- الأربعاء فبراير 27, 2008 7:21 pm
#79
في وثيقة أمريكية مختومة بكلمة "سري"، حصلت سويس إنفو على نسخة منها، تلخيصٌ لأهم ما دار بين العاهل السعودي الراحل الملك فيصل، والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسن في البيت الأبيض يوم 27 مايو 1971، أي قبل 32 عاما.
قال الرئيس نيكسن لضيفه السعودي: "إننا مهتمون بالعمل لضمان أن تستمر العلاقات الأمريكية السعودية كما كانت دائما، علاقات صداقة تنمو وتُـصبح أكثر قوة في المستقبل".
ورد الملك فيصل قائلا، "إننا نشاطركم ذلك الأمل، ليس فقط باعتبار أن تقوية الصداقة بيننا تصب في مصلحتنا المشتركة، وإنما لأن ذلك يخدم مصالح دول وشعوب أخرى أيضا".
ولكن العلاقات السعودية الأمريكية، التي حافظت على مستوى من الاستقرار والثبات على مدى أكثر من 60 عاما، اهتزت اهتزازا عنيفا في أعقاب كشف النقاب عن أن 15 من بين 19 شخصا ممن نفذوا هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ضد الولايات المتحدة، كانوا شبابا سعوديين، مما تسبب كما يقول الدكتور مأمون فندي، أستاذ الإعلام بجامعة جورجتاون، في تغلغل موجة من المشاعر المعادية للسعودية في أوساط الأمريكيين.
ومع تزايد حدة هذه الحملة والملاحقات الأمنية الأمريكية للسعوديين، والتدقيق في كل ما له علاقة بالسعوديين في الولايات المتحدة، والحملات الإعلامية الأمريكية التي استهدفت النظام السعودي والمذهب الوهابي، بل والإسلام ككل، اجتاحت أوساط الرأي العام السعودي موجة من المشاعر المعادية للولايات المتحدة، وتململ داخل الأسرة المالكة السعودية من الموقف الأمريكي المتربص، تلته حملة صحفية سعودية لانتقاد المواقف والسياسات الأمريكية، خاصة ما عُـرف بالحملة الأمريكية ضد الإرهاب في العالم، والتي وصفتها وسائل الإعلام السعودية بأنها كانت الغطاء الذي تسترت وراءه قوى الصهيونية لاستهداف المملكة والعلاقات مع الولايات المتحدة، وسرعان ما أدرك الجانبان وجود مشكلة في العلاقات، ليس على الصعيد الاستراتيجي فحسب، وإنما على صعيد النخبة والرأي العام في البلدين.
وبإلقاء نظرة على استطلاعات الرأي العام في أعقاب 11 سبتمبر 2001، نجد أن 58% من الأمريكيين لا يكنون المودة للسعودية بعد أن كانت 56% في يناير2001، وعندما أجرت مؤسسة "غالوب" لأبحاث الرأي العام استطلاعا لم يسبق له مثيل في المملكة العربية السعودية في أوائل عام 2002، تبين أن نسبة 64% من السعوديين لا يكنون المودة للولايات المتحدة.
زواج المصالح وطلاق السياسات
وكشفت تصريحات المسؤولين الأمريكيين السابقين عن شعور عميق بالتناقض القائم في العلاقات السعودية الأمريكية بين تحقيق المصالح وخدمة الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، مقابل توفير الأمن والاستقرار للنظام السعودي، وبين توجهات السياستين السعودية والأمريكية، والتباين الصارخ في منظومة القيم والمبادئ التي يؤمن بها كل جانب.
وعن هذا الشعور يقول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر، "فيما يتعلق بالنظام السعودي، نحن نتعامل مع حكومة لا تتسم بالكمال كما نفعل مع حكومات أخرى كثيرة في العالم، ولكن لابد للولايات المتحدة من الوصول إلى احتياطات البترول في منطقة الخليج. لذلك، فليس بوسع الولايات المتحدة أن تتخلى عن مساندة النظام السعودي الذي يمكننا من تحقيق ذلك الهدف الذي يصب في المصلحة القومية لأمريكا".
أما الجنرال برنت سكوكروفت، المستشار السابق لشؤون الأمن القومي في عهد الرئيس بوش الأب، فأقر بأنه، بالإضافة إلى الاعتماد الأمريكي على البترول السعودي، فإن العلاقة الخاصة مع السعودية تسمح للولايات المتحدة بضخ مليارات الدولارات السعودية في الصناعات العسكرية الأمريكية من خلال برنامج بيع صفقات سلاح ضخمة للسعودية، بل وممارسة تأثير تلك العلاقة في قرارات سعودية، مثل شراء طائرات "بوينغ" الأمريكية، بدلا من "الإير باص" الأوروبية.
