مستقبل القوة الناعمة القطرية
مرسل: الثلاثاء يوليو 02, 2013 4:10 pm
فتح الانتقال السلس والاستثنائي للسلطة في قطر الباب واسعا أمام عدد من الأسئلة من بينها ما يتعلق بمستقبل القوة الناعمة القطرية التي تمت مراكمتها في عهد صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وإلى أين ستتجه في عهد الأمير الشاب الجديد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وعما إذا كانت ستتراجع أم ستكتسب زخما جديدا مع وصوله إلى الحكم.
تختلف مصادر القوة الناعمة بين دولة وأخرى تبعا للمعطيات المتعلقة بالسياسة والنظام السياسي أو السياسة الخارجية أو النموذج الاقتصادي أو المعطيات الثقافية، وفيما يتعلق بقطر تعد السياسة الخارجية القطرية مصدرا أساسياً من مصادر القوة الناعمة للبلاد، لاسيما على صعيد المبادرات التي طالت عددا كبيرا من البلدان بينها فلسطين ولبنان والسودان وسوريا وإريتريا وإثيوبيا والصومال واليمن وجيبوتي وأفغانستان وغيرها من البلدان، ناهيك عن الوساطات التي قامت بها الدوحة تجاه عدد كبير من الدول وبين عدد كبير من اللاعبين إلى جانب دبلوماسية المؤتمرات التي دشنتها خلال العقد الماضي، ونجاحها خلال المرحلة السابقة في نسج علاقات مع بلدان ولاعبين بتوجهات مختلفة، وفي كثير من الأحيان متضاربة ومتناقضة.
وبغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها هذه المبادرات والوساطات، وعدد كبير منها حقق النتائج المرجوة منه فيما لم تصمد الأخرى في وجه المتغيرات الداخلية والخارجية، إلا أن مجرد اتخاذ زمام المبادرة والمضي قدماً فيها كان خطوة تحسب لقطر في ظل الفراغ الإقليمي الذي تعاني منه المنطقة، وهو الأمر الذي جعل دورها الذي يتخطى حجمها مثار جدل كبير، لكنه أكد في المقابل على وجود دولة فاعلة في الإقليم، وهو التصور الذي تعزز مع اندلاع الثورات العربية والدور الكبير الذي لعبته قطر في دعم هذه الثورات.
العنصر الثاني هو العنصر الإعلامي الذي يمكن إدراجه في هذه الحالة ضمن العنصر الثقافي، فقد بنت قطر معظم قوتها الناعمة عند تأسيس قناة الجزيرة، وقد كانت تلك المبادرة مبادرة فريدة من نوعها على مستوى العالم العربي والإسلامي، وضع قطر بقوة على الخارطة العالمية وكسر القواعد التقليدية لمفهوم الإعلام والتغطية الإعلامية والسبق مع تركيزها على الجانب الشعبي، والذي أكسبها أنصارا كثرا في العالم العربي، وسمح لها بتوسيع دائرة تأثيرها ونفوذها مستندة إلى تأييد شعبي كبير في العالم العربي والإسلامي، قبل أن تصبح الملفات الإقليمية أكثر تعقيدا مع تشابكها وتناقضها دون أن ينزل ذلك قطر عن عرش الإعلام العربي والإسلامي، لا بل إن المبادرة اتسعت مع انتقالها إلى الجانب الإنجليزي وانتقل معها مجال النفوذ والتأثير إلى فضاءات أوسع على الصعيد الشعبي.
أما من الناحية الاقتصادية، وإن كنت لست من مؤيدي وجهة النظر التي تعتبر اتساع استثمارات الخارج، ولاسيما الصناديق السيادية عنصراً من عناصر توليد القوة الناعمة من ناحية إعطاء نموذج اقتصادي ناجح طالما أنه لم يتحول إلى إنتاج محلي تنتقل الخبرة والتكنولوجيا من خلاله ليتم توطينها، لكن ذلك لا ينفي في جميع الأحوال أن هذه الاستثمارات الخارجية تصنع اسم وسمعة البلاد في الخارج خاصة عندما ترتبط بقطاعات مهمة. الجانب الأهم هنا هو استخدام قدرات قطر المالية في دعم مبادراتها سواء الإنسانية أو السياسية أو الاقتصادية، وهو ما يشير إلى فعالية في متابعة المبادرات بما يلزمها من أدوات لإنجاحها.
العنصر الجديد الذي تم إضافته الآن إلى معادلة القوة الناعمة القطرية معززا إياها هو النموذج السياسي الذي قدمه صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عندما تنازل بملء إرادته وهو في أوج عطائه ونجاحه في نظام حكم وراثي لصالح ولي العهد ليفسح المجال بهذه الخطوة الاستثنائية أمام انتقال سلس ومنظم للسلطة في البلاد، خاصة أنه جاء بناءً على تخطيط مسبق مترافقا مع تنظيم مشهود.
