منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#63392
مع كل انتخابات رئاسية تشهدها إيران، يعود بحث قضية تولي المرأة منصب الرئاسة وقبل ذلك الحق في الترشح إلى الواجهة. ويأخذ النقاش بشأن هذه القضية بعدًا قانونيًا وسياسيًا يتركز بصورة أساسية على تعبير "الرجل السياسي" الوارد في المادة 115 من الدستور، وهو الشرط الذي وقف حاجبًا المرأة الإيرانية عن هذا المنصب وجعله حكرًا على الرجال. يحاول الجدل في جانب منه "سبر أغوار" الأبعاد اللغوية لكلمة "رجل"، كما يحاول معرفة ما إذا كانت تعني بالضرورة شرط الذكورة، أم أن عبارة "الرجال المتدينون السياسيون" تعني شخصيات تتصف بالتدين والتجربة السياسية وهو شرط يتوافر في الكثير من النساء.

يعاد طرح هذه القضية وغيرها من القضايا التي تتعلق بواقع المرأة الإيرانية ومشاركتها السياسية، ليصل النقاش بصورة أو بأخرى إلى مساحات وفضاءات تواجد النساء داخل البيت وخارجه.

مقاومة الاستبداد

لم تأخذ الحركة النسوية في إيران منذ بداياتها الأولى صفة الحركات القائمة لمطالبات نسوية، فقد حملت شعارات وعناوين سياسية وطنية، وتعتقد الدكتورة زهرا رهنورد أن أول حركة نسوية في إيران من الناحية التاريخية هي انتفاضة التنباك (1891 - 1892)، حين شاركت النساء بفاعلية في "إبطال اتفاقية استعمارية وقعها ناصر الدين القاجاري مع بريطانيا"، وجاء تحرك النساء الإيرانيات استجابة لفتوى آية الله محمد حسن الشيرازي.

ويمكن القول بأن أول حركة نسوية إيرانية جاءت سياسية وضد استعمارية، وينظر الكثير من الباحثات الإيرانيات ومنهن الدكتورة زهرا رهنورد (زوجة مير حسين موسوي وناشطة نسوية) بإعجاب إلى تلك الفترة التاريخية وترى أنها أسست للحضور السياسي للمرأة الإيرانية، لكن ناشطات ومثقفات أخريات منهن الناشرة والناشطة النسوية شهلا لاهيجي يقرأن تلك الفترة بصورة مغايرة؛ إذ يرين أن هذا الحضور يعكس بصورة جوهرية الطبيعة الأبوية للمجتمع في ذلك الوقت. صحيح أن النساء الإيرانيات شاركن بفعالية في الثورة الدستورية (المشروطة) إلا أن هذه المشاركة جاءت استجابة لمقتضيات السيطرة الأبوية، وعبرت عن نفسها بالفتوى الصادرة عن رجال الدين الذين شجعوا النساء على مقاومة القوى الخارجية. وبناء عليه فإن لاهيجي ترى "انتفاضة التنباك" -التي ارتكزت بشكلٍ أساسي على الفتوى- في حقيقتها نموذجًا للطاعة، "طاعة الرجال عمومًا ورجال الدين على وجه الخصوص"(1).

ورغم نقدها لتلك الفترة إلا أن لاهيجي ترى أن فترة "الطاعة الأبوية" جاءت نتيجة لظروف المرأة الاجتماعية والثقافية، فقد كانت نسبة الأمية بين النساء الإيرانيات في تلك الفترة تصل إلى 95%؛ ولذلك فمن "الصعب انتظار نتيجة مغايرة لأن التغيير خاصة على الصعيد الاجتماعي مرتبط بصورة أساسية بمستوى التعليم"(2).

في تلك الفترة ظهر إلى السطح الجدل الشهير بشأن منح المرأة حق التصويت، ورأى البعض أن المرأة إذ لا تملك حق أن تصبح قاضيًا فهي لا تملك حق التصويت، والملاحظة التي تسجَّل هنا أن هذا الجدل ظل مقصورًا على المحيط الذكوري دون أن تساهم النساء فيه(3). ورغم مشاركتها الفاعلة في الثورة الدستورية، كان من المتوقع أن تكافأ المرأة بما يليق بهذا الدور لكن النتائج جاءت مخيبة، فقد وضع مجلس الشورى الذي أعقب الثورة الدستورية في مطلع القرن العشرين المرأة ضمن "فئة الحمقى والقصر". والغريب أن ذلك لم يلق اعتراضًا من النساء في حين واجه معارضة من بعض نواب المجلس الرجال. والغريب -كما ترى لاهيجي- أن تصدر هذه "النظرة الدونية للمرأة عن شخصية مؤثرة مثل آية الله مدرس الذي كان يحظى باحترام واسع؛ ففي أحد أحاديثه في المجلس تحدث عن المرأة بقوله: بقدر ما بحثنا إلا أننا لم نجد لهذا الموجود عقلاً.. بحيث يمكننا أن نعطيه الحق في إدارة شؤون نفسه، ولذلك فالمرأة يجب أن تبقى تحت قيمومتنا نحن الرجال، وهي لا يمكنها أن تكون صاحبة الحق في تقرير مصيرها حتى تستطيع أن تعطي رأيًا ويكون لها حق التصويت"(4).

