منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#63283
نتداول في عالمنا العربي أحياناً بعض المقولات والمفاهيم العالمية التي لا تنطبق بالضرورة على حالتنا الاجتماعية ومكوّننا الثقافي والسياسي العربي.
من أبرز تلك المقولات وصف الإعلام في الوطن العربي بـ «السلطة الرابعة» على غرار التوصيف الذي تكوّن في أدبيات الديموقراطية التي جاءت من الغرب، باعتبار أن سلطة الإعلام الرقابية تأتي رابعة بعد سلطات الحكم الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
الوضع السياسي في العالم العربي، كما لا يخفى، ليس بهذه الشفافية التي تتيح للشعب رؤية سلطات ثلاث مستقلة الواحدة منها عن الأخرى، في أدوارها الرقابية والعدلية في تسيير مجريات الحكم. الحدود بين السلطات الثلاث في العالم العربي لزجة، وهي تشبه الكائنات الرخوية في حالة التزاوج بينها (!)، هذه اللزوجة تجعل السلطات الثلاث في عين المواطن العربي تبدو سُلْطة (أو سَلَطة!) واحدة ذات صلاحيات متداخلة ونفوذيات متطابقة، نافية للاستقلالية .. حتى وإن سكنت كل سلطة في مبنى مستقل!
وباعتبار أن سلطات الحكم الثلاث هي في العالم العربي واحدة، فإن الإعلام في العالم العربي يصبح السلطة الثانية وليس السلطة الرابعة كما في العوالم الأخرى.
لكننا سنصبح أمام مأزق آخر في دقّة التسمية إذا استحضرنا حالة الإعلام العربي «الحكومي» المسيّر من لدن السلطة الأولى «المثلوثة»، التي ستلتهم أيضاً ما يسميه الغرب السلطة الرابعة، لتتوحد كل السلطات الأربع في سلطة واحدة، وبذا ينتفي وصف الإعلام بأنه «سلطة»، سواءٌ كانت رابعة أو ثانية.
هذا حديثٌ في ما مضى، الآن نتحدث عن سلطوية جديدة ومغايرة للإعلام، تحت تأثير عاملين اثنين استجدّا، هما: الإعلام الجديد و «الربيع» العربي.
استطاع الإعلام الجديد بالتحالف مع الجيل الجديد من الشعوب العربية تكوين إعلام شعبي، يتحول في كثير من الأحيان إلى إعلام شعبوي/ جماهيري، ضاغط على السلطات «الوحدوية» الثلاث في العالم العربي. وقد سارع في تعزيز هذا التحالف الجديد مجيء ما سُمّي الربيع العربي، الذي وضع أمام الشعوب العربية الجائعة للحرية مائدة شهية من تطبيقات التحالف الجديد.
لا يغيب عن الذهن أنَّ تمدّد نفوذ الإعلام الجديد في العالم بأسره يوشك أن يحوّله من السلطة الرابعة إلى السلطة الثانية .. منازعاً السلطات الثلاث مكانها ومكانتها، بدعم متين من المؤثر الاقتصادي الماثل في الحدث دوماً.
وإذا كان وضع سلطة الإعلام المتصاعدة في مزاحمتها للسلطات الثلاث هو هكذا في العوالم الأُخرى، فمن اليسير علينا أن نصف الإعلام الراهن في العالم العربي، بفضل العاملين الآنف ذكرهما، بأنه غدا السلطة الثانية بحق، وليس السلطة الرابعة كما كان يسمى زيفاً.

*نقلاً عن "الحياة" اللندنية