- السبت مايو 11, 2013 5:27 am
#63226
يجب أن ندرك أن الديمقراطية ليست وصفة سحرية بمجرد تطبيقها و تفعيلها في مجتمعاتنا نتحول إلى دول قوية تنعم بالعدالة و الحرية و الرفاه..
فالديمقراطية جلبت حزب كالحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا، و عانت السياسة الفرنسية من عدم استقرار مزمن حتى عام 1958 و هي دولة ديمقراطية..
إن دولاً عريقة بالديمقراطية عراقة الديمقراطية نفسها تعاني من مظالم كبرى على مستوى توزيع الثروة، ففي أميركا يملك 20% من السكان 93% من الودائع المالية. وفي فرنسا يملك 1%، 24 % من الثروة الوطنية بينما لا يملك النصف الأكثر فقرا من السكان سوى 6% من الثروة..
ثم لا ننسى أن الأنظمة الديمقراطية تفرز بالعادة جماعات ضاغطة تتحكم فضلاً عن الثروة بالسلطة بشكل مباشر أو غير مباشر، بل و تأتي برئيس و تذهب بغيره و عبر صناديق الاقتراع و عبر مؤسسات الديمقراطية الشفافة..
و خير مثال على ذلك ما ذكره "محمد بن المختار الشنقيطي" في مقاله "الزوجة الإسرائيلية و الجواري العربيات" على "حاييم سابان" المليونير اليهودي المعروف بنفوذه في السياسة الأميركية..
"فقد نقلت مجلة النيويوركي يوم 10 مايو/أيار 2010 عن سابان أنه قال مرة في جمع من الساسة الأميركيين والإسرائيليين: ربما يكون على الإدارة (الأميركية) أن تدرك أن علاقتها بزوجتها الإسرائيلية أكبر قيمة من علاقاتها الطارئة بجواريها العربيات..
وقد قال سابان هذا الحديث في بيت جو بايدن نائب الرئيس الأميركي الحالي في مارس/آذار الماضي قبيل زيارة بايدن لإسرائيل، فضحك الجميع لقوله، ثم أمر سابان مضيفه بايدن أن يصرح للجمهور الإسرائيلي في القناة الثانية الإسرائيلية، الساعة الثامنة مساء بتوقيت إسرائيل بأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا تقبل الانفصام، وهو ما نفذه بايدن حرفيا خلال زيارته".
عود على بدء.. أنا أعتقد أنه في غياب الخلافة الراشدة لا توجد وسيلة لنشر العدل و الكرامة في المجتمع سوى الديمقراطية، فقد جادت المَلَكيات الأموية و مابعدها بكثير من الخلفاء الأتقياء الصلحاء كعمر بن عبد العزيز، و نور الدين و صلاح الدين و محمد الفاتح و غيرهم كثير، إلا أن السلطة لا يجب أن تترك للنزاهة الشخصية التي قد تتوفر في أحدهم دون آخر، يجب أن يكون بناء السلطة السياسي كافلاً للعدل و المساواة مهما كان الشخص أو الحزب الذي يمسك بها في مرحلة معينة..
و هذا الشرط توفِره ـ إلى حد كبير ـ الديمقراطية، و لكن السؤال: من سيحمي النظام الديمقراطي في بلد معين من هجمات المستبدين المتكررة؟ الجواب: الشعب حصراً و جمعاً و منعاً، و لكن من سيُبْقي الشعب بمستوى من اليقظة لكي يتصدى أولاً بأول لهذه الهجمات؟ الجواب: الحرية، و خاصة تلك الحرية التي تسمح بشفافية الإعلام و بتشكيل مراكز التثقيف و الدراسات و المنتديات التي تجعل النظام الديمقراطي في صميم الشعب و ممتزج بضميره.
سؤال آخر: هل الديمقراطية بنسختها الغربية الليبرالية البحتة مناسبة لنا نحن المسلمون؟!
إن الأمة العربية و الإسلامية تعاني منذ أكثر من قرن و نصف القرن من تنازع الهويات السياسية و الثقافية، و هذا راجع إلى أنها منذ ذلك التاريخ و حتى الآن لم تحسم موقفها من قضاياها الكبرى..
و من ضمن هذا التشوّش و التشويش و التخبّط و التيه ما بدا جلياً في خمسينات القرن الماضي عندما تخطّفتنا الأهواء الأيديولوجية تخطفاً مريعاً، و حصل نوع من الزخم القومي، فمن يسارية إلى ليبرالية، و من ماركسية إلى اقتصاد سوق ليس بحر و لا مقيد..
