- الأحد يونيو 16, 2013 4:17 pm
#63427
ماذا تعني نظرية العلاقات الدولية؟
في البداية وقبل الخوض في النظريات التي تسعي إلى تفسير العلاقات الدولية يجب علينا التعرض بشي من الايجاز للإجابة على السؤال المحوري الذي يصتطدم به أي باحث في العلاقات الدولية وهو: ماذا تعني نظرية العلاقات الدولية؟ وما هي الضرورة التي استوجبت التنظير للعلاقات الدولية؟. وللإجابة على تلك التساؤلات يمكننا القول بأن النظرية في أبسط معانيها تشير إلى اختيار مجموعة من الظواهرالمحدد وتفسيرها تفسيرا عاما يرضي أو يقنع أي شخص مطلع ملم بخصائص الظاهرة التي تجري دراستها. وعلى الرغم من أن العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية قد بذلوا العديد من الجهود من أجل صياغة نظريات على غرار نظريات العلوم الطبيعية ، فإن مصطلح النظرية في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم الاجتماعية بشكل عام يحمل معان متعددة . ومع تعدد الرؤى التي يقدمها الباحثون في العلاقات الاجتماعية إلا أن هناك اتفاق على وجود عدد من الصفات العامة التي تشترك فيها النظريات بصفة عامة وبخاصة النظريات المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية ومن تلك الصفات [1]:
1ـ أن تغطي النظرية جميع جوانب العلاقا ت الاجتماعية ـ الشمولية
2ـ أن يعبر عنها بفرضيات عامة تكون واضحة ودقيقة وقليلة قدر الامكان.
3ـ أن يتسق كل جزء من النظرية مع بقية الاجزاء الأخرى.
4ـ أن توضع النظرية في إطار يمكن الاستمرار من خلاله في تطوير النظرية وجعلها ملائمة للعصر.
5ـ أن تعبرالنظرية عن الواقع الدولي ـ في حالة النظريات العلاقات الدولية ـ وليست انعكاسا لوجهات نظر قومية.
6ـ أن تمكننا من التنبؤ على الاقل في بعض الجوانب وتجعلنا قادرين على وضع أحكام قيمية.
وعلى هذا فإن العلاقات الدولية وهي المجال الذي تدور في فلكه نظريات العلاقات الدولية قد شهد اهتماما بالغا، من الجانب التنظيري، وخاصة فيما بعد الحرب العالمية الثانية وعودة الفكر الواقعي إلى ساحة الاحداث متأثرة في ذلك بنتائج الحرب، وخاصة مع سقوط تراجع الفكر المثالي وروادة وسقوط الافكار المثالية التي راجت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، وذلك على خلفية الأطروحات التي قدمها الفلاسفة المثاليون ومن بينهم الفيلسوف إيمانويل كانط، من خلال أطروحته " السلام الدائم" والدعوة إلى الدولة العالمية، إلا أنه بعد أن سقط ذلك التوجه ليحل محله الفكر الواقعي، فقد عاد الواقعيون إلى الساحة، ليكون تفسير الأحداث على الساحة الدولية من خلال القوة كمدخل أساس في تفسير الأحداث على أساس القوة
النظرية الواقعية في العلاقات الدولية:
ترجع النظرية الواقعية في العلاقات الدولية إلى القرن الخامس قبل الميلاد حيث وضع الاسس العامة لها الفيلسوف سوثيديديس ،وذلك على خلفية خبرته لحرب البولينيز . وقد ذهب ثيديديس إلى أن السبب الرئيسي للحروب القائمة آنذاك ، هو قوة أثينا والخوف من اسبرطة.
لقد جاءت فكرة الدولة بداية عند الامبراطورية الرومانية المسيحية حيث وجد نوع من الوحدة المدنية في أوربا فيما بين 1500 و 1800ميلادية . فبعد سوثيديدس جاءت افكار ميكيافيللي التي أكدت على مبادئ ثوسيديدس. وتنطلق تلك الافكار من رؤية ما هو كائن بالفعل وليس ما ينبغي ان يكون. فالحاكم إذا أراد أن يحتفظ بالحكم فعليه أن يعي كيف أن لا يكون متمسك بالفضيلة وأن يستخدم مقدراته وفقا للحاجة. وبالنسبة الدبلوماسية فقد قدمت الواقعية من خلال سياسات الوزير الفرنسي كاردينال دي ريتشيلو الذي قاد فرنسا إلى حروب الثلاثين عاما من أجل عد سيطرة هابسبرج على أوروبا. وقد انتهت تلك الحرب بمعاهدة ويستفاليا 1648 التي تعد أول اتفاقية لتأسيس الدولة الحديثة. ومنذ ذلك الحين ونحن نجد العديد من الكتابات التي تدعم فكرة الواقعية ومن بين تلك الكتابات نجد الفسليوف توماس هوبز والمنظر العسكري كارل فون كلاوزيفيتش.
وقد مثلت الحرب العالمية الأولى تحد أساس للنظرية الواقعية. وخاصة في الولايات المتحدة التي اختلفت خبرتها عن أوروبا. وقد وضع الرئيس الامريكي وودرو ويلسون أربعة عشر مبدأ كأساس للسلام التالي. وقد تضمنت تلك المبادئ حظرالاتفاقيات السرية، حريةالملاحية والتجارة وخفض التسلح وتحديد المصير وإنشاء ماعرف فيما بعد بعصبة الامم .
وبعد الحرب العالمية الثانية أرسي هانز مورجانثو أسس الواقعيةالكلاسيكية في كتابه السياسةبين الامم الذي أصبح الاطارالتنظيري المرشد فيما بعد للكتابات التيتناولت الواقعية .
ومع إخفاق المدرسة المثالية في فرض ونشر قيمها وعدم قدرتها على التحكم في سير الاحداث والتنبؤ بها الامر الذي انتهي بنشوب الحرب العالمية نتيجة إغفال المدرسة المثالية لدور القوة والتعويل عليه في اتفسير الاحداث فقد جاءت المدرسة الواقعية لتحل محل المثالية .وعلى العكس من المدرسةالمثالية ،تذهب الواقعية التي سادت خلال فترة مابعد الحرب العالمية الثالنية،إلى أن سلوك الدولة يجب أن ينطلق من افتراض أن الفوضوية هي السلطةالأساسية للنظام الدولي .وأن سلوك الدولة يمثل نوعا من الاستجابة للفرص والقيود التي يقدمها النظام الدولي الفوضوي . والفوضويه هنا تعني غياب حكومة أو هيئة مركزية عالمية تفرض على الدول ذات السيادة الانصياع للقانون الدولي وتسوية مشكلاتها وفقا لمبادئ وقواعد هذا القانون . ويعني ذلك أن حالة الفوضوية تلك تشجع على التنافس والصراع بين الدول . وتكبح رغباتها في التعاون حتي عندما تكون هناك مصالح مشتركة. وبناء على ذلك ــ ووفقا لخصائص النظام الفوضوي ــ فإن الدول هي المسؤولةعن تحقيق أمنها. وفي بيئة استراتيجية كهذه فإن التهديد يكون أمر معطي خارجي يرتبط بالبيئةالخارجية بالتالي فإن الخطوة الأولى للتعامل مع هذ التهديد هي امتلاك القدرات العسكرية . ولأنه من الصعب التعرف على نوايا الدول الاخري فإن الأيسرهو معرفة قدراتها العسكرية بدلا من التعرف على نواياها . وفي كتابه المهم حول السياسة الدولية يؤكد كينيث والتز أن الأمن هو الهدف الاساسى والنهائي في ظل النظام الفوضوي . وهكذا ووفقا للواقعين فإن الحل الواقعي هو فكرة الردع . كما ترى المدرسةالواقعية أن أن الخطر أو التهديد ينشأ إذا ما استنتجت قوة عدوانية أو دولة تسعي لتغيير الواقع القائم أن القوى المهيمنة في الوضع الراهن إما ضعيفة أو أنها تفتقد إلى القدرة على حسم الصراع . وهذا الاستنتاج قد يدعوا الدولة إلى تحدي الوضع القائم من خلال إثارة إحدى القضايا الثانوية .
الركائز التي قام عليها الفكر الواقعي:
1- أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادئ الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي.
2- أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ.
3- وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ، كما فعل المثاليون، الرهان على أن المعرفة والثقافة، يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام.
4- أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة، فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة تشكل الدولة.
5- تعتبر الدولة الفاعل الوحيد في السياسة الدولية، وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية، أو الشركات متعددة الجنسية) كوحدات أساسية للتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الولي.
6- يقوم تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون طبيعيا موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة، وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.
7- النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.\
8- اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة.
9- اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل، حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.
