نابليون الثالث ودروس للشعوب
مرسل: الاثنين يوليو 01, 2013 9:40 pm
نابليون الثالث ودروس للشعوب
د. محمد عبد الستار البدري *
لقد ظلت البشرية على مدار آلاف السنين لا تعرف وسيلة للانتقال السلمي للسلطة إلا من خلال الوراثة وبدرجات أقل الانقلاب أو الاحتلال، وحتى وسيلة الوراثة كانت تعتريها في مناسبات كثيرة صدامات داخل الأسرة الواحدة حتى يسيطر جناح أو فرد من الأسرة ويحسم الأمر لصالحه، غالبا من خلال الإطاحة برؤوس أفراد من عائلته، ولكن هذه التركة قد تكون في مناسبات أخرى عبئا على صاحبها، والأمثلة التاريخية عديدة للتدليل على هذه الحالات.
ولعل من أبرز هذه النماذج سيرة «لووي نابليون»، والمعروف باسم «نابليون الثالث» إمبراطور فرنسا من 1852 - 1870، فالرجل كان ابن أخي نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا العظيم من أخيه جوزيف، إلا أنه لم يمتلك قدراته العسكرية أو السياسية، ولكنه كان مدفوعا بالطموح السياسي الجارف، فانتظر حتى آلت إليه عمادة أسرة بونابرت، فتحرك على الفور صوب محاولة انقلاب عسكري في «ستراسبورغ» ولكنه فشل فأعاد الكرة مرة أخرى في فرنسا في «بولوني» ولكنه فشل أيضا وفي هذه المرة ألقي القبض عليه وسجن لسنوات عديدة إلى أن هرب وعاش في بريطانيا، ولكنه عاد لبلاده مرة أخرى بمساعدة بريطانية وفرنسية في 1848 بعد أن اندلعت الثورة في البلاد ووضع نفسه على اعتباره المخلص السياسي لفرنسا فغازل أغلبية القوى الفرنسية والتي ضجت من الأوضاع المتردية في البلاد والحكم الملكي وبدأت تتطلع لشخصية تعيد لفرنسا مجدها وقيمتها الثقافية مرة أخرى فلم يكن هناك أفضل من هذا الرجل لتولي هذه المهمة لأنه ابن أخي بطل ومعبود فرنسا فرأى الشعب فيه امتدادا لعمه، ولكنه لم ير فيه ضعفه المقارن.
أصبح لووي نابليون عضوا في البرلمان الجديد ثم رشح نفسه لرئاسة الجمهورية ونجح بفضل دعم طبقة العمال والكنيسة وأبناء الشعب المتطلعين لمستقبل أفضل لفرنسا، ولكن طموح الرجل كان أكبر من ذلك فسرعان ما دبر انقلابا سياسيا سلميا وديمقراطيا على حد سواء، ففي صراعه مع البرلمان والذي كانت فيه أغلبية ملكية قدم الرجل بعض تشريعات ليبرالية وعندما رفضت اتخذ الرفض ذريعة لحل البرلمان أعقبه عقد استفتاء حصل فيه على قرابة 90% من الأصوات ليخول لنفسه حق وضع الدستور والذي منحه سلطات واسعة لا تقل عن أي ملك، وفي 1852 وبموافقة الشعب أيضا توج نفسه إمبراطورا على فرنسا في ذكرى انتصار عمه في معركة «أوسترلتز» الشهيرة على النمسا.
لقد كانت السنوات الأولى لحكمه سنوات رغد وإنجازات، فسرعان ما وضع خططا لتطوير الصناعات في البلاد وشجع الاستثمار ونظم الضرائب ووضع خطة لتنمية اقتصادية واسعة النطاق، وينسب له أنه وضع البعد الجمالي لمدينة باريس وأعاد بناءها بشكل حضاري وراق، كذلك كان مشروعه الثقافي عظيما حيث شجع الفنون بأشكالها ورفع القيمة الفرنسية على المستوى الدولي في هذا الإطار؛ ولكنه انحرف على مسار السياسة الداخلية، فاتبع سياسة انكماشية في مجال الحريات، فبدأت بالرقابة على الصحف والكتب تدرجيا ثم تحولت إلى رقابة لصيقة على المعارضين السياسيين إلى أن أصبح نظاما ديكتاتوريا بكل ما تعنيه الكلمة، فضجت السجون بالمعارضين والرقابة على التجمعات والفكر والإعلام والرأي.