ويمكن إرجاع هذا "القصور" إلى كون الفعاليات النسوية الأولى التي شهدتها الساحة الإيرانية لم تكن في إطار حركة نسوية وإنما كانت "تشكيلات حركية" وفرت مقدمة لتحرك لاحق تطالب فيه المرأة الإيرانية بالحرية والمساواة. وعلى عكس انتفاضة "التبغ" التي حملت بعدًا دينيًا سياسيًا، فإن "التشكيلات" اللاحقة لتلك المرحلة حملت صبغة لائكية علمانية ورفعت شعار التحرر من القيود، وكانت النساء القائمات عليها يرين في الدين القيد الأكبر، وتركزت المطالبات على حق التصويت وحق العمل، بصورة مشابهة للموجة النسوية الأولى. وعبّرت هذه المطالبات عن نفسها من خلال الصحف وإصدار المطبوعات والفعاليات النسوية(5).

في الفترة البلهوية الأولى والفترة البهلوية الثانية جاءت الفعاليات النسائية الإيرانية في بعدين: الأول علمي يركز على التعليم ودخول المرأة للجامعات، والثاني يركز على المطالبات المتعلقة بالتحرر. واتخذ هذا الجانب بُعد المواجهة مع الدين وليس الدولة لأنه كان يرى فيه المعوق الأول لتحرر المرأة الإيرانية، فجرى التعبير عن رفض الحجاب وقوانين الأسرة وتعدد الزوجات.. ولقيت هذه التوجهات الدعم من الشاه رضا بهلوي الذي تأثر كثيرًا بتوجهات صديقه أتاتورك على هذا الصعيد، وبعد زيارة قام بها إلى تركيا أطلق شخصيًا حركة مناهضة للحجاب وخرجت زوجته وبناته إلى العامة بدون حجاب. وعلى هذا الصعيد عقدت الحركة النسوية تحالفًا مع الحكومة ضد الدين رغبة في تحقيق مكاسب متبادلة(6).

لكن الساحة النسوية لم تكن مقصورة على النساء من ذوات التوجه العلماني، وتتحدث رهنورد عن مجموعات من النساء المتدينات، واللواتي كن يسعين للحصول على حقوقهن ضمن رؤية تحتكم إلى الدين والمذهب، وهو التيار الذي التي ترى رهنورد أنه ما زال يواصل مسيرته إلى اليوم. وإن كان هذا النضال قد جاء في إطار مواجهة الاستبداد والتصدي للاستعمار، لكنه مع الزمن طور مطالبات تتعلق بالمساواة وتحصيل الحقوق على صعيد التعليم والعمل والمشاركة السياسية(7).

بموازاة هذه التيارات، شهدت الفترة البهلوية وجود تيار نسوي آخر بتوجهات شيوعية ويسارية. ووضع هذا التيار مطالباته في إطار مقاومة الاستبداد والاستعمار. وبالتالي، يمكن القول: إن الفترة البهلوية شهدت ثلاثة تيارات نسوية ما زالت إلى اليوم تتواجد على الساحة الإيرانية بنسب متفاوتة، وهي: التيار العلماني وحمل أيديولوجية وجهة نظر النظام، والتيار اليساري وحمل الأيديولوجية الماركسية، والتيار الديني بأيديولوجية إسلامية. وفي المجموع لا يمكن القول بوجود حركة نسوية قامت بصورة مؤسسية ضمن العناوين البارزة للحركة النسوية في العالم.

شهدت الفترة الثانية من الحكم البهلوي تطورًا مهمًا تمثل بحركة الدكتور مصدق التي ضمت في صفوفها بصفتها حركة وطنية العديد من النساء، كما لاقت تأييدًا كبيرًا من قبل الإيرانيات.

مرحلة الانتقال

عقب الإطاحة بالشاه تصاعدت على مدى العقود الثلاثة الماضية مطالبات النساء ذات الصبغة النسوية على الصعيد الاجتماعي والسياسي والقانوني. وأخذت هذه القضية شكلاً أكثر وضوحًا عندما أدركت النساء الإيرانيات عقب الثورة أن الحكومة التي أتت لا تحقق مطالباتهن ليبدأ سعيهن لتحقيق ذلك بصورة أكثر وضوحًا.