وتعتبر أالواقعية أكثر النظريات اتصالا بالواقع الدولي وتعبيرا عن أوضاعه ومن دعاتها البارزين هانز مورجانثو" " استاذ لعلاقات الدولية الاشهر .ويقوم فكر مورجانو على فكرتي المصلحة interest والقوة powerوهنا تتحدد المصلحة في إطار القوة التي تتحدد بدورها في ناق ما يسميه مورجانثوبفكرة التأثير أو السيطرة control. وتعني تلك النظرية بالقوة ، السيطرة النسبية التي نمارسها الدول في علاقاتها المتبادلة وهي بذلك لا يمكن أن تتكون مرادفا للعنف بأشكاله المادية والعسكرية وإنما هي أوسع نطاقا من ذلك بكثير ففي النتاج النهائي ــ في لحظة ما ــ لعدد كبيرمن المتغيرات المادية وغير المادية ، ولاتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة ،وبحسب هذا الحجم تتحددد امكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول . ومن هنا تنظر النظرية الواقعية إلى المجمجنمع الدولي والعلات قات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو استراتيجياتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح لادول الاخري .
إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :
يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [2]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع . وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني (*) . وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية.
القوة في المدرسة الواقعية:
مثلت القوة العمود الفقري للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية ذلك أن حجر الزاوية في الفكر الواقعي هو التأثير أو النفوذ، وهو ما لا يتصور أن يكون بمعزل عن استخدام القوة بمختلف جاونبها. تعرف القوة على أنها التقدرة على جعل فاعل آخر أن يقوم بما كان سوف لا يفعله في حالة عدم ممارستها، وليس ماكان سيفعله. وتأسيسا على ذلك فإن أي طرف يعتبر فاعل إلى الحد الذي يؤثرون به في أخرين أكثر مما يؤثر الأخرون فيهم. إلا أن تلك الرؤية بخصوص القوة في الفكر الواقعي تتعامل معها من منظور التأثير. وعلى هذا تتجلى في الأفق إشكالية غاية في الأهمية وهي : ما هو الحال الذي سيكون عليه الفاعل الآخر في حالة غياب قوةالاول فالقوة تفسر التأثير، والتأثير يقيس القوة وهكذا فإنه من الصعب ان تستخدم القوة لتفسير أسباب الأحداث السياسية الدولية . وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام الشائع يتعامل مع مفهوم القوة كشئ آخر غير العملية process. ويعتقد منظرو العلاقات الدولية أن مثل التأثير الذي تنتجه القوة ينبني على سمات محددة أو مقدرات الدول مثل مساحتها ، ومستوى الدخل ، وحجم وقدرات القوات المسلحة فتلك القوة هي القدرة . والقدرة أسهل في قياسها عن التأثير . إن قياس القدرة لتفسير التأير ليس سهلا ومع ذلك فإنه يتطلب مجموعة من أنواع القوى المحتملة . فالدول لديها أعداد هائلة من السكان والأقاليم والقوى العسكرية وغيرها . وقد يكون المؤشر الفردي لقوة الدولة هو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي GDP الذي يتألف من المساحة ومستوى التكنولوجيا والثروة إلا أن الناتج المحلي الإجماليGDP هو أفضل المؤشرات . وبجانب العناصر الملموسة فإن القوة تعتمد على عناصر أخرى غير ملموسة . فالقدرات تعني للدولة تأثير كامن إلى الحد الذي يمكن عنده للقادة السياسين العمل بشكل فعال على إعماله أو تعطيله بشكل استراتيجي ، وهو ما يعتمد على الإرادة الوطنية والمهارات الدبلوماسية والتأييد الشعبي للحكومة (شرعيتها ) . ويؤكد البعض على قوة الفكرة في القدرة على تعظبم تأثير المقدرات من خلال عملية سيكولوجية . وتتضمن تلك العملية تحريك داخلي للمقدرات . ويكون ذلك ـ أحيانا ـ من خلال الدين أو الأيديولوجيا أوالإحساس بالقومية . ويكتسب التأثيرالدولي من خلال صياغة قواعد السلوك على تغيير نظرة الأخرين إلى مصالحهم إذا اصبحت قيم الدولة منتشرة بشكل واسع بين الدول. فعلى سبيل المثال نجد الولايات المتحدة الأمريكية قد أثرت بشدة على العديد من الدول حتي تقبل قيم السوق الحرة وحرية السوق والتجارة ، وهو ما يسمى بالقوة الناعمة . ويمكن للدولة ــ أيضا ــ أن تمتلك القوة بشكل نسبي للآخرين : فالقوة النسبية هى مستوى القوة الذي يمكن أن يجعل دولتين أن يتملاك بعضهم البعض . وهنا نجد أصحاب التفسير الواقعي للعلاقات الدولية ويعترفون بالتفسير المحدود المنبني على القوة . حيث أن القوة في أفصل الأحول توفر فهما تاما لمتوسط الناتج . وفي العلاقات الدولية عناصر للفعل أو الحظ فالفعل الأكثر قوة لا ينتصر دائما ، فالقوة توفر فقط التفسير النسبي[3].
والقوة هي إحدى الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدولة لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها ومصالحها في إطار سياستها الخارجية. فمفهوم القوة مفهوم عام شامل يستند إلى عوامل اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وبشرية، تؤثر في بعضها البعض وتعد عاملاً لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع الدولي.
وهناك جملة من المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية، وأهمها :
- التدخلات المباشرة ( كالحرب العسكرية ) واستخدام القوة العسكرية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر المؤامرات وحرب العصابات.
- التحالفات الجماعية ( تحالفات سياسية عسكرية – كالحلف الأطلسي، وتحالفات سياسية اقتصادية كالاتحاد الأوروبي ).
- التدخلات غير المباشرة ( كالعقوبات الاقتصادية والسياسية ) أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة. ومن أبرز الصفات الأساسية المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام القوة الجماعية أي التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة التي أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية وبخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وإن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهرت المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية المختلفة. إن انتشار التكتلات والتجمعات المختلفة كان هدفه الأساسي تحقيق أكبر قدرة ممكنة من القوة اللازمة لتنفيذ الأهداف والمخططات الموضوعة.
