هل حانتْ ساعة انفجار فقاعة العقار؟
مرسل: الأربعاء مايو 22, 2013 3:14 pm
سوق الإسكان شأنها شأن بقية الأسواق، تظل معرّضة كغيرها من الأسواق للازدهار والركود أو الكساد وفقاً للمعطيات الاقتصادية الكلية لأي اقتصاد تنتمي إليه. ولمعرفة وقياس نبض سوق الإسكان، وما إذا كانتْ مستويات أسعاره مرتفعةً أو منخفضة؛ تعتمد الأدبيات الاقتصادية لأجل ذلك على عددٍ من المؤشرات، إلا أنّ أكثر تلك المقاييس انتشاراً مؤشران، هما: الأول: مضاعف أسعار المساكن إلى الدخل المتاح للفرد، وهو مقياس يستهدف التعرّف على قدرة الفرد على تحمّل التكاليف، حيث يبيّن عدد السنوات التي يتطلبها الفرد لتملّك مسكنه وفق مستوى الأسعار السائدة مقارنةً بمستوى دخله دون اللجوء إلى الاقتراض.
المؤشر الثاني: مضاعف السعر إلى الإيجار، وهذا المؤشر يشبه ''مكرر الأرباح'' المستخدم في سوق الأسهم ''مثال: سهم مكرر أرباحه الآن يساوي 12 مكررا، يعني بالنسبة للمستثمر أنّه وفقاً لسعر السهم الحالي ووفقاً لأرباحه الحالية سيسترد ما دفعه كقيمة للسهم خلال 12 عاماً، أو أن مقابل كل 12 ريالا يدفعها المستثمر الآن سيربح ريالاً واحداً''، ويفترض هذا المؤشر أن القيود على الإيجارات أقوى منها على أسعار الأصل العقاري ''لضعف نمو دخل الأفراد المستأجرين من جهة، ولوجود نوع من الرقابة على الإيجارات''؛ بمعنى أنَّ قابلية ارتفاع القيمة السوقية للعقار أكبر من الإيجارات، على أن المالك في منظور زمني أطول كعامين أو ثلاثة من ارتفاع القيمة السوقية لعقاره، يمكنه أن يقرر رفع قيمة الإيجار ولكن بنسبة ستكون أقل من نسبة ارتفاع أصله العقاري المملوك في الأغلب.
وعليه؛ يمكن من خلال هذين المؤشرين الذين يقيسا قدرة ''المشتري'' وفقاً لدخله، ومضاعف الإيجارات التي يتسلّمها ''المالك'' إلى القيم السوقية الراهنة لعقاره، أن يتم التعرّف على ما إذا كانتْ المساكن مرتفعة أو منخفضة بصورةٍ مستدامة! فبالنسبة للمشتري؛ كلما زادَ عدد السنوات اللازمة لتملّكه مسكنه بناءً على دخله المتاح، دلَّ ذلك على: أنَّ أسعار المساكن آخذةٌ في الارتفاع المستمر بصورةٍ تفوق نمو دخل الأفراد، ومن ثم يمكن الحكم بأن أسعار المساكن مرتفعة. والعكس صحيح. كذلك الحال بالنسبة للمؤشر الثاني؛ كلّما ارتفع مضاعف السعر السوقي للعقار إلى الإيجار، عنى تضخّم الأسعار السوقية للمساكن عموماً. ومن المضحك المبكي في حالة السوق السعودية، أن هذا المؤشر أُخذ على العكس من هدفه! حيث اُستخدم كمبرر لرفع قيمة الإيجارات على المستأجرين، علماً أننا لو أخذنا مضاعف التكلفة التاريخية لبناء ذلك العقار إلى إيجاره المرتفع في الوقت الراهن، لوجدت أن ذلك المضاعف قد لا يتجاوز السنوات الخمس!
خلاصة القول: كلما امتدتْ السنوات اللازمة لتملّك الفرد لمسكنه قياساً على دخله دون الاقتراض، وكلما ارتفع مضاعف السعر السوقي للعقار المؤجر إلى قيمة الإيجار، دلَّ ذلك على تضخّم أسعار المساكن! وأنَّ استمرار ذلك التضخّم يتجه بسوق الإسكان إلى تكوين ما يُسمّى بالفقاعة السعرية! والعكس صحيح.