فقد تم إعداد الأمير تميم لتولي هذا المنصب منذ العام 2003، أما قرار التسليم، فهناك من يشير إلى أنه تم اتخاذه في العام 2010، كما أن التشكيلة التي وضعها الأمير تميم لقيادة البلاد تشير إلى هذين العنصرين بشكل أساسي آخذا بعين الاعتبار بمعطى «إحلال الأجيال» ومراعيا الانتقال التدريجي أيضاً في المهام والوظائف بشكل لا يؤثر على السياسة العامة للبلاد ولا يحدث صدمة في إدارتها وبدا ذلك واضحا من خلال التغيير الذي حصل في رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية.
لا شك أن قطر عملت بشكل حثيث خلال العقد الماضي على صناعة صورتها الخارجية وعلى صياغة «براندينج» لها، ولا شك أن مجرد وجود فراغ إقليمي تركه غياب إرادة وعمل القوى العربية الكبرى لا يكفي حتى تبرز قطر بشكل آلي، فقد أثبتت الدوحة أن الأمر يتعلق بالمبادرات والمجازفات المحسوبة التي يتم اتخاذها في ظل الفراغ الإقليمي.
كما أن قوتها الناعمة اكتسبت زخما جديدا مع الانتقال السلس للسلطة اليوم، وهو الأمر الذي لا شك وأنه سيترك تأثيره لاحقا على البيئة السياسية والاجتماعية المشابهة لقطر في المنطقة واضعا المزيد من الضغوط المتزايدة على شكل ومفهوم ودور الأنظمة السياسية المشابهة لنظامها.
لا يزال هناك مجال كبير لقطر لتعزيز قوتها الناعمة إقليميا ودولياً أكثر فأكثر، وإحدى وسائل تعزيز القوة الناعمة هو إدراك حدودها والكيفية التي تعمل بها لاستغلالها على أفضل وجه.
كما من الضروري إعطاء أهمية للصياغة المفاهيمية الفكرية والمصطلحية للرؤى العامة والاستراتيجيات والسياسيات المحددة للدولة لاسيما في مجال السياسة الخارجية للبلاد، فالمتابع لمصادر القوة الناعمة القطرية على الصعيد الدبلوماسي يستطيع أن يرى أنها كانت سباقة مثلا مقارنة بدول أخرى كتركيا، لكن الأخيرة كانت أنجح في مرحلة من المراحل في الصياغات المفاهيمية والفكرية في تعريف سياساتها الخارجية كسياسة «تصفير النزاعات» و «العمق الاستراتيجي» و «الدبلوماسية النشطة»، كما من المهم الحرص دوما على توسيع دائرة المناورات الممكنة في المواقف في ظل التحسب لأي تحولات غير منظورة حاليا على قاعدة المكاسب والخسائر الممكنة.
علي حسين باكير
تختلف مصادر القوة الناعمة بين دولة وأخرى تبعا للمعطيات المتعلقة بالسياسة والنظام السياسي أو السياسة الخارجية أو النموذج الاقتصادي أو المعطيات الثقافية، وفيما يتعلق بقطر تعد السياسة الخارجية القطرية مصدرا أساسياً من مصادر القوة الناعمة للبلاد، لاسيما على صعيد المبادرات التي طالت عددا كبيرا من البلدان بينها فلسطين ولبنان والسودان وسوريا وإريتريا وإثيوبيا والصومال واليمن وجيبوتي وأفغانستان وغيرها من البلدان، ناهيك عن الوساطات التي قامت بها الدوحة تجاه عدد كبير من الدول وبين عدد كبير من اللاعبين إلى جانب دبلوماسية المؤتمرات التي دشنتها خلال العقد الماضي، ونجاحها خلال المرحلة السابقة في نسج علاقات مع بلدان ولاعبين بتوجهات مختلفة، وفي كثير من الأحيان متضاربة ومتناقضة.
وبغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها هذه المبادرات والوساطات، وعدد كبير منها حقق النتائج المرجوة منه فيما لم تصمد الأخرى في وجه المتغيرات الداخلية والخارجية، إلا أن مجرد اتخاذ زمام المبادرة والمضي قدماً فيها كان خطوة تحسب لقطر في ظل الفراغ الإقليمي الذي تعاني منه المنطقة، وهو الأمر الذي جعل دورها الذي يتخطى حجمها مثار جدل كبير، لكنه أكد في المقابل على وجود دولة فاعلة في الإقليم، وهو التصور الذي تعزز مع اندلاع الثورات العربية والدور الكبير الذي لعبته قطر في دعم هذه الثورات.