ولذلك، يقول الجنرال سكوكروفت، "رغم أن النظام السعودي ليس نظاما يتماشى مع المبادئ الأمريكية، ورغم وجود اختلافات ثقافية هائلة، فإنه يتطور بشكل بطيء، والدولة السعودية تمر بمرحلة انتقال من العصور الوسطى إلى التحديث والمعاصرة، ولكن يجب ألا يكون ذلك مبعث قلقنا، خاصة في الظروف الحالية".
وعندما وقعت التفجيرات الإرهابية في الرياض، واستهدفت المصالح الأمريكية في المملكة ممثلة في شركة "فينيل" التي تتولى تقديم الخدمات الأساسية، التي يحتاج إليها الحرس الوطني السعودي، عادت هواجس القلق بالنسبة لمستقبل العلاقات الأمريكية السعودية تحت المجهر من جديد وبشكل مكثف.
فقد صدرت اتهامات أمريكية للسعودية بأنها لم تبذل الجهد الكافي تحسبا لوقوع تلك الهجمات، رغم تحذير السفير الأمريكي في السعودية للمسؤولين من احتمال شن ذلك الهجوم. وانبرى الدبلوماسيون السعوديون في واشنطن للدفاع عن جهود بلادهم لمكافحة الإرهاب، فقال السيد عادل جبير، المستشار السياسي لولي العهد السعودي، إنه مع تسليم السعوديين بأنهم أخفقوا في منع الهجوم الإرهابي في الرياض، فإن السلطات السعودية ستعمل كل ما من شأنه عدم السماح بتكراره، وستتعاون بشكل كامل مع الولايات المتحدة لملاحقة منفذي الهجوم الإرهابي.
وطالب رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، السناتور بات روبرتس، السعوديين بأن يتفهموا ضرورة التعاون المطلق هذه المرة وقال، إن الكيفية التي سيتعاونون بها هي اختبار لهم.
وسألت سويس انفو السفير إدوارد ووكر، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، عن تأثير تفجيرات الرياض على العلاقات السعودية الأمريكية فقال، "لقد استهدف الهجوم المصالح الأمريكية في السعودية، وكذلك ولي العهد السعودي، لأن الحرس الوطني هو نتاج فكره ومجهوده، والهدف الذي يسعى إليه تنظيم القاعدة من البداية، هو إزالة الوجود الأمريكي في السعودية، وأيضا تغيير نظام الحكم وإحلال نظام إسلامي أصولي على غرار نظام حكم طالبان السابق في أفغانستان، وهو ما لا يسانده معظم السعوديين. وبالتالي، فإن تفجيرات الرياض يجب أن تكون حافزا للجانبين، السعودي والأمريكي، لزيادة التعاون بينهما لاجتثاث حفنة الإرهابيين من مخابئهم في المملكة".
أما السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية ريتشارد ميرفي، فيرى أن العلاقات السعودية الأمريكية وصلت إلى مستوى من النُّـضج سمح للطرفين بالاتفاق على سحب القوات الأمريكية من الأراضي السعودية تحقيقا لمصلحة الطرفين. غير أن بعض خبراء شؤون الشرق الأوسط في واشنطن نظروا إلى ذلك الاتفاق على أنه يعني المزيد من التردي في العلاقات بين الجانبين، وعلى أنه يمثل انتصارا لمسعى بن لادن إخراج القوات الأمريكية من الأراضي المقدسة باعتبارهم صليبيين يستنزفون ثروة شبه الجزيرة العربية ويملون إرادتهم على حكامها ويستضعفون شعوبها.
نقطة التحول في العلاقات السعودية الأمريكية
ويري الدكتور جريجوري جوز، أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة فيرمونت، أن الوجود العسكري الأمريكي في السعودية لم يعد قابلا للاستمرار، سواء بالنسبة للنظام السعودي أو النظام السياسي الأمريكي بعد هجمات سبتمبر الإرهابية، خاصة بعد رفض السعودية التعاون علنا مع الولايات المتحدة في الحشد العسكري الذي سبق شن الحرب على العراق. وأصبح يتعين على واشنطن الاعتماد على دول الخليج الصغيرة في توفير البنية التحتية للوجود العسكري الأمريكي في الخليج. ومع الوجود الأمريكي في العراق، تستعيد الولايات المتحدة الدور الذي لعبته بريطانيا في الخليج ما بين عامي 1920 و1958.
