العرب وأزمة الهوية
مرسل: الخميس يوليو 04, 2013 2:52 pm
العرب ازمة الهوية و المواطنة
تتبعت في التلفزة الجزائرية حصة من عدة حلقات عن المنفيين الجزائريين في* كاليدونيا الجديدة و بوراي*
وهم أحفاد جزائريين ثاروا ضد الاستعمارالفرنسي في القرن19 وبدأت فرنسا نفيهم منذ1870 حتى اوائل العشرينيات من القرن الماضي ، بعد ثورات قاموا بها ضدها .غالبيتهم بدون عائلاتهم فكان أن تزوجوا من السكان الأصليين *الكايان* او من *الأخوات البيض* وقد وصلت بشاعة سلطات الاستعمار إلى فصل أولادهم عنهم وإعطائهم أسماء غربية وتنشئتهم تنشئة غربية.
لكن رغم هذا ورغم مرور أجيال لم ينسى هؤلاء أصولهم وصار هاجسا لهم البحث عن جذور هويتهم بعد ان أصبح جلهم فاعلين في مجتمعاتهم ووصل بعضهم الى مناصب سامية وبمساعدة الحصة وتحقيق صحفييها والتي تستحق اوسكارا بكل معنى الكلمة أثمرت جهود بعضهم والتقوا ببني عمومتهم من الجزائريين بعد قرن وأكثر من النفي وكانت فرحة اللقاء أمازيغية جزائرية عربية .فرحة أناس عرفوا ان لهم جذورا وهوية ضاربة في التاريخ يعتزون بها..........
وقفت كثيرا عند ما يدفع هؤلاء للشعور بالخصوصية و التمايز رغم منشاهم الغربي ويكلفون أنفسهم عناء كل ذلك الجهد للبحث عن جذورهم و أصولهم .
كنت في أقاسي جنوب الجزائر إبان عدوان تموز الإسرائيلي على لبنان و تلك المنطقة يقطنها الطوارق الرجال الزرق وهم امازيغ سمر يكاد معظمهم لا يتكلم العربية وقفت بسيارتي عند استراحة مقهى في الطريق و كان بجانبي جماعة منهم يتحدثون ما بينهم. وقتها لعزلتي لم أكن اعرف ما وقع من أحداث فدار الحديث بينهم .عن شجاعة حزب الله و الدعاء بنصرته وعن تقاعس حكامنا عن قضايا العرب و تمنوا لو أنهم هناك يشاركون إخوانهم في لبنان القتال .
وقفت على ما يجعل أولئك يحسون بادراك أنهم جزء من هذه الأمة رغم خصوصيتهم و انعزالهم.
إنها الهوية و التي يعرفها ابن خلدون "بالطبيعة الخصوصية للشيء"و التي تميز بين البشر داخل هاته الطبيعة المشتركة بالعرق و لون البشرة بالإضافة الى ((تراكم الفعل التاريخي)) الذي يحدد العلاقة بالمحيط الاجتماعي كالمنشأ والعادات و الأنماط الثقافية و الممارسات والعلاقات و الموروث الديني و اللغوي وو ......
تساءلت عن الهوية العربية وعن الهزة التي أصابتها في مجتمعاتنا العربية و التي نلمسها في الفتور المتزايد و الانقسام اتجاه قضايانا المصيرية و الخيبة والإحباط إلى درجة صرنا عاملا خارج التاريخ و الكتابة في موضوع شائك وحساس كهذا مهما كان مستوى ثقافة الشخص يصعب استيعابه على اي مثقف ولكني ارتأيت أن أدلي برأي كعربي يؤلمه حال أمته في زمن صار فيه بثقافة كامب دافيد الاستسلام و التفريط في الحقوق اعتدالا وعقلانية و التمسك بالحقوق والرفض تطرفا لا فضيلة وكأنه لا مفر إلا الاستسلام لهذا الواقع المخزي. فهل انطفأت جذوة الاحتجاج في هاته الأمة و صارت المبادئ تقتلع من الوجدان والهوية في سوق بلا مزاد واستعذبنا المسكنة ولم تعد هناك ذرة من خجل تستر عورتنا وصرنا نعهر أسمى التضحيات بدعوى الواقعية و العقلانية و الاستسلام لواقع فرض علينا.
وكأن ذلك هو العقلاني والواقعي في زمن اليوم .فحقيقة كما يقول هيغل* كل ما هو واقعي عقلاني* والعكس كذلك لكن هل العقلانية في خضوع امة من 300 مليون.
وهل العقلانية او الواقعية في تعدد المصطلحات في ان نتكيف مع الواقع الذي فرض علينا و بالتالي الانسلاخ عن التاريخ تحت واقع الجغرافيا .وكيف يكذب الآخرون في حق ليس لهم ويصدقون أنفسهم ويسعون إلى إقرار كذبهم بكل الوسائل و تشكيل وعي انساني وصنع هوية على هذا الأساس ونشكك نحن في حق لنا حتى التفريط فيه و نتنكر للأرض و التاريخ ونسعى لتكييف هويتنا لتقبل ذلك. ونسمي هذا عقلاني؟؟."فالظاهر في اننا حددنا الواقعية في ان نكون اسرى لواقع بدل ان نحارب لتغييره مثل كل الامم".
في احدى التعريفات لمفهوم الهوية الذي يستعصى حتى اليوم عن التحديد قال فلاسفة غربيون"إنها الجزء الذي يبقى في الروح عندما يلغى كل شيء".بمعنى الوعي الذي يبقى في وجدان الإنسان دائما ليشعره دوما بالرابط مع من يماثلهم في الخصوصية والأنساق التي تحدثنا فيها آنفا. و هذا الوعي هو حصيلة الخصوصية الطبيعية للأفراد في مجتمع زائد التراكم التاريخي الذي يرتبط بثقافة هذا المجتمع و الروابط التي تجمع مكونات هذا المجتمع لتحركه*مثل المحرك الذي لا يتحرك لأرسطو* ليدفع بعجلة التاريخ ويوجهها نحو المستقبل فهي شيء قابل للتطوير مع تطور المنجزات ثقافيا و اجتماعيا وسياسيا و اقتصاديا. اي يمكننا ان نقول ان الهوية تكون حسب تقسيم أي مجتمع أنساني و الأسس التي تجمعه تبدأ مثلا من الأسرة فالعشيرة والقبيلة فالجهة فالإقليم فالوطن والأمة فالإنسانية و ما يجمعها ارتباطا بالأرض و التاريخ و التوجهات العامة.
ونحن العرب كشعوب عريقة لم يكن أبدا مشروع الهوية بإشكال عندنا حتى بالنسبة للأقليات الغير عربية التي تعيش في وسطنا العربي لان المقومات التي تجمع هاته الشعوب أكثر مما يفرقها " فبرغم وجود خصوصيات إلا أن ذلك التراكم التاريخي جعلها نتيجة اقرب للتماثل و الترابط داخل وحدة التاريخ و المصير " فلا هي بمشروع راهن أو مستقبلي لأنها موجودة قبلا ولا تحتاج لسؤال أو تعديل. لكن مثل كل شيء فصلناها عن الحياة وعن التاريخ .