حتى راق لجعفر النميري ـ رئيس السودان السابق ـ أن يحتفل بمرور مائة عام على ولادة لينين، في مشهد تحدٍ سافر لمعتقد المجتمع الذي يترأسه.
و الطريف أن نرى حينها دولاً تتبنى النظام الاشتراكي (بنسخته السوفييتية) و ما يصاحبه ـ عادةً ـ من ديكتاتورية بدت لصيقة بهذا النظام،اشتراكية علىصعيد المفاهيم الدستورية العامة، ثم نجد في نفس الدولة التي تحتضن هذا النظام قوانين و أنظمة غربية (فرنسية و إيطالية و إنكليزية) تشكل بقايا الاستعمار في تلك البلاد.
لقد آن الأوان لنصرخ عالياً و بثقة أننا نريد ديمقراطية في دولة ذات مرجعية إسلامية، حتى لا نقع في تيه جديد يريد أن يدخلنا به "المستغربون"، و حتى لا تنفصم شخصيتنا مرة أخرى أمام أنظمة لا تناسب معتقدنا..
و إن أحسن من شرح العلاقة بين الديمقراطية و الإسلام هو الكاتب الدكتور "محمد بن المختار الشنقيطي"حيث قال في احدى المقابلات معه: "الديمقراطية ليست موقفا عقديا، وإنما هي صيغة إجرائية تسمح لنظام العقائد والقيم في المجتمع بالتعبير عن نفسه بحرية، وبتجسيد ذاته في قوانين وضوابط عملية. والقيم والعقائد تختلف من مجتمع لآخر. فقد يصوت برلمان دولة أوربية لصالح قانون يبيح عمل قوم لوط، بينما يصوت برلمان دولة مسلمة على قانون يحرم ذلك، وتتم كلتا العمليتين بأسلوب ديمقراطي شفاف رغم تناقض النتائج. فنتيجة الديمقراطية في مجتمع مسلم ستأتي بأحكام الإسلام من دون ريب، ونتائجها في مجتمع غير مسلم ستأتي بغير ذلك، ولا يتوقع منها غير ذلك. ويكفي النص في الدستور على وجوب انسجام القوانين مع الشرع الإسلامي، وتشكيل هيئة رقابة قضائية –على شاكلة المحكمة العليا في الولايات المتحدة ومجلس الدولة في فرنسا- لضمان انسجام القوانين مع هذا النص الدستوري. فالمعركة من أجل الديمقراطية اليوم هي جزء من المعركة من أجل الحياة الإسلامية، والديمقراطية هي الطريق إلى الإسلام، وليست انحرافا عنه..
إن الديمقراطية تطبيق للشريعة في شقها الدستوري، وذلك أهم وأسبق في الترتيب من تطبيق الشريعة في شقها القانوني التفصيلي"..
و في إجابته على أن الصحوة الإسلامية مجرد بديل لتراجع المد اليساري في الدول العربية منذ بداية السبعينات، أجاب أن في هذا "تبسيطاً للظاهرة السياسية الإسلامية، وهي ظاهرة كانت ضاربة الجذور في تراث الأمة وتاريخها قبل وجود اليسار. فاليسار ليس أكثر من صفحة عابرة في تاريخ هذه الأمة، ظهر في عتمة التأثير الأجنبي، ثم انحسر بانحساره. بينما تعتبر الصحوة الإسلامية امتدادا لتاريخ طويل من حركات الإحياء و الإصلاح. فليست الصحوة الإسلامية بديلا عن اليسار، بل هي امتداد ليقظة أمة تتقدم إلى مسرح التاريخ بعد ليل طويل من الانحطاط والاستعمار".
لقد برهن الشعب التونسي، و الشعب التونسي بالذات (كمثال صغير على صحة فرضيتنا) على أن المبادئ الإسلامية منغرسة في صميم وعيه و ضميره، و هو الشعب الذي من المفروض أن يكون من أبعد الناس عن هذا الانغماس، بعد حملة تضليل و نزغ شعواء قادها رئيسان يكنان للإسلام كل العداء، و إذ، و فور سقوط نظامهما الآثم، يعود الشعب ـ من وجهة نظر هذين الرئيسين ـ إلى نقطة الصفر.