ويقول الدكتور جوز، إن العلاقات السعودية الأمريكية يجب أن ترتكز الآن على خدمة المصالح المشتركة للجانبين مع إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في قواعد عسكرية سعودية. ويضيف أن رحيل تلك القوات سيفيد في تخفيف الضغط الشعبي السعودي، وسيضفي على العلاقات الأمريكية السعودية مناخا طبيعيا ينطوي على علاقات التعاون، ولو من مسافة أبعد، في عدد من المجالات الهامة بالنسبة للمصالح الأمريكية مثل السياسات البترولية والاستقرار الإقليمي ودور المملكة السعودية في العالم الإسلامي، وخاصة فيما يتعلق بنزع الشرعية عن تفسير بن لادن للإسلام.
وخلص الدكتور جريجوري جوز إلى أن الوضع في العراق بعد الحرب قد خلق أسسا جديدة للسياسة الأمريكية إزاء دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية، هي:
أولا، العودة إلى علاقة أمنية مع السعودية تحمل سمات ما قبل حرب تحرير الكويت، ويعني ذلك التقارب والتعاون، لكن بدون نشر قوات أمريكية فيها.
ثانيا، تجنب الوقوع في إغراء النظر إلى السعودية كعدو بعد علاقة صداقة دامت عشرات السنين واستفادت منها الولايات المتحدة في قضايا الطاقة ثم في الحرب ضد الإرهاب.
ثالثا، تشجيع الإصلاح النابع من داخل المملكة العربية السعودية دون جعل ذلك الإصلاح حجر الزاوية في العلاقات السعودية الأمريكية والابتعاد عن الخوض في القضايا المشحونة بالمشاعر، مثل حقوق المرأة والنظام التعليمي في السعودية.
رابعا، الإقرار بأن دول الخليج الصغيرة توفر مناخا أقل إثارة للمتاعب بالنسبة لعملية توفير قواعد للقوات الأمريكية في الخليج.
خامسا، عدم إغفال أهمية الرأي العام في دول الخليج الأصغر من السعودية، حيث سيعتمد استمرار الوجود العسكري الأمريكي فيها على إقناع شعوبها بأن ذلك الوجود مفيد لدولهم ولا يضر العالمين العربي والإسلامي.
سادسا، مقاومة الإغراء بالقيام بدور بريطانيا، حينما كانت تلك الدول محميات بريطانية، بالتدخل المباشر في النزاعات المحلية داخل الأسر الحاكمة.
محمد ماضي - واشنطن
قال الرئيس نيكسن لضيفه السعودي: "إننا مهتمون بالعمل لضمان أن تستمر العلاقات الأمريكية السعودية كما كانت دائما، علاقات صداقة تنمو وتُـصبح أكثر قوة في المستقبل".
ورد الملك فيصل قائلا، "إننا نشاطركم ذلك الأمل، ليس فقط باعتبار أن تقوية الصداقة بيننا تصب في مصلحتنا المشتركة، وإنما لأن ذلك يخدم مصالح دول وشعوب أخرى أيضا".
ولكن العلاقات السعودية الأمريكية، التي حافظت على مستوى من الاستقرار والثبات على مدى أكثر من 60 عاما، اهتزت اهتزازا عنيفا في أعقاب كشف النقاب عن أن 15 من بين 19 شخصا ممن نفذوا هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ضد الولايات المتحدة، كانوا شبابا سعوديين، مما تسبب كما يقول الدكتور مأمون فندي، أستاذ الإعلام بجامعة جورجتاون، في تغلغل موجة من المشاعر المعادية للسعودية في أوساط الأمريكيين.
ومع تزايد حدة هذه الحملة والملاحقات الأمنية الأمريكية للسعوديين، والتدقيق في كل ما له علاقة بالسعوديين في الولايات المتحدة، والحملات الإعلامية الأمريكية التي استهدفت النظام السعودي والمذهب الوهابي، بل والإسلام ككل، اجتاحت أوساط الرأي العام السعودي موجة من المشاعر المعادية للولايات المتحدة، وتململ داخل الأسرة المالكة السعودية من الموقف الأمريكي المتربص، تلته حملة صحفية سعودية لانتقاد المواقف والسياسات الأمريكية، خاصة ما عُـرف بالحملة الأمريكية ضد الإرهاب في العالم، والتي وصفتها وسائل الإعلام السعودية بأنها كانت الغطاء الذي تسترت وراءه قوى الصهيونية لاستهداف المملكة والعلاقات مع الولايات المتحدة، وسرعان ما أدرك الجانبان وجود مشكلة في العلاقات، ليس على الصعيد الاستراتيجي فحسب، وإنما على صعيد النخبة والرأي العام في البلدين.
