الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي: مصر نموذجاً
مرسل: الخميس مايو 30, 2013 7:39 pm
مقدمة:
لم تكن حالة الحراك الاجتماعي التي تشهدها منطقتنا العربية من المستغربة أو حتى وليدة اللحظة الراهنة فقد مرت شعوب تلك البلدان بحالات من التهميش والإقصاء الاقتصادي-السياسي تخندق في مواجهتها رفض تعبوي أخذ يتصاعد من أسفل إلى أعلى ليتفجر في صورة انتفاضات شعبية جارفة أرغمت نظمها على ضرورة الاعتراف بمطالبها المشروعة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا في إطار عبقرية الشعارات التي رفعتها عيش – حرية – عدالة- كرامة إنسانية.
ويتأتى الاهتمام بحالة الحراك الاجتماعي في إطار وضع الحركات الاجتماعية حديثا في نسق البحث السياسي والاجتماعي والاعتراف بها كشكل من أشكال التعبير التعبوي الدافع للشعوب ، كذلك باعتبارها على المستوى النظري والأكاديمي أداة دقيقة وجيدة لتشريح العمل الجماعي بوجه عام.
وباستقراء فقه الحركات الاجتماعية نجد أن معظم الكتابات المفسرة لها تتفق على وجود عدد من العناصر الرئيسية لابد من توافرها حتى تأخذ هذا المسمى تلك العناصر تتحدد في : أنها جهود منظمة، مجموعة من المشاركين ، أهداف ، سياسات، أوضاع،تغيير ، مكونات فكرية محركة، وسائل تعبئة .
وإذا قمنا بمحاولة التعمق في حالة الحراك الاجتماعي في مصر إبان أحداث الخامس والعشرين من يناير لتبدى لنا جليا دورها الكيفي في تكوين الفكر الجمعي للشعب المصري وتوجيهه نحو الهدف الأول ألا وهو حق الشعوب في الحرية و العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان .ولعل هذا يجعلنا نضع خطا رئيسيا حول تلك الدراسة هذا الخط يكون معنيا بالإجابة على كيف ، ومتى ، وأين ،ولماذا يملى عامة الناس مطالبهم الجماعية على السلطات العامة وغيرها من أصحاب النفوذ والمنافسين والخصوم والمستهدفين من المعارضة الشعبية؟
وتتضمن رؤيتنا أيضا في تناول حالة الحراك الاجتماعي ضرورة فرض اتجاه مقارن يبين من ناحية وضع الحركات الاجتماعية ضمن الأشكال الأخرى من أشكال العمل السياسي ومن ناحية أخرى مدى قدرتنا على التقييم وإمكانية التعويل على الحركات الاجتماعية في الزمن المعاصر كأداة من أدوات التغيير .
ومن ثم ينطلق هذا البحث من خلال ثلاث منطلقات رئيسة أولها يرتبط بالإطار النظري للحراك الاجتماعي وما يرتبط به من مفاهيم . ويدور المحور الثاني حول أهم الملامح المعاصرة المميزة للحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي أما المحور الثالث فيركز بشكل أكثر فاعلية على آليات الحراك الاجتماعي.
الإطار النظري
يعد الحراك الاجتماعي social mobilityسمة مميزة للمجتمع الحديث ، بل هو أحد المقومات الرئيسية للمجتمع المتحضر، والذي يتميز عن المجتمع الإقطاعي التقليدي،الذي يعد مجتمعا مغلقا، لا يتحرك الفرد فيه خارج الجماعة التي ينشا فيها لوجود حواجز اجتماعية تربط الفرد بجماعته. ويعرف الحراك الاجتماعي بأنه " الوضع الذي يشير إلى إمكانية تحرك الأشخاص أو الجماعات إلى أسفل أو إل أعلى الطبقة أو المكانة الاجتماعية في هرم التدرج الاجتماعي" ومن ثم يكون الانتقال من وضع اجتماعي لأخر داخل البناء الاجتماعي القائم بمثابة حراك اجتماعي. ويتحدد مدى الحراك الاجتماعي بناء على عدة عوامل تساعد على حدوثه داخل المجتمع . ومن هذه العوامل التعليم ، الهجرة، والتحولات السياسية. وحيث أن تلك العوامل ليست مانعة جامعة إلا أنه ينظر لها على اعتبارها أهم محفزات عملية الحراك الاجتماعي.
وترتبط عملية الحراك الاجتماعي الآن بما يحدث في بعض الأقطار العربية ما يعرف إعلاميا " بالربيع العربي" أو بثورات الربيع العربي فكما هو معلوم أن حالات التحول السياسي كالحروب والثورات أو حتى عمليات الإصلاح السياسي ترتبط بفترات من الاضطراب الاجتماعي يمكن أن تؤثر تصاعدا أو هبوطا على عملية الحراك الاجتماعي.()
وتوفر لنا الأحداث المعاصرة اقترابا أكثر ملائمة لفهم طبيعة وأهداف هذا الحراك ، وعلينا بداية إلقاء الضوء على بعض المفاهيم لإزالة بعض الغموض حولها فهناك خلط شديد بين الحراك الاجتماعي والحركات الاجتماعية كذلك هناك تداخل بين الحركات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية .فكما أشرنا سلفا إلى مفهوم الحراك الاجتماعي إلا أن الحركات الاجتماعية في معناها الجزئي عبارة عن جهود منظمة تبذلها مجموعة من المواطنين كممثلين لفئة شعبية تفتقد التمثيل الرسمي ، وتهدف إلى تغيير أوضاعها لتكون أكثر قرباً من القيم التي تؤمن بها الحركة .([ii])وفى معناها الكلى هي أشكال متنوعة من الاعتراض ، تستخدم أدوات جديدة يبتكرها المحتجون للتعبير عن الرفض أو لمقاومة الضغوط الواقعة عليهم ، وهي أشكال منتشرة لدى كافة الفئات الاجتماعية ، والواقعين تحت الضغوط الاجتماعية والسياسية ، وقد تنمو بأشكال هادئة أو هبات عفوية.ويمكن أن نطلق على هذه الحركة تعبير (أهل المطلبية الكلية ).