بعد انتصار الثورة، كان حق التصويت والمشاركة في الانتخابات مسألة محلولة، فانتقلت المطالبات إلى موضوعات أخرى على الصعيدين العام والخاص، وتركزت بصورة أساسية على قوانين الأسرة: حق الطلاق، الحضانة. بدأت أسئلة تثار بشأن تعدد الزوجات والقضاء والمرأة والمناصب العليا حتى في أوساط النساء الملتزمات بالخط الإسلامي. ومع دورها الكبير خلال الحرب العراقية-الإيرانية كانت المرأة الإيرانية تحتل مكان الرجل الخالي بفعل ظروف الحرب، وبعد انتهاء هذه الفترة الحرجة كان من الصعب على النظام السياسي أن يعيد النساء إلى داخل البيوت، وأصبحت النساء يطالبن بحقوق متساوية وحقوق أكثر تليق بدورهن على الصعيدين العام والخاص .

مع مجيء الإصلاحيين شهدت إيران ظهور تيار نسائي عُرف بالنساء الإصلاحيات، وكنّ من نساء الطبقات الوسطى للمجتمع الإيراني وشكَّلن فئة تنظر فكريًا وتطرح المطالبات الأساسية للحركة النسائية في إيران، وضم التيار عددًا من النساء المتعلمات والمتخصصات في المجالات الاجتماعية والثقافية، واحتوى أيضًا على نساءٍ ينتسبن للشرائح العليا من المجتمع الإيراني ومن النخبة السياسية الحاكمة في البلاد. وبعض النساء الإصلاحيات هن من النساء الثوريات سابقًا؛ مثل معصومة ابتكار التي شاركت في اقتحام السفارة الأميركية، وفيهن شابات ينتمين إلى عائلات الجيل الأول والثاني للثورة(8).

ومع الفترة الإصلاحية بدأت المرأة الإيرانية تلعب دورًا مهمًا في تغيير الأجواء السياسية الحاكمة حيث دخلت فائزة هاشمي (السجينة مؤخرًا) إلى البرلمان في دورته الخامسة وتجاوزت أصواتها أصوات رئيس البرلمان ورجل الدين المعروف ناطق نوري.

ويُرجع الكثير من المحللين فوز محمد خاتمي برئاسة الجمهورية في إيران في 23 مايو/أيار عام 1997 إلى المشاركة النسائية الواسعة المساندة له. وبعد انتخابه عين امرأة كمساعدة له في مجال البيئة وهي معصومة ابتكار، وعين مستشارة له هي زهرا شجاعي، وشهدت إيران ارتفاعًا في عدد النائبات للوزراء والمديرات في الدوائر الحكومية.

وتتحدث الجهات الرسمية عن إنجازات تحققت لصالح المرأة الإيرانية عقب الثورة الإسلامية. وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود أكثر من 600 امرأة ناشرة و90 مديرة صحيفة و97 مديرة لمؤسسات ثقافية في إيران، وهناك عدد من مديرات البنوك واللواتي يشغلن منصب حكام محليين. وهناك حوالي 300 أستاذة يقمن بالتدريس في الحوزات الدينية الإيرانية. وتؤكد سهيلا فرخي، وهي مدرسة حوزة، أن عدد الطالبات في الحوزات الدينية الإيرانية لم يتجاوز الـ20 امرأة قبل الثورة فيما يدرس حاليًا أكثر من 5 آلاف امراة في هذه الحوزات. ومع وجود تباين في الآراء بين علماء الدين حول قضية اجتهاد النساء لكن هناك فتوى لمرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي الذي يسمح للنساء بتقليد المجتهدات في الشؤون الفقهية. وتسجل المرأة المجتهدة في الحوزة مقدرة فقهية عالية، لكنها تتعرض للتمييز كما يؤكد آية الله موسوي بجنوردي(9).

وتقف الحركة النسوية الإيرانية اليوم دون أن تخفي الحاجة إلى إعادة بحث وقراءة العديد من الجوانب المتعلقة بالمرأة من النواحي الفقهية والقانونية.

الحجاب وفضاءات التواجد

بقيت قضية "الحجاب الإجباري" ملازمة للنقاش الاجتماعي الذي شهدته إيران منذ سنوات الثورة الأولى لكنها أخذت بعدًا آخر مع مجيء محمود أحمدي نجاد إلى السلطة؛ حيث بدأت قوات الأمن تلاحق النساء بسبب لباسهن، بعد فترة من الانفتاح الاجتماعي شهدها مجتمع إيران خلال فترة رئاسة خاتمي.