أذن أن ما يجب ان نطرحه هو ليس ما هي هويتنا أكثر مما هو "كيف يجب أن تكون هويتنا كيف نجعلها تؤثر على التاريخ" فلكل مرحلة من تاريخ المجتمع هوية تعبر عنها هي استمرارية للهوية الأصلية أي ان الهوية دائما في تطور متجدد.
فمشكلتنا نحن عرب اليوم هو أننا نعاني من التمزق و الضياع و التأثير على ما حولنا بل و التحكم في مصائرنا رغم إننا نعرف من نحن اي نرى بوضوح.
فالهوية هي أذن معطى تاريخي في حالة صيرورة و حركة دائمين، و لذلك فهي عرضة للمراجعة و النقد والتقويم لجعلها أكثر فاعلية في أداء وظائفها الأساسية في توحيد المجتمع و تحديد من ينتسبون إليه و تمييزهم عمن سواهم، فنحن نتفق تماما ً مع برهان غليون في كتابه ( حوارات من عصر الحروبالأهلية-) أنه "... ليس لهوية قيمة في ذاتها أو فيما تخلقه من شعور بالخصوصية، وإنما تنبع قيمتها مما يقدمه الإطار الذي تخلقه من فرص حقيقية للتقدم و توسيع هامش المبادرة التاريخية للشعوب والجماعات التي تنطوي تحت شعارها".
وهذا هو لب المشكل فهويتنا كقيمة رغم ثرائها لم تقدم بسبب الممارسات الخاطئة ولم تعطى أي فرصة للتقدم.
و بقيت أسئلة المثقفين النهضوية إبان القرنين الماضيين بلا إجابة بسبب عراقيل كبرى من حكم العثمانيين إلى الاستعمار الذي حاول طمسها بكل الوسائل إلى حكم الأنظمة المستبدة الشمولية و ظلت الطابوهات تحكم الهوية وتقيدها إلى درجة صارت عبئا على الشعوب .
نعم لقد مرت هويتنا العربية بهزات كثيرة من محاولات المستعمر طمسها إلى الأنظمة الأحادية التي فرضت دمجا قصريا في كل المجالات وتفكيك مؤسسات المجتمع المدني التي هي الثقافة الأساس في صنع الهوية وبحجة الخوف من الآخر كان الشعار "اختيار الطغيان على التهديد الخارجي" ناسين أن الاستبداد هو مدخل الاستعمار وما حدث في العراق اكبر دليل على ذلك فلم تعد أي دولة عربية اليوم بقادرة على الاحتجاج على جريمة ارتكبت بحقها وحق إخوانها لأنها تخاف أن تثير غضب أمريكا فتعزل النظام العميل وتنصب نظاما عميلا جاهزا و صارت احتجاجات الشعوب كزوبعة في فنجان .
لقد اجلنا القانون والعدالة و"""المواطنة""" إلى درجة صرنا نصنف فيها اعداءا "للحداثة" وهذا الوصف ليس تجنيا بل هو واقعي ارتباطا بالممارسة" وفتحنا الباب للتدخل الأجنبي من جديد، تدخل اشد وأنكى أمام مد العولمة و التعدي على الحصوصة التي تكتسح كل المجالات اليوم و التي محصلتها النهائية ذوبان كل الهويات في غائية نهاية التاريخ.
بقينا ندور ونعيش مستهلكين لتراثنا الثقافي في حين سبقتنا أمم كنا نضحك يوما عليها. متناسين أن ضرورة الحياة تدفع دائما إلى الإبداع و التجديد والثقافة هي في نمو دائم لكي تكون حية تتماشى مع الحياة بدل اجترار ماض صنعه السابقون و التغني بمآثره. وأقتبس كلمات مثقف عربي اذ يقول: "ان المشهد الثقافي العربي مخلوق بثقافة الجاهز والسائد ومحاصر بتفاهات الإداري والمالي .يكفي ان ننظر الى جيوش الطلبة و الأساتذة في الجامعات أولئك البعيدين عن رهانات الوطن والمنغلقين بين جدران الجامعة.....يجب ان نقرأ ذاكرتنا الثقافية عربيا من غير أحادية او خلفية إيديولوجية منغلقة لندرك ان العهد العباسي كان أكثر انفتاحا من هذا العهد".
كيف يمكن في ظل ظروف كهذه ان نتحدث عن مستقبل ولننظر إلى حال دولنا سياسة و اقتصادا و ثقافة و مشاريعنا و تكتلاتنا الوحدوية التي ظلت فقط في الندوات و المؤتمرات التي يصرف عليها الملايين. .الكل يهرول نحو الاتحاد الأوروبي الجزائر مصر تونس المغرب.....و افشلوا كل المشاريع الإقليمية( الجامعة العربية واتحاد المغرب العربي) ويسعون إلى شراكات منفردة مع الاتحاد الأوربي و أمريكا والتكتلات الدولية متحدين منطق التاريخ والجغرافيا مفشلين تكتلاتهم .(من المؤسف ان منطق السيادة ينطبق في معايير الخلافات العربية-العربية أكثر منه في الخلافات العربية الأجنبية) والأمثلة كثيرة من المشرق إلى المغرب .دول صغرى تسعى إلى تكبيل نفسها باتفاقيات تجارية وعسكرية مع دول غربية كبرى متجاهلة حتى مصالح جوارها. مواطنون من دول عربية يسعون إلى التدخل الأجنبي في بلدانهم وكان تدخل دولة أجنبية كبرى أهون عليهم من تدخل دولة شقيقة و صار الصديق عدوا و العدو صديقا. ودول عربية كبرى تسعى إلى تكريس التطبيع مع عدوها وعدو الامة اقتصاديا و ثقافيا بعدما رفضته شعوبها ضاربة بعرض الحائط مفهوم المصير المشترك أوحتى عواطف شعبها. ناهيك عن نقص المواطنة وثقافتها التي يلمس في أي قطر عربي وبروز هويات فضفاضة تحت مسميات دينية وطائفية و عرقية صارت تعبث بالهوية الأصلية وتتنكر لها .
فهل صرنا نحن العرب كأمة نعاني من تخبط في الهوية و من نقص في """المواطنة""" حتى تحولت الأقليات الغير عربية عرقيا التي تعيش في وسطنا إلى خنجر مسموم في خاصرتنا و خاصرة هاته الأمة من الكرد شرقا إلى القبط و البربر غربا .
هوياتنا الفضفاضة التي برزت تحت مسميات دينية و قومية و مذهبية وطائفية أدت إلى تصدع الهوية الأصلية الأمر الذي نتج عنه إحساس و خيبة وعدم الانتماء إلى درجة تبرير الخيانة و الالتجاء إلى الأخر لاحتلال شعوبهم رغم انه لا يبرر و لست اقصد بذلك العراقيين فقط بل في كل مكان من الوطن الكبير عرب في الخارج مثلا يستفزون أمريكا و الغرب للضغط على حكوماتهم (في حين لا ينكر دور لتلك الحكومات القمعية في أغلب تلك السياسات) .