وتختلف النظريات المفسرة للحركات الاجتماعية وفقا لاختلافات وجهات نظر مطلقيها إما من حيث تكوين تلك الحركات أو مكوناتها أو من حيث أداء القائمين بها وما يكتنفها من سلوك وما يرتبط بها كذلك من دوافع. فهناك من المفكرين من يعزى تكوين الحركات الاجتماعية إلى مواجه الظروف غير طبيعية الناتجة عن التوتر الهيكلي بين المؤسسات الاجتماعية القائمة وهنا نجد مقاربة السلوك الاجتماعي في تكوين الحركات الاجتماعية كانعكاس على مرض ما قد أصاب هذا المجتمع ومؤسساته .وهنا من يرى أن الحركات الاجتماعية إنما جاءت لتعبر عن متطلبات جديدة في المجتمع كونها جزء من عملية سياسية ومن هنا تهتم هذه المقاربة بالتأثير المباشر للحركات الاجتماعية على القضايا السياسية دون الاهتمام بالأبعاد الفكرية أو القضايا الفلسفية.ومن النظريات أيضا من تفسر وجود حركات اجتماعية جديدة وفقا للاختلاف مع الحركات القديمة كونها تعكس تناقضات حادة بين الفرد والدولة ومن ثم وجب عل تلك الحركات الجديدة الاهتمام بتطوير الهوية الجماعية دون التركيز على الأيدلوجيات القائمة.وأخيرا وجهة نظر عاكسة لدور الحركات الاجتماعية في عمليات الإحلال التبديل كبديل لحالة الركود القائمة على المجموعات المهيمنة على العمليات الإنتاجية والاقتصادية والمحتكرة في ذات الوقت قائمة للمعايير الاجتماعية.هذه النظرية تروج لفكرة أن الصراع الطبقي ذو طبيعة اجتماعية- ثقافية وليست اجتماعية –اقتصادية . ومن ثم ينتقل المجتمع من شكل الرأسمالي التقليدي إلى مصاف المجتمع المبرمج الذي ينتهي فيه دور الطبقة العاملة المهيمنة لصالح طبقة التكنوقراط المبرمجة.([iii])
أما الاحتجاجات الشعبية فهي ظاهرة عالمية وشاملة لكافة الأنظمة السياسية على اختلاف أنواعها (الديمقراطية ، غير الديمقراطية ، شبة الديمقراطية).ولكن تأثيراتها تختلف من نظام سياسي لآخر ، ومن مرحلة لأخرى ، وهذا يعتمد على مدى تقبل وتفاعل النظام السياسي مع تلك الاحتجاجات.ومن ثم تثير الاحتجاجات الشعبية ذات الكتل البشرية الكبيرة أهمية خاصة عند مواجهتها للسلطة القائمة مهما كانت تتمتع من قوة وسطوة ونفوذ تتلخص فى عدة نقاط :-
الأولى / كونها تفقد النظام الحاكم و ذراعه الأمنية الاتزان وبالأخص ضد التجمعات الكبيرة ، وبالتالي الإحجام عن مجابهتها .
الثانية / أنها تشير إلى سقوط شرعية النظام السياسي الحاكم ، أمام الرأي العام الداخلي والخارجي .
الثالثة / شعور المحتجين بكُتلهم البشرية الكبيرة بالقوة وعدالة المطالب ، وهذا ما يثير فيهم الشعور الجمعي القوي ، ويثير فيهم روح الحماسة.
أخيراً / يبقى قانون العدد البشري هو الحاكم في النهاية .([iv])
مما سبق يتضح أن محور ارتكاز كل من الحراك والحركات وأيضا الاحتجاجات هو " الفئات الاجتماعية" وهذا ينقلنا إلى المحور الثاني لمعرفة أهم الملامح المميزة لحالة الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي وطبيعة الفئات الاجتماعية المساهمة في التحرك الشعبي سواء أكانت فئات اجتماعية ليست لها مطالب ذاتية أو فئات اجتماعية تنتمي لحركات اجتماعية بعينها أو تكتلات اجتماعية/ شعبية ذات مطالب عامة.
ملامح الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي
تتحدد ملامح الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي من خلال توضيح ما يلي:-
أولا: الفئات المشاركة في التحركات الشعبية وتتكون من :-
1- أغلبية من الفئات الكادحة والفقيرة تتكون من العاطلين والمهمشين اجتماعيا.
2- أغلبية شبابية تمتاز بالحماس الثوري والفاعلية الجماهيرية والقدرة على الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة التي توفرها شبكة الانترنت كأدوات للتنظيم والتواصل وإيصال أفكارهم إلى فئات عريضة من أفراد الشعب.
3- فئات أخرى يغلب عليها النزعة الدينية وطائفية وقبلية غير مسيسة أو مأدلجة.
4- فئات تنتهج من أيدلوجياتها الدينية نهجا في الحراك الشعبي بغية تحقيق أجندات خاصة بها.
5- مجموعات وتكتلات وأحزاب تقليدية منها اليساري والليبرالي والقومي ترى في تحركها مناهضة للسياسات القمعية والاضطهاد المستمر من قبل الأنظمة السائدة دون أن توفر لنفسها قنوات تنفتح بها على باقي الفئات الشعبية والشبابية .
6- حركات اجتماعية ذات توجهات إصلاحية أخذت على عاتقها منذ تكوينها مناهضة الأنظمة الحاكمة في إطار نشاطها الحركي .
وهناك بعض الملاحظات الهامة حول طبيعة القوى الفاعلة:0
- رغم أن شعاراتها ومطالبها ذات سمات ديمقراطية ومعيشية مشتركة إلا انه لا يمكن وضعها في البلدان العربية في إطار واحد.
- يشكل الخيار السلمي والإصرار على تحقيق الديمقراطية والإصلاح نهجا كفاحيا لنشاط التحركات الاجتماعية المعارضة.
- اتسمت التحركات الاجتماعية بغياب الهوية الطبقية المحددة بمعنى انتماء الكتل الشعبية المعارضة إلى طبقات اجتماعية مختلفة .
