ثوابت الديمقراطية والتنمية
مرسل: الخميس يوليو 04, 2013 3:00 pm
أين هي الديمقراطية من متطلبات التنمية الوطنية في زمن العولمة المستشرية شرقا وغربا شمالا وجنوبا..؟ فاذا اعتبرنا إن التنمية هي إرادية وليست عفوية وأنها قرار سياسي وطني سيادي فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: على أية أسس يصاغ القرار التنموي الوطني..؟
الجواب بديهي: القرار التنموي الوطني السيادي ديمقراطي أو لا يكون.
فلا تنمية بدون سيادة وطنية ولا سيادة وطنية بدون ديمقراطية ويمكننا إن نستنتج من مثلث التنمية/ السيادة / الديمقراطية مايلي:
1. إن العولمة خلافا لما تعلنه , غير قادرة على تأصيل الديمقراطية في ظل غياب السيادة الوطنية وفى غياب التنمية.
2. إن العولمة غير قادرة على بعث التنمية في غياب السيادة الوطنية وفى غياب التنمية.
3.إن العولمة الصحية والمجدية هي التي تنطلق من، وتتأسس على، مثلث التنمية والسيادة الوطنية والديمقراطية وإلا فإنها لا تعدو إن تكون مرحلة أخرى من مراحل الرأسمالية العالمية ـ مرحلة الرأسمالية المعلوماتية.
من خلال المثلث المذكور أعلاه , يتبين لنا مركزية المسألة الديمقراطية في تحقيق تنمية وطنية بمعناها الشامل باعتبار الديمقراطية أساس السيادة والتنمية الوطنية معا .إلا إن السؤال المهم الذي يبقى عالقا هو تصورنا لمضمون الديمقراطية في تفاعلها مع السيادة الوطنية والتنمية, وفى تحليلنا لهذه المسالة بالذات, نبدأ بالتذكير بالثوابت والأسس, بل بالمسلمات التي لا وجود بدونها لأية ديمقراطية كانت, ونعني ضمان حقوق الإنسان – الفرد والإنسان – المواطن وبخاصة ضمان حرياته الأساسية الثلاثة - حرية الرأي المنطوق والمكتوب, وحرية التجمع, وحرية التنقل داخل ارض الوطن وخارجها - ضمانا دستوريا باعتبار الدستور هو ميثاق المواطنة الأسمى ورمز الإرادة والسيادة الشعبية العليا.
هذا وان كان من البديهي إن ممارسة الحقوق والحريات تلك ممارسة مجتمعية حضارية عقلانية لا تتسنى إلا ضمن قوانين وإجراءات تنظيمية وتأطيرية تيسر الأمن والاستقرار والطمأنينة, فإن ضمان التمتع بها لا يقره إلا الدستور.
إن الديمقراطية حقوق وحريات وواجبات والتزامات معا. لكنها كذلك تركيبة وبناء مؤسساتي وتنظيم وتقاليد وبدون الخوض في تفاصيل الديمقراطية من منظور تركيبتها المؤسساتية, يمكن القول أن التغيرات التي طرأت - ولم تزل - على محتوى ومدلول ما يسمى بالتعددية الديمقراطية تشدنا اليوم أكثر من إي وقت مضى خصوصاً في ظل الدعوات المتزايدة للإصلاح والديمقراطية إلى البحث عن التعددية الديمقراطية التنموية الفضلى في زمن التحررية وظاهرة العولمة المستشرية في العالم كله.
فإذا سلمنا بان