بعد هذه المقدمة الطويلة، كيف لنا أن نتعرّفَ على حالة سوق الإسكان في السعودية؟! حسناً؛ هذا هو السؤال الأهم الذي في الإجابة عليه ما يكشف الستار عن أهم مؤرّق اقتصادي في بلادنا.
نشرتْ مجلة Economist السبت الماضي 18 أيار (مايو) 2013 تقريراً لافتاً بعنوانBoom and gloom، سلّطتْ فيه الضوء على تطورات أسواق الإسكان في 18 بلداً حول العالم، توزعتْ بين جميع القارات، وماذا طرأ عليها من تغيرات منذ 1975م إلى نهاية الربع الأول من 2013 ''يمكن قراءة التقرير على الموقع الإلكتروني للمجلة''.
حينما قمتُ بمقارنة بعض تطورات أسواق الإسكان في الـ 18 بلداً المذكورة في التقرير مع السوق السعودية، ظهرَ ما يؤكد أن سوقنا شهدتْ ارتفاعاتٍ قياسية مقارنة بما جرى في تلك البلدان، جاءتْ هونج كونج كأعلى الدول التي شهدتْ أكبر الارتفاعات، وكأقرب البلدان في تطوراتها إلى الحالة السعودية، والمقارنة بينهما أظهرتْ تبادلاً في الترتيب من مؤشر إلى آخر، وشتّان بين حالتي كلِ من السعودية وهونج كونج سواءً على مستوى المساحة أو على مستوى هيكلة الاقتصاد أو على مستوى دخل الفرد في كلا البلدين!
فعلى مستوى نمو الأسعار منذ نهاية 2007 حتى العام الماضي، حققتْ هونج كونج نمواً بلغ 109.4 في المائة، بينما في السعودية وبتقديراتٍ متحفّظة فاق نمو أسعار العقارات في الرياض للفترة نفسها 118 في المائة! ''بالاعتماد على منشورات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض''. وجاء متوسط نمو جميع البلدان الـ 18 في التقرير للفترة نفسها 9.5 في المائة، وهو أمرٌ يمكن تفهّمه كون عدد بلدان العيّنة من تعرّض لانهيارات سعرية نتيجة الأزمة المالية العالمية.
أمّا بتطبيق المؤشر الأول المذكور أعلاه ''مضاعف أسعار المساكن إلى الدخل المتاح للفرد'' على السعودية، حيث بلغ متوسط أجر العامل السعودي في القطاع الخاص بنهاية 2012 نحو 4800 ريال شهرياً، وبأخذ متوسط أسعار الفلل في مدينة الرياض ''1.5 مليون ريال لفيلا مساحتها 400 مترمربع''، فإنّه يُشير إلى أن المواطن السعودي سيستغرق أكثر من 26 عاماً ''أكثر من ربع قرن'' لامتلاك مسكن! بناءً على مستويات الأسعار الراهنة، وبمقارنة هذا الرقم بالمؤشر ذاته لبقية بلدان العالم بما فيها هونج كونج، التي تعد المساكن فيها الأغلى عالمياً، فإنّه يعتبر الأعلى دون منافسة!
رؤيةٌ رقمية مقارنة كهذه الرؤية، تكشف دون جدال عن أزمةٍ حقيقية نعيشها في سوق الإسكان بالسعودية، وأنَّ استمرارها في التضخّم بتلك الصورة المرعبة يقود الاقتصاد والمجتمع إلى كارثةٍ خطيرةٍ جداً! فهل هذا هو المتوقع حدوثه مستقبلاً، أم أنَّ التدخل الأخير والجاد من لدن الدولة ممثلةً في وزارة الإسكان سيحول دون وقوعها بإذن الله تعالى؟! بداية الإجابة - سأتوسّع فيها في مقال السبت القادم ـــ إن شاء الله - تقول أن هذا التدخل يُتوقع تغييره لهذا السيناريو المخيف، وأن ينقذ الاقتصاد الوطني والمجتمع من الوقوع في هاويته المرعبة.