- أنتجت تلك التحركات الاحتجاجية قيادات ميدانية خاصة بنشاطها الكفاحي.([v])
ثانيا: طبيعة التحركات الشعبية:-
حيث يثار جدلا واسعا في الأوساط الأكاديمية حول ماهية التحركات الشعبية في دول الربيع العربي: هل هي ثورات؟ أم انتفاضات؟ أم تقتصر على مجرد حركات احتجاجية كاملة تأخذ شكل تظاهرات جماهيرية ذات حشود كبيرة تتجه في مسعاها إلى مجرد إسقاط الأنظمة القابعة في السلطة؟ ويتوجب علينا قبل تحديد ماهية تلك التحركات التفرقة بين بعض المصطلحات ذات الدلالة :-
المقصود بالانتفاضة السياسية تغيرات فجائية ليس لها ترتيبات معينة وعلى الرغم من وجود بوادر ظرفية معينة لها القدرة على إشعال شراراتها غير أن تبلور صيغة ظهورها المفاجئ تفرض بشروطها على الفرد التعامل معها سواء بشكل ايجابي بالانضمام إليها أو سلبي في مواجهتها وبشكل آني أو عفوي.مما يعكس تغيير في قواعد اللعبة السياسية المنظمة للمجتمع وفشل سلطة النظام وأيدلوجيته في القيام بدور الحاكمية السياسية.([vi])
وتختلف التظاهرات الجماهيرية عن الانتفاضة السياسية فهي لا تعزو سوى كونها تعبير عن حالة سخط جماهيري مبرمجة ضد وضعية اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة ترافق ظهورها أنماط من التحرك السياسي بحيث يكمن من وراء هذا التحرك مجموعة من المطالب السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية طرحت من قبل تنظيمات أو حركات أو أحزاب ولا يؤثر هذا التحرك على الوضع السياسي للنظام إذا كانت آليات النظام الاقناعية والأمنية ما زالت قادرة على تحجيم قوة تأثيرات التحرك من خلال الاستجابة للمطالب المطروحة أو حتى قمعها فلا يوجد أى تهديد لشرعية النظام التي تعمل في إطاره.([vii])
أما التمرد أو العصيان هو حالة رفض مبرمجة من قبل قوى سياسية لشرعية نظام ما ويراد من ورائه إصلاح قواعد اللعبة السياسية بمعنى أن العصيان أو التمرد على السلطة لا يذهب إلى تغيير النظام السياسي. بل المطالبة بتعديل آليات الحاكمية فهو يعكس تذمر من سلوكية حكم المجموعة القائمة على إدارة السلطة وطبيعتها السوسيولوجية والاقتصادية.([viii])
وأخيرا الثورة فهي وبعكس التمرد ليست هياجا شعبيا تعكس حالة القلق والتوتر . وان كانت تلك المشاعر حاضرة في صيرورتها وهى ليست تعبير عن حركة غير منظمة بل تعكس صيرورتها على عقلانية عمل وسلوك تهدف من وراءه إلى إحداث تغييرا جذريا ليس على مستوى السلطة فقط وإنما إلى تغيير مفاهيم وقيم وعادات أطرت بها السلطة طبيعة المجتمع بكاملة.([ix])
وإدراكا منا لطبيعة الفترات الزمنية التي تستوجبها كل حالة بين القصر والطول فمن الأهمية بمكان التأكيد على دور الحركات الاحتجاجية في انتزاع شرعية الأنظمة السياسية وإسقاطها وبالتالي يكون السؤال :ما الذي يمكن أن تؤول إليه تلك الحركات الاحتجاجية هل ستنحاز للفكر الثوري في التغيير الجذري أم ستنتصر للفكر الإصلاحي؟
ثالثا: مطالب الفئات الفاعلة :-
انحصرت مطالب الفئات الفاعلة في التحركات الشعبية منذ انطلاقاتها الأولى في بضعة كلمات ذات دلالة بالغة هي "عيش – حرية – عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية" تلك الكلمات البسيطة تفسر إلى حد كبير مدى معاناة المجتمع وحقيقة الأزمة الاجتماعية التي وصلت بالنظام السياسي إلي الفشل في سد المطالب الاجتماعية والتفاعل الخلاق مع البيئة الخارجية.([x])ويمكن تحديد تلك المطالب في الآتي:-
- مطالب اقتصادية : تتبلور حول القيم المادية المرتبطة بالسيطرة علي الموارد الاقتصادية أو الانتفاع بها.
فمع افترضنا أن الفضاء الاقتصادي هو الحيز الذي يتسع لمدخلات ومخرجات ذات طابع اقتصادي. ومن المدخلات الأرض، ورأس المال، والعمل، والمعرفة، والتنظيم. ومن المخرجات السلع بشتي أنواعها والخدمات المختلفة. وتعبر النقود عن هذه المدخلات والمخرجات، وتجسدها بشكل رمزي. فإن الاستحواذ علي أي قدر من مدخلات الحيز الاقتصادي أو مخرجاته يمثل أحد الأهداف التي تحقق للفرد مستوي حياة أفضل. وإذا ترجم هذا الاستحواذ في شكل نقدي، فإن الاستحواذ علي أكبر قدر من النقود هو الطريق إلي بناء حياة أكثر استقرارا، واحتلال وضع أكثر تميزا في الحياة، والتمتع بأسلوب حياة أكثر رفاهية. ومن هنا، يمكن القول إن الاختلاف بين البشر هو اختلاف في حجم الاستحواذ علي النقود، أي في حجم الاستحواذ علي مكان أوسع في الفضاء الاقتصادي.وبتبني الدولة لسياسات اقتصادية معينة يمكن أن يضغط الفضاء الاقتصادي الذي تتحرك فيه هذه الفئات. ، فعلي سبيل المثال،تبنت الدولة في مصر سياسات نابعة من مفاهيم الليبرالية الجديدة، التي قيدت، إلي حد كبير، فتح مزيد من فرص العمل، وباشرت سياسات تحرير اقتصادي وتكيف هيكلي أدخلت المجتمع بقوة في علاقات السوق، وفرضت ضغوطا استهلاكية علي هذه الفئات، وأهملت الجوانب الاجتماعية في عملية التطور، فتحولت إلي رأسمالية متوحشة بحق([xi])، ومع توسيع دائرة الحرمان والفقر داخل المجتمعات العربية، فلا معنى للحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
•هذا إلى جانب استئثار فئة قليلة بموارد الدولة، عبر تكريس معادلة 'زواج السلطة ورأس المال'، وانتشار الإفقار، والبطالة في المجتمعات العربية كأحد مخلفات الإصلاح الاقتصادي الذي عظم من قيمة المؤشرات المالية علي حساب التهميش التنموي لفئات مجتمعية وقبلية ودينية
• كذلك علاقات التبعية التي ارتبطت بها كثيرا من الأنظمة العربية بالقوى الدولية الخارجية، خاصة التطبيع لاسيما في المجال النفطي والمالي، ما يؤدي إلى النفوذ المؤثر على تشكيل القرار السياسي داخل تلك الأقطار. و السماح للشركات المتعددة الجنسيات بالاستثمار داخل الأقطار العربية في إطار دمقرطة الاقتصاد العربي.