وفي هذا السياق توجد سياسة مركز القوة وتأثيرها في العلاقات الدولية، حيث تعتمد هذه السياسة بالأساس على القوة والقوات المسلحة ويشكل سباق التسلح جزء لا يتجزأ منها فهي ليست في الواقع إلا تعبيراً مباشراً عن مصالح الإحتكارات الكبيرة التي تستفيد من سباق التسلح وهي على استعداد لإستخدام القوة المسلحة في سبيل الإبقاء على سيطرتها. وما التوجه الواقعي للدبلوماسية والقانون الدولي إلا انعكاساً لسياسة مركز القوة، حيث يتلخص مفهوم هذا الخط الواقعي أساساً في أن العلاقات التجارية في علاقات لاقوة وان الأحداث التي تدل عليها هي ظواهر لهذه العلاقات وإن الرغبة في السيطرة هي السمة الأساسية والمميزة للعلاقات الدولية. ومن أشد الداعين إلى هذا المفهوم هو الأمريكي هانز مورجنثوا الذي ينتقد الوسائل القانونية في حل مشكلات السياسة الدولية ويدعو الدبلوماسية إلى التخلي عن القانون الدولي وألا تستهدي في سعيها إلا بعلاقات القوة. وكذلك يمجد لستر بيرسون وزير خارجية كندا السابق مفهوماً مماثلاً في كتابه ( الدبلوماسية في العصر الذري ). وكذلك جورج كينان سفير الولايات المتحدة السابق في الاتحاد السوفيتي والمعروف بدعوته إلى سياسة القوة[4] . وتمثل القوة السياسية مشكلة اجتماعية وعلمية في آن واحد. فالبعض يعتبرها منتهى الشر ويحاول إظهارجوانبها السلبية، بينما آخرون يعتبرونها قمة الخير ويحاولون إظها جوانبها الإيجابية. ويقف وراء عدم الاتفاق هذا خلفيات أيديولوجية محددة .فأنصار الفكر الماركسي يحاولون الربط بين القوى السياسية والاستغلال والتسلط الطبقي. ويرون أن التطور الاجتماعي سوف يؤدي إلى شكل معين من التنظيم الاجتماعي في المستقبل أي في ظل المجتمع الشيوعي.وعلى العكس من ذلك نجد الفكر الغربي بصفة عامة يؤكد على الجوانب الايجابية لعملية ممارسة القوة في تحقيق الأهداف والتكامل الاجتماعي والاستقرار السياسي وتحقيق الامن والامان للمواطنين .وفي الحقيقة فإن لاقوة في حد ذاتها سواء كانت في شكل سلطة أو نفوذ ليست شرا ولا خيرا وأن ذلك يعتمد على طريقة استخامها .فقد تكون عامل قهر استبدادكما قد تمون عامل استقرار وتكامل وأمن وأمان .صـ9.ومن ناحية أخرى يصر البعض على أن القوة السياسية هي هدف في حد ذاتها أي أنها مرغوب فيها لذاتها .بينما يرى أخرون أنها مجرد وسيلة لتحقيق الاهداف والحصول على القيم .ويقف وراء هذا الانقسام أيضا انقسام أيديولوجي .فالفكرالشيوعي الماركسي يرى أن القوة السياسية وسيلة لتحقيق أهداف الطبقة المستغلى المسيطرة أقتصاديا .بينما الفكر الغربي يميل إلى اعتبارها قيمة من القيم التي يعمل الافراد للحصول عليها لذاتها وليس لمجرد تحقيق أهداف أخرى .وفي الحقيقة فإن القوى السياسية قد تكون هدف بالنسبة للبعض ،كما قد تكون وسيلة بالنسبة للبعض الاخر وأن الامر يتوقف على الشخص أو الجماعة التي ترغب في الحصول على القوة كما يتوقف أيضا على الموقف[5] .ويرتبط بذلك أمر هاما أخر بطبيعة القوة وهو الحاص بحدودها .فيرى البعض أن القوة لا حدود لها .فكلما حصل الفرد أو الجماعة على قدر منها تطلع إل المزيد سواء كان ذلك لحبه لها أو لإستخدامها في تحقيق الأهداف الأخرى .وقد عبر عن ذلك توماس هوبزفي قوله ان البشر عموما يميلون إلى رغبة دائمة غير مستقرة في الحصول على مزيد من القوت لا يتوقف إلا بالموت .ولو أننا نرى أن الانسان الطبيعي عندما يحس بأن قوته مدعمة بدرجة كبية وليس هناك ما يهددها قد يتجه إلى تحقيق غيات أخرى ،فهي كأي شئ في الحياة تخضع لقانون تناقص المنفعة .وهنا يظهر تساؤل :هل القوة ذات طبيعة تراكمية وتحويلية .أي هل يؤدي امتلاك جزءمن القوة إلى امتلاك مقدارآخر.وكذلك هل يمكن تحويل القوة أو استبدالها بقيمة أخرى .وفي الحقيقة فإن امتلاك امتلاك القوة يساعد على امتلاك ركائز أخرى للقوة ،كما أنه يساعد على تحويلها من شكل إلى أخر واستبدالها بقيم أخرى في الحياة .ومن ناحية رابعة يصر البعض على على أن القوة السياسية تمارس من جانب واحد أي أن طرف واحد فقط يمارس القوة على الطرف الاخر الذي تمارس عليه القوة .بينما يسوق أخرون الحجج على أنها يمكن أن تمارس من كلا الطرفين في آن أي أن كلا الطرفين يمكن أن يمارس القوة على الطرف الاخر في نفس الوقت .وهنا فإن الامر يعتمد على طبيعة العلاقة بين الطرفين .وهنا قد يكون من الطبيعي التمييز بين ثلاث مواقف مختلفة هي[6]:
- أنه في أغلب الاحيان يزهر تفاوت واضح في مصادر القوة لدى أعضاء الجماعة أو بين الجماعات وبعضها البعض، وبالتالي يكون هناك شخص أو جماعة متميزة تمترس القوة على الاخرين .
- قد يكون أطراف العلاقة على قدر متساو من القوة ،ولكن كل شخص أو جماعة قادرة على التأثير في الاخرين في بعض الجوانب على الاقل في الوقت الذي يتأثر فيه بقوة الاخرين في جوانب أخرى ، أي أن هناك علاقة تأثير متبادل. وهنا يمكن القول بوجود ممارسة للقوة في هذا الوقت على الرغم من أنها قوة متبادلة من الجانبين .
- إذا كانت ممارسة طرف لمصادر قوته تقابل بمقاومة قوية من الطرف الاخر تفقدها فاعليتها تماما فإنه لايمكن بوجود القوة حيث أن اصطلاح القوة يتضمن التغلب على ما يعترض ممارستها من مقاومة .ومن هنا يظهر لنا أن القوة ذات علاقة نسبية .فالفرد وحده لا يمكنه أن يوصف بأنه قوي أو ضعيف ،ولكن يمكن أن يوصف بأ،ه قوي بالمقارنة بغيره من الناس وبالنسبة لموقف معين ،وأن يوصف بأنه ضعيف بالمقارنة بآخرين وبالنسبة لموقف آخر . ومن هنا يجب أن نلاحظ أ، القوة لا يمكن قياسها أو معرفة مقدارها إلا بعد وقوعها .فنحن لا نعرف أن (أ) له قوة على (ب) إلا بعد أن يتغلب على مقاومته . كما يمكن النظر إلى القوة السياسية بأنها سبب النشاطات الاجتماعية المنظمة كما يمكن أن أن ننظر إليها على أنها أيضا نتيجة لتلك النشاطات .أي أن القوة هي بالاساس سبب ونتيجة في آن واحد لقيام التنظيم الاجتماعي . فالتنظيم الاجتماعي هو عملية تحويل النشاط الفردي المنفصل إلى نشاط جماعي .متحد بما يساعد على تحقيق الاهداف ،أي أنه من أجل خلق القوة الازمة لتحقيق الاهداف مثل مثل الوصول إلى الحكم أو معارضة من هم في الحكم لابد من التنظيم .كما تسهم القوة في أداء الافراد لأدوارهم طبقا لما هو مقرر نظاميا وبالتالي في تحقيق الافراد والجماعات لأهدافهم المشتركة . ومن ناحية ثانية فإن القوة كظاهرة أو كعملية لا يمكن أن تظهر الا اذا بدأ الافراد في الدخول في تفاعلات مع بعضهم البعض في أي شكل من الاشكال .وبالتالي فهي تظهر خلال التفاعل والعلاقات الاجتماعية كمحصلة للتنظيم .فالتفاعل المنظم لا يمكن أن يتتحقق كنتيجة مباشرة لقيام بناء محدد للقيوة وانقسام الناس إلى عدة أدوار ومراكز اجتماعية متدرجة تمارس بعضها نماذج معينة من القوة على الاخرين .
وهكذا فإن القوة مثل الطاقة لا يمكن قياسها أو ملا حظتها بإسلوب مباشر .فوجود القوة وشدتها أمر لا يمكن ادراكه أو معرفته الا من خلال اساليب غير مباشرة أو عن طرق آثارها علىالواقع الاجتماعي .فالقوة كالكهرباء لا يمكن ملاحظتها الا عند استتخدامها ،وندرك تأثيرها ونشاهد مظاهرها زلكننا لا نرىالظاهرة نفسها .وهو ما يجعل الامرمن الصعوبة بمكان قياسها ويجعل هناك تعدد وعدم اتفاق بخصو.اهص
إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :
يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [7]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع .وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني. وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية .
النقد الموجه لواقعية هانز مورجانثو:
لقد تعرضت نظرية مورجانثوا لعدد من الإنتقادات التي يمكن إيجازها على النحو التالي :
أولا : أخفقت النظرية في تحديد المفاهيم المختلفة للقوة والتي من بينها القوة التي تأتي كنتاج سياسي political outcome و كلتالتي تكون مجرد أداة Instrumentality والقوة التي تؤثر كدافع محرك . Motivation. فالقوة من حيث الناتج السياسي ترتبط بمقدرة الدولة على إحداث تغييرات في سلوك الآخرين بالشكل الذي يتلائم مع مصالحها. والخلاصة أن تحليل القوة بالمفهوم الضيق لها كدافع فقط انما يضع قيودا وتحفظات لا يستهان بها على النظرية الواقعية وعلى قدرتها في التحليل وذلك على النحو الذي تحاول أن تنسبه إلى نفسها .