ويلاحظ على بعض الجزائريين من جيل الاستقلال الفخر بفرنسا إلى درجة وضع علمها كملصقات على سياراتهم او قمصانهم او شعارات لفرقهم تلك التي كانت تستعبد آبائهم وتنتهك حرمة امهاتهم. و يخجلون من رفع علم بلادهم المتخلفة بل رمي أنفسهم في البحر بحثا عن الفردوس وراء البحر هربا مما يسمونه "قطة التي تأكل" أولادها ناهيك عن شبان في دول عربية كثر يقتحمون حتى رصاص إسرائيل علهم يجدون الفردوس عند العدو"ولا يمكن ان نوصم ذلك بالخيانة أكثر منه يأسا وضيق أفق". وقد نتفق جميعا أن الخدمة العسكرية اليوم صارت مرادفا لعقوبة عند عديد مواطني دولنا العربية لا خدمة للعلم.
فحكامنا دون غيرهم على وجه الأرض يتشبثون بالكرسي حتى الموت و يورثونه لأبنائهم من حكم بالشرعية الثورية وآخر بالشرعية التاريخية و آخر بالشرعية الملكية و آخر بشرعية الانقلاب. تحدثوا عن الديمقراطية فوصلنا إلى دولة او جمهوريات ملكية لا يُحاسَب فيها الحاكم ولا يتغير إلا بفعل انقلاب أو موت، زعماء من طينة مختلفة تماما عن الزعماء الموجودين في العالم.
مانديلا مثلا حكم أربع سنوات حاول كل قادة المؤتمر الوطني الإفريقي وشعبه أن يقنعوه أن يبقى لولاية رئاسية ثانية فرفض. ليعطي مثالا في الزعيم الذي يدرك قيمة أنه البقاء للأمة وليس للأفراد وقيمة أن يهدي جنوب أفريقيا دولة ديمقراطية قائمة على المؤسسات يكون الرئيس فيها موظفا لدى الشعب يستطيع أن يحاسبه البرلمان، مثله فعل بوتن "فهل كان حكامنا أحسن منهم حتى يتشبثوا بالكرسي مدى الحياة وربما يورثوه؟ الكبير غاندي لم يتسلم الحكم من الأساس في هذه الدولة الهندية التي تتقدم بخطى ثابته نحو التقدم ونذكر انها رفضت المساعدات في كارثة "تسونامي" تلك السيئة النية من الولايات المتحدة او الحسنة النية من السويد. لأنها تدرك أنها دولة عظمى بهويتها وشعبها ولو كان دخل الفرد فيها اقل من مصر بكثير و نحن نشاهد اليوم تقدمها الحضاري بسرعة وثبات. لكنها """المواطنة""" و مفهومها لديهم في حين نتقبل نحن الجلد من جلادينا حيث أصبحت فكرة الدولة عندنا ليست **التعبير السياسي عن انتظام مجتمع بل أداة لفئة لقمع مجتمع**.
إننا كعرب نتفرج على مشهد اليم استسلام دون مقابل. أوربا تتوحد رغم اختلافها واختلاف أعراقها وثقافتها ونحن نتفتت بالرغم من وحدة الهوية واللغة و الدين. و ننقسم رغم وضوح عدالة قضايانا. هم يعملون من اجل مستقبل شعوبهم و نحن من اجل شعوب غيرنا قضيتنا الجوهرية فلسطين حولناها من قضية قومية ومرتكزا للهوية. إلى قضية مزايدات. ناسين أن فلسطين هي قضية وجود لا حدود وحولناها من حق مشروع إلى استجداء شرعنة حق داخل حسابات توازنات السياسة الدولية وحصرنا أنفسنا في منطق إنقاذ ما يمكن إنقاذه مع العلم ان ما يمكن إنقاذه دائما مؤجل وفي تناقص.
لقد اختار حكامنا سياسة النعامة أمام التحديات واخترنا كشعوب سياسة الحملان أمام الذئاب. كم هو مؤلم و مخزي واقعنا حيث كل الشعوب و الأمم تتغير وتتجه نحو الأفضل بسرعة مذهلة و نحن نحو الأسوأ بنفس السرعة، الأمم تعمل من اجل مصالحها مما يضمن بقائها وهويتها و نحن مفعول به من اجل مصالح غيرنا. فكيف لا يؤثر كل هذا على هويتنا في زمن صار فيه التسويق لأي شيء سهل .يكفي فقط وجود المتقبل الذي لا يملك الكثير من الخيارات أمام هذا التناقض.
ان الواقع المزري الذي تمر به امتنا و هويتنا يستدعي وقفة حقيقية أمام الذات ودراسة نقدية للأوضاع و محاولة مراجعتها فالممارسة الشمولية جعلت من هويتنا العربية وعيا زائفا و خلقت منها يقينا قسريا أصوليا يعيش كل التناقضات. و بقينا نقتفي آثار خطانا و نجتر في تراثنا بدون سعي إلى تطويره و كل مشاكلنا نسوقها على الأخر حتى صارت عندنا ثقافة.
فبدون أن نعمل حقيقة لكي نكون ندا حضاريا للأخر سنظل بلا شك مفعول به إلى ان يأذن ربك، وأمام هذا علينا أن نضع كل شيء في ميزان نقدي ما الذي صنعناه للحفاظ على هويتنا؟ كيف يمكننا التخلص من الممارسات الخاطئة و ندفع للتفاعل الايجابي للخروج من هاته العطالة التاريخية .
لقد حاول المستعمر طمس هويتنا لكن طبيعتنا الخصوصية جعلت ذلك مستحيلا لكن تلك الطبيعة الخصوصية و جمود تأثيرها وفاعليتها ما يجعلها مهددة اليوم لأنها انفصلت عن تطور التاريخ و صارت عرضة للتأثر به أكثر من التأثير فيه. لقد استفقنا كشعوب بعد الاستعمار على مد القومية "و الذي تميزت به "الدول الوطنية" التي اختلف فيها الممارسة عن الفكر وربطت الهوية بدوغماتية عاكست مبادئها فقد قام هذا الفكر تحت شعار الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية في الثقافة السياسية العربية كقيم لمشروع عربي للتقدم و التحرر لكن هذا الفكر ارتبط بممارسة تسلطية استبدادية تحت شعارات وحدوية وقومية. فكان الاهتمام بالمسائل الأولى دعائيا بل ان الممارسة القمعية للنظم التي تبنته كانت تحارب كل تلك القيم و خاصة قيمة ""المواطنة"" وقد ساد هذا النموذج قبل انكساراته في نكسة67 ثم في نكسة 73. ليقبر بعد غزو العراق للكويت مطلع التسعينات ثم احتلال العراق الذي كشف عن ذلك الخلل الرهيب بين الفكر و الممارسة .