- مطالب اجتماعية :ترتبط بطبيعة العلاقات الأفقية بين الجماعات المختلفة في المجتمع والعلاقات الرأسية مع الدولة كتنظيم كلى يمكن أن يوفر الكثير من المطالب لكل الفئات المهمشة والمحرومة في المجتمع وتتلخص تلك المطالبة في:-
1. حق كافة فئات المجتمع في حياة كريمة يتوفر لها الحد الأدنى من المستوى المعيشي .
2. معالجة مسائل البطالة والتعليم والضمان الاجتماعي والشيخوخة وإيجاد فرص العمل ومحاربة الفساد.
3. محاربة الفقر كمشكلة اجتماعية والقضاء على أهم أسبابة كخطوة أولى في مسار التنمية الحقيقية.
4. صياغة نموذج إنمائي شامل مبني على العدالة الاجتماعية.
5. محاولة التشبيك القبلي-العصباني القائم علي المستوي المحلي.
6. التأكيد على دور التجمعات أو التكوينات الاجتماعية ذات الهوية كالنقابات، والمنظمات الأهلية، وروابط العمل، وروابط النوادي، والحركات الاجتماعية إلي آخر هذه الصور من التجمعات الإنسانية في إطار الحرص على حيوية دور المجتمع المدني كوسيط مستقل ما بين الدولة والمجتمع.([xii])
مطالب سياسية : تتركز في رفض كل ما هو سلبي داخل الحقل السياسي من نبذ الاستبداد والظلم وتركز للسلطات في يد الدائرة الضيقة المحيطة بالحكام ،ورفض سياسات التهميش والإقصاء ،مع ضرورة البدء في تحول ديمقراطي حقيقي غير شكلي يقوم على أسس التعددية والتداول السلمي للسلطة مبتغيا لذلك الآليات المنضبطة في العملية السياسية عبر الاستحقاقات المرتقبة وصياغة دساتير تعبر عن حريات وحقوق الأفراد رافضين بذلك فكرة الدولة البوليسية والنظام القمعي في التعامل مع المعارضين.
ومن ثم انطلقت الشرارة الأولى لتلك الاحتجاجات في طليعتها الشباب ومن ورائهم بقية الفئات الفاعلة لتشكل في مجموعها التحرك الجمعي /الشعبي . ومن المهم تبيان السمات المشتركة والفروقات بين تلك الحركات على مسار الفعل الحركي في مختلف بلدان الربيع العربي فنجد على سبيل المثال دول كمصر وتونس لم تتسم حركاتها الاحتجاجية بالشاملة بل اقتصرت على كونها موجات تكتليه سلمية ذات أعداد كبيرة استطاعت أن تحقق هدفها في وقت قصير نسبيا على حين لم تستطع التحركات الشعبية في ليبيا أن تحقق هدفها المشروع في مناهضتها لحكم الفرد إلا بحماية دولية سرعان ما تحولت إلى تدخلا دوليا اعتمد على تغيير النظام السياسي في أجواء الحرب الأهلية.ويختلف الأمر كما في اليمن فعلى الرغم من تأصل النزعات القبلية والعشائرية استطاعت التحركات اليمنية الحفاظ على سلميتها و التوصل لوعود تفيد بالانتقال السلمي للسلطة عبر جدول زمني من قبل النظام الحاكم وان كان الأمر يتسم بدرجة كبيرة من التعقيد نظرا لازدواجية التحركات السياسية من قبل النظام اليمنى وطبيعة العلاقات المعقدة بينه وبين تنظيم القاعدة في اليمن وأيضا الأدوار الإقليمية والدولية ودورها في تعاظم الأزمة الوطنية أما الوضع في سوريا فهو الأسوأ فإسقاط النظام السياسي في سوريا ما زال محل نظر محللين يرون أن النظام يخطو خطواته الأخيرة تجاه مآله وهو السقوط وان كان ذلك يتم في إطار من العنف الدموي والتصفيات الجسدية إلا أنه في النهاية سيخضع الأمر لحسابات إقليمية ودولية في المنطقة .
آليات الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي
مما لا شك فيه أن حدوث حالة من الحراك الاجتماعي في أي مجتمع ما تتحدد بناء على عدد من العوامل منها على سبيل المثال الهجرة والتعليم ، فكما هو معروف تلعب الهجرة دورا كبيرا ومؤثرا في عملية الحراك الاجتماعي على أساس أنها نتاج لسعى الأفراد والجماعات نحو تحسين ظروفهم اجتماعيا واقتصاديا خاصة وأنها توفر فرص متعددة من التعليم والعمل ومستوى عال من الدخل وتحقيق قدر ما من الرقى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد . كذلك التعليم يعد عامل أساسي من عوامل حدوث الحراك الاجتماعي فقد يؤدى وصول بعض الأفراد إلى درجات عليا في السلم التعليمي لمزيد من التقدم العلمي المتنامي ومن ثم إتاحة الفرص لتحسين أوضاعهم الطبقية والاجتماعية. وان كنا لا نقلل من أهمية هذين العاملين في ديناميكية الحراك الاجتماعي إلا أننا سوف نركز على العامل الأكثر بروز في حالات الاضطراب الاجتماعي مثل الثورات و حركات الإصلاح السياسي والاجتماعي ألا وهو عامل التحول السياسي لارتباطه بعملية الحراك الاجتماعي صعودا وهبوطا.([xiii])
لم تكن حالة الحراك الاجتماعي التي تشهدها منطقتنا العربية من المستغربة أو حتى وليدة اللحظة الراهنة فقد مرت شعوب تلك البلدان بحالات من التهميش والإقصاء الاقتصادي-السياسي تخندق في مواجهتها رفض تعبوي أخذ يتصاعد من أسفل إلى أعلى ليتفجر في صورة انتفاضات شعبية جارفة أرغمت نظمها على ضرورة الاعتراف بمطالبها المشروعة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا في إطار عبقرية الشعارات التي رفعتها عيش – حرية – عدالة- كرامة إنسانية.