ثانيا : لم تقم نظرية مورجانثو بالتحلل المتعمق حيث عالج مورجانثوا المصلحة القومية كهدف سهل التحديد (مادامت المصلحة القومية تتحدد دائما وأبدا في إطار القمة ولا شيئ غيرها ) وقد يتناسب ذلك مع ظروف القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر ،إلا أنه لا يصلح ــ بالتأكيد ــ مع ظروف العلاقات الدولية في القرن العشرين ،أو كما قال سناتل هوفمان فان مورجانثوا قد أخذ هذه الف ةرت ــلاقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ،واعتبرها القاعدة التي بنى عليها تحليله الواقعي للقوة .ومن هنا فإن مورجانثوا يخلط بين مفاهيمه وتحيزاته وتصوراته كمراقب للعلاقات الدولية ،وبين الظواهرالدولية التي تحدث فعلا ،وهو يحاول أن يجعل هذه الظواهر أكثر التقاءا مع تحيزاته ومفاهيمه وبالعكس ،أو بعبارة أخرى فهو يحاول أن يصور الأمر كما لو كان هو والعالم يريا هذه المصلحة القومية من خلال منظار واحد هو منظار القوة . ويرى ناقدوا مورجانثوا أن المصلحة القومية تختلف في تحديدها بحسب المقاييس المستخدمة في التحليل ، فمن ذلك مثلا (أ)أن المصلحة القومية قد تتحدد في إطارالاهداف التي هي موضع اتفاق واسع داخل النظام القائم في الدولة وهنا يكون للمصلحة القومية مضمون معين ،(ب)ان المصلحة القومية قد تتحدد في إطار بعض التفضيلات التي تبديها بعض قطاعات الرأي داخل الدولة كجماعات المصالح أو الناخبين وهنا يكون لها مضمون آخر يختلف عن المضمون السابق.(ج) وأخيرا، فإن المصلحة القومية قد تتحدد في اطارالقراراتالتي تتخذها الاجهزة الرسمية المسؤولة عن تحديد قيم معينة تلزم المجتمع ككل . ثالثا:ان المآخذ الاخرى التي تؤخذ على النظرية الواقعية في رأي بعض ناقديها ، الصيغة الاستاتيكية العامة التي تطبع هذه النظرية ، فالنظام السياسي الدولي ــ في تحليلات مورجانثوا ــ هو نظام غير معتغير ، مادام أن مصالح الأطراف تتحدد دائما بدافع القوة تحت أي ظرف وأيا كانت طبيعة هذه لاطراف ،أي أن ها النظام سيظل محكوما ابدا وبالضرورة بصراعات القوى .وهذه الطبيعة الاستاتيكية كما يقولون ،تختلط بنوع من الفوضي بين ظاهرة صراعات القوى في الساسية الدولية ،وبين الاشكال الاسياسية لهذه الصراعات والمؤسسات التي تولدت في نطاقها في القرون الالخيرة أي أن صراعات القوى شئ والروف الدولية التي تحركها والمؤثراتالتي تختلقها ودوافع الاطراف التي تشارك فيها شئ آخر. رابعا : ان منهاج التحليل الذي يتبعه مورجانثو ينظر إلى عملية ينع السياسة الخارجية على أنها عملية ترشيديدة بإستمرار .بمعني أنها لا تخرج عن كونها عملية توفيق بسيطة بين الوسائل المتاحة وبين الاطراف التي هي ثابتة وموضع اعتراف عام في نفس الوقت .ولكن التحليل المتعمق لعملية صنع السياسة الخارجية وبخاصة المعاصرة منها يكشف عن الصراع المستمر والحاد في الدوافع المختلفة التي تحرك واضعي هذه السياسات وصولا إلى الاهداف التي يحددونها لدولهم ،وما دامت االهداف تختلف فإن الوسائل لابد وأن تختلف بالضرورة كذلك .
خامسا : ان القوة لا تستطيع أن تخدم وجدها كأداة لتحليل كافة الظواهر المعقدة في السياسة الدولية ،فإلى جانب القوة توجد قيم وعوالم أخرى تؤثر فيالسلوك السياسي الخارجي للدول مثل الرغبة في التعاون الدوولي كما هو حادث في كثير من التنظيمات الدولية مثلما هو الحال في غرب أوربا ،وهذه التجمعات التنظيمات تبني على أفكار وقيم أبعد ما تكون عن نظرية سياساتالقوى المذكورة [8].
ثالثا: تعميمات المدرسة الواقعية ليست دائما صحيحة عبر لزما ولا المكان فنتقاء الاحداث بشكل تعسفي أدى إلى تحليل جزءي ببل وانحيازي .فتارسخ أوروبا هو المرجع الرئيسي للتحليل الواقعي الذي ظل أسيرا لتاريخ أوربا في القرن التاسع عشر .والتصور الواقعي تصور جامدا وساكن (استاتيكي)لأنه عجز عن الماضي . ومن ثم الاهتمام بظوراهر جديدة في العلاقات الدولية مثل ظواهر الاندماج والعوامل الايديولوجية. [9]
رابعا: تتلخص العلاقات لدولية عند المدرسة الواقعية بين الدول .فالدبلوماسي والجندي هما اللذان يصنعنان العلاقات لادولية وقد نالت السياسة الخارجيةالنصيب الأكبر من أعمال الكتاب الواقعيين فقد أصبح نموزج الدولة الاوروبي رمزا ومرجا لكل دولة .ويقول الواقعيون بضرورةالفصل بين السياسة الخارجية والداخلية ،لأن الاولىتتخذ المصلحة أساسا لها ولا تراعى المعطيات الداخلية التي تدو نتيجة لذلك ثانوية .[10]
خامسا: إن البراجماتية التي دعا إليها هذا لاتيار ما هي إلا نفي للأخلاق كأساس للعلاقات الدولية .هانز مورجانثو وسائر الكتاب الواقعيين لهم أفكارا زائفة عما ينبغي أخلاقيا أن يطالب به الانسان في مجال العلاقات الدولية .أما على الصعيد العلاقات السياسية فالواقعية تبدو بمثابة التيار النظري الذي قامت عليه السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية .ذلك أن الخطاب الواقعي خطاب أيديولوجي.[11]
في البداية وقبل الخوض في النظريات التي تسعي إلى تفسير العلاقات الدولية يجب علينا التعرض بشي من الايجاز للإجابة على السؤال المحوري الذي يصتطدم به أي باحث في العلاقات الدولية وهو: ماذا تعني نظرية العلاقات الدولية؟ وما هي الضرورة التي استوجبت التنظير للعلاقات الدولية؟. وللإجابة على تلك التساؤلات يمكننا القول بأن النظرية في أبسط معانيها تشير إلى اختيار مجموعة من الظواهرالمحدد وتفسيرها تفسيرا عاما يرضي أو يقنع أي شخص مطلع ملم بخصائص الظاهرة التي تجري دراستها. وعلى الرغم من أن العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية قد بذلوا العديد من الجهود من أجل صياغة نظريات على غرار نظريات العلوم الطبيعية ، فإن مصطلح النظرية في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم الاجتماعية بشكل عام يحمل معان متعددة . ومع تعدد الرؤى التي يقدمها الباحثون في العلاقات الاجتماعية إلا أن هناك اتفاق على وجود عدد من الصفات العامة التي تشترك فيها النظريات بصفة عامة وبخاصة النظريات المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية ومن تلك الصفات [1]:
1ـ أن تغطي النظرية جميع جوانب العلاقا ت الاجتماعية ـ الشمولية
2ـ أن يعبر عنها بفرضيات عامة تكون واضحة ودقيقة وقليلة قدر الامكان.
3ـ أن يتسق كل جزء من النظرية مع بقية الاجزاء الأخرى.
4ـ أن توضع النظرية في إطار يمكن الاستمرار من خلاله في تطوير النظرية وجعلها ملائمة للعصر.
5ـ أن تعبرالنظرية عن الواقع الدولي ـ في حالة النظريات العلاقات الدولية ـ وليست انعكاسا لوجهات نظر قومية.
6ـ أن تمكننا من التنبؤ على الاقل في بعض الجوانب وتجعلنا قادرين على وضع أحكام قيمية.
وعلى هذا فإن العلاقات الدولية وهي المجال الذي تدور في فلكه نظريات العلاقات الدولية قد شهد اهتماما بالغا، من الجانب التنظيري، وخاصة فيما بعد الحرب العالمية الثانية وعودة الفكر الواقعي إلى ساحة الاحداث متأثرة في ذلك بنتائج الحرب، وخاصة مع سقوط تراجع الفكر المثالي وروادة وسقوط الافكار المثالية التي راجت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، وذلك على خلفية الأطروحات التي قدمها الفلاسفة المثاليون ومن بينهم الفيلسوف إيمانويل كانط، من خلال أطروحته " السلام الدائم" والدعوة إلى الدولة العالمية، إلا أنه بعد أن سقط ذلك التوجه ليحل محله الفكر الواقعي، فقد عاد الواقعيون إلى الساحة، ليكون تفسير الأحداث على الساحة الدولية من خلال القوة كمدخل أساس في تفسير الأحداث على أساس القوة
النظرية الواقعية في العلاقات الدولية:
ترجع النظرية الواقعية في العلاقات الدولية إلى القرن الخامس قبل الميلاد حيث وضع الاسس العامة لها الفيلسوف سوثيديديس ،وذلك على خلفية خبرته لحرب البولينيز . وقد ذهب ثيديديس إلى أن السبب الرئيسي للحروب القائمة آنذاك ، هو قوة أثينا والخوف من اسبرطة.