إن هذا الشعب أوضح من خلال صناديق الاقتراع، و بطريقة لا مجال للبس فيها أنه يريد الديمقراطية، و لكن ليس على طريقة العم سام، أو على طريقة العم جان جاك روسو، و لكن على طريقة أبو بكر و عمر و عثمان و علي، ليقول بأعلى صوته و بالفم الملآن: أريد نظاماً سياسياً و اجتماعياً متناغماً مع ثقافتي و مرجعيتي و كفى عبثاً بأفكاري و أهوائي.
و هنا يتضح خطأ الرئيس التونسي الجديد "المنصف المرزوقي" عندما رضي لنفسه أن يكون حلقة وصل في سلسلة من الانفصال على المجتمع و مفاهيمه الكبرى حيث قال: " يبدو بديهيا اليوم لكل العرب بعد أن ذاقوا مرارة كل أشكال الاستبداد أن مثل هذا النظام لا يكون إلا الديمقراطية، حتى ولو بقيت أقلية متعلّقة بحُلُم الخلافة دون أدنى اعتبار لكوننا لم ننجح طيلة خمسة عشر قرنا سوى الجرْي وراء السراب".
كيف تفلح أمة تعتمد في بناء نفسها و في أداءها على نظام معلّب يأتيها من الخارج دون أن تضيف من وعيها و ثقافتها عليه؟!!
و بالمقابل.. هل نحن كغيرنا من الأمم (مع كل الاحترام لغيرنا من الأمم) نعيش في فراغ فكري و عقائدي لكي نستلف أنظمة و معتقدات و قوانين من هنا و هناك.
نعود إلى الشنقيطي مرة أخرى، فقد أفلح ـ كعادته ـ في توصيف عقدنا السياسية الحالية، و أفلح في وصف الحل لهذه العقد، ففي مقاله: "الناس على دين دساتيرهم" فقال:
"وليس يعني هذا أن العلمانية الغربية هي الحل لعقدنا السياسية الحالية، بل الحل هو الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. وكل إحلال للقوانين الأوربية محل الشرع الإسلامي لن ينجح دون قهر لأغلب المواطنين. وإذا كنا ضد قهر الأقليات غير المسلمة والتحيز ضدها، فنحن ضد قهر الأغلبية المسلمة أو مصادرة خيارها من باب أولى".
فهل نستفيد من تجارب الآخرين مع الاحتفاظ بهويتنا، أم نستلف هوية الأخرين و ننبذ تجاربهم؟!
فالديمقراطية جلبت حزب كالحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا، و عانت السياسة الفرنسية من عدم استقرار مزمن حتى عام 1958 و هي دولة ديمقراطية..
إن دولاً عريقة بالديمقراطية عراقة الديمقراطية نفسها تعاني من مظالم كبرى على مستوى توزيع الثروة، ففي أميركا يملك 20% من السكان 93% من الودائع المالية. وفي فرنسا يملك 1%، 24 % من الثروة الوطنية بينما لا يملك النصف الأكثر فقرا من السكان سوى 6% من الثروة..
ثم لا ننسى أن الأنظمة الديمقراطية تفرز بالعادة جماعات ضاغطة تتحكم فضلاً عن الثروة بالسلطة بشكل مباشر أو غير مباشر، بل و تأتي برئيس و تذهب بغيره و عبر صناديق الاقتراع و عبر مؤسسات الديمقراطية الشفافة..
و خير مثال على ذلك ما ذكره "محمد بن المختار الشنقيطي" في مقاله "الزوجة الإسرائيلية و الجواري العربيات" على "حاييم سابان" المليونير اليهودي المعروف بنفوذه في السياسة الأميركية..
"فقد نقلت مجلة النيويوركي يوم 10 مايو/أيار 2010 عن سابان أنه قال مرة في جمع من الساسة الأميركيين والإسرائيليين: ربما يكون على الإدارة (الأميركية) أن تدرك أن علاقتها بزوجتها الإسرائيلية أكبر قيمة من علاقاتها الطارئة بجواريها العربيات..
وقد قال سابان هذا الحديث في بيت جو بايدن نائب الرئيس الأميركي الحالي في مارس/آذار الماضي قبيل زيارة بايدن لإسرائيل، فضحك الجميع لقوله، ثم أمر سابان مضيفه بايدن أن يصرح للجمهور الإسرائيلي في القناة الثانية الإسرائيلية، الساعة الثامنة مساء بتوقيت إسرائيل بأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا تقبل الانفصام، وهو ما نفذه بايدن حرفيا خلال زيارته".