ويتأتى الاهتمام بحالة الحراك الاجتماعي في إطار وضع الحركات الاجتماعية حديثا في نسق البحث السياسي والاجتماعي والاعتراف بها كشكل من أشكال التعبير التعبوي الدافع للشعوب ، كذلك باعتبارها على المستوى النظري والأكاديمي أداة دقيقة وجيدة لتشريح العمل الجماعي بوجه عام.
وباستقراء فقه الحركات الاجتماعية نجد أن معظم الكتابات المفسرة لها تتفق على وجود عدد من العناصر الرئيسية لابد من توافرها حتى تأخذ هذا المسمى تلك العناصر تتحدد في : أنها جهود منظمة، مجموعة من المشاركين ، أهداف ، سياسات، أوضاع،تغيير ، مكونات فكرية محركة، وسائل تعبئة .
وإذا قمنا بمحاولة التعمق في حالة الحراك الاجتماعي في مصر إبان أحداث الخامس والعشرين من يناير لتبدى لنا جليا دورها الكيفي في تكوين الفكر الجمعي للشعب المصري وتوجيهه نحو الهدف الأول ألا وهو حق الشعوب في الحرية و العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان .ولعل هذا يجعلنا نضع خطا رئيسيا حول تلك الدراسة هذا الخط يكون معنيا بالإجابة على كيف ، ومتى ، وأين ،ولماذا يملى عامة الناس مطالبهم الجماعية على السلطات العامة وغيرها من أصحاب النفوذ والمنافسين والخصوم والمستهدفين من المعارضة الشعبية؟
وتتضمن رؤيتنا أيضا في تناول حالة الحراك الاجتماعي ضرورة فرض اتجاه مقارن يبين من ناحية وضع الحركات الاجتماعية ضمن الأشكال الأخرى من أشكال العمل السياسي ومن ناحية أخرى مدى قدرتنا على التقييم وإمكانية التعويل على الحركات الاجتماعية في الزمن المعاصر كأداة من أدوات التغيير .
ومن ثم ينطلق هذا البحث من خلال ثلاث منطلقات رئيسة أولها يرتبط بالإطار النظري للحراك الاجتماعي وما يرتبط به من مفاهيم . ويدور المحور الثاني حول أهم الملامح المعاصرة المميزة للحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي أما المحور الثالث فيركز بشكل أكثر فاعلية على آليات الحراك الاجتماعي.
الإطار النظري
يعد الحراك الاجتماعي social mobilityسمة مميزة للمجتمع الحديث ، بل هو أحد المقومات الرئيسية للمجتمع المتحضر، والذي يتميز عن المجتمع الإقطاعي التقليدي،الذي يعد مجتمعا مغلقا، لا يتحرك الفرد فيه خارج الجماعة التي ينشا فيها لوجود حواجز اجتماعية تربط الفرد بجماعته. ويعرف الحراك الاجتماعي بأنه " الوضع الذي يشير إلى إمكانية تحرك الأشخاص أو الجماعات إلى أسفل أو إل أعلى الطبقة أو المكانة الاجتماعية في هرم التدرج الاجتماعي" ومن ثم يكون الانتقال من وضع اجتماعي لأخر داخل البناء الاجتماعي القائم بمثابة حراك اجتماعي. ويتحدد مدى الحراك الاجتماعي بناء على عدة عوامل تساعد على حدوثه داخل المجتمع . ومن هذه العوامل التعليم ، الهجرة، والتحولات السياسية. وحيث أن تلك العوامل ليست مانعة جامعة إلا أنه ينظر لها على اعتبارها أهم محفزات عملية الحراك الاجتماعي.
وترتبط عملية الحراك الاجتماعي الآن بما يحدث في بعض الأقطار العربية ما يعرف إعلاميا " بالربيع العربي" أو بثورات الربيع العربي فكما هو معلوم أن حالات التحول السياسي كالحروب والثورات أو حتى عمليات الإصلاح السياسي ترتبط بفترات من الاضطراب الاجتماعي يمكن أن تؤثر تصاعدا أو هبوطا على عملية الحراك الاجتماعي.()
وتوفر لنا الأحداث المعاصرة اقترابا أكثر ملائمة لفهم طبيعة وأهداف هذا الحراك ، وعلينا بداية إلقاء الضوء على بعض المفاهيم لإزالة بعض الغموض حولها فهناك خلط شديد بين الحراك الاجتماعي والحركات الاجتماعية كذلك هناك تداخل بين الحركات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية .فكما أشرنا سلفا إلى مفهوم الحراك الاجتماعي إلا أن الحركات الاجتماعية في معناها الجزئي عبارة عن جهود منظمة تبذلها مجموعة من المواطنين كممثلين لفئة شعبية تفتقد التمثيل الرسمي ، وتهدف إلى تغيير أوضاعها لتكون أكثر قرباً من القيم التي تؤمن بها الحركة .([ii])وفى معناها الكلى هي أشكال متنوعة من الاعتراض ، تستخدم أدوات جديدة يبتكرها المحتجون للتعبير عن الرفض أو لمقاومة الضغوط الواقعة عليهم ، وهي أشكال منتشرة لدى كافة الفئات الاجتماعية ، والواقعين تحت الضغوط الاجتماعية والسياسية ، وقد تنمو بأشكال هادئة أو هبات عفوية.ويمكن أن نطلق على هذه الحركة تعبير (أهل المطلبية الكلية ).