وبإلقاء نظرة على استطلاعات الرأي العام في أعقاب 11 سبتمبر 2001، نجد أن 58% من الأمريكيين لا يكنون المودة للسعودية بعد أن كانت 56% في يناير2001، وعندما أجرت مؤسسة "غالوب" لأبحاث الرأي العام استطلاعا لم يسبق له مثيل في المملكة العربية السعودية في أوائل عام 2002، تبين أن نسبة 64% من السعوديين لا يكنون المودة للولايات المتحدة.
زواج المصالح وطلاق السياسات
وكشفت تصريحات المسؤولين الأمريكيين السابقين عن شعور عميق بالتناقض القائم في العلاقات السعودية الأمريكية بين تحقيق المصالح وخدمة الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، مقابل توفير الأمن والاستقرار للنظام السعودي، وبين توجهات السياستين السعودية والأمريكية، والتباين الصارخ في منظومة القيم والمبادئ التي يؤمن بها كل جانب.
وعن هذا الشعور يقول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر، "فيما يتعلق بالنظام السعودي، نحن نتعامل مع حكومة لا تتسم بالكمال كما نفعل مع حكومات أخرى كثيرة في العالم، ولكن لابد للولايات المتحدة من الوصول إلى احتياطات البترول في منطقة الخليج. لذلك، فليس بوسع الولايات المتحدة أن تتخلى عن مساندة النظام السعودي الذي يمكننا من تحقيق ذلك الهدف الذي يصب في المصلحة القومية لأمريكا".
أما الجنرال برنت سكوكروفت، المستشار السابق لشؤون الأمن القومي في عهد الرئيس بوش الأب، فأقر بأنه، بالإضافة إلى الاعتماد الأمريكي على البترول السعودي، فإن العلاقة الخاصة مع السعودية تسمح للولايات المتحدة بضخ مليارات الدولارات السعودية في الصناعات العسكرية الأمريكية من خلال برنامج بيع صفقات سلاح ضخمة للسعودية، بل وممارسة تأثير تلك العلاقة في قرارات سعودية، مثل شراء طائرات "بوينغ" الأمريكية، بدلا من "الإير باص" الأوروبية.
ولذلك، يقول الجنرال سكوكروفت، "رغم أن النظام السعودي ليس نظاما يتماشى مع المبادئ الأمريكية، ورغم وجود اختلافات ثقافية هائلة، فإنه يتطور بشكل بطيء، والدولة السعودية تمر بمرحلة انتقال من العصور الوسطى إلى التحديث والمعاصرة، ولكن يجب ألا يكون ذلك مبعث قلقنا، خاصة في الظروف الحالية".
وعندما وقعت التفجيرات الإرهابية في الرياض، واستهدفت المصالح الأمريكية في المملكة ممثلة في شركة "فينيل" التي تتولى تقديم الخدمات الأساسية، التي يحتاج إليها الحرس الوطني السعودي، عادت هواجس القلق بالنسبة لمستقبل العلاقات الأمريكية السعودية تحت المجهر من جديد وبشكل مكثف.
فقد صدرت اتهامات أمريكية للسعودية بأنها لم تبذل الجهد الكافي تحسبا لوقوع تلك الهجمات، رغم تحذير السفير الأمريكي في السعودية للمسؤولين من احتمال شن ذلك الهجوم. وانبرى الدبلوماسيون السعوديون في واشنطن للدفاع عن جهود بلادهم لمكافحة الإرهاب، فقال السيد عادل جبير، المستشار السياسي لولي العهد السعودي، إنه مع تسليم السعوديين بأنهم أخفقوا في منع الهجوم الإرهابي في الرياض، فإن السلطات السعودية ستعمل كل ما من شأنه عدم السماح بتكراره، وستتعاون بشكل كامل مع الولايات المتحدة لملاحقة منفذي الهجوم الإرهابي.
وطالب رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، السناتور بات روبرتس، السعوديين بأن يتفهموا ضرورة التعاون المطلق هذه المرة وقال، إن الكيفية التي سيتعاونون بها هي اختبار لهم.