في حين كان نموذج آخر وهو الدولة القطرية خصوصا في الدول الصغيرة و التي تعتبر كيانات مستحدثة او الدول التي لم تشهد حراكا ثوريا و كانت بعيدة نسبيا عن الإستقطابات الإيديولوجية ثم في مصر بعد 73 كتبرير لكامب دافيد. وقد حارب هذا النموذج النموذج الأخر الوحدوي مركزا على تناقضاته معتبرا انه غير واقعي مركزا على الخصوصية القطرية ممارسة إذ كان في معظمه مماليك أو دولا ساد فيها الإقطاع السياسي قبليا كان او نخبويا. اذ كان مشروع الوحدة العربية تهديدا لكينونتها و كان الخلاف البنيوي بين النموذجين عميق جدا. إلى درجة إنني قرأت يوما تحليلا واقعيا لمثقف إسرائيلي عن فشل العرب في حروبهم ضد إسرائيل يقول فيه "كنا متيقنين أن العرب يخافون من عبد الناصر أكثر من خوفهم منا" لان الحقيقة التاريخية تقول أن بقاء تلك النظم مرتبط بعوامل خارجية أكثر منها شرعية داخلية. لكن ما جمع بين النموذجين هو ما عبر عنه *برهان غليون *في كتابه الرائع (بيان من اجل الديمقراطية):"بتعرض الإنسان العربي لأكثر من حكم دكتاتوري لاستعمار داخل الاستعمار استعمار للعقل و الإنسان من قبل نخب معمرة تسيطر على مصائر المجتمع".
لقد فصلت هاته النخب المجتمعات على مقاسها وغلق على الآملين في المواطنة الديمقراطية داخل دوائر دوغماتية مزجت بين الدين والوطنية خدمة لاجندة نظم سياسية."ما ميز التاريخ بالاهمال و النسيان وبترت مراحل من تاريخنا الانساني.
فقد نشأ للاسف تاريخنا الحديث على تأويل متعمد وتزييف خدمة لايديولوجية سلطة او نظام حكم "ايا استمد شرعيته ". وحولوا حلم الدولة الوطنية كمرتكز للهوية العربية إلى الدولة الريعية لتصبح الدولة أداة للسيطرة و الإقطاع و تحول الأوطان إلى مزارع خاصة و تقتل فكرة الوطنية و الوعي بفشلها في كل مشاريعها و خصوصا أمام التحديات الخارجية إسرائيل و الامبريالية الغربية وتوسعها وأمام تحديات التنمية الداخلية بكل أصعدتها.
وهذه الممارسة جعلت من الهوية ثابتا غير قابل للتغيير ولا التأثير بعل التغييب القسري للوعي الاجتماعي و الوطني و القومي أمام تناقض الفكر مع الممارسة و بما ان الفعل يقاس بمدى تأثيره وأمام الجمود لا يمكن للفعل ان يكون مؤثرا أو فاعلا فكما يقول ابن خلدون: "إن قيمة الشيء ليس في ذاته إنما بما فيه من تأثير" اذ لولا العمل لما تحصلت القيمة ".
فالظاهر إن تلك الممارسة حولت مشروع الهوية العربية من مشروع فاعل متجدد و متطور إلى جامد ثابت بلا تأثير او شعارا فضفاضا يدعوا لبناء تهدم أسسه فكانت نكسة الهوية مرادفة للنكسات التنموية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و العسكرية .
فجل ما نجح فيه في تلك المرحلة هو إهدار قيمة المواطنة و بالتالي محاربة قيمة الحرية التي كبلت بالتسلط و الاستبداد و قيمة المسؤولية التي كبلت بالفساد و الريع وهي قيم المواطنة الأساس و التي هي قيمة من قيم الوطنية و التي ترتبط أساسا بالهوية. و أدى ذلك الى تناقض صارخ بين نمط التفكير و التطور الاجتماعي وعدم الاستيعاب الحضاري و العقلاني للمتغيرات حولنا و كيف الفاعلية. اذ أن تطورنا في شتى مجالات الحياة كان تطورا مستوردا و ليس موروثا. فتمزقنا القومي يزداد أمام تدنينا الثقافي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي .
لقد كان لفشل المشروع القومي خصوصا تأثيرا كبيرا على نفسية الشعوب العربية و الهوية العربية فقد تحول هذا المفهوم الذي ألهب مشاعر الشعوب العربية إلى مجرد وهم زائف. فبدل مفهوم تثريه مفاهيم جوهرية كالمواطنة وحقوق الإنسان و المساواة و الحرية كمشروع نهضوي لمحاربة الامبريالية. كانت امبريالية أخرى وفاشية و استبداد رسمت علاقة خضوع بدلا من كونها حركة تحرر و استرداد كرامة. بينما حولت مفهوم الدولة الوطنية إلى الدولة الريعية وليتها كانت مفهوما لدولة بالمعنى الحديث لان مفهوم القبيلة كان أكثر تطورا في الممارسة الديمقراطية بل يصح تسميتها ب "الجمهوريات الملكية". وسيطرة نخبوية على دواليب الدولة البيروقراطية و الاتجاه إلى الصدام العسكري اللا متكافئ بدل إنضاج العوامل الحضارية للنصر و كانت النتيجة خيبة. ف"الدولة العربية اليوم ليس لها أي مقومات بمعنى الدولة الحديثة. وهي نقيض للدولة و نقيض للوجود وجود الأمة" (برهان غليون-الدولة ضد الأمة)
و أمام هاته التحديات الراهنة و المستقبلية. اخطر ما تعرضت له هويتنا من قبل هو محاولة الطمس من قبل المستعمر ثم جمودها و استغراقها في ماضويتها وفرض ذلك باسم الأصالة و الأصولية داخل دوغماتية شمولية محددة تلغي المسؤولية عن المواطن وتلغي وجوده و تأثيره و بالتالي وعيه. سواء من قبل القوميين او ما سموهم بالأنظمة الرجعية. ما نتج عنه اليوم إحباط و خيبة أمام مشاريع عاكست ممارستها مبادئها ما يدفعها الى الميوعة وفقدان الوعي و العقلانية و الضياع في الخضوع او التقليد أمام التطور السريع للتاريخ. وليس لدينا حل الا بمراجعة تاريخية بتنمية القيم الحقيقية للهوية العربية و مراجعتها ممارسة و الدفع بها على أساس تنمية قيم المواطنة الحقيقية المبنية على أسس الحرية و المساواة و العدالة الاجتماعية و الفرصة في المشاركة الحقيقية و الفعالة. بخلق مناخ اجتماعي و سياسي حر مبدع يعطي للأفراد الشعور بالمسؤولية تجاه مجتمعاتها فلا مسؤولية بدون حرية ولا مواطنة بدونهما الاثنين ولا هوية بدون مواطنة .
كما ان التحول الاجتماعي لا أساس له ان لم يبنى على تحول سياسي على أساس ديمقراطي حقيقي للدفع بالحراك على كل المستويات اجتماعيا واقتصاديا و ثقافيا في تنمية إنتاجية إبداعية على جميع الصعد أساسها العقلانية و احترام الاختلاف الذي معناه في مفهوم الدولة الحديثة *إختلاف تنوع لا اختلاف تناقض* داخل نظام معياري متكامل للقيم العامة. والجمع بالمشروع القومي على أساس احترام الخصوصيات و حقها في التطور المتكافل فكرا وقيما للدفع بميراثنا الحضاري العربي وهويتنا لتحقيق التحرر الداخلي الذي هو الانتصار والمعطى الأهم في تحقيق تحررنا الخارجي و الإجابة على سؤال الهوية .