خلال حملة نجاد الانتخابية للدورة الرئاسية التاسعة في سنة 2005، وفي بداية توليه الرئاسة، صدرت عنه وعود باحترام حياة الناس الخاصة، وعدم السماح للأمن بأي وجه من الوجوه بالتدخل في لباس الشباب ذكورًا وإناثًا، بل إنه حاول أن يُحدث تغييرًا بشأن السماح للنساء بدخول الملاعب، وتنشيط الرياضة النسوية؛ الأمر الذي قوبل بهجوم شديد من رجال الدين وعدد من النواب(10)؛ فقد نقلت الصحف عن رضا أكرمي، عضو مجلس شورى مجتمع رجال الدين، قوله: لن أُجيز تحت أي وضع، دخول النساء إلى الملاعب حتى لو جرت مقاطعة كرة القدم الإيرانية عالميًا. وأورد أكرمي للدفاع عن وجهة نظره مثالاً قال فيه: "عندما يعطي الغرب الراهبات الإذن بالزواج سنعطي نساءنا الإذن بدخول الملاعب؛ فالإسلام يحرم مشاهدة الرجال للنساء وقد كُشفت عوراتهن". وقد أصدر نجاد في بداية رئاسته، قرارًا ببناء أماكن خاصة في الملاعب لتمكين النساء من الحضور، لكنه عاد وسحب القرار بفعل ضغط المراجع الدينية. ولوحظ أن مخالفة بعض المرجعيات تتعاظم(11) كلما اتسع حضور النساء الإيرانيات على صعيد الرياضة الدولية، وإن كن يشاركن بالحجاب.

وبعد مضي عامين على الدورة الرئاسية الأولى كان نجاد يضع نفسه في مواجهة جديدة مع النساء ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك عندما بدأت دوريات الشرطة بتنفيذ ما سُمي بـ "حملة التصدي للحجاب السيئ"(12) وأثارت هذه الخطة جدلاً واسعًا وانقسامًا في الرأي بين مؤيدٍ ومعارض؛ إذ انحاز خطباء الجمعة في عدد من مساجد العاصمة إلى إجراءات الأمن، بينما عبّر الإصلاحيون في مقالات نشرتها صحفهم صراحة عن معارضتهم تصدي قوات الشرطة لهذا الموضوع.

وتنفذ دوريات الشرطة النسائية مهامها بموجب قانون المجازاة الإسلامي، فالمادة 638 تنص صراحة على مسؤولية الأمن في مواجهة هذه "المخالفات"(13). وبينما كانت الحملة تتواصل كانت النساء يشعرن بأن نجادًا خيب أملهن، وقد حاول نجاد أن يسجل موقفًا معارضًا لخطة الأمن الاجتماعي التي تضم "مواجهة الحجاب السيىء" لكن قائد الأمن أعلن أنها جاءت بناء على توصية من نجاد شخصيًا، كما أن صحيفة "كيهان" كانت له بالمرصاد(14).

وتوقفت الحملة في إبان الانتخابات الرئاسية العاشرة في يونيو/حزيران 2009، إلا أن دوريات الشرطة عادت لتطبقها بعد أشهر على انتهاء الانتخابات. وكان ديوان الدولة العالي رفض في سنة 2009 شكوى تقدم بها 40 محاميًا ضد قوات الأمن العام بسبب تنفيذ الخطة، فقد اعتبروها غير قانونية، وأن على قوات الأمن ألا تتجاوز الصلاحيات الممنوحة لها. وتدعم السلطة القضائية ذلك إلا أن الأمن، لا يملك الحق في الاعتقال، فالمادة 638 من قانون "المجازاة الإسلامي" تنص على أن المرأة التي لا تلتزم بقواعد الحجاب أمام العامة تغرّم بالحبس عشرة أيام، أو بما تتراوح قيمته ما بين 50 دولارًا و500 دولار(15).

وأوقعت الحملة نجادًا في حرج بالغ أمام النساء في إيران، ووجد نفسه مجبرًا على تأكيد رفضه الشديد عمليات مراقبة النساء والشابات غير المتزوجات وتوقيفهن بحجة "إساءة ارتداء الحجاب"، واعتبر هذه الإجراءات مهينة وغير قانونية(16). مع أن انتقاداته هذه قوبلت بعاصفة غاضبة من رجال دين، ومن برلمانيين اعتبروها مخالفة للشرع ولدستور الجمهورية الإسلامية(17).

