منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#63280
بشكل عام، هناك سببان رئيسان لتقييد الحركة اليومية لأسعار الأسهم، السبب الأول يعود لرغبة الجهات المشرفة على الأسواق في الحد من التذبذبات الحادة في حركة الأسهم، أما السبب الآخر فهو الفساد! هذا ما توصل إليه اثنان من الباحثين، الأول من جامعة أمريكية مرموقة ''كينيث كيم من جامعة نيويورك'' والثاني من جامعة كورية ''جنق سو بارك من جامعة سوقانق''.

ما علاقة الفساد بتذبذب السعر اليومي، وهل لا تزال هناك حاجة إلى الاستمرار فيما هو معمول به في سوق الأسهم السعودية من تحديد نسبة 10 في المائة صعودا وهبوطا؟ وماذا عما أقرته هيئة السوق المالية أخيرا من تحديد 10 في المائة كنسبة تذبذب لسعر السهم في أول يوم لطرح الشركات الجديدة للتداول؟

بداية أشير إلى أن سوق المملكة ليست الوحيدة التي تمارس هذا النوع من التقييد، فهناك عدد من البورصات حول العالم تقوم بإجراءات مشابهة، إلا أن هذه البورصات -حسب الدراسة المشار إليها أعلاه- تسجل علامات متدنية في ثلاثة عناصر مهمة، تقاس على أساسها جودة الأسواق المالية. العنصر الأول العدالة في الحصول على المعلومات، ويقصد به مدى استحواذ فئة على المعلومة دون غيرها أو قبل غيرها.

أما العنصر الثاني فهو قوة تطبيق النظام في الدولة، والعنصر الثالث والأخير هو مدى انتشار الفساد في البلاد، خصوصا في أوساط المحللين والمتداولين والجهات الحكومية ذات العلاقة بالسوق. بحسب هذه الدراسة، نجد أعلى درجات الفساد في الفلبين وباكستان ومصر والهند وبيرو وفنزويلا والمكسيك وكينيا، وتبعا لذلك نجد أن هذه الدول لديها نسب يومية لحركة الأسعار تتقلص إلى 5 في المائة في مصر و7.50 في المائة في باكستان و8 في المائة في الهند، وترتفع إلى 15 في المائة في بيرو، و20 في المائة في فنزويلا، وتصل إلى 50 في المائة في الفلبين. وهناك دول لا توجد لديها قيود على الأسعار مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا والسويد والدنمارك وسويسرا، بينما هناك حالات شاذة لدول كبرى توجد لديها قيود مثل فرنسا واليابان، غير أنها قيود خفيفة تصل إلى 20 في المائة في فرنسا وإلى 60 في المائة في اليابان. وبشكل عام، كلما زاد الفساد انخفضت نسبة التذبذب المسموح بها.

لذا، فإن إبقاء نسبة التذبذب عند 10 في المائة في السوق السعودية هو إقرار بشكل غير مباشر بأن هيئة السوق المالية لا تستطيع السيطرة على السوق وأنها تشك -أو تعلم- أن هناك ضعفا في عدالة الحصول على المعلومات وضعفا في تطبيق الأنظمة وانتشارا لظاهرة الفساد، ما يضطرها إلى كبح جماح حركة الأسعار كردة فعل مرتبكة. فالهدف من إيقاف ارتفاع السهم حتى اليوم التالي هو محاولة الجهة المشرفة على السوق رمي حجر عثرة في طريق من وصلت إليه معلومة وشرع في شراء السهم لمصلحته، وهذا شبيه بالإجراء الذي تقوم به بعض الدول عند بيع الأسلحة النارية، حيث لا يتم تسليم السلاح للمشتري إلا بعد ثلاثة أيام، كإجراء احترازي لمنع ارتكابه جريمة ما. كما أن هذه القيود تعوق من يقوم بنشر معلومات كاذبة، تنفيذا لطريقة النفخ ثم الإطاحة، من الوصول إلى مبتغاه حيث يتعين عليه الانتظار مدة أطول.