فإلى متى سنظل نقتفي آثار خطانا و لا نمل و نكرر نفس الأخطاء و لا نتعلم يكفي ان نقيس أنفسنا بالآخرين و ننظر إلى أنفسنا في المرآة و نحن لا نزال كل عام في أعيادنا الوطنية نتجمع لنستعرض جيوشا بأسلحة صنعها غيرنا و نأكل خبزا من قمح غيرنا فالويل لنا من أمة
تتبعت في التلفزة الجزائرية حصة من عدة حلقات عن المنفيين الجزائريين في* كاليدونيا الجديدة و بوراي*
وهم أحفاد جزائريين ثاروا ضد الاستعمارالفرنسي في القرن19 وبدأت فرنسا نفيهم منذ1870 حتى اوائل العشرينيات من القرن الماضي ، بعد ثورات قاموا بها ضدها .غالبيتهم بدون عائلاتهم فكان أن تزوجوا من السكان الأصليين *الكايان* او من *الأخوات البيض* وقد وصلت بشاعة سلطات الاستعمار إلى فصل أولادهم عنهم وإعطائهم أسماء غربية وتنشئتهم تنشئة غربية.
لكن رغم هذا ورغم مرور أجيال لم ينسى هؤلاء أصولهم وصار هاجسا لهم البحث عن جذور هويتهم بعد ان أصبح جلهم فاعلين في مجتمعاتهم ووصل بعضهم الى مناصب سامية وبمساعدة الحصة وتحقيق صحفييها والتي تستحق اوسكارا بكل معنى الكلمة أثمرت جهود بعضهم والتقوا ببني عمومتهم من الجزائريين بعد قرن وأكثر من النفي وكانت فرحة اللقاء أمازيغية جزائرية عربية .فرحة أناس عرفوا ان لهم جذورا وهوية ضاربة في التاريخ يعتزون بها..........
وقفت كثيرا عند ما يدفع هؤلاء للشعور بالخصوصية و التمايز رغم منشاهم الغربي ويكلفون أنفسهم عناء كل ذلك الجهد للبحث عن جذورهم و أصولهم .
كنت في أقاسي جنوب الجزائر إبان عدوان تموز الإسرائيلي على لبنان و تلك المنطقة يقطنها الطوارق الرجال الزرق وهم امازيغ سمر يكاد معظمهم لا يتكلم العربية وقفت بسيارتي عند استراحة مقهى في الطريق و كان بجانبي جماعة منهم يتحدثون ما بينهم. وقتها لعزلتي لم أكن اعرف ما وقع من أحداث فدار الحديث بينهم .عن شجاعة حزب الله و الدعاء بنصرته وعن تقاعس حكامنا عن قضايا العرب و تمنوا لو أنهم هناك يشاركون إخوانهم في لبنان القتال .
وقفت على ما يجعل أولئك يحسون بادراك أنهم جزء من هذه الأمة رغم خصوصيتهم و انعزالهم.
إنها الهوية و التي يعرفها ابن خلدون "بالطبيعة الخصوصية للشيء"و التي تميز بين البشر داخل هاته الطبيعة المشتركة بالعرق و لون البشرة بالإضافة الى ((تراكم الفعل التاريخي)) الذي يحدد العلاقة بالمحيط الاجتماعي كالمنشأ والعادات و الأنماط الثقافية و الممارسات والعلاقات و الموروث الديني و اللغوي وو ......
تساءلت عن الهوية العربية وعن الهزة التي أصابتها في مجتمعاتنا العربية و التي نلمسها في الفتور المتزايد و الانقسام اتجاه قضايانا المصيرية و الخيبة والإحباط إلى درجة صرنا عاملا خارج التاريخ و الكتابة في موضوع شائك وحساس كهذا مهما كان مستوى ثقافة الشخص يصعب استيعابه على اي مثقف ولكني ارتأيت أن أدلي برأي كعربي يؤلمه حال أمته في زمن صار فيه بثقافة كامب دافيد الاستسلام و التفريط في الحقوق اعتدالا وعقلانية و التمسك بالحقوق والرفض تطرفا لا فضيلة وكأنه لا مفر إلا الاستسلام لهذا الواقع المخزي. فهل انطفأت جذوة الاحتجاج في هاته الأمة و صارت المبادئ تقتلع من الوجدان والهوية في سوق بلا مزاد واستعذبنا المسكنة ولم تعد هناك ذرة من خجل تستر عورتنا وصرنا نعهر أسمى التضحيات بدعوى الواقعية و العقلانية و الاستسلام لواقع فرض علينا.
وكأن ذلك هو العقلاني والواقعي في زمن اليوم .فحقيقة كما يقول هيغل* كل ما هو واقعي عقلاني* والعكس كذلك لكن هل العقلانية في خضوع امة من 300 مليون.
وهل العقلانية او الواقعية في تعدد المصطلحات في ان نتكيف مع الواقع الذي فرض علينا و بالتالي الانسلاخ عن التاريخ تحت واقع الجغرافيا .وكيف يكذب الآخرون في حق ليس لهم ويصدقون أنفسهم ويسعون إلى إقرار كذبهم بكل الوسائل و تشكيل وعي انساني وصنع هوية على هذا الأساس ونشكك نحن في حق لنا حتى التفريط فيه و نتنكر للأرض و التاريخ ونسعى لتكييف هويتنا لتقبل ذلك. ونسمي هذا عقلاني؟؟."فالظاهر في اننا حددنا الواقعية في ان نكون اسرى لواقع بدل ان نحارب لتغييره مثل كل الامم".
في احدى التعريفات لمفهوم الهوية الذي يستعصى حتى اليوم عن التحديد قال فلاسفة غربيون"إنها الجزء الذي يبقى في الروح عندما يلغى كل شيء".بمعنى الوعي الذي يبقى في وجدان الإنسان دائما ليشعره دوما بالرابط مع من يماثلهم في الخصوصية والأنساق التي تحدثنا فيها آنفا. و هذا الوعي هو حصيلة الخصوصية الطبيعية للأفراد في مجتمع زائد التراكم التاريخي الذي يرتبط بثقافة هذا المجتمع و الروابط التي تجمع مكونات هذا المجتمع لتحركه*مثل المحرك الذي لا يتحرك لأرسطو* ليدفع بعجلة التاريخ ويوجهها نحو المستقبل فهي شيء قابل للتطوير مع تطور المنجزات ثقافيا و اجتماعيا وسياسيا و اقتصاديا. اي يمكننا ان نقول ان الهوية تكون حسب تقسيم أي مجتمع أنساني و الأسس التي تجمعه تبدأ مثلا من الأسرة فالعشيرة والقبيلة فالجهة فالإقليم فالوطن والأمة فالإنسانية و ما يجمعها ارتباطا بالأرض و التاريخ و التوجهات العامة.
ونحن العرب كشعوب عريقة لم يكن أبدا مشروع الهوية بإشكال عندنا حتى بالنسبة للأقليات الغير عربية التي تعيش في وسطنا العربي لان المقومات التي تجمع هاته الشعوب أكثر مما يفرقها " فبرغم وجود خصوصيات إلا أن ذلك التراكم التاريخي جعلها نتيجة اقرب للتماثل و الترابط داخل وحدة التاريخ و المصير " فلا هي بمشروع راهن أو مستقبلي لأنها موجودة قبلا ولا تحتاج لسؤال أو تعديل. لكن مثل كل شيء فصلناها عن الحياة وعن التاريخ .