الاختلاط.. سطوة رجال الدين

والنظر إلى قضية الحجاب لا يجري بمعزل عن القضية الأُخرى الحساسة، وهي الاختلاط، والتي عادت كي تشكّل تحديًا جديدًا بين ما يفرضه الواقع الاجتماعي، وما تمليه ضغوط رجال الدين والأسس التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية. فعبارة "كإلقاء اللحمة أمام القط"(18)، لم تستحسنها الناشطات الإيرانيات لوصف الاختلاط والعلاقة بين الجنسين، وقد جاء غياب الاستحسان هذا مصحوبًا بقلق من جانب النساء يرافقه قلق من نوع آخر من رجال الدين، ومنهم حجة الإسلام فضل علي صاحب هذه العبارة المحتجة على الاختلاط في الجامعات والمؤسسات، باعتباره (أي الاختلاط) المسؤول عن كثير من المشكلات التي يواجهها المجتمع الإيراني.

ولا يُعدّ فضل علي رجل دين بعيدًا عن الفضاء الجامعي، فهو ممثل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي في جامعة "خواجه نصير طوسي"، وهو مطلق مراكز "البحث عن شريك" في عدد من الجامعات الإيرانية. وفضلاً عن عبارة "كإلقاء اللحمة أمام القط"، يطيب لعلي أن يصف الأوضاع الفعلية بين الشباب على مقاعد الدراسة بـ"الفضيحة"(19)، وهو يدافع عن خطته المطالبة بالفصل بين الجنسين في الجامعات بالقول: إن 90% من الطلاب والطالبات، المتدينين وغير المتدينين على حدٍ سواء، لديهم صداقات مع الجنس الآخر، ويرى أن الفضاء السليم هو الفضاء المشابه لفضاء الحوزات العلمية وهو أفضل كثيرًا من الجامعات بسبب أحادية الجنس. وإذا كان لهذا الرأي مؤيدوه في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، فإن أعضاء في مجلس الشورى رأوا فيه تعميقًا للمشكلات التي تعانيها الجامعات الإيرانية، بل إضافة مشكلة جديدة لها. والفصل بين الجنسين في الجامعات الإيرانية ليس قرارًا حديث العهد، وإنما كان مرافقًا لها منذ أن فتحت أبوابها بعد الثورة، غير أن تطورات الأوضاع، والزيادة الكبيرة في عدد الطلاب، وعدم كفاية الكوادر التدريسية، جعلت من غير الممكن تحقيق الفصل المطلوب. وخلال فترة حكم الإصلاحيين جرى النظر إلى مسألة الفصل على أنها سياسة غير واقعية، ولا تأثير لها في صون المجتمع وعفافه، وفقدت هذه السياسة كثيرًا من صرامتها. وعادت قضية الاختلاط إلى واجهة النقاش مع الدورة الأولى من رئاسة محمود أحمدي نجاد، وتواصل الحديث في شأنها إلى اليوم، لكن المسألة بدأت تتجاوز النقاش وتأخذ طابعًا إجرائيًا عبر خطوات بدأت الحكومة بتطبيقها للفصل بين الجنسين(20) معتقدة أن العديد من المشكلات الاجتماعية تستمد قوتها من مسألة الاختلاط. وعلى الرغم من عوائق تطبيق ذلك فإن الحكومة ترى أن من "الأفضل إجراء الفصل للوصول إلى مجتمع سليم ونظيف"، لكن النساء في إيران يرين أن ذلك من شأنه تعزيز العنف ضد المرأة، ومنه العنف الجنسي. وفي أجواء كهذه سيتم استخدام العنف بحق المرأة مع كل فرصة تسنح لذلك. (21)، وينتقدن تلك النظرة التي تغلّب الجانب الجنسي على جميع الفاعليات الإنسانية وتستخدمها للحكم والمحاكمة. وفي وقت أبدت المرأة الإيرانية شوقًا كبيرًا إلى التعليم؛ إذ إن نسبة التحاقها بالجامعات فاقت نسبة التحاق الذكور لتصل إلى أكثر من 70%(22)؛ فإن فلسفة "اللحمة والقط" لا تخدم سوى الحالة التهاجمية في العلاقة بين المرأة والرجل، ولن يؤدي في النتيجة "إلا إلى تقوية سطوة الغريزة الجنسية" في مجتمع أغلبيته العظمى من الشباب. وترى وجهة النظر الأُخرى أن الأمر يجب أن يصل إلى المناهج الدراسية فتُقدَّم مناهج خاصة بالفتيات تركز على دورهن الأنثوي وتحضيرهن كزوجات مستقبليات.أمّا أول وزيرة في إيران بعد الثورة الإسلامية، وهي مرضية دستجردي، فلم تُخفِ حماستها لفكرة الفصل، بل قدمت اقتراحًا بتطبيق هذا الأمر في المستشفيات، ورأت فيه تمييزًا إيجابيًا لمصلحة النساء(23).