لقد جاءت فكرة الدولة بداية عند الامبراطورية الرومانية المسيحية حيث وجد نوع من الوحدة المدنية في أوربا فيما بين 1500 و 1800ميلادية . فبعد سوثيديدس جاءت افكار ميكيافيللي التي أكدت على مبادئ ثوسيديدس. وتنطلق تلك الافكار من رؤية ما هو كائن بالفعل وليس ما ينبغي ان يكون. فالحاكم إذا أراد أن يحتفظ بالحكم فعليه أن يعي كيف أن لا يكون متمسك بالفضيلة وأن يستخدم مقدراته وفقا للحاجة. وبالنسبة الدبلوماسية فقد قدمت الواقعية من خلال سياسات الوزير الفرنسي كاردينال دي ريتشيلو الذي قاد فرنسا إلى حروب الثلاثين عاما من أجل عد سيطرة هابسبرج على أوروبا. وقد انتهت تلك الحرب بمعاهدة ويستفاليا 1648 التي تعد أول اتفاقية لتأسيس الدولة الحديثة. ومنذ ذلك الحين ونحن نجد العديد من الكتابات التي تدعم فكرة الواقعية ومن بين تلك الكتابات نجد الفسليوف توماس هوبز والمنظر العسكري كارل فون كلاوزيفيتش.
وقد مثلت الحرب العالمية الأولى تحد أساس للنظرية الواقعية. وخاصة في الولايات المتحدة التي اختلفت خبرتها عن أوروبا. وقد وضع الرئيس الامريكي وودرو ويلسون أربعة عشر مبدأ كأساس للسلام التالي. وقد تضمنت تلك المبادئ حظرالاتفاقيات السرية، حريةالملاحية والتجارة وخفض التسلح وتحديد المصير وإنشاء ماعرف فيما بعد بعصبة الامم .
وبعد الحرب العالمية الثانية أرسي هانز مورجانثو أسس الواقعيةالكلاسيكية في كتابه السياسةبين الامم الذي أصبح الاطارالتنظيري المرشد فيما بعد للكتابات التيتناولت الواقعية .
ومع إخفاق المدرسة المثالية في فرض ونشر قيمها وعدم قدرتها على التحكم في سير الاحداث والتنبؤ بها الامر الذي انتهي بنشوب الحرب العالمية نتيجة إغفال المدرسة المثالية لدور القوة والتعويل عليه في اتفسير الاحداث فقد جاءت المدرسة الواقعية لتحل محل المثالية .وعلى العكس من المدرسةالمثالية ،تذهب الواقعية التي سادت خلال فترة مابعد الحرب العالمية الثالنية،إلى أن سلوك الدولة يجب أن ينطلق من افتراض أن الفوضوية هي السلطةالأساسية للنظام الدولي .وأن سلوك الدولة يمثل نوعا من الاستجابة للفرص والقيود التي يقدمها النظام الدولي الفوضوي . والفوضويه هنا تعني غياب حكومة أو هيئة مركزية عالمية تفرض على الدول ذات السيادة الانصياع للقانون الدولي وتسوية مشكلاتها وفقا لمبادئ وقواعد هذا القانون . ويعني ذلك أن حالة الفوضوية تلك تشجع على التنافس والصراع بين الدول . وتكبح رغباتها في التعاون حتي عندما تكون هناك مصالح مشتركة. وبناء على ذلك ــ ووفقا لخصائص النظام الفوضوي ــ فإن الدول هي المسؤولةعن تحقيق أمنها. وفي بيئة استراتيجية كهذه فإن التهديد يكون أمر معطي خارجي يرتبط بالبيئةالخارجية بالتالي فإن الخطوة الأولى للتعامل مع هذ التهديد هي امتلاك القدرات العسكرية . ولأنه من الصعب التعرف على نوايا الدول الاخري فإن الأيسرهو معرفة قدراتها العسكرية بدلا من التعرف على نواياها . وفي كتابه المهم حول السياسة الدولية يؤكد كينيث والتز أن الأمن هو الهدف الاساسى والنهائي في ظل النظام الفوضوي . وهكذا ووفقا للواقعين فإن الحل الواقعي هو فكرة الردع . كما ترى المدرسةالواقعية أن أن الخطر أو التهديد ينشأ إذا ما استنتجت قوة عدوانية أو دولة تسعي لتغيير الواقع القائم أن القوى المهيمنة في الوضع الراهن إما ضعيفة أو أنها تفتقد إلى القدرة على حسم الصراع . وهذا الاستنتاج قد يدعوا الدولة إلى تحدي الوضع القائم من خلال إثارة إحدى القضايا الثانوية .
الركائز التي قام عليها الفكر الواقعي:
1- أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادئ الأخلاقية لا يمكن تطبيقها على العمل السياسي.
2- أن النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية وعن تحليل وفهم التجارب التاريخية ودراسة التاريخ.
3- وجود عوامل ثابتة وغير قابلة للتغير تحدد السلوكية الدولية. وبالتالي فمن الخطأ، كما فعل المثاليون، الرهان على أن المعرفة والثقافة، يمكن أن تغير بسهولة في الطبيعة البشرية وفي الرأي العام.
4- أن أساس الواقع الاجتماعي هوا الجماعة، فالأفراد في عالم يتسم بندرة الموارد يواجهون بعضهم البعض ليس كأشخاص إنما كأعضاء في جماعة منظمة تشكل الدولة.
5- تعتبر الدولة الفاعل الوحيد في السياسة الدولية، وبذلك فان التركيز على الدول (وليس علي المنظمات الدولية، أو الشركات متعددة الجنسية) كوحدات أساسية للتحليل يساعد عل فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع الولي.
6- يقوم تحليل السياسة الدولية على أساس أن الدول تتصرف من منطلق عقلاني في تعاملها مع بعضها البعض. وبذلك فأنة من المفترض أن الدول سوف تقوم بدراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرغتمائي (pragmatic) وسوف تتخذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا والتي تكون طبيعيا موجهه نحو زيادة قدرة الدولة وقوتها. وقد تقوم بعض الدول بذلك على الرغم من عدم حوزتها علي معلومات كاملة وواضحة كل الوضوح حول كل الخيارات البديلة، وبذلك قد تخطى في هذه الحالة عن اتخاذ القرارات الصائبة.
7- النظر لدولة كوحدة واحدة. على الرغم من أن متخذي القرارات في السياسة الخارجية لدولة ما؛ هم في الواقع أشخاص متعددين (رئيس الدولة، أو وزير الخارجية، الخ ) إلا أن الدولة تتعامل مع العالم الخارجي بصفتها كيان واحد متماسك. بنا على هذا الافتراض فان المدرسة العقلانية تعتبر أن انعكاسات السياسات الداخلية لدولة ما لا تكون حاسمة في مواقف تلك الدولة خارجياً.\
8- اعتبار النظام الدولي بمثابة غابة نتيجة غياب سلطة مركزية تحتكر القوة وتستطيع فرض إرادتها على الكل كما هي الحال في [داخل] الدولة.
9- اعتبار العامل الأمني العامل الأهم في سياسة الدول الخارجية. فالدول سوف تبذل قصارى جهدها لكي تحافظ على (وتعزز و تقوى) أمنها بشتى الوسائل، حتى لو تطلب الأمر طلب قوى (دول) أخري لكي تساعد على صيانة هذا الأمن.
وتعتبر أالواقعية أكثر النظريات اتصالا بالواقع الدولي وتعبيرا عن أوضاعه ومن دعاتها البارزين هانز مورجانثو" " استاذ لعلاقات الدولية الاشهر .ويقوم فكر مورجانو على فكرتي المصلحة interest والقوة powerوهنا تتحدد المصلحة في إطار القوة التي تتحدد بدورها في ناق ما يسميه مورجانثوبفكرة التأثير أو السيطرة control. وتعني تلك النظرية بالقوة ، السيطرة النسبية التي نمارسها الدول في علاقاتها المتبادلة وهي بذلك لا يمكن أن تتكون مرادفا للعنف بأشكاله المادية والعسكرية وإنما هي أوسع نطاقا من ذلك بكثير ففي النتاج النهائي ــ في لحظة ما ــ لعدد كبيرمن المتغيرات المادية وغير المادية ، ولاتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة ،وبحسب هذا الحجم تتحددد امكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول . ومن هنا تنظر النظرية الواقعية إلى المجمجنمع الدولي والعلات قات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو استراتيجياتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح لادول الاخري .
إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :
يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [2]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع . وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني (*) . وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية.