وتختلف النظريات المفسرة للحركات الاجتماعية وفقا لاختلافات وجهات نظر مطلقيها إما من حيث تكوين تلك الحركات أو مكوناتها أو من حيث أداء القائمين بها وما يكتنفها من سلوك وما يرتبط بها كذلك من دوافع. فهناك من المفكرين من يعزى تكوين الحركات الاجتماعية إلى مواجه الظروف غير طبيعية الناتجة عن التوتر الهيكلي بين المؤسسات الاجتماعية القائمة وهنا نجد مقاربة السلوك الاجتماعي في تكوين الحركات الاجتماعية كانعكاس على مرض ما قد أصاب هذا المجتمع ومؤسساته .وهنا من يرى أن الحركات الاجتماعية إنما جاءت لتعبر عن متطلبات جديدة في المجتمع كونها جزء من عملية سياسية ومن هنا تهتم هذه المقاربة بالتأثير المباشر للحركات الاجتماعية على القضايا السياسية دون الاهتمام بالأبعاد الفكرية أو القضايا الفلسفية.ومن النظريات أيضا من تفسر وجود حركات اجتماعية جديدة وفقا للاختلاف مع الحركات القديمة كونها تعكس تناقضات حادة بين الفرد والدولة ومن ثم وجب عل تلك الحركات الجديدة الاهتمام بتطوير الهوية الجماعية دون التركيز على الأيدلوجيات القائمة.وأخيرا وجهة نظر عاكسة لدور الحركات الاجتماعية في عمليات الإحلال التبديل كبديل لحالة الركود القائمة على المجموعات المهيمنة على العمليات الإنتاجية والاقتصادية والمحتكرة في ذات الوقت قائمة للمعايير الاجتماعية.هذه النظرية تروج لفكرة أن الصراع الطبقي ذو طبيعة اجتماعية- ثقافية وليست اجتماعية –اقتصادية . ومن ثم ينتقل المجتمع من شكل الرأسمالي التقليدي إلى مصاف المجتمع المبرمج الذي ينتهي فيه دور الطبقة العاملة المهيمنة لصالح طبقة التكنوقراط المبرمجة.([iii])
أما الاحتجاجات الشعبية فهي ظاهرة عالمية وشاملة لكافة الأنظمة السياسية على اختلاف أنواعها (الديمقراطية ، غير الديمقراطية ، شبة الديمقراطية).ولكن تأثيراتها تختلف من نظام سياسي لآخر ، ومن مرحلة لأخرى ، وهذا يعتمد على مدى تقبل وتفاعل النظام السياسي مع تلك الاحتجاجات.ومن ثم تثير الاحتجاجات الشعبية ذات الكتل البشرية الكبيرة أهمية خاصة عند مواجهتها للسلطة القائمة مهما كانت تتمتع من قوة وسطوة ونفوذ تتلخص فى عدة نقاط :-
الأولى / كونها تفقد النظام الحاكم و ذراعه الأمنية الاتزان وبالأخص ضد التجمعات الكبيرة ، وبالتالي الإحجام عن مجابهتها .
الثانية / أنها تشير إلى سقوط شرعية النظام السياسي الحاكم ، أمام الرأي العام الداخلي والخارجي .
الثالثة / شعور المحتجين بكُتلهم البشرية الكبيرة بالقوة وعدالة المطالب ، وهذا ما يثير فيهم الشعور الجمعي القوي ، ويثير فيهم روح الحماسة.
أخيراً / يبقى قانون العدد البشري هو الحاكم في النهاية .([iv])
مما سبق يتضح أن محور ارتكاز كل من الحراك والحركات وأيضا الاحتجاجات هو " الفئات الاجتماعية" وهذا ينقلنا إلى المحور الثاني لمعرفة أهم الملامح المميزة لحالة الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي وطبيعة الفئات الاجتماعية المساهمة في التحرك الشعبي سواء أكانت فئات اجتماعية ليست لها مطالب ذاتية أو فئات اجتماعية تنتمي لحركات اجتماعية بعينها أو تكتلات اجتماعية/ شعبية ذات مطالب عامة.
ملامح الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي
تتحدد ملامح الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي من خلال توضيح ما يلي:-
أولا: الفئات المشاركة في التحركات الشعبية وتتكون من :-
1- أغلبية من الفئات الكادحة والفقيرة تتكون من العاطلين والمهمشين اجتماعيا.
2- أغلبية شبابية تمتاز بالحماس الثوري والفاعلية الجماهيرية والقدرة على الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة التي توفرها شبكة الانترنت كأدوات للتنظيم والتواصل وإيصال أفكارهم إلى فئات عريضة من أفراد الشعب.
3- فئات أخرى يغلب عليها النزعة الدينية وطائفية وقبلية غير مسيسة أو مأدلجة.
4- فئات تنتهج من أيدلوجياتها الدينية نهجا في الحراك الشعبي بغية تحقيق أجندات خاصة بها.
5- مجموعات وتكتلات وأحزاب تقليدية منها اليساري والليبرالي والقومي ترى في تحركها مناهضة للسياسات القمعية والاضطهاد المستمر من قبل الأنظمة السائدة دون أن توفر لنفسها قنوات تنفتح بها على باقي الفئات الشعبية والشبابية .
6- حركات اجتماعية ذات توجهات إصلاحية أخذت على عاتقها منذ تكوينها مناهضة الأنظمة الحاكمة في إطار نشاطها الحركي .
وهناك بعض الملاحظات الهامة حول طبيعة القوى الفاعلة:0
- رغم أن شعاراتها ومطالبها ذات سمات ديمقراطية ومعيشية مشتركة إلا انه لا يمكن وضعها في البلدان العربية في إطار واحد.
- يشكل الخيار السلمي والإصرار على تحقيق الديمقراطية والإصلاح نهجا كفاحيا لنشاط التحركات الاجتماعية المعارضة.
- اتسمت التحركات الاجتماعية بغياب الهوية الطبقية المحددة بمعنى انتماء الكتل الشعبية المعارضة إلى طبقات اجتماعية مختلفة .