وعلى الرغم من الأسباب المذكورة أعلاه، إلا أن الجهات المشرفة على الأسواق لا تعترف بجوانب القصور هذه ولا تعتبرها السبب في تقييد حركة الأسهم، بل تبرر هذه القيود على أنها لحماية المستثمرين من التذبذبات الحادة. لذا فقد تمت عدة دراسات لمعرفة تأثير القيود اليومية على التذبذب في السعر، ووجد في عدد من الدراسات أنها لا تفيد في الحد من التذبذبات، بل في إحدى الدراسات وجد أنها تزيد حدة التذبذب، بسبب تمركز الأسعار عند النسب اليومية وما ينتج عنها من تذبذب حاد في اليوم الذي يلي الإغلاق عند حد النسبة. كما وجد أن النسب اليومية تحدّ من كفاءة الأسواق وتخل بتوازن الأسعار وتؤثر سلبا في مستوى السيولة. وربما أكبر دليل على عدم فاعليتها هو أن سوق الأسهم السعودية واجهت تذبذبات حادة، لم نر مثلها في أي دولة، حين ارتفعت أضعافا عدة في سنوات قليلة وهبطت بنسبة قاربت 80 في المائة خلال فترة قصيرة.

إذاً: هل وجود القيود على حركة الأسعار سلاح ناجح في وجه تداولات مفعمة بالفساد، سواء من داخل الشركات أو من الجهات الحكومية المشرفة أو من جموع المتداولين؟ في الواقع إنها مفيدة في كونها تمنح فرصة لبقية المتداولين لفحص المعلومة أو دراسة وضع الشركة لمعرفة أسباب تحرك السعر بشكل كبير، وكذلك تمنح الجهة المشرفة بعض الوقت للاستقصاء والمراجعة، وهي كذلك تحد من حجم الكسب غير المشروع للمتلاعبين.

إذاً دعونا نقول: إن هناك فائدة من وجود القيود اليومية على حركة الأسعار نتيجة عدم قدرة الجهات المشرفة على ضبط السوق، فكيف إذاً نفسر إعلان هيئة السوق المالية الأسبوع الماضي اعتماد نسبة التذبذب لأسهم الشركات خلال اليوم الأول من طرحها للتداول عند 10 في المائة؟ هذه شركة جديدة ومن الصعب اعتبار الفساد ضالعا فيها وهي لم تخط خطوتها الأولى، كما أن المعلومات الخاصة بهذه الشركة الجديدة متاحة بشكل كامل من خلال وثيقة الطرح، وغير ممكن للمؤسسين تداول أسهمها في اليوم الأول، فلماذا تقييد الحركة في اليوم الأول؟ بعض الدول توقف العمل بالقيود اليومية في حالة الطرح الأولي، منها على سبيل المثال تايوان التي تتركها مفتوحة لمدة خمسة أيام، على الرغم من أن تايوان لديها قيود يومية صارمة بواقع 7 في المائة!

تعوّد المتداولون في سوق الأسهم السعودية على وجود قيود على حركة الأسعار اليومية، دون أي تساؤلات جدية بشأنها، وقيل لهم: إن السبب هو لحمايتهم من تقلبات الأسعار الحادة، دون الإشارة إلى أن أهم سبب على الإطلاق هو اختلال الموازين بخصوص عدالة انتشار المعلومات وقوة تطبيق النظام ووجود آفة الفساد. وفي رأيي أن من المناسب البدء بإرخاء هذه القيود بالتدرج، مثلا رفعها إلى نسبة 15 في المائة، ومن ثم إلى 20 في المائة، إلى أن تزال تماما. ولا ننسى أن وجودها يُضعف من مكانة السوق السعودية، وهو إقرار بشكل غير مباشر بعدم قدرة الهيئة على ضبط السوق. كما أن قرار الهيئة الأخير لتقييد تداول اليوم الأول يعد خطوة إلى الخلف، ومخالفا لما هو متبع في الدول التي لديها قيود يومية، وليس له فائدة مرجوة، وأستغرب إقراره دون أخذ مرئيات العموم بشأنه!

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.