لم يعد مقبولاً بأي اعتبارٍ اقتصادي أو مالي استمرار هذا التشوّه الخطير، فما جرى في سوق الإسكان لدينا، ثبتَ أنّ كل ما بُرر له طوال العقد الماضي لا أساس له على أي مستوى، وأنّه حدث فقط نتيجة تشوهات ''أولها الاحتكار''، وقد أصبح واجباً القضاء عليها ووأدها قبل أن تهلك الحرث والنسل! وهذا ما عزمتْ عليه وزارة الإسكان، وهو ما سأجتهد في رسم بعض تنبؤاته في المقال القادم.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.
المؤشر الثاني: مضاعف السعر إلى الإيجار، وهذا المؤشر يشبه ''مكرر الأرباح'' المستخدم في سوق الأسهم ''مثال: سهم مكرر أرباحه الآن يساوي 12 مكررا، يعني بالنسبة للمستثمر أنّه وفقاً لسعر السهم الحالي ووفقاً لأرباحه الحالية سيسترد ما دفعه كقيمة للسهم خلال 12 عاماً، أو أن مقابل كل 12 ريالا يدفعها المستثمر الآن سيربح ريالاً واحداً''، ويفترض هذا المؤشر أن القيود على الإيجارات أقوى منها على أسعار الأصل العقاري ''لضعف نمو دخل الأفراد المستأجرين من جهة، ولوجود نوع من الرقابة على الإيجارات''؛ بمعنى أنَّ قابلية ارتفاع القيمة السوقية للعقار أكبر من الإيجارات، على أن المالك في منظور زمني أطول كعامين أو ثلاثة من ارتفاع القيمة السوقية لعقاره، يمكنه أن يقرر رفع قيمة الإيجار ولكن بنسبة ستكون أقل من نسبة ارتفاع أصله العقاري المملوك في الأغلب.
وعليه؛ يمكن من خلال هذين المؤشرين الذين يقيسا قدرة ''المشتري'' وفقاً لدخله، ومضاعف الإيجارات التي يتسلّمها ''المالك'' إلى القيم السوقية الراهنة لعقاره، أن يتم التعرّف على ما إذا كانتْ المساكن مرتفعة أو منخفضة بصورةٍ مستدامة! فبالنسبة للمشتري؛ كلما زادَ عدد السنوات اللازمة لتملّكه مسكنه بناءً على دخله المتاح، دلَّ ذلك على: أنَّ أسعار المساكن آخذةٌ في الارتفاع المستمر بصورةٍ تفوق نمو دخل الأفراد، ومن ثم يمكن الحكم بأن أسعار المساكن مرتفعة. والعكس صحيح. كذلك الحال بالنسبة للمؤشر الثاني؛ كلّما ارتفع مضاعف السعر السوقي للعقار إلى الإيجار، عنى تضخّم الأسعار السوقية للمساكن عموماً. ومن المضحك المبكي في حالة السوق السعودية، أن هذا المؤشر أُخذ على العكس من هدفه! حيث اُستخدم كمبرر لرفع قيمة الإيجارات على المستأجرين، علماً أننا لو أخذنا مضاعف التكلفة التاريخية لبناء ذلك العقار إلى إيجاره المرتفع في الوقت الراهن، لوجدت أن ذلك المضاعف قد لا يتجاوز السنوات الخمس!
خلاصة القول: كلما امتدتْ السنوات اللازمة لتملّك الفرد لمسكنه قياساً على دخله دون الاقتراض، وكلما ارتفع مضاعف السعر السوقي للعقار المؤجر إلى قيمة الإيجار، دلَّ ذلك على تضخّم أسعار المساكن! وأنَّ استمرار ذلك التضخّم يتجه بسوق الإسكان إلى تكوين ما يُسمّى بالفقاعة السعرية! والعكس صحيح.
بعد هذه المقدمة الطويلة، كيف لنا أن نتعرّفَ على حالة سوق الإسكان في السعودية؟! حسناً؛ هذا هو السؤال الأهم الذي في الإجابة عليه ما يكشف الستار عن أهم مؤرّق اقتصادي في بلادنا.