- أنتجت تلك التحركات الاحتجاجية قيادات ميدانية خاصة بنشاطها الكفاحي.([v])
ثانيا: طبيعة التحركات الشعبية:-
حيث يثار جدلا واسعا في الأوساط الأكاديمية حول ماهية التحركات الشعبية في دول الربيع العربي: هل هي ثورات؟ أم انتفاضات؟ أم تقتصر على مجرد حركات احتجاجية كاملة تأخذ شكل تظاهرات جماهيرية ذات حشود كبيرة تتجه في مسعاها إلى مجرد إسقاط الأنظمة القابعة في السلطة؟ ويتوجب علينا قبل تحديد ماهية تلك التحركات التفرقة بين بعض المصطلحات ذات الدلالة :-
المقصود بالانتفاضة السياسية تغيرات فجائية ليس لها ترتيبات معينة وعلى الرغم من وجود بوادر ظرفية معينة لها القدرة على إشعال شراراتها غير أن تبلور صيغة ظهورها المفاجئ تفرض بشروطها على الفرد التعامل معها سواء بشكل ايجابي بالانضمام إليها أو سلبي في مواجهتها وبشكل آني أو عفوي.مما يعكس تغيير في قواعد اللعبة السياسية المنظمة للمجتمع وفشل سلطة النظام وأيدلوجيته في القيام بدور الحاكمية السياسية.([vi])
وتختلف التظاهرات الجماهيرية عن الانتفاضة السياسية فهي لا تعزو سوى كونها تعبير عن حالة سخط جماهيري مبرمجة ضد وضعية اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة ترافق ظهورها أنماط من التحرك السياسي بحيث يكمن من وراء هذا التحرك مجموعة من المطالب السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية طرحت من قبل تنظيمات أو حركات أو أحزاب ولا يؤثر هذا التحرك على الوضع السياسي للنظام إذا كانت آليات النظام الاقناعية والأمنية ما زالت قادرة على تحجيم قوة تأثيرات التحرك من خلال الاستجابة للمطالب المطروحة أو حتى قمعها فلا يوجد أى تهديد لشرعية النظام التي تعمل في إطاره.([vii])
أما التمرد أو العصيان هو حالة رفض مبرمجة من قبل قوى سياسية لشرعية نظام ما ويراد من ورائه إصلاح قواعد اللعبة السياسية بمعنى أن العصيان أو التمرد على السلطة لا يذهب إلى تغيير النظام السياسي. بل المطالبة بتعديل آليات الحاكمية فهو يعكس تذمر من سلوكية حكم المجموعة القائمة على إدارة السلطة وطبيعتها السوسيولوجية والاقتصادية.([viii])
وأخيرا الثورة فهي وبعكس التمرد ليست هياجا شعبيا تعكس حالة القلق والتوتر . وان كانت تلك المشاعر حاضرة في صيرورتها وهى ليست تعبير عن حركة غير منظمة بل تعكس صيرورتها على عقلانية عمل وسلوك تهدف من وراءه إلى إحداث تغييرا جذريا ليس على مستوى السلطة فقط وإنما إلى تغيير مفاهيم وقيم وعادات أطرت بها السلطة طبيعة المجتمع بكاملة.([ix])
وإدراكا منا لطبيعة الفترات الزمنية التي تستوجبها كل حالة بين القصر والطول فمن الأهمية بمكان التأكيد على دور الحركات الاحتجاجية في انتزاع شرعية الأنظمة السياسية وإسقاطها وبالتالي يكون السؤال :ما الذي يمكن أن تؤول إليه تلك الحركات الاحتجاجية هل ستنحاز للفكر الثوري في التغيير الجذري أم ستنتصر للفكر الإصلاحي؟
ثالثا: مطالب الفئات الفاعلة :-
انحصرت مطالب الفئات الفاعلة في التحركات الشعبية منذ انطلاقاتها الأولى في بضعة كلمات ذات دلالة بالغة هي "عيش – حرية – عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية" تلك الكلمات البسيطة تفسر إلى حد كبير مدى معاناة المجتمع وحقيقة الأزمة الاجتماعية التي وصلت بالنظام السياسي إلي الفشل في سد المطالب الاجتماعية والتفاعل الخلاق مع البيئة الخارجية.([x])ويمكن تحديد تلك المطالب في الآتي:-
- مطالب اقتصادية : تتبلور حول القيم المادية المرتبطة بالسيطرة علي الموارد الاقتصادية أو الانتفاع بها.
فمع افترضنا أن الفضاء الاقتصادي هو الحيز الذي يتسع لمدخلات ومخرجات ذات طابع اقتصادي. ومن المدخلات الأرض، ورأس المال، والعمل، والمعرفة، والتنظيم. ومن المخرجات السلع بشتي أنواعها والخدمات المختلفة. وتعبر النقود عن هذه المدخلات والمخرجات، وتجسدها بشكل رمزي. فإن الاستحواذ علي أي قدر من مدخلات الحيز الاقتصادي أو مخرجاته يمثل أحد الأهداف التي تحقق للفرد مستوي حياة أفضل. وإذا ترجم هذا الاستحواذ في شكل نقدي، فإن الاستحواذ علي أكبر قدر من النقود هو الطريق إلي بناء حياة أكثر استقرارا، واحتلال وضع أكثر تميزا في الحياة، والتمتع بأسلوب حياة أكثر رفاهية. ومن هنا، يمكن القول إن الاختلاف بين البشر هو اختلاف في حجم الاستحواذ علي النقود، أي في حجم الاستحواذ علي مكان أوسع في الفضاء الاقتصادي.وبتبني الدولة لسياسات اقتصادية معينة يمكن أن يضغط الفضاء الاقتصادي الذي تتحرك فيه هذه الفئات. ، فعلي سبيل المثال،تبنت الدولة في مصر سياسات نابعة من مفاهيم الليبرالية الجديدة، التي قيدت، إلي حد كبير، فتح مزيد من فرص العمل، وباشرت سياسات تحرير اقتصادي وتكيف هيكلي أدخلت المجتمع بقوة في علاقات السوق، وفرضت ضغوطا استهلاكية علي هذه الفئات، وأهملت الجوانب الاجتماعية في عملية التطور، فتحولت إلي رأسمالية متوحشة بحق([xi])، ومع توسيع دائرة الحرمان والفقر داخل المجتمعات العربية، فلا معنى للحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
•هذا إلى جانب استئثار فئة قليلة بموارد الدولة، عبر تكريس معادلة 'زواج السلطة ورأس المال'، وانتشار الإفقار، والبطالة في المجتمعات العربية كأحد مخلفات الإصلاح الاقتصادي الذي عظم من قيمة المؤشرات المالية علي حساب التهميش التنموي لفئات مجتمعية وقبلية ودينية
• كذلك علاقات التبعية التي ارتبطت بها كثيرا من الأنظمة العربية بالقوى الدولية الخارجية، خاصة التطبيع لاسيما في المجال النفطي والمالي، ما يؤدي إلى النفوذ المؤثر على تشكيل القرار السياسي داخل تلك الأقطار. و السماح للشركات المتعددة الجنسيات بالاستثمار داخل الأقطار العربية في إطار دمقرطة الاقتصاد العربي.