ونظرا لأن نابليون الثالث وضع شرعيته في إعادة إحياء الحلم البونابرتي، فقد سعى لسياسة خارجية عنيفة وقوية ولكنها لم تكن تتناسب والقدرات الفرنسية بطبيعة الحال، فكانت سببا أساسيا في سقوطه ومعه الجمهورية الثانية التي مثلها، فقد سعى الرجل لسياسة إمبريالية عنيفة ضم من خلالها الجزائر لفرنسا ثم توسع في الاستعمار في الهند الصينية ثم أدخل بلاده في حرب القرم مع روسيا لرفع البرستيج الفرنسي على المستوى الدولي وهي الحرب التي وضعت ضغوطا على الخزانة الفرنسية وراح ضحيتها قرابة 75 ألف جندي فرنسي في معارك لا ناقة لفرنسا فيها ولا جمل، وكانت مغامرته الأخرى هي محاولة مد نفوذ بلاده إلى أميركا من خلال إرسال جيش فرنسي لدعم شخصية نمساوية تدعى «ماكسيمليان» والذي توجه ملكا على المكسيك، وبمجرد أن استفاقت الولايات المتحدة من حربها الأهلية عملت جاهدة على تطبيق «مبدأ مونرو» الشهير لتقليص النفوذ الأجنبي من القارة الأميركية، فانهزمت القوات الفرنسية هناك وقتل الثوار المكسيكيون ماكسيمليان.
وفي بداية عام 1860 بدأت الآثار السلبية للحكم الفردي الممزوج بسياسة خارجية لا تتناسب وإمكانات الدولة تظهر، فبدأت المعارضة الداخلية تدرك أنها أعطت صوتها لديكتاتور بديلا عن ديكتاتور آخر، وأن الإنجازات المختلفة لم تكن لتكفي لاستمرار الرجل، ولكن نهاية الرجل السياسية جاءت إثر فشل في السياسة الخارجية بعد أن تقلصت شعبيته بسبب سياساته السلطوية. وفي خطوة نمطية تلجأ بعض الديكتاتوريات إلى نفس النهج الذي اتبعه نابليون في حربه مع بروسيا الصاعدة كوسيلة لجمع شمل الكلمة الفرنسية وإعادة هيبته بانتصار قوي ليعضد شرعيته المتآكلة، وفي سعيه لصيد الثعلب الألماني «بسمارك» صاده الأخير صيدا سهلا باستدراجه لحرب معتمدا على قوته، فلم يدرك الرجل أن الآلة العسكرية الألمانية كانت أقوى من آلته فكانت الهزيمة النكراء لفرنسا في معركة «سيدان» الشهيرة والتي أُسر فيها نابليون الثالث، وهو ما فتح المجال أمام نجاح الانقلاب الذي أطاح بحكمه في الداخل، وفي يوم واحد أسر نابليون الثالث وخلع من إمبراطوريته وانهار حلمه ومعه الجمهورية الفرنسية الثانية، كما احتلت بلاده وفرض عليها أن تدفع تعويضات وصلت لمليار دولار ناهيك عن عدد القتلى والدمار بسبب مغامرته الأخيرة.
حقيقة الأمر أن سيرة نابليون الثالث تمثل درسا هاما للشعوب أكثر منها للديكتاتوريات أو أنصاف الديمقراطيين المتطلعين للسلطة المطلقة، واعتقادي أن أهم هذه الدروس هي:
أولا: أن اختيار الشخصية الحاكمة لارتباطها باسم تاريخي هي أكبر خطيئة يمكن أن يقع فيها شعب عند اختياره لقياداته، فالحقيقة الثابتة أن نابليون الثالث تميز بقدرات سياسية لا يمكن إنكارها خاصة التخطيط السياسي واستخدام اسم عمه لاجتذاب الشرعية وانتزاع الحكم المطلق، ولكن هذه التركة المعنوية وضعت عليه ثقلا عظيما وجعلته يلهث ومعه الشعب الفرنسي لتحقيقها من خلال سياسة خارجية لا تتوازن والقدرات الداخلية للشعب أو الدولة الفرنسية، فانهارت الدولة في إحدى هذه المغامرات وانكسر الحلم على الواقع المر، فالاسم تركة قد تكون سلبية وليس بالضرورة إيجابية.