القوة في المدرسة الواقعية:
مثلت القوة العمود الفقري للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية ذلك أن حجر الزاوية في الفكر الواقعي هو التأثير أو النفوذ، وهو ما لا يتصور أن يكون بمعزل عن استخدام القوة بمختلف جاونبها. تعرف القوة على أنها التقدرة على جعل فاعل آخر أن يقوم بما كان سوف لا يفعله في حالة عدم ممارستها، وليس ماكان سيفعله. وتأسيسا على ذلك فإن أي طرف يعتبر فاعل إلى الحد الذي يؤثرون به في أخرين أكثر مما يؤثر الأخرون فيهم. إلا أن تلك الرؤية بخصوص القوة في الفكر الواقعي تتعامل معها من منظور التأثير. وعلى هذا تتجلى في الأفق إشكالية غاية في الأهمية وهي : ما هو الحال الذي سيكون عليه الفاعل الآخر في حالة غياب قوةالاول فالقوة تفسر التأثير، والتأثير يقيس القوة وهكذا فإنه من الصعب ان تستخدم القوة لتفسير أسباب الأحداث السياسية الدولية . وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستخدام الشائع يتعامل مع مفهوم القوة كشئ آخر غير العملية process. ويعتقد منظرو العلاقات الدولية أن مثل التأثير الذي تنتجه القوة ينبني على سمات محددة أو مقدرات الدول مثل مساحتها ، ومستوى الدخل ، وحجم وقدرات القوات المسلحة فتلك القوة هي القدرة . والقدرة أسهل في قياسها عن التأثير . إن قياس القدرة لتفسير التأير ليس سهلا ومع ذلك فإنه يتطلب مجموعة من أنواع القوى المحتملة . فالدول لديها أعداد هائلة من السكان والأقاليم والقوى العسكرية وغيرها . وقد يكون المؤشر الفردي لقوة الدولة هو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي GDP الذي يتألف من المساحة ومستوى التكنولوجيا والثروة إلا أن الناتج المحلي الإجماليGDP هو أفضل المؤشرات . وبجانب العناصر الملموسة فإن القوة تعتمد على عناصر أخرى غير ملموسة . فالقدرات تعني للدولة تأثير كامن إلى الحد الذي يمكن عنده للقادة السياسين العمل بشكل فعال على إعماله أو تعطيله بشكل استراتيجي ، وهو ما يعتمد على الإرادة الوطنية والمهارات الدبلوماسية والتأييد الشعبي للحكومة (شرعيتها ) . ويؤكد البعض على قوة الفكرة في القدرة على تعظبم تأثير المقدرات من خلال عملية سيكولوجية . وتتضمن تلك العملية تحريك داخلي للمقدرات . ويكون ذلك ـ أحيانا ـ من خلال الدين أو الأيديولوجيا أوالإحساس بالقومية . ويكتسب التأثيرالدولي من خلال صياغة قواعد السلوك على تغيير نظرة الأخرين إلى مصالحهم إذا اصبحت قيم الدولة منتشرة بشكل واسع بين الدول. فعلى سبيل المثال نجد الولايات المتحدة الأمريكية قد أثرت بشدة على العديد من الدول حتي تقبل قيم السوق الحرة وحرية السوق والتجارة ، وهو ما يسمى بالقوة الناعمة . ويمكن للدولة ــ أيضا ــ أن تمتلك القوة بشكل نسبي للآخرين : فالقوة النسبية هى مستوى القوة الذي يمكن أن يجعل دولتين أن يتملاك بعضهم البعض . وهنا نجد أصحاب التفسير الواقعي للعلاقات الدولية ويعترفون بالتفسير المحدود المنبني على القوة . حيث أن القوة في أفصل الأحول توفر فهما تاما لمتوسط الناتج . وفي العلاقات الدولية عناصر للفعل أو الحظ فالفعل الأكثر قوة لا ينتصر دائما ، فالقوة توفر فقط التفسير النسبي[3].
والقوة هي إحدى الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدولة لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها ومصالحها في إطار سياستها الخارجية. فمفهوم القوة مفهوم عام شامل يستند إلى عوامل اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وبشرية، تؤثر في بعضها البعض وتعد عاملاً لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع الدولي.
وهناك جملة من المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية، وأهمها :
- التدخلات المباشرة ( كالحرب العسكرية ) واستخدام القوة العسكرية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر المؤامرات وحرب العصابات.
- التحالفات الجماعية ( تحالفات سياسية عسكرية – كالحلف الأطلسي، وتحالفات سياسية اقتصادية كالاتحاد الأوروبي ).
- التدخلات غير المباشرة ( كالعقوبات الاقتصادية والسياسية ) أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة. ومن أبرز الصفات الأساسية المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام القوة الجماعية أي التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة التي أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية وبخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وإن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهرت المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية المختلفة. إن انتشار التكتلات والتجمعات المختلفة كان هدفه الأساسي تحقيق أكبر قدرة ممكنة من القوة اللازمة لتنفيذ الأهداف والمخططات الموضوعة.
وفي هذا السياق توجد سياسة مركز القوة وتأثيرها في العلاقات الدولية، حيث تعتمد هذه السياسة بالأساس على القوة والقوات المسلحة ويشكل سباق التسلح جزء لا يتجزأ منها فهي ليست في الواقع إلا تعبيراً مباشراً عن مصالح الإحتكارات الكبيرة التي تستفيد من سباق التسلح وهي على استعداد لإستخدام القوة المسلحة في سبيل الإبقاء على سيطرتها. وما التوجه الواقعي للدبلوماسية والقانون الدولي إلا انعكاساً لسياسة مركز القوة، حيث يتلخص مفهوم هذا الخط الواقعي أساساً في أن العلاقات التجارية في علاقات لاقوة وان الأحداث التي تدل عليها هي ظواهر لهذه العلاقات وإن الرغبة في السيطرة هي السمة الأساسية والمميزة للعلاقات الدولية. ومن أشد الداعين إلى هذا المفهوم هو الأمريكي هانز مورجنثوا الذي ينتقد الوسائل القانونية في حل مشكلات السياسة الدولية ويدعو الدبلوماسية إلى التخلي عن القانون الدولي وألا تستهدي في سعيها إلا بعلاقات القوة. وكذلك يمجد لستر بيرسون وزير خارجية كندا السابق مفهوماً مماثلاً في كتابه ( الدبلوماسية في العصر الذري ). وكذلك جورج كينان سفير الولايات المتحدة السابق في الاتحاد السوفيتي والمعروف بدعوته إلى سياسة القوة[4] . وتمثل القوة السياسية مشكلة اجتماعية وعلمية في آن واحد. فالبعض يعتبرها منتهى الشر ويحاول إظهارجوانبها السلبية، بينما آخرون يعتبرونها قمة الخير ويحاولون إظها جوانبها الإيجابية. ويقف وراء عدم الاتفاق هذا خلفيات أيديولوجية محددة .فأنصار الفكر الماركسي يحاولون الربط بين القوى السياسية والاستغلال والتسلط الطبقي. ويرون أن التطور الاجتماعي سوف يؤدي إلى شكل معين من التنظيم الاجتماعي في المستقبل أي في ظل المجتمع الشيوعي.وعلى العكس من ذلك نجد الفكر الغربي بصفة عامة يؤكد على الجوانب الايجابية لعملية ممارسة القوة في تحقيق الأهداف والتكامل الاجتماعي والاستقرار السياسي وتحقيق الامن والامان للمواطنين .وفي الحقيقة فإن لاقوة في حد ذاتها سواء كانت في شكل سلطة أو نفوذ ليست شرا ولا خيرا وأن ذلك يعتمد على طريقة استخامها .فقد تكون عامل قهر استبدادكما قد تمون عامل استقرار وتكامل وأمن وأمان .صـ9.ومن ناحية أخرى يصر البعض على أن القوة السياسية هي هدف في حد ذاتها أي أنها مرغوب فيها لذاتها .بينما يرى أخرون أنها مجرد وسيلة لتحقيق الاهداف والحصول على القيم .ويقف وراء هذا الانقسام أيضا انقسام أيديولوجي .فالفكرالشيوعي الماركسي يرى أن القوة السياسية وسيلة لتحقيق أهداف الطبقة المستغلى المسيطرة أقتصاديا .بينما الفكر الغربي يميل إلى اعتبارها قيمة من القيم التي يعمل الافراد للحصول عليها لذاتها وليس لمجرد تحقيق أهداف أخرى .وفي الحقيقة فإن القوى السياسية قد تكون هدف بالنسبة للبعض ،كما قد تكون وسيلة بالنسبة للبعض الاخر وأن الامر يتوقف على الشخص أو الجماعة التي ترغب في الحصول على القوة كما يتوقف أيضا على الموقف[5] .ويرتبط بذلك أمر هاما أخر بطبيعة القوة وهو الحاص بحدودها .فيرى البعض أن القوة لا حدود لها .فكلما حصل الفرد أو الجماعة على قدر منها تطلع إل المزيد سواء كان ذلك لحبه لها أو لإستخدامها في تحقيق الأهداف الأخرى .وقد عبر عن ذلك توماس هوبزفي قوله ان البشر عموما يميلون إلى رغبة دائمة غير مستقرة في الحصول على مزيد من القوت لا يتوقف إلا بالموت .ولو أننا نرى أن الانسان الطبيعي عندما يحس بأن قوته مدعمة بدرجة كبية وليس هناك ما يهددها قد يتجه إلى تحقيق غيات أخرى ،فهي كأي شئ في الحياة تخضع لقانون تناقص المنفعة .وهنا يظهر تساؤل :هل القوة ذات طبيعة تراكمية وتحويلية .أي هل يؤدي امتلاك جزءمن القوة إلى امتلاك مقدارآخر.وكذلك هل يمكن تحويل القوة أو استبدالها بقيمة أخرى .وفي الحقيقة فإن امتلاك امتلاك القوة يساعد على امتلاك ركائز أخرى للقوة ،كما أنه يساعد على تحويلها من شكل إلى أخر واستبدالها بقيم أخرى في الحياة .ومن ناحية رابعة يصر البعض على على أن القوة السياسية تمارس من جانب واحد أي أن طرف واحد فقط يمارس القوة على الطرف الاخر الذي تمارس عليه القوة .بينما يسوق أخرون الحجج على أنها يمكن أن تمارس من كلا الطرفين في آن أي أن كلا الطرفين يمكن أن يمارس القوة على الطرف الاخر في نفس الوقت .وهنا فإن الامر يعتمد على طبيعة العلاقة بين الطرفين .وهنا قد يكون من الطبيعي التمييز بين ثلاث مواقف مختلفة هي[6]:
- أنه في أغلب الاحيان يزهر تفاوت واضح في مصادر القوة لدى أعضاء الجماعة أو بين الجماعات وبعضها البعض، وبالتالي يكون هناك شخص أو جماعة متميزة تمترس القوة على الاخرين .