عود على بدء.. أنا أعتقد أنه في غياب الخلافة الراشدة لا توجد وسيلة لنشر العدل و الكرامة في المجتمع سوى الديمقراطية، فقد جادت المَلَكيات الأموية و مابعدها بكثير من الخلفاء الأتقياء الصلحاء كعمر بن عبد العزيز، و نور الدين و صلاح الدين و محمد الفاتح و غيرهم كثير، إلا أن السلطة لا يجب أن تترك للنزاهة الشخصية التي قد تتوفر في أحدهم دون آخر، يجب أن يكون بناء السلطة السياسي كافلاً للعدل و المساواة مهما كان الشخص أو الحزب الذي يمسك بها في مرحلة معينة..
و هذا الشرط توفِره ـ إلى حد كبير ـ الديمقراطية، و لكن السؤال: من سيحمي النظام الديمقراطي في بلد معين من هجمات المستبدين المتكررة؟ الجواب: الشعب حصراً و جمعاً و منعاً، و لكن من سيُبْقي الشعب بمستوى من اليقظة لكي يتصدى أولاً بأول لهذه الهجمات؟ الجواب: الحرية، و خاصة تلك الحرية التي تسمح بشفافية الإعلام و بتشكيل مراكز التثقيف و الدراسات و المنتديات التي تجعل النظام الديمقراطي في صميم الشعب و ممتزج بضميره.
سؤال آخر: هل الديمقراطية بنسختها الغربية الليبرالية البحتة مناسبة لنا نحن المسلمون؟!
إن الأمة العربية و الإسلامية تعاني منذ أكثر من قرن و نصف القرن من تنازع الهويات السياسية و الثقافية، و هذا راجع إلى أنها منذ ذلك التاريخ و حتى الآن لم تحسم موقفها من قضاياها الكبرى..
و من ضمن هذا التشوّش و التشويش و التخبّط و التيه ما بدا جلياً في خمسينات القرن الماضي عندما تخطّفتنا الأهواء الأيديولوجية تخطفاً مريعاً، و حصل نوع من الزخم القومي، فمن يسارية إلى ليبرالية، و من ماركسية إلى اقتصاد سوق ليس بحر و لا مقيد..
حتى راق لجعفر النميري ـ رئيس السودان السابق ـ أن يحتفل بمرور مائة عام على ولادة لينين، في مشهد تحدٍ سافر لمعتقد المجتمع الذي يترأسه.
و الطريف أن نرى حينها دولاً تتبنى النظام الاشتراكي (بنسخته السوفييتية) و ما يصاحبه ـ عادةً ـ من ديكتاتورية بدت لصيقة بهذا النظام،اشتراكية علىصعيد المفاهيم الدستورية العامة، ثم نجد في نفس الدولة التي تحتضن هذا النظام قوانين و أنظمة غربية (فرنسية و إيطالية و إنكليزية) تشكل بقايا الاستعمار في تلك البلاد.
لقد آن الأوان لنصرخ عالياً و بثقة أننا نريد ديمقراطية في دولة ذات مرجعية إسلامية، حتى لا نقع في تيه جديد يريد أن يدخلنا به "المستغربون"، و حتى لا تنفصم شخصيتنا مرة أخرى أمام أنظمة لا تناسب معتقدنا..
و إن أحسن من شرح العلاقة بين الديمقراطية و الإسلام هو الكاتب الدكتور "محمد بن المختار الشنقيطي"حيث قال في احدى المقابلات معه: "الديمقراطية ليست موقفا عقديا، وإنما هي صيغة إجرائية تسمح لنظام العقائد والقيم في المجتمع بالتعبير عن نفسه بحرية، وبتجسيد ذاته في قوانين وضوابط عملية. والقيم والعقائد تختلف من مجتمع لآخر. فقد يصوت برلمان دولة أوربية لصالح قانون يبيح عمل قوم لوط، بينما يصوت برلمان دولة مسلمة على قانون يحرم ذلك، وتتم كلتا العمليتين بأسلوب ديمقراطي شفاف رغم تناقض النتائج. فنتيجة الديمقراطية في مجتمع مسلم ستأتي بأحكام الإسلام من دون ريب، ونتائجها في مجتمع غير مسلم ستأتي بغير ذلك، ولا يتوقع منها غير ذلك. ويكفي النص في الدستور على وجوب انسجام القوانين مع الشرع الإسلامي، وتشكيل هيئة رقابة قضائية –على شاكلة المحكمة العليا في الولايات المتحدة ومجلس الدولة في فرنسا- لضمان انسجام القوانين مع هذا النص الدستوري. فالمعركة من أجل الديمقراطية اليوم هي جزء من المعركة من أجل الحياة الإسلامية، والديمقراطية هي الطريق إلى الإسلام، وليست انحرافا عنه..