ثانيا: أن الوسيلة الديمقراطية لاختيار القيادات ليست بالضرورة ضمانا لاستمرار الديمقراطية في المجتمعات، ومثال نابليون الثالث أكبر دليل على خطورة استخدام الديمقراطية كوسيلة لوطأة السلطة للإبقاء عليها بلا رجعة، فالديمقراطية عملية ديناميكية لا تنام بإعطاء الشرعية لشخص وتركه بلا رقابة، ومن ثم أهمية الدساتير لتشمل القيود والحدود لفترات الحكم، فالديمقراطية ليست ضمانا في حد ذاتها والتاريخ مليء بهذه الأمثلة، فيوليوس قيصر أصبح بالديمقراطية ديكتاتورا، وهتلر انتخبه الشعب الألماني ليصبح ديكتاتورا والأمثلة متعددة.
ثالثا: لقد أثبت التاريخ أن مغامرات السياسة الخارجية يمكن أن تطيح بالديكتاتوريات تماما مثل الفساد والاستبداد في الداخل، وهنا تدفع الشعوب ثمنا غاليا من أبنائها وأموالها بل وأراضيها وكبريائها، فتكون نهاية الظالم طابورا طويلا من الضحايا ودمارا لبلاده، وبكل أسف فإن التاريخ عبرة ولكنها لا تمثل لقاحا للشعوب يقيها مخاطر مغامرات السياسة الخارجية لديكتاتورييها، فقديما قال كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي الشهير «إن الحرب أمر هام لا يمكن تركه للجنرالات وحدهم» ولكنها المقولة التي يجب تعديلها لتصبح «إن الحرب أمر هام لا يمكن تركه للقرار الفردي لنفر أو مؤسسة فردية».
* كاتب مصري
د. محمد عبد الستار البدري *
لقد ظلت البشرية على مدار آلاف السنين لا تعرف وسيلة للانتقال السلمي للسلطة إلا من خلال الوراثة وبدرجات أقل الانقلاب أو الاحتلال، وحتى وسيلة الوراثة كانت تعتريها في مناسبات كثيرة صدامات داخل الأسرة الواحدة حتى يسيطر جناح أو فرد من الأسرة ويحسم الأمر لصالحه، غالبا من خلال الإطاحة برؤوس أفراد من عائلته، ولكن هذه التركة قد تكون في مناسبات أخرى عبئا على صاحبها، والأمثلة التاريخية عديدة للتدليل على هذه الحالات.
ولعل من أبرز هذه النماذج سيرة «لووي نابليون»، والمعروف باسم «نابليون الثالث» إمبراطور فرنسا من 1852 - 1870، فالرجل كان ابن أخي نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا العظيم من أخيه جوزيف، إلا أنه لم يمتلك قدراته العسكرية أو السياسية، ولكنه كان مدفوعا بالطموح السياسي الجارف، فانتظر حتى آلت إليه عمادة أسرة بونابرت، فتحرك على الفور صوب محاولة انقلاب عسكري في «ستراسبورغ» ولكنه فشل فأعاد الكرة مرة أخرى في فرنسا في «بولوني» ولكنه فشل أيضا وفي هذه المرة ألقي القبض عليه وسجن لسنوات عديدة إلى أن هرب وعاش في بريطانيا، ولكنه عاد لبلاده مرة أخرى بمساعدة بريطانية وفرنسية في 1848 بعد أن اندلعت الثورة في البلاد ووضع نفسه على اعتباره المخلص السياسي لفرنسا فغازل أغلبية القوى الفرنسية والتي ضجت من الأوضاع المتردية في البلاد والحكم الملكي وبدأت تتطلع لشخصية تعيد لفرنسا مجدها وقيمتها الثقافية مرة أخرى فلم يكن هناك أفضل من هذا الرجل لتولي هذه المهمة لأنه ابن أخي بطل ومعبود فرنسا فرأى الشعب فيه امتدادا لعمه، ولكنه لم ير فيه ضعفه المقارن.