المرأة "الوسيلة"

لا تخفي المرأة الإيرانية عدم رضاها عمّا وصلت إليه، مع أن الحركة النسوية في إيران تعود إلى أكثر من 150 عامًا، ومع أن النساء خضن غمار تحركات تسعى لإزالة القيود التي يواجهنها في المجتمع بالتناغم مع المراحل الأولى للحركات النسوية في العالم، ثمّ شكّلن مكونًا أساسيًا في حالة الاحتجاج ضد الشاه، وقمن بدور أساسي في الثورة، إلاّ أنهن بقين محكومات بالشعارات السياسية والوطنية العامة.

ترى المرأة الإيرانية اليوم أنها لم تكافأ بالشكل الذي تستحقه على "دورها التاريخي" في الثورة، لكن رهنورد ترفض وصف المرأة الإيرانية بأنها كانت وسيلة، على الرغم من قناعتها بأن الحكومات الإيرانية المتعاقبة، أكان ذلك حكومة رفسنجاني أم خاتمي أم نجاد، عجزت عن منح النساء الإيرانيات المكانة اللائقة، وتعتقد أن القضية مركبة تعكس تناقضًا اجتماعيا وفكريًا(24)، وجاء الحديث عن المرأة "الوسيلة" في شكل شكوى صدرت عن نساء عضوات وفاعلات في التيار الأصولي الإيراني، حينما حاولن في الانتخابات الثامنة لمجلس الشورى الإيراني تسليط الضوء على "مكان المرأة الخالي" في العملية السياسية، وأجمعن على أنهن لم يكافأن بما يستحققنه، فضلاً عن شعورهن بأن هناك من يعرقل مسيرة المرأة السياسية.

وفي حين اشتكت نساء التيار الأصولي الذي يتألف من 15 حزبًا وجمعية في رسالةٍ إلى مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، من عمليات الإقصاء التي يشهدنها في المجال السياسي(25) أورد تجمّع النساء الإصلاحيات في برامجه الانتخابية استراتيجيات للخروج من حال عدم المساواة التي تحكم الفاعليات السياسية. وفي الانتخابات البرلمانية التاسعة لم تأت النتائج مرضية للمرأة وللحركة النسوية في إيران، فقد جاءت النتائج دون حضور نسائي جيد، فمن بين الـ290 نائبًا هناك ثماني سيدات فقط، بصورة مشابهة لدورة المجلس الثامنة. وبقي حضور النساء في مجلس الشورى يأخذ شكلاً تصاعديًا حتى الدورة الخامسة حيث وصل عدد النساء إلى 13 امرأة لكنه بدأ بالتراجع بعدها.

ما زال الحديث قائمًا عن دور "باهت" للنساء الإيرانيات في الساحة السياسية، تقول بهروزي: "في بداية الثورة وصل حضور المرأة إلى أوجه، لكن الأعوام الأخيرة بدأت تشهد موجة تحاول تهميش النساء ودفعهن إلى الحاشية"(26). ومع ذلك، فإن إيران برأي بهروزي "لم تمتلك إلى اليوم امرأة تصلح لمنصب رئيس الجمهورية". والحقيقة أن الدستور الإيراني، وفي جميع المواضيع الخاصة بالمناصب العليا، يشترط "الذكورة" تلميحًا أو تصريحًا. علاوة على ذلك، فإن اكتفاء النساء بـهذا العدد القليل من مقاعد المجلس، يؤكد المساحة الضيقة لمساهمة المرأة في المجال التشريعي، مترافقًا مع حضورٍ غير مؤثرٍ في المجالس المحلية، إذ لا تتجاوز نسبة وجودهن في المناصب العليا الـ 7,2%. كما أن الساحة الدبلوماسية والمقامات العليا في السلطة القضائية تخلو من النساء(27). وتشير السجلات إلى أن حضور النائبات الإيرانيات تركز في لجان الثقافة والتنمية والتعليم العالي والصحة والبحث العلمي، وأنهن بقين بعيدات عن اللجان القضائية ولجان السياسة الخارجية.