العنصر الثاني هو العنصر الإعلامي الذي يمكن إدراجه في هذه الحالة ضمن العنصر الثقافي، فقد بنت قطر معظم قوتها الناعمة عند تأسيس قناة الجزيرة، وقد كانت تلك المبادرة مبادرة فريدة من نوعها على مستوى العالم العربي والإسلامي، وضع قطر بقوة على الخارطة العالمية وكسر القواعد التقليدية لمفهوم الإعلام والتغطية الإعلامية والسبق مع تركيزها على الجانب الشعبي، والذي أكسبها أنصارا كثرا في العالم العربي، وسمح لها بتوسيع دائرة تأثيرها ونفوذها مستندة إلى تأييد شعبي كبير في العالم العربي والإسلامي، قبل أن تصبح الملفات الإقليمية أكثر تعقيدا مع تشابكها وتناقضها دون أن ينزل ذلك قطر عن عرش الإعلام العربي والإسلامي، لا بل إن المبادرة اتسعت مع انتقالها إلى الجانب الإنجليزي وانتقل معها مجال النفوذ والتأثير إلى فضاءات أوسع على الصعيد الشعبي.
أما من الناحية الاقتصادية، وإن كنت لست من مؤيدي وجهة النظر التي تعتبر اتساع استثمارات الخارج، ولاسيما الصناديق السيادية عنصراً من عناصر توليد القوة الناعمة من ناحية إعطاء نموذج اقتصادي ناجح طالما أنه لم يتحول إلى إنتاج محلي تنتقل الخبرة والتكنولوجيا من خلاله ليتم توطينها، لكن ذلك لا ينفي في جميع الأحوال أن هذه الاستثمارات الخارجية تصنع اسم وسمعة البلاد في الخارج خاصة عندما ترتبط بقطاعات مهمة. الجانب الأهم هنا هو استخدام قدرات قطر المالية في دعم مبادراتها سواء الإنسانية أو السياسية أو الاقتصادية، وهو ما يشير إلى فعالية في متابعة المبادرات بما يلزمها من أدوات لإنجاحها.
العنصر الجديد الذي تم إضافته الآن إلى معادلة القوة الناعمة القطرية معززا إياها هو النموذج السياسي الذي قدمه صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عندما تنازل بملء إرادته وهو في أوج عطائه ونجاحه في نظام حكم وراثي لصالح ولي العهد ليفسح المجال بهذه الخطوة الاستثنائية أمام انتقال سلس ومنظم للسلطة في البلاد، خاصة أنه جاء بناءً على تخطيط مسبق مترافقا مع تنظيم مشهود.
فقد تم إعداد الأمير تميم لتولي هذا المنصب منذ العام 2003، أما قرار التسليم، فهناك من يشير إلى أنه تم اتخاذه في العام 2010، كما أن التشكيلة التي وضعها الأمير تميم لقيادة البلاد تشير إلى هذين العنصرين بشكل أساسي آخذا بعين الاعتبار بمعطى «إحلال الأجيال» ومراعيا الانتقال التدريجي أيضاً في المهام والوظائف بشكل لا يؤثر على السياسة العامة للبلاد ولا يحدث صدمة في إدارتها وبدا ذلك واضحا من خلال التغيير الذي حصل في رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية.
لا شك أن قطر عملت بشكل حثيث خلال العقد الماضي على صناعة صورتها الخارجية وعلى صياغة «براندينج» لها، ولا شك أن مجرد وجود فراغ إقليمي تركه غياب إرادة وعمل القوى العربية الكبرى لا يكفي حتى تبرز قطر بشكل آلي، فقد أثبتت الدوحة أن الأمر يتعلق بالمبادرات والمجازفات المحسوبة التي يتم اتخاذها في ظل الفراغ الإقليمي.
كما أن قوتها الناعمة اكتسبت زخما جديدا مع الانتقال السلس للسلطة اليوم، وهو الأمر الذي لا شك وأنه سيترك تأثيره لاحقا على البيئة السياسية والاجتماعية المشابهة لقطر في المنطقة واضعا المزيد من الضغوط المتزايدة على شكل ومفهوم ودور الأنظمة السياسية المشابهة لنظامها.
لا يزال هناك مجال كبير لقطر لتعزيز قوتها الناعمة إقليميا ودولياً أكثر فأكثر، وإحدى وسائل تعزيز القوة الناعمة هو إدراك حدودها والكيفية التي تعمل بها لاستغلالها على أفضل وجه.
كما من الضروري إعطاء أهمية للصياغة المفاهيمية الفكرية والمصطلحية للرؤى العامة والاستراتيجيات والسياسيات المحددة للدولة لاسيما في مجال السياسة الخارجية للبلاد، فالمتابع لمصادر القوة الناعمة القطرية على الصعيد الدبلوماسي يستطيع أن يرى أنها كانت سباقة مثلا مقارنة بدول أخرى كتركيا، لكن الأخيرة كانت أنجح في مرحلة من المراحل في الصياغات المفاهيمية والفكرية في تعريف سياساتها الخارجية كسياسة «تصفير النزاعات» و «العمق الاستراتيجي» و «الدبلوماسية النشطة»، كما من المهم الحرص دوما على توسيع دائرة المناورات الممكنة في المواقف في ظل التحسب لأي تحولات غير منظورة حاليا على قاعدة المكاسب والخسائر الممكنة.
علي حسين باكير