أصبح لووي نابليون عضوا في البرلمان الجديد ثم رشح نفسه لرئاسة الجمهورية ونجح بفضل دعم طبقة العمال والكنيسة وأبناء الشعب المتطلعين لمستقبل أفضل لفرنسا، ولكن طموح الرجل كان أكبر من ذلك فسرعان ما دبر انقلابا سياسيا سلميا وديمقراطيا على حد سواء، ففي صراعه مع البرلمان والذي كانت فيه أغلبية ملكية قدم الرجل بعض تشريعات ليبرالية وعندما رفضت اتخذ الرفض ذريعة لحل البرلمان أعقبه عقد استفتاء حصل فيه على قرابة 90% من الأصوات ليخول لنفسه حق وضع الدستور والذي منحه سلطات واسعة لا تقل عن أي ملك، وفي 1852 وبموافقة الشعب أيضا توج نفسه إمبراطورا على فرنسا في ذكرى انتصار عمه في معركة «أوسترلتز» الشهيرة على النمسا.
لقد كانت السنوات الأولى لحكمه سنوات رغد وإنجازات، فسرعان ما وضع خططا لتطوير الصناعات في البلاد وشجع الاستثمار ونظم الضرائب ووضع خطة لتنمية اقتصادية واسعة النطاق، وينسب له أنه وضع البعد الجمالي لمدينة باريس وأعاد بناءها بشكل حضاري وراق، كذلك كان مشروعه الثقافي عظيما حيث شجع الفنون بأشكالها ورفع القيمة الفرنسية على المستوى الدولي في هذا الإطار؛ ولكنه انحرف على مسار السياسة الداخلية، فاتبع سياسة انكماشية في مجال الحريات، فبدأت بالرقابة على الصحف والكتب تدرجيا ثم تحولت إلى رقابة لصيقة على المعارضين السياسيين إلى أن أصبح نظاما ديكتاتوريا بكل ما تعنيه الكلمة، فضجت السجون بالمعارضين والرقابة على التجمعات والفكر والإعلام والرأي.
ونظرا لأن نابليون الثالث وضع شرعيته في إعادة إحياء الحلم البونابرتي، فقد سعى لسياسة خارجية عنيفة وقوية ولكنها لم تكن تتناسب والقدرات الفرنسية بطبيعة الحال، فكانت سببا أساسيا في سقوطه ومعه الجمهورية الثانية التي مثلها، فقد سعى الرجل لسياسة إمبريالية عنيفة ضم من خلالها الجزائر لفرنسا ثم توسع في الاستعمار في الهند الصينية ثم أدخل بلاده في حرب القرم مع روسيا لرفع البرستيج الفرنسي على المستوى الدولي وهي الحرب التي وضعت ضغوطا على الخزانة الفرنسية وراح ضحيتها قرابة 75 ألف جندي فرنسي في معارك لا ناقة لفرنسا فيها ولا جمل، وكانت مغامرته الأخرى هي محاولة مد نفوذ بلاده إلى أميركا من خلال إرسال جيش فرنسي لدعم شخصية نمساوية تدعى «ماكسيمليان» والذي توجه ملكا على المكسيك، وبمجرد أن استفاقت الولايات المتحدة من حربها الأهلية عملت جاهدة على تطبيق «مبدأ مونرو» الشهير لتقليص النفوذ الأجنبي من القارة الأميركية، فانهزمت القوات الفرنسية هناك وقتل الثوار المكسيكيون ماكسيمليان.