الرئاسة.. المحرمة

على الرغم من أن مرشحي الرئاسة في إيران بلا استثناء يعدون في كل مرة برؤية غير تقليدية لدور المرأة، فإنهم لم يحاولوا الاقتراب من قضية ترشح النساء لمنصب رئيس الجمهورية(28)، وهو المنصب الذي تنشط النساء في إيران، ومنذ أكثر من عقد، في محاولة حل عقدته القضائية والفقهية، وكانت أعظم طالقاني، ابنة آية الله طالقاني أحد أهم رجالات الثورة الإسلامية، أول امرأة ترشح نفسها لانتخابات الرئاسة الإيرانية قبل ما يقرب من 15 عامًا، وهي لا تزال تصر على أن كلمة "رجال" الواردة في القانون لا تمنع المرأة من تولي المنصب، غير أن مجلس أمناء الدستور رفض ترشيحها على الرغم من وجود وجهات نظر فقهية وقانونية تؤيد رأيها.

وتدافع طالقاني عن موقفها بالقول: إن عدم إزالة الإبهام الخاص بكلمة "رجال" إنما يعني إغلاق الطريق أمام مساهمة المرأة الإيرانية في المجالات كافة(29)، وهي تواظب على نشر ما يدعم توجهها عبر موقعها "رسالة المرأة"، فقد كتبت تحت عنوان: "إذا كان المقصود هم الذكور فذلك يعني ظلمًا في حق ما يزيد عن 30 مليون امرأة إيرانية"، قائلة: "عندما رشحت نفسي للمرة الأولى كنا تسع نساء، ووصل عددنا اليوم إلى 90 امرأة يرغبن في الترشح، ومن واجب مجلس الصيانة أن يعيد النظر في موقفه قبل أن يصل العدد الى تسعة ملايين". يعود الجدل بشأن حق المرأة الإيرانية في تولي منصب رئاسة الجمهورية إلى المادة 115 من الدستور الإيراني(30) التي تشترط انتخاب الرئيس من بين "رجال متدينين سياسيين". ويؤكد الدكتور عباس كريمي أستاذ الحقوق في جامعة طهران الجدل على أن كلمة "رجال" وفق المعنى اللغوي تأتي بمعني الذكور، وكذلك بمعنى الأفراد الصالحين، وينتقد التفسير اللغوي الظاهري، مؤكدًا أنها في العربية تعني الأشخاص المشهورين واللائقين إذا اقترنت بصفة(31). ويدعو الدكتور أمير أرجمند، الأستاذ في حقوق الإنسان في جامعة الشهيد بهشتي، إلى إيجاد انسجام بين أهداف النظام السياسي والنظام الإداري بوضع قانون ينقل المسألة من حالة التمييز ضد المرأة الى المساواة.

لا يوجد في الواقع تفسير أو تعريف قانوني لمصطلح "الرجل السياسي" كما تقول الحقوقية سيماش هسوار، وفقًا للمادة 98 من الدستور الإيراني فإن مجلس صيانة الدستور هو المنوط بعملية التفسير هذه. وقد حاول نواب في مجلس الشورى حسم الخلاف بشأن هذه المعضلة من خلال إضافة مادة إلى القانون المعد للانتخابات لكن المادة حُذفت بالكامل عندما نوقش القانون في المجلس بصورة علنية.

في العام 2009 شهدت إيران محاولات نسائية لترشيح أنفسهن برزت من بينهن أعظم طالقاني، لكن ترشيحهن جرى رفضه من قبل مجلس صيانة الدستور، وعزا عباس كدخدايي الناطق الرسمي باسم المجلس الرفض إلى أسباب تتعلق بعدم "الصلاحية العامة لهذا المنصب وليس بسبب الجنس".

وقد رافقت هذه الإشكالية المناقشات الأولى لوضع الدستور الإيراني وكانت المسودة المقترحة من قبل الحكومة المؤقتة عقب انتصار الثورة تخلو من كلمة "رجال"، لكن هذه المسودة لم تأخذ طريقها القانوني وقام مجلس الخبراء بتشكيل لجنة سباعية وضعت هذه المسودة جانبًا وقدمت مسودة جديدة للمجلس تضمنت في موادها أن "رئيس الجمهورية يجب أن يكون إيراني الأصل، يعتنق المذهب الرسمي للدولة ويؤمن بأصول الجمهورية الإسلامية وأن يكون رجل حسن السوابق معروفًا بالأمانة والتقوى". ولقي هذا النص اعتراضًا من قبل السيدة كرجي المرأة الوحيدة في مجلس الخبراء في ذلك الوقت، لكن اعتراضها لم يلق أذنًا صاغية وقامت رئاسة اللجنة بإدخال تعديلات على المادة تقول بأن "رئيس الجمهورية يجب أن يكون من الرجال المتدينين السياسيين الذين يتمتعون بالشروط التالية: أن يكون إيراني الأصل، مدير مدبرًا ،حسن السوابق، تقيًا وأمينًا، مؤمنًا بمباديء الجمهورية الإسلامية والمذهب الرسمي للدولة". وجرت المصادقة على ذلك بموافقة 52 عضوًا ومخالفة أربعة أعضاء وامتناع أربعة آخرين عن التصويت الذي جرى بمشاركة الأعضاء الستين للمجلس. ويقال: إن آية الله بهشتي الذي كان وزيرًا للعدل في حكومات الثورة الأولى كان يعتقد بحق المرأة في تولي هذا المنصب.