- قد يكون أطراف العلاقة على قدر متساو من القوة ،ولكن كل شخص أو جماعة قادرة على التأثير في الاخرين في بعض الجوانب على الاقل في الوقت الذي يتأثر فيه بقوة الاخرين في جوانب أخرى ، أي أن هناك علاقة تأثير متبادل. وهنا يمكن القول بوجود ممارسة للقوة في هذا الوقت على الرغم من أنها قوة متبادلة من الجانبين .
- إذا كانت ممارسة طرف لمصادر قوته تقابل بمقاومة قوية من الطرف الاخر تفقدها فاعليتها تماما فإنه لايمكن بوجود القوة حيث أن اصطلاح القوة يتضمن التغلب على ما يعترض ممارستها من مقاومة .ومن هنا يظهر لنا أن القوة ذات علاقة نسبية .فالفرد وحده لا يمكنه أن يوصف بأنه قوي أو ضعيف ،ولكن يمكن أن يوصف بأ،ه قوي بالمقارنة بغيره من الناس وبالنسبة لموقف معين ،وأن يوصف بأنه ضعيف بالمقارنة بآخرين وبالنسبة لموقف آخر . ومن هنا يجب أن نلاحظ أ، القوة لا يمكن قياسها أو معرفة مقدارها إلا بعد وقوعها .فنحن لا نعرف أن (أ) له قوة على (ب) إلا بعد أن يتغلب على مقاومته . كما يمكن النظر إلى القوة السياسية بأنها سبب النشاطات الاجتماعية المنظمة كما يمكن أن أن ننظر إليها على أنها أيضا نتيجة لتلك النشاطات .أي أن القوة هي بالاساس سبب ونتيجة في آن واحد لقيام التنظيم الاجتماعي . فالتنظيم الاجتماعي هو عملية تحويل النشاط الفردي المنفصل إلى نشاط جماعي .متحد بما يساعد على تحقيق الاهداف ،أي أنه من أجل خلق القوة الازمة لتحقيق الاهداف مثل مثل الوصول إلى الحكم أو معارضة من هم في الحكم لابد من التنظيم .كما تسهم القوة في أداء الافراد لأدوارهم طبقا لما هو مقرر نظاميا وبالتالي في تحقيق الافراد والجماعات لأهدافهم المشتركة . ومن ناحية ثانية فإن القوة كظاهرة أو كعملية لا يمكن أن تظهر الا اذا بدأ الافراد في الدخول في تفاعلات مع بعضهم البعض في أي شكل من الاشكال .وبالتالي فهي تظهر خلال التفاعل والعلاقات الاجتماعية كمحصلة للتنظيم .فالتفاعل المنظم لا يمكن أن يتتحقق كنتيجة مباشرة لقيام بناء محدد للقيوة وانقسام الناس إلى عدة أدوار ومراكز اجتماعية متدرجة تمارس بعضها نماذج معينة من القوة على الاخرين .
وهكذا فإن القوة مثل الطاقة لا يمكن قياسها أو ملا حظتها بإسلوب مباشر .فوجود القوة وشدتها أمر لا يمكن ادراكه أو معرفته الا من خلال اساليب غير مباشرة أو عن طرق آثارها علىالواقع الاجتماعي .فالقوة كالكهرباء لا يمكن ملاحظتها الا عند استتخدامها ،وندرك تأثيرها ونشاهد مظاهرها زلكننا لا نرىالظاهرة نفسها .وهو ما يجعل الامرمن الصعوبة بمكان قياسها ويجعل هناك تعدد وعدم اتفاق بخصو.اهص
إسهامات المدرسة الواقعية في تحليل السياسة الخارجية :
يتميز إسهام المدرسة الواقعية الجديدة في مجال العلاقات لادولية بشكل عام ،وفي حقل السياة الخارجية بشكل خاص بأنه يمثل تطورا لمقولات مدرسة تحليل النظم ،خاصة فيما يتركز على عملية الحليل على مستوى النسق ،فالتغير في بنيان النسق العالمي يؤثر في بنيان السياسة الخارجية للوحدات المكونة له ،وهو ما يختلف عن مقولات مدرسة النسق التي تركز على عملية التحليل على مستوى الوحدات ،وترى أن النسق ما هو إلى نتاج تفاعل الوحدات المختلفة المكونة له ،وأن الدول هي الفاعل الرئيسي وأ استخدام القوة أو التهديد بها يعد أداة فعالة لتنفيذ السياسة الخارجية لدولة ما في القضايا التي تواجهها [7]. وعلى الرغم من قدرة التفسير للواقعية لظواهرالعلاقاتالدولية خلالالحرب الباردة .إلا أنها لقيت نقدا شديدا من المدرسة الليبرالية الجديدة .والتي تستند في أفكارها إلى أفكار التكامل والاعتماد المتبادل التتي تطورت خلال عقدي السبعينات والثمانينات .إلى أنه رغم أن النظام الدولي يتسم بالفوضوية إلا أن المؤسسات الدولية تستطيع التخفيف من الأثار السلبية لتلك الفوضوية من خلال تشجيع التعاون والاعتماد المتبتدل بين دول هذا النظام .كما يضيف الليبراليون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يرفع من تكلفة الصراع ويشجع الدول على التعاون فيما بينها بشكل إيجابي .وهكذا فإن الافتراض الاساسي لدى الليبراليين هو أن التجارة تخلق بيئة مشجعة للتعاون وزيادة الحوافز لدى الدول للتعاون أكثر من الصراع .وعلى عكس الواقعيين الذين يقللون من أهمية السلام والمجالات غير العسكرسية كمكون رئيسي من مكونات الامن ،فإن الليبراليين يمنحون تلك العناصر أهمية خاصة .كما تلك نظريتا التبعية والماركسية الجديدة منهجا أكثر راديكالية لتحقيق الامن .فقد تبنت هاتان النظريتان مفهوما كليا متعدد الابعاد للأمن ،يضع الامن والسلام والحرب في في إطار حالة الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المركز والاطراف .وق تركت المدرستان الماركسية والتبعية آثارهممنا المهمة على دراساتالامن والسلام ،وانطلقتا من أن الثورة ضد هذا التفاوت والتخلص من المجتمع الطبقي هي الطريق الوحيد لوضع نهاية لحالة الاستغلال والعنف الهيكلي في النظام الدولي وتحقيق السلام .ويصبح العدل الاجتماعي وإعادة توزيع السلطة والثروة والموارد (والتي تشكل الجذور الرئيسية للعنف)شرطا ضروريا لتحقيق الامن والسلام .ورغم وجود قدر من التشابه بين الواقعيةوالماركسية الجديدة .إلا أن هناك اختلافا رئيسيا بينهما يتعلق بموضوع الأمن ذاته .فبينما تكون الدولة هي الموضوع الرئيسي للأمن لدى المدرسة الواقعية يسعي الماركسيون الجددإلى تحقيق الامن لجميع ضحايا العلاقات الطبقية غير المتمافئة في مواجهة الرأسمالية الوطنية أو الدولية .وقد أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تطور جدل واسع بين تيارين رئيسيين ،يدعو الاول منهما إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل القضايا والابعاد غيرالعسكرية ،وهو التيار الذي يمكن أن نطلق عليه التوسعيين بينما يدعو التيار الثاني إلى قصر مفهوم الامن على الابعاد العسكرية فقط أو ما يمكن أن نطلق عليهم تيار الحد الادني. وقد تركز الجدل بين هذين التيارن حول خمسة أبعاد رئيسية لمفهوم الامن ،تشمل: مصدر التهديد ،وطبيعة التهديد ، وطبيعة الاستجابة ، للتهديد ،ومن الذين يقومون بتحقيق الامن ؟ وأخيرا القيم الرئيسية موضوع التهديد .وينتمي تيارالحد الادني إلى المدرسة الواقعية ،بينما ينتمي التوسعيون إلى متخلف المدراس الاخري والذين يسعون إلى توسيع مفهوم الامن ليشمل المجالات غيرالعسكرية ،كنبا إلى جنب مع المجالات والابعاد العسكرية .