أذن أن ما يجب ان نطرحه هو ليس ما هي هويتنا أكثر مما هو "كيف يجب أن تكون هويتنا كيف نجعلها تؤثر على التاريخ" فلكل مرحلة من تاريخ المجتمع هوية تعبر عنها هي استمرارية للهوية الأصلية أي ان الهوية دائما في تطور متجدد.
فمشكلتنا نحن عرب اليوم هو أننا نعاني من التمزق و الضياع و التأثير على ما حولنا بل و التحكم في مصائرنا رغم إننا نعرف من نحن اي نرى بوضوح.
فالهوية هي أذن معطى تاريخي في حالة صيرورة و حركة دائمين، و لذلك فهي عرضة للمراجعة و النقد والتقويم لجعلها أكثر فاعلية في أداء وظائفها الأساسية في توحيد المجتمع و تحديد من ينتسبون إليه و تمييزهم عمن سواهم، فنحن نتفق تماما ً مع برهان غليون في كتابه ( حوارات من عصر الحروبالأهلية-) أنه "... ليس لهوية قيمة في ذاتها أو فيما تخلقه من شعور بالخصوصية، وإنما تنبع قيمتها مما يقدمه الإطار الذي تخلقه من فرص حقيقية للتقدم و توسيع هامش المبادرة التاريخية للشعوب والجماعات التي تنطوي تحت شعارها".
وهذا هو لب المشكل فهويتنا كقيمة رغم ثرائها لم تقدم بسبب الممارسات الخاطئة ولم تعطى أي فرصة للتقدم.
و بقيت أسئلة المثقفين النهضوية إبان القرنين الماضيين بلا إجابة بسبب عراقيل كبرى من حكم العثمانيين إلى الاستعمار الذي حاول طمسها بكل الوسائل إلى حكم الأنظمة المستبدة الشمولية و ظلت الطابوهات تحكم الهوية وتقيدها إلى درجة صارت عبئا على الشعوب .
نعم لقد مرت هويتنا العربية بهزات كثيرة من محاولات المستعمر طمسها إلى الأنظمة الأحادية التي فرضت دمجا قصريا في كل المجالات وتفكيك مؤسسات المجتمع المدني التي هي الثقافة الأساس في صنع الهوية وبحجة الخوف من الآخر كان الشعار "اختيار الطغيان على التهديد الخارجي" ناسين أن الاستبداد هو مدخل الاستعمار وما حدث في العراق اكبر دليل على ذلك فلم تعد أي دولة عربية اليوم بقادرة على الاحتجاج على جريمة ارتكبت بحقها وحق إخوانها لأنها تخاف أن تثير غضب أمريكا فتعزل النظام العميل وتنصب نظاما عميلا جاهزا و صارت احتجاجات الشعوب كزوبعة في فنجان .
لقد اجلنا القانون والعدالة و"""المواطنة""" إلى درجة صرنا نصنف فيها اعداءا "للحداثة" وهذا الوصف ليس تجنيا بل هو واقعي ارتباطا بالممارسة" وفتحنا الباب للتدخل الأجنبي من جديد، تدخل اشد وأنكى أمام مد العولمة و التعدي على الحصوصة التي تكتسح كل المجالات اليوم و التي محصلتها النهائية ذوبان كل الهويات في غائية نهاية التاريخ.
بقينا ندور ونعيش مستهلكين لتراثنا الثقافي في حين سبقتنا أمم كنا نضحك يوما عليها. متناسين أن ضرورة الحياة تدفع دائما إلى الإبداع و التجديد والثقافة هي في نمو دائم لكي تكون حية تتماشى مع الحياة بدل اجترار ماض صنعه السابقون و التغني بمآثره. وأقتبس كلمات مثقف عربي اذ يقول: "ان المشهد الثقافي العربي مخلوق بثقافة الجاهز والسائد ومحاصر بتفاهات الإداري والمالي .يكفي ان ننظر الى جيوش الطلبة و الأساتذة في الجامعات أولئك البعيدين عن رهانات الوطن والمنغلقين بين جدران الجامعة.....يجب ان نقرأ ذاكرتنا الثقافية عربيا من غير أحادية او خلفية إيديولوجية منغلقة لندرك ان العهد العباسي كان أكثر انفتاحا من هذا العهد".
كيف يمكن في ظل ظروف كهذه ان نتحدث عن مستقبل ولننظر إلى حال دولنا سياسة و اقتصادا و ثقافة و مشاريعنا و تكتلاتنا الوحدوية التي ظلت فقط في الندوات و المؤتمرات التي يصرف عليها الملايين. .الكل يهرول نحو الاتحاد الأوروبي الجزائر مصر تونس المغرب.....و افشلوا كل المشاريع الإقليمية( الجامعة العربية واتحاد المغرب العربي) ويسعون إلى شراكات منفردة مع الاتحاد الأوربي و أمريكا والتكتلات الدولية متحدين منطق التاريخ والجغرافيا مفشلين تكتلاتهم .(من المؤسف ان منطق السيادة ينطبق في معايير الخلافات العربية-العربية أكثر منه في الخلافات العربية الأجنبية) والأمثلة كثيرة من المشرق إلى المغرب .دول صغرى تسعى إلى تكبيل نفسها باتفاقيات تجارية وعسكرية مع دول غربية كبرى متجاهلة حتى مصالح جوارها. مواطنون من دول عربية يسعون إلى التدخل الأجنبي في بلدانهم وكان تدخل دولة أجنبية كبرى أهون عليهم من تدخل دولة شقيقة و صار الصديق عدوا و العدو صديقا. ودول عربية كبرى تسعى إلى تكريس التطبيع مع عدوها وعدو الامة اقتصاديا و ثقافيا بعدما رفضته شعوبها ضاربة بعرض الحائط مفهوم المصير المشترك أوحتى عواطف شعبها. ناهيك عن نقص المواطنة وثقافتها التي يلمس في أي قطر عربي وبروز هويات فضفاضة تحت مسميات دينية وطائفية و عرقية صارت تعبث بالهوية الأصلية وتتنكر لها .
فهل صرنا نحن العرب كأمة نعاني من تخبط في الهوية و من نقص في """المواطنة""" حتى تحولت الأقليات الغير عربية عرقيا التي تعيش في وسطنا إلى خنجر مسموم في خاصرتنا و خاصرة هاته الأمة من الكرد شرقا إلى القبط و البربر غربا .
هوياتنا الفضفاضة التي برزت تحت مسميات دينية و قومية و مذهبية وطائفية أدت إلى تصدع الهوية الأصلية الأمر الذي نتج عنه إحساس و خيبة وعدم الانتماء إلى درجة تبرير الخيانة و الالتجاء إلى الأخر لاحتلال شعوبهم رغم انه لا يبرر و لست اقصد بذلك العراقيين فقط بل في كل مكان من الوطن الكبير عرب في الخارج مثلا يستفزون أمريكا و الغرب للضغط على حكوماتهم (في حين لا ينكر دور لتلك الحكومات القمعية في أغلب تلك السياسات) .