وتطالب كثيرات في إيران، بإزالة الإبهام المتعلق بالكلمة، وينتقدن إغفالها في تعديلات قانون انتخابات الرئاسة(32). ويتهم أحمدي نجاد بأن سياساته معادية للمرأة، وفي مقدمتها "حملة التصدي للحجاب السيئ"، وتحديد حصة الفتيات في المقاعد الجامعية بعدما وصلت نسبتهن إلى 70% من عدد الطلبة، وما سُمي "لائحة حماية الأسرة" التي كانت تمهد لقانون يشجع تعدد الزوجات، وقد نجحت الإيرانيات في إجهاضه من خلال تحرك ضم أطيافًا عديدة(33).

والتقط نجاد رسالة النساء الغاضبة فأقدم على ترشيح ثلاث نساء كي يكنّ وزيرات في حكومته التي تشكلت عقب انتخابات حدثت في إثرها احتجاجات وصدامات؛ الأمر الذي اعتُبر تحولاً في الحياة السياسية الإيرانية، لأنها ستكون أول مرة تصل فيها المرأة إلى هذا المنصب (34).

الأطياف السياسية

وتتعدد التوجهات الفكرية للناشطات النسويات في إيران، لكنها في الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009 اجتمعت على مجموعة من المطالب، وأعلنت عنها في اجتماع عقد في مكتب الناشطةشهلا لاهيجي، وركزت هذه المطالب على محورين، هما:

انضمام إيران لاتفاقية وقف كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وإلغاء التشريعات المميزة ضد المرأة.
تعديل بعض النصوص الدستورية التي تتضمن تمييزًا ضد المرأة مثل المواد 19، 20، 21 و115 من الدستور بهدف تحقيق المساواة بين الجنسين.
وأعلنت النساء الإيرانيات عن اتحاد الحركة النسوية للمطالبات الانتخابية. وقال البيان الصادر عن الاتحاد الذي ضم نساء يساريات وإسلاميات: إن رفع التمييز بين الجنسين وبين الطبقات الاجتماعية هو محور مشترك للمطالبات النسوية من مختلف الاتجاهات، للوصول إلى الديمقراطية والحريات الفردية والمدنية وحقوق المواطنة، ومن بينها حرية التعبير والتجمع والتظاهر. كما طالب التجمع بوقف الضغوط التي يتعرض لها العمال والطلاب والأقليات، واعتبر المساواة بين الجنسين أرضية أساسية وقوية للوصول إلى مجتمع سالم إنساني وخال من العنف والفقر وغياب العدالة. شارك هذا التجمع بفعالية في الاحتجاجات التي اندلعت عقب إعادة انتخاب نجاد، ويخضع عدد من ناشطاته اليوم إلى الإقامة الجبرية مثل زهرا رهنورد، كما تقضي بعضهن عقوبات بالسجن بتهمة القيام بأعمال تمس بأمن الدولة مثل المحامية نسرين ستودة .

خلاصة

يمكن القول: إن الحركة النسوية الإيرانية هي حركة "متعددة الأيديولوجيات"، لكن خطابها في المجمل يقوم على الأبعاد القانونية بوصفها أساسًا لمشكلات المرأة وطريق حلها.

شاركت النساء الإيرانيات على الدوام في حركة التغيير السياسي، وفي مفاصل تاريخية مهمة، لكنهن بقين مقصيّات عن مكاسب العملية السياسية ومناصبها المهمة. يصطدم سعي المرأة لتحصيل المساواة في إيران بعقباتٍ قانونية بالدرجة الأولى يدعم وجودها عدد من رجال الدين المتنفذين. تسود حالة من عدم الرضا في أوساط النساء الإيرانيات حتى من داخل التيار الأصولي، وهذه الحالة مؤهلة بشدةٍ لمواكبة حالة احتجاج سياسي يطالب بالتغيير وقد يكون مجاله الشارع والجامعات، والنساء اللواتي خرجن إلى المجال العام بفعل الفتوى غير مستعدات اليوم للعودة إلى المنازل بفعلها.
_____________________________________
فاطمة الصمادي- باحثة في مركز الجزيرة للدراسات