النقد الموجه لواقعية هانز مورجانثو:
لقد تعرضت نظرية مورجانثوا لعدد من الإنتقادات التي يمكن إيجازها على النحو التالي :
أولا : أخفقت النظرية في تحديد المفاهيم المختلفة للقوة والتي من بينها القوة التي تأتي كنتاج سياسي political outcome و كلتالتي تكون مجرد أداة Instrumentality والقوة التي تؤثر كدافع محرك . Motivation. فالقوة من حيث الناتج السياسي ترتبط بمقدرة الدولة على إحداث تغييرات في سلوك الآخرين بالشكل الذي يتلائم مع مصالحها. والخلاصة أن تحليل القوة بالمفهوم الضيق لها كدافع فقط انما يضع قيودا وتحفظات لا يستهان بها على النظرية الواقعية وعلى قدرتها في التحليل وذلك على النحو الذي تحاول أن تنسبه إلى نفسها .
ثانيا : لم تقم نظرية مورجانثو بالتحلل المتعمق حيث عالج مورجانثوا المصلحة القومية كهدف سهل التحديد (مادامت المصلحة القومية تتحدد دائما وأبدا في إطار القمة ولا شيئ غيرها ) وقد يتناسب ذلك مع ظروف القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر ،إلا أنه لا يصلح ــ بالتأكيد ــ مع ظروف العلاقات الدولية في القرن العشرين ،أو كما قال سناتل هوفمان فان مورجانثوا قد أخذ هذه الف ةرت ــلاقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ،واعتبرها القاعدة التي بنى عليها تحليله الواقعي للقوة .ومن هنا فإن مورجانثوا يخلط بين مفاهيمه وتحيزاته وتصوراته كمراقب للعلاقات الدولية ،وبين الظواهرالدولية التي تحدث فعلا ،وهو يحاول أن يجعل هذه الظواهر أكثر التقاءا مع تحيزاته ومفاهيمه وبالعكس ،أو بعبارة أخرى فهو يحاول أن يصور الأمر كما لو كان هو والعالم يريا هذه المصلحة القومية من خلال منظار واحد هو منظار القوة . ويرى ناقدوا مورجانثوا أن المصلحة القومية تختلف في تحديدها بحسب المقاييس المستخدمة في التحليل ، فمن ذلك مثلا (أ)أن المصلحة القومية قد تتحدد في إطارالاهداف التي هي موضع اتفاق واسع داخل النظام القائم في الدولة وهنا يكون للمصلحة القومية مضمون معين ،(ب)ان المصلحة القومية قد تتحدد في إطار بعض التفضيلات التي تبديها بعض قطاعات الرأي داخل الدولة كجماعات المصالح أو الناخبين وهنا يكون لها مضمون آخر يختلف عن المضمون السابق.(ج) وأخيرا، فإن المصلحة القومية قد تتحدد في اطارالقراراتالتي تتخذها الاجهزة الرسمية المسؤولة عن تحديد قيم معينة تلزم المجتمع ككل . ثالثا:ان المآخذ الاخرى التي تؤخذ على النظرية الواقعية في رأي بعض ناقديها ، الصيغة الاستاتيكية العامة التي تطبع هذه النظرية ، فالنظام السياسي الدولي ــ في تحليلات مورجانثوا ــ هو نظام غير معتغير ، مادام أن مصالح الأطراف تتحدد دائما بدافع القوة تحت أي ظرف وأيا كانت طبيعة هذه لاطراف ،أي أن ها النظام سيظل محكوما ابدا وبالضرورة بصراعات القوى .وهذه الطبيعة الاستاتيكية كما يقولون ،تختلط بنوع من الفوضي بين ظاهرة صراعات القوى في الساسية الدولية ،وبين الاشكال الاسياسية لهذه الصراعات والمؤسسات التي تولدت في نطاقها في القرون الالخيرة أي أن صراعات القوى شئ والروف الدولية التي تحركها والمؤثراتالتي تختلقها ودوافع الاطراف التي تشارك فيها شئ آخر. رابعا : ان منهاج التحليل الذي يتبعه مورجانثو ينظر إلى عملية ينع السياسة الخارجية على أنها عملية ترشيديدة بإستمرار .بمعني أنها لا تخرج عن كونها عملية توفيق بسيطة بين الوسائل المتاحة وبين الاطراف التي هي ثابتة وموضع اعتراف عام في نفس الوقت .ولكن التحليل المتعمق لعملية صنع السياسة الخارجية وبخاصة المعاصرة منها يكشف عن الصراع المستمر والحاد في الدوافع المختلفة التي تحرك واضعي هذه السياسات وصولا إلى الاهداف التي يحددونها لدولهم ،وما دامت االهداف تختلف فإن الوسائل لابد وأن تختلف بالضرورة كذلك .
خامسا : ان القوة لا تستطيع أن تخدم وجدها كأداة لتحليل كافة الظواهر المعقدة في السياسة الدولية ،فإلى جانب القوة توجد قيم وعوالم أخرى تؤثر فيالسلوك السياسي الخارجي للدول مثل الرغبة في التعاون الدوولي كما هو حادث في كثير من التنظيمات الدولية مثلما هو الحال في غرب أوربا ،وهذه التجمعات التنظيمات تبني على أفكار وقيم أبعد ما تكون عن نظرية سياساتالقوى المذكورة [8].
ثالثا: تعميمات المدرسة الواقعية ليست دائما صحيحة عبر لزما ولا المكان فنتقاء الاحداث بشكل تعسفي أدى إلى تحليل جزءي ببل وانحيازي .فتارسخ أوروبا هو المرجع الرئيسي للتحليل الواقعي الذي ظل أسيرا لتاريخ أوربا في القرن التاسع عشر .والتصور الواقعي تصور جامدا وساكن (استاتيكي)لأنه عجز عن الماضي . ومن ثم الاهتمام بظوراهر جديدة في العلاقات الدولية مثل ظواهر الاندماج والعوامل الايديولوجية. [9]
رابعا: تتلخص العلاقات لدولية عند المدرسة الواقعية بين الدول .فالدبلوماسي والجندي هما اللذان يصنعنان العلاقات لادولية وقد نالت السياسة الخارجيةالنصيب الأكبر من أعمال الكتاب الواقعيين فقد أصبح نموزج الدولة الاوروبي رمزا ومرجا لكل دولة .ويقول الواقعيون بضرورةالفصل بين السياسة الخارجية والداخلية ،لأن الاولىتتخذ المصلحة أساسا لها ولا تراعى المعطيات الداخلية التي تدو نتيجة لذلك ثانوية .[10]
خامسا: إن البراجماتية التي دعا إليها هذا لاتيار ما هي إلا نفي للأخلاق كأساس للعلاقات الدولية .هانز مورجانثو وسائر الكتاب الواقعيين لهم أفكارا زائفة عما ينبغي أخلاقيا أن يطالب به الانسان في مجال العلاقات الدولية .أما على الصعيد العلاقات السياسية فالواقعية تبدو بمثابة التيار النظري الذي قامت عليه السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية .ذلك أن الخطاب الواقعي خطاب أيديولوجي.[11]