وسألت سويس انفو السفير إدوارد ووكر، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، عن تأثير تفجيرات الرياض على العلاقات السعودية الأمريكية فقال، "لقد استهدف الهجوم المصالح الأمريكية في السعودية، وكذلك ولي العهد السعودي، لأن الحرس الوطني هو نتاج فكره ومجهوده، والهدف الذي يسعى إليه تنظيم القاعدة من البداية، هو إزالة الوجود الأمريكي في السعودية، وأيضا تغيير نظام الحكم وإحلال نظام إسلامي أصولي على غرار نظام حكم طالبان السابق في أفغانستان، وهو ما لا يسانده معظم السعوديين. وبالتالي، فإن تفجيرات الرياض يجب أن تكون حافزا للجانبين، السعودي والأمريكي، لزيادة التعاون بينهما لاجتثاث حفنة الإرهابيين من مخابئهم في المملكة".
أما السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية ريتشارد ميرفي، فيرى أن العلاقات السعودية الأمريكية وصلت إلى مستوى من النُّـضج سمح للطرفين بالاتفاق على سحب القوات الأمريكية من الأراضي السعودية تحقيقا لمصلحة الطرفين. غير أن بعض خبراء شؤون الشرق الأوسط في واشنطن نظروا إلى ذلك الاتفاق على أنه يعني المزيد من التردي في العلاقات بين الجانبين، وعلى أنه يمثل انتصارا لمسعى بن لادن إخراج القوات الأمريكية من الأراضي المقدسة باعتبارهم صليبيين يستنزفون ثروة شبه الجزيرة العربية ويملون إرادتهم على حكامها ويستضعفون شعوبها.
نقطة التحول في العلاقات السعودية الأمريكية
ويري الدكتور جريجوري جوز، أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة فيرمونت، أن الوجود العسكري الأمريكي في السعودية لم يعد قابلا للاستمرار، سواء بالنسبة للنظام السعودي أو النظام السياسي الأمريكي بعد هجمات سبتمبر الإرهابية، خاصة بعد رفض السعودية التعاون علنا مع الولايات المتحدة في الحشد العسكري الذي سبق شن الحرب على العراق. وأصبح يتعين على واشنطن الاعتماد على دول الخليج الصغيرة في توفير البنية التحتية للوجود العسكري الأمريكي في الخليج. ومع الوجود الأمريكي في العراق، تستعيد الولايات المتحدة الدور الذي لعبته بريطانيا في الخليج ما بين عامي 1920 و1958.
ويقول الدكتور جوز، إن العلاقات السعودية الأمريكية يجب أن ترتكز الآن على خدمة المصالح المشتركة للجانبين مع إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في قواعد عسكرية سعودية. ويضيف أن رحيل تلك القوات سيفيد في تخفيف الضغط الشعبي السعودي، وسيضفي على العلاقات الأمريكية السعودية مناخا طبيعيا ينطوي على علاقات التعاون، ولو من مسافة أبعد، في عدد من المجالات الهامة بالنسبة للمصالح الأمريكية مثل السياسات البترولية والاستقرار الإقليمي ودور المملكة السعودية في العالم الإسلامي، وخاصة فيما يتعلق بنزع الشرعية عن تفسير بن لادن للإسلام.
وخلص الدكتور جريجوري جوز إلى أن الوضع في العراق بعد الحرب قد خلق أسسا جديدة للسياسة الأمريكية إزاء دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية، هي:
أولا، العودة إلى علاقة أمنية مع السعودية تحمل سمات ما قبل حرب تحرير الكويت، ويعني ذلك التقارب والتعاون، لكن بدون نشر قوات أمريكية فيها.
ثانيا، تجنب الوقوع في إغراء النظر إلى السعودية كعدو بعد علاقة صداقة دامت عشرات السنين واستفادت منها الولايات المتحدة في قضايا الطاقة ثم في الحرب ضد الإرهاب.
ثالثا، تشجيع الإصلاح النابع من داخل المملكة العربية السعودية دون جعل ذلك الإصلاح حجر الزاوية في العلاقات السعودية الأمريكية والابتعاد عن الخوض في القضايا المشحونة بالمشاعر، مثل حقوق المرأة والنظام التعليمي في السعودية.
رابعا، الإقرار بأن دول الخليج الصغيرة توفر مناخا أقل إثارة للمتاعب بالنسبة لعملية توفير قواعد للقوات الأمريكية في الخليج.
خامسا، عدم إغفال أهمية الرأي العام في دول الخليج الأصغر من السعودية، حيث سيعتمد استمرار الوجود العسكري الأمريكي فيها على إقناع شعوبها بأن ذلك الوجود مفيد لدولهم ولا يضر العالمين العربي والإسلامي.
سادسا، مقاومة الإغراء بالقيام بدور بريطانيا، حينما كانت تلك الدول محميات بريطانية، بالتدخل المباشر في النزاعات المحلية داخل الأسر الحاكمة.
محمد ماضي - واشنطن