نشرتْ مجلة Economist السبت الماضي 18 أيار (مايو) 2013 تقريراً لافتاً بعنوانBoom and gloom، سلّطتْ فيه الضوء على تطورات أسواق الإسكان في 18 بلداً حول العالم، توزعتْ بين جميع القارات، وماذا طرأ عليها من تغيرات منذ 1975م إلى نهاية الربع الأول من 2013 ''يمكن قراءة التقرير على الموقع الإلكتروني للمجلة''.
حينما قمتُ بمقارنة بعض تطورات أسواق الإسكان في الـ 18 بلداً المذكورة في التقرير مع السوق السعودية، ظهرَ ما يؤكد أن سوقنا شهدتْ ارتفاعاتٍ قياسية مقارنة بما جرى في تلك البلدان، جاءتْ هونج كونج كأعلى الدول التي شهدتْ أكبر الارتفاعات، وكأقرب البلدان في تطوراتها إلى الحالة السعودية، والمقارنة بينهما أظهرتْ تبادلاً في الترتيب من مؤشر إلى آخر، وشتّان بين حالتي كلِ من السعودية وهونج كونج سواءً على مستوى المساحة أو على مستوى هيكلة الاقتصاد أو على مستوى دخل الفرد في كلا البلدين!
فعلى مستوى نمو الأسعار منذ نهاية 2007 حتى العام الماضي، حققتْ هونج كونج نمواً بلغ 109.4 في المائة، بينما في السعودية وبتقديراتٍ متحفّظة فاق نمو أسعار العقارات في الرياض للفترة نفسها 118 في المائة! ''بالاعتماد على منشورات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض''. وجاء متوسط نمو جميع البلدان الـ 18 في التقرير للفترة نفسها 9.5 في المائة، وهو أمرٌ يمكن تفهّمه كون عدد بلدان العيّنة من تعرّض لانهيارات سعرية نتيجة الأزمة المالية العالمية.
أمّا بتطبيق المؤشر الأول المذكور أعلاه ''مضاعف أسعار المساكن إلى الدخل المتاح للفرد'' على السعودية، حيث بلغ متوسط أجر العامل السعودي في القطاع الخاص بنهاية 2012 نحو 4800 ريال شهرياً، وبأخذ متوسط أسعار الفلل في مدينة الرياض ''1.5 مليون ريال لفيلا مساحتها 400 مترمربع''، فإنّه يُشير إلى أن المواطن السعودي سيستغرق أكثر من 26 عاماً ''أكثر من ربع قرن'' لامتلاك مسكن! بناءً على مستويات الأسعار الراهنة، وبمقارنة هذا الرقم بالمؤشر ذاته لبقية بلدان العالم بما فيها هونج كونج، التي تعد المساكن فيها الأغلى عالمياً، فإنّه يعتبر الأعلى دون منافسة!
رؤيةٌ رقمية مقارنة كهذه الرؤية، تكشف دون جدال عن أزمةٍ حقيقية نعيشها في سوق الإسكان بالسعودية، وأنَّ استمرارها في التضخّم بتلك الصورة المرعبة يقود الاقتصاد والمجتمع إلى كارثةٍ خطيرةٍ جداً! فهل هذا هو المتوقع حدوثه مستقبلاً، أم أنَّ التدخل الأخير والجاد من لدن الدولة ممثلةً في وزارة الإسكان سيحول دون وقوعها بإذن الله تعالى؟! بداية الإجابة - سأتوسّع فيها في مقال السبت القادم ـــ إن شاء الله - تقول أن هذا التدخل يُتوقع تغييره لهذا السيناريو المخيف، وأن ينقذ الاقتصاد الوطني والمجتمع من الوقوع في هاويته المرعبة.
لم يعد مقبولاً بأي اعتبارٍ اقتصادي أو مالي استمرار هذا التشوّه الخطير، فما جرى في سوق الإسكان لدينا، ثبتَ أنّ كل ما بُرر له طوال العقد الماضي لا أساس له على أي مستوى، وأنّه حدث فقط نتيجة تشوهات ''أولها الاحتكار''، وقد أصبح واجباً القضاء عليها ووأدها قبل أن تهلك الحرث والنسل! وهذا ما عزمتْ عليه وزارة الإسكان، وهو ما سأجتهد في رسم بعض تنبؤاته في المقال القادم.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.