ويلاحظ على بعض الجزائريين من جيل الاستقلال الفخر بفرنسا إلى درجة وضع علمها كملصقات على سياراتهم او قمصانهم او شعارات لفرقهم تلك التي كانت تستعبد آبائهم وتنتهك حرمة امهاتهم. و يخجلون من رفع علم بلادهم المتخلفة بل رمي أنفسهم في البحر بحثا عن الفردوس وراء البحر هربا مما يسمونه "قطة التي تأكل" أولادها ناهيك عن شبان في دول عربية كثر يقتحمون حتى رصاص إسرائيل علهم يجدون الفردوس عند العدو"ولا يمكن ان نوصم ذلك بالخيانة أكثر منه يأسا وضيق أفق". وقد نتفق جميعا أن الخدمة العسكرية اليوم صارت مرادفا لعقوبة عند عديد مواطني دولنا العربية لا خدمة للعلم.
فحكامنا دون غيرهم على وجه الأرض يتشبثون بالكرسي حتى الموت و يورثونه لأبنائهم من حكم بالشرعية الثورية وآخر بالشرعية التاريخية و آخر بالشرعية الملكية و آخر بشرعية الانقلاب. تحدثوا عن الديمقراطية فوصلنا إلى دولة او جمهوريات ملكية لا يُحاسَب فيها الحاكم ولا يتغير إلا بفعل انقلاب أو موت، زعماء من طينة مختلفة تماما عن الزعماء الموجودين في العالم.
مانديلا مثلا حكم أربع سنوات حاول كل قادة المؤتمر الوطني الإفريقي وشعبه أن يقنعوه أن يبقى لولاية رئاسية ثانية فرفض. ليعطي مثالا في الزعيم الذي يدرك قيمة أنه البقاء للأمة وليس للأفراد وقيمة أن يهدي جنوب أفريقيا دولة ديمقراطية قائمة على المؤسسات يكون الرئيس فيها موظفا لدى الشعب يستطيع أن يحاسبه البرلمان، مثله فعل بوتن "فهل كان حكامنا أحسن منهم حتى يتشبثوا بالكرسي مدى الحياة وربما يورثوه؟ الكبير غاندي لم يتسلم الحكم من الأساس في هذه الدولة الهندية التي تتقدم بخطى ثابته نحو التقدم ونذكر انها رفضت المساعدات في كارثة "تسونامي" تلك السيئة النية من الولايات المتحدة او الحسنة النية من السويد. لأنها تدرك أنها دولة عظمى بهويتها وشعبها ولو كان دخل الفرد فيها اقل من مصر بكثير و نحن نشاهد اليوم تقدمها الحضاري بسرعة وثبات. لكنها """المواطنة""" و مفهومها لديهم في حين نتقبل نحن الجلد من جلادينا حيث أصبحت فكرة الدولة عندنا ليست **التعبير السياسي عن انتظام مجتمع بل أداة لفئة لقمع مجتمع**.
إننا كعرب نتفرج على مشهد اليم استسلام دون مقابل. أوربا تتوحد رغم اختلافها واختلاف أعراقها وثقافتها ونحن نتفتت بالرغم من وحدة الهوية واللغة و الدين. و ننقسم رغم وضوح عدالة قضايانا. هم يعملون من اجل مستقبل شعوبهم و نحن من اجل شعوب غيرنا قضيتنا الجوهرية فلسطين حولناها من قضية قومية ومرتكزا للهوية. إلى قضية مزايدات. ناسين أن فلسطين هي قضية وجود لا حدود وحولناها من حق مشروع إلى استجداء شرعنة حق داخل حسابات توازنات السياسة الدولية وحصرنا أنفسنا في منطق إنقاذ ما يمكن إنقاذه مع العلم ان ما يمكن إنقاذه دائما مؤجل وفي تناقص.
لقد اختار حكامنا سياسة النعامة أمام التحديات واخترنا كشعوب سياسة الحملان أمام الذئاب. كم هو مؤلم و مخزي واقعنا حيث كل الشعوب و الأمم تتغير وتتجه نحو الأفضل بسرعة مذهلة و نحن نحو الأسوأ بنفس السرعة، الأمم تعمل من اجل مصالحها مما يضمن بقائها وهويتها و نحن مفعول به من اجل مصالح غيرنا. فكيف لا يؤثر كل هذا على هويتنا في زمن صار فيه التسويق لأي شيء سهل .يكفي فقط وجود المتقبل الذي لا يملك الكثير من الخيارات أمام هذا التناقض.
ان الواقع المزري الذي تمر به امتنا و هويتنا يستدعي وقفة حقيقية أمام الذات ودراسة نقدية للأوضاع و محاولة مراجعتها فالممارسة الشمولية جعلت من هويتنا العربية وعيا زائفا و خلقت منها يقينا قسريا أصوليا يعيش كل التناقضات. و بقينا نقتفي آثار خطانا و نجتر في تراثنا بدون سعي إلى تطويره و كل مشاكلنا نسوقها على الأخر حتى صارت عندنا ثقافة.
فبدون أن نعمل حقيقة لكي نكون ندا حضاريا للأخر سنظل بلا شك مفعول به إلى ان يأذن ربك، وأمام هذا علينا أن نضع كل شيء في ميزان نقدي ما الذي صنعناه للحفاظ على هويتنا؟ كيف يمكننا التخلص من الممارسات الخاطئة و ندفع للتفاعل الايجابي للخروج من هاته العطالة التاريخية .
لقد حاول المستعمر طمس هويتنا لكن طبيعتنا الخصوصية جعلت ذلك مستحيلا لكن تلك الطبيعة الخصوصية و جمود تأثيرها وفاعليتها ما يجعلها مهددة اليوم لأنها انفصلت عن تطور التاريخ و صارت عرضة للتأثر به أكثر من التأثير فيه. لقد استفقنا كشعوب بعد الاستعمار على مد القومية "و الذي تميزت به "الدول الوطنية" التي اختلف فيها الممارسة عن الفكر وربطت الهوية بدوغماتية عاكست مبادئها فقد قام هذا الفكر تحت شعار الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية في الثقافة السياسية العربية كقيم لمشروع عربي للتقدم و التحرر لكن هذا الفكر ارتبط بممارسة تسلطية استبدادية تحت شعارات وحدوية وقومية. فكان الاهتمام بالمسائل الأولى دعائيا بل ان الممارسة القمعية للنظم التي تبنته كانت تحارب كل تلك القيم و خاصة قيمة ""المواطنة"" وقد ساد هذا النموذج قبل انكساراته في نكسة67 ثم في نكسة 73. ليقبر بعد غزو العراق للكويت مطلع التسعينات ثم احتلال العراق الذي كشف عن ذلك الخلل الرهيب بين الفكر و الممارسة .
في حين كان نموذج آخر وهو الدولة القطرية خصوصا في الدول الصغيرة و التي تعتبر كيانات مستحدثة او الدول التي لم تشهد حراكا ثوريا و كانت بعيدة نسبيا عن الإستقطابات الإيديولوجية ثم في مصر بعد 73 كتبرير لكامب دافيد. وقد حارب هذا النموذج النموذج الأخر الوحدوي مركزا على تناقضاته معتبرا انه غير واقعي مركزا على الخصوصية القطرية ممارسة إذ كان في معظمه مماليك أو دولا ساد فيها الإقطاع السياسي قبليا كان او نخبويا. اذ كان مشروع الوحدة العربية تهديدا لكينونتها و كان الخلاف البنيوي بين النموذجين عميق جدا. إلى درجة إنني قرأت يوما تحليلا واقعيا لمثقف إسرائيلي عن فشل العرب في حروبهم ضد إسرائيل يقول فيه "كنا متيقنين أن العرب يخافون من عبد الناصر أكثر من خوفهم منا" لان الحقيقة التاريخية تقول أن بقاء تلك النظم مرتبط بعوامل خارجية أكثر منها شرعية داخلية. لكن ما جمع بين النموذجين هو ما عبر عنه *برهان غليون *في كتابه الرائع (بيان من اجل الديمقراطية):"بتعرض الإنسان العربي لأكثر من حكم دكتاتوري لاستعمار داخل الاستعمار استعمار للعقل و الإنسان من قبل نخب معمرة تسيطر على مصائر المجتمع".