وفي بداية عام 1860 بدأت الآثار السلبية للحكم الفردي الممزوج بسياسة خارجية لا تتناسب وإمكانات الدولة تظهر، فبدأت المعارضة الداخلية تدرك أنها أعطت صوتها لديكتاتور بديلا عن ديكتاتور آخر، وأن الإنجازات المختلفة لم تكن لتكفي لاستمرار الرجل، ولكن نهاية الرجل السياسية جاءت إثر فشل في السياسة الخارجية بعد أن تقلصت شعبيته بسبب سياساته السلطوية. وفي خطوة نمطية تلجأ بعض الديكتاتوريات إلى نفس النهج الذي اتبعه نابليون في حربه مع بروسيا الصاعدة كوسيلة لجمع شمل الكلمة الفرنسية وإعادة هيبته بانتصار قوي ليعضد شرعيته المتآكلة، وفي سعيه لصيد الثعلب الألماني «بسمارك» صاده الأخير صيدا سهلا باستدراجه لحرب معتمدا على قوته، فلم يدرك الرجل أن الآلة العسكرية الألمانية كانت أقوى من آلته فكانت الهزيمة النكراء لفرنسا في معركة «سيدان» الشهيرة والتي أُسر فيها نابليون الثالث، وهو ما فتح المجال أمام نجاح الانقلاب الذي أطاح بحكمه في الداخل، وفي يوم واحد أسر نابليون الثالث وخلع من إمبراطوريته وانهار حلمه ومعه الجمهورية الفرنسية الثانية، كما احتلت بلاده وفرض عليها أن تدفع تعويضات وصلت لمليار دولار ناهيك عن عدد القتلى والدمار بسبب مغامرته الأخيرة.
حقيقة الأمر أن سيرة نابليون الثالث تمثل درسا هاما للشعوب أكثر منها للديكتاتوريات أو أنصاف الديمقراطيين المتطلعين للسلطة المطلقة، واعتقادي أن أهم هذه الدروس هي:
أولا: أن اختيار الشخصية الحاكمة لارتباطها باسم تاريخي هي أكبر خطيئة يمكن أن يقع فيها شعب عند اختياره لقياداته، فالحقيقة الثابتة أن نابليون الثالث تميز بقدرات سياسية لا يمكن إنكارها خاصة التخطيط السياسي واستخدام اسم عمه لاجتذاب الشرعية وانتزاع الحكم المطلق، ولكن هذه التركة المعنوية وضعت عليه ثقلا عظيما وجعلته يلهث ومعه الشعب الفرنسي لتحقيقها من خلال سياسة خارجية لا تتوازن والقدرات الداخلية للشعب أو الدولة الفرنسية، فانهارت الدولة في إحدى هذه المغامرات وانكسر الحلم على الواقع المر، فالاسم تركة قد تكون سلبية وليس بالضرورة إيجابية.
ثانيا: أن الوسيلة الديمقراطية لاختيار القيادات ليست بالضرورة ضمانا لاستمرار الديمقراطية في المجتمعات، ومثال نابليون الثالث أكبر دليل على خطورة استخدام الديمقراطية كوسيلة لوطأة السلطة للإبقاء عليها بلا رجعة، فالديمقراطية عملية ديناميكية لا تنام بإعطاء الشرعية لشخص وتركه بلا رقابة، ومن ثم أهمية الدساتير لتشمل القيود والحدود لفترات الحكم، فالديمقراطية ليست ضمانا في حد ذاتها والتاريخ مليء بهذه الأمثلة، فيوليوس قيصر أصبح بالديمقراطية ديكتاتورا، وهتلر انتخبه الشعب الألماني ليصبح ديكتاتورا والأمثلة متعددة.
ثالثا: لقد أثبت التاريخ أن مغامرات السياسة الخارجية يمكن أن تطيح بالديكتاتوريات تماما مثل الفساد والاستبداد في الداخل، وهنا تدفع الشعوب ثمنا غاليا من أبنائها وأموالها بل وأراضيها وكبريائها، فتكون نهاية الظالم طابورا طويلا من الضحايا ودمارا لبلاده، وبكل أسف فإن التاريخ عبرة ولكنها لا تمثل لقاحا للشعوب يقيها مخاطر مغامرات السياسة الخارجية لديكتاتورييها، فقديما قال كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي الشهير «إن الحرب أمر هام لا يمكن تركه للجنرالات وحدهم» ولكنها المقولة التي يجب تعديلها لتصبح «إن الحرب أمر هام لا يمكن تركه للقرار الفردي لنفر أو مؤسسة فردية».
* كاتب مصري