- مطالب اجتماعية :ترتبط بطبيعة العلاقات الأفقية بين الجماعات المختلفة في المجتمع والعلاقات الرأسية مع الدولة كتنظيم كلى يمكن أن يوفر الكثير من المطالب لكل الفئات المهمشة والمحرومة في المجتمع وتتلخص تلك المطالبة في:-
1. حق كافة فئات المجتمع في حياة كريمة يتوفر لها الحد الأدنى من المستوى المعيشي .
2. معالجة مسائل البطالة والتعليم والضمان الاجتماعي والشيخوخة وإيجاد فرص العمل ومحاربة الفساد.
3. محاربة الفقر كمشكلة اجتماعية والقضاء على أهم أسبابة كخطوة أولى في مسار التنمية الحقيقية.
4. صياغة نموذج إنمائي شامل مبني على العدالة الاجتماعية.
5. محاولة التشبيك القبلي-العصباني القائم علي المستوي المحلي.
6. التأكيد على دور التجمعات أو التكوينات الاجتماعية ذات الهوية كالنقابات، والمنظمات الأهلية، وروابط العمل، وروابط النوادي، والحركات الاجتماعية إلي آخر هذه الصور من التجمعات الإنسانية في إطار الحرص على حيوية دور المجتمع المدني كوسيط مستقل ما بين الدولة والمجتمع.([xii])
مطالب سياسية : تتركز في رفض كل ما هو سلبي داخل الحقل السياسي من نبذ الاستبداد والظلم وتركز للسلطات في يد الدائرة الضيقة المحيطة بالحكام ،ورفض سياسات التهميش والإقصاء ،مع ضرورة البدء في تحول ديمقراطي حقيقي غير شكلي يقوم على أسس التعددية والتداول السلمي للسلطة مبتغيا لذلك الآليات المنضبطة في العملية السياسية عبر الاستحقاقات المرتقبة وصياغة دساتير تعبر عن حريات وحقوق الأفراد رافضين بذلك فكرة الدولة البوليسية والنظام القمعي في التعامل مع المعارضين.
ومن ثم انطلقت الشرارة الأولى لتلك الاحتجاجات في طليعتها الشباب ومن ورائهم بقية الفئات الفاعلة لتشكل في مجموعها التحرك الجمعي /الشعبي . ومن المهم تبيان السمات المشتركة والفروقات بين تلك الحركات على مسار الفعل الحركي في مختلف بلدان الربيع العربي فنجد على سبيل المثال دول كمصر وتونس لم تتسم حركاتها الاحتجاجية بالشاملة بل اقتصرت على كونها موجات تكتليه سلمية ذات أعداد كبيرة استطاعت أن تحقق هدفها في وقت قصير نسبيا على حين لم تستطع التحركات الشعبية في ليبيا أن تحقق هدفها المشروع في مناهضتها لحكم الفرد إلا بحماية دولية سرعان ما تحولت إلى تدخلا دوليا اعتمد على تغيير النظام السياسي في أجواء الحرب الأهلية.ويختلف الأمر كما في اليمن فعلى الرغم من تأصل النزعات القبلية والعشائرية استطاعت التحركات اليمنية الحفاظ على سلميتها و التوصل لوعود تفيد بالانتقال السلمي للسلطة عبر جدول زمني من قبل النظام الحاكم وان كان الأمر يتسم بدرجة كبيرة من التعقيد نظرا لازدواجية التحركات السياسية من قبل النظام اليمنى وطبيعة العلاقات المعقدة بينه وبين تنظيم القاعدة في اليمن وأيضا الأدوار الإقليمية والدولية ودورها في تعاظم الأزمة الوطنية أما الوضع في سوريا فهو الأسوأ فإسقاط النظام السياسي في سوريا ما زال محل نظر محللين يرون أن النظام يخطو خطواته الأخيرة تجاه مآله وهو السقوط وان كان ذلك يتم في إطار من العنف الدموي والتصفيات الجسدية إلا أنه في النهاية سيخضع الأمر لحسابات إقليمية ودولية في المنطقة .
آليات الحراك الاجتماعي في ظل الربيع العربي
مما لا شك فيه أن حدوث حالة من الحراك الاجتماعي في أي مجتمع ما تتحدد بناء على عدد من العوامل منها على سبيل المثال الهجرة والتعليم ، فكما هو معروف تلعب الهجرة دورا كبيرا ومؤثرا في عملية الحراك الاجتماعي على أساس أنها نتاج لسعى الأفراد والجماعات نحو تحسين ظروفهم اجتماعيا واقتصاديا خاصة وأنها توفر فرص متعددة من التعليم والعمل ومستوى عال من الدخل وتحقيق قدر ما من الرقى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد . كذلك التعليم يعد عامل أساسي من عوامل حدوث الحراك الاجتماعي فقد يؤدى وصول بعض الأفراد إلى درجات عليا في السلم التعليمي لمزيد من التقدم العلمي المتنامي ومن ثم إتاحة الفرص لتحسين أوضاعهم الطبقية والاجتماعية. وان كنا لا نقلل من أهمية هذين العاملين في ديناميكية الحراك الاجتماعي إلا أننا سوف نركز على العامل الأكثر بروز في حالات الاضطراب الاجتماعي مثل الثورات و حركات الإصلاح السياسي والاجتماعي ألا وهو عامل التحول السياسي لارتباطه بعملية الحراك الاجتماعي صعودا وهبوطا.([xiii])