لقد فصلت هاته النخب المجتمعات على مقاسها وغلق على الآملين في المواطنة الديمقراطية داخل دوائر دوغماتية مزجت بين الدين والوطنية خدمة لاجندة نظم سياسية."ما ميز التاريخ بالاهمال و النسيان وبترت مراحل من تاريخنا الانساني.
فقد نشأ للاسف تاريخنا الحديث على تأويل متعمد وتزييف خدمة لايديولوجية سلطة او نظام حكم "ايا استمد شرعيته ". وحولوا حلم الدولة الوطنية كمرتكز للهوية العربية إلى الدولة الريعية لتصبح الدولة أداة للسيطرة و الإقطاع و تحول الأوطان إلى مزارع خاصة و تقتل فكرة الوطنية و الوعي بفشلها في كل مشاريعها و خصوصا أمام التحديات الخارجية إسرائيل و الامبريالية الغربية وتوسعها وأمام تحديات التنمية الداخلية بكل أصعدتها.
وهذه الممارسة جعلت من الهوية ثابتا غير قابل للتغيير ولا التأثير بعل التغييب القسري للوعي الاجتماعي و الوطني و القومي أمام تناقض الفكر مع الممارسة و بما ان الفعل يقاس بمدى تأثيره وأمام الجمود لا يمكن للفعل ان يكون مؤثرا أو فاعلا فكما يقول ابن خلدون: "إن قيمة الشيء ليس في ذاته إنما بما فيه من تأثير" اذ لولا العمل لما تحصلت القيمة ".
فالظاهر إن تلك الممارسة حولت مشروع الهوية العربية من مشروع فاعل متجدد و متطور إلى جامد ثابت بلا تأثير او شعارا فضفاضا يدعوا لبناء تهدم أسسه فكانت نكسة الهوية مرادفة للنكسات التنموية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و العسكرية .
فجل ما نجح فيه في تلك المرحلة هو إهدار قيمة المواطنة و بالتالي محاربة قيمة الحرية التي كبلت بالتسلط و الاستبداد و قيمة المسؤولية التي كبلت بالفساد و الريع وهي قيم المواطنة الأساس و التي هي قيمة من قيم الوطنية و التي ترتبط أساسا بالهوية. و أدى ذلك الى تناقض صارخ بين نمط التفكير و التطور الاجتماعي وعدم الاستيعاب الحضاري و العقلاني للمتغيرات حولنا و كيف الفاعلية. اذ أن تطورنا في شتى مجالات الحياة كان تطورا مستوردا و ليس موروثا. فتمزقنا القومي يزداد أمام تدنينا الثقافي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي .
لقد كان لفشل المشروع القومي خصوصا تأثيرا كبيرا على نفسية الشعوب العربية و الهوية العربية فقد تحول هذا المفهوم الذي ألهب مشاعر الشعوب العربية إلى مجرد وهم زائف. فبدل مفهوم تثريه مفاهيم جوهرية كالمواطنة وحقوق الإنسان و المساواة و الحرية كمشروع نهضوي لمحاربة الامبريالية. كانت امبريالية أخرى وفاشية و استبداد رسمت علاقة خضوع بدلا من كونها حركة تحرر و استرداد كرامة. بينما حولت مفهوم الدولة الوطنية إلى الدولة الريعية وليتها كانت مفهوما لدولة بالمعنى الحديث لان مفهوم القبيلة كان أكثر تطورا في الممارسة الديمقراطية بل يصح تسميتها ب "الجمهوريات الملكية". وسيطرة نخبوية على دواليب الدولة البيروقراطية و الاتجاه إلى الصدام العسكري اللا متكافئ بدل إنضاج العوامل الحضارية للنصر و كانت النتيجة خيبة. ف"الدولة العربية اليوم ليس لها أي مقومات بمعنى الدولة الحديثة. وهي نقيض للدولة و نقيض للوجود وجود الأمة" (برهان غليون-الدولة ضد الأمة)
و أمام هاته التحديات الراهنة و المستقبلية. اخطر ما تعرضت له هويتنا من قبل هو محاولة الطمس من قبل المستعمر ثم جمودها و استغراقها في ماضويتها وفرض ذلك باسم الأصالة و الأصولية داخل دوغماتية شمولية محددة تلغي المسؤولية عن المواطن وتلغي وجوده و تأثيره و بالتالي وعيه. سواء من قبل القوميين او ما سموهم بالأنظمة الرجعية. ما نتج عنه اليوم إحباط و خيبة أمام مشاريع عاكست ممارستها مبادئها ما يدفعها الى الميوعة وفقدان الوعي و العقلانية و الضياع في الخضوع او التقليد أمام التطور السريع للتاريخ. وليس لدينا حل الا بمراجعة تاريخية بتنمية القيم الحقيقية للهوية العربية و مراجعتها ممارسة و الدفع بها على أساس تنمية قيم المواطنة الحقيقية المبنية على أسس الحرية و المساواة و العدالة الاجتماعية و الفرصة في المشاركة الحقيقية و الفعالة. بخلق مناخ اجتماعي و سياسي حر مبدع يعطي للأفراد الشعور بالمسؤولية تجاه مجتمعاتها فلا مسؤولية بدون حرية ولا مواطنة بدونهما الاثنين ولا هوية بدون مواطنة .
كما ان التحول الاجتماعي لا أساس له ان لم يبنى على تحول سياسي على أساس ديمقراطي حقيقي للدفع بالحراك على كل المستويات اجتماعيا واقتصاديا و ثقافيا في تنمية إنتاجية إبداعية على جميع الصعد أساسها العقلانية و احترام الاختلاف الذي معناه في مفهوم الدولة الحديثة *إختلاف تنوع لا اختلاف تناقض* داخل نظام معياري متكامل للقيم العامة. والجمع بالمشروع القومي على أساس احترام الخصوصيات و حقها في التطور المتكافل فكرا وقيما للدفع بميراثنا الحضاري العربي وهويتنا لتحقيق التحرر الداخلي الذي هو الانتصار والمعطى الأهم في تحقيق تحررنا الخارجي و الإجابة على سؤال الهوية .
فإلى متى سنظل نقتفي آثار خطانا و لا نمل و نكرر نفس الأخطاء و لا نتعلم يكفي ان نقيس أنفسنا بالآخرين و ننظر إلى أنفسنا في المرآة و نحن لا نزال كل عام في أعيادنا الوطنية نتجمع لنستعرض جيوشا بأسلحة صنعها غيرنا و نأكل خبزا من قمح غيرنا فالويل لنا من أمة