إن الديمقراطية تطبيق للشريعة في شقها الدستوري، وذلك أهم وأسبق في الترتيب من تطبيق الشريعة في شقها القانوني التفصيلي"..
و في إجابته على أن الصحوة الإسلامية مجرد بديل لتراجع المد اليساري في الدول العربية منذ بداية السبعينات، أجاب أن في هذا "تبسيطاً للظاهرة السياسية الإسلامية، وهي ظاهرة كانت ضاربة الجذور في تراث الأمة وتاريخها قبل وجود اليسار. فاليسار ليس أكثر من صفحة عابرة في تاريخ هذه الأمة، ظهر في عتمة التأثير الأجنبي، ثم انحسر بانحساره. بينما تعتبر الصحوة الإسلامية امتدادا لتاريخ طويل من حركات الإحياء و الإصلاح. فليست الصحوة الإسلامية بديلا عن اليسار، بل هي امتداد ليقظة أمة تتقدم إلى مسرح التاريخ بعد ليل طويل من الانحطاط والاستعمار".
لقد برهن الشعب التونسي، و الشعب التونسي بالذات (كمثال صغير على صحة فرضيتنا) على أن المبادئ الإسلامية منغرسة في صميم وعيه و ضميره، و هو الشعب الذي من المفروض أن يكون من أبعد الناس عن هذا الانغماس، بعد حملة تضليل و نزغ شعواء قادها رئيسان يكنان للإسلام كل العداء، و إذ، و فور سقوط نظامهما الآثم، يعود الشعب ـ من وجهة نظر هذين الرئيسين ـ إلى نقطة الصفر.
إن هذا الشعب أوضح من خلال صناديق الاقتراع، و بطريقة لا مجال للبس فيها أنه يريد الديمقراطية، و لكن ليس على طريقة العم سام، أو على طريقة العم جان جاك روسو، و لكن على طريقة أبو بكر و عمر و عثمان و علي، ليقول بأعلى صوته و بالفم الملآن: أريد نظاماً سياسياً و اجتماعياً متناغماً مع ثقافتي و مرجعيتي و كفى عبثاً بأفكاري و أهوائي.
و هنا يتضح خطأ الرئيس التونسي الجديد "المنصف المرزوقي" عندما رضي لنفسه أن يكون حلقة وصل في سلسلة من الانفصال على المجتمع و مفاهيمه الكبرى حيث قال: " يبدو بديهيا اليوم لكل العرب بعد أن ذاقوا مرارة كل أشكال الاستبداد أن مثل هذا النظام لا يكون إلا الديمقراطية، حتى ولو بقيت أقلية متعلّقة بحُلُم الخلافة دون أدنى اعتبار لكوننا لم ننجح طيلة خمسة عشر قرنا سوى الجرْي وراء السراب".
كيف تفلح أمة تعتمد في بناء نفسها و في أداءها على نظام معلّب يأتيها من الخارج دون أن تضيف من وعيها و ثقافتها عليه؟!!
و بالمقابل.. هل نحن كغيرنا من الأمم (مع كل الاحترام لغيرنا من الأمم) نعيش في فراغ فكري و عقائدي لكي نستلف أنظمة و معتقدات و قوانين من هنا و هناك.
نعود إلى الشنقيطي مرة أخرى، فقد أفلح ـ كعادته ـ في توصيف عقدنا السياسية الحالية، و أفلح في وصف الحل لهذه العقد، ففي مقاله: "الناس على دين دساتيرهم" فقال:
"وليس يعني هذا أن العلمانية الغربية هي الحل لعقدنا السياسية الحالية، بل الحل هو الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. وكل إحلال للقوانين الأوربية محل الشرع الإسلامي لن ينجح دون قهر لأغلب المواطنين. وإذا كنا ضد قهر الأقليات غير المسلمة والتحيز ضدها، فنحن ضد قهر الأغلبية المسلمة أو مصادرة خيارها من باب أولى".
فهل نستفيد من تجارب الآخرين مع الاحتفاظ بهويتنا، أم نستلف هوية الأخرين و ننبذ تجاربهم؟!