل هذه المشاكل ، كان طبيعيا أن يتجه الكل للحكومة كوسيط يتولى عنهم القيام بهذه الرسالة السياسية الخطيرة .
أن الأسلوب الذي تتبعه الحكومة في الاستجابة لهذه المطالب وحل هذه المشاكل، هو إصدار قرارات بسياسات عامة. ومن هذا يتضح أن هذه السياسات العامة تتناول كافة جوانب الحياة في المجتمع من دفاع إلى علاقات دولية ، تعليم صحة ، رعاية اجتماعية إسكان اقتصاد قومي رياضة ، وما إلى ذلك . فكل من هذه المجالات يمثل مشكلة أو مجموعات من المشاكل التي يعجز أفراد المجتمع عن علاجها ويطالبون الحكومة بالقيام بذلك بالنيابة عنهم.( خيري عبدالقوي / ص42-43 )
المراجع:
1-د. جيمس اندرسون ، صنع السياسة العامة ، ترجمة الدكتور عامر الكبيسي (عمان : دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ، 1999م ) .
2-خيري عبدالقوي ، دراسة السياسة العامة (الكويت : منشورات ذات السلاسل ، 1989 م ) .
*هذه المشاركة تلخيص جزئ من الكتابين السابقين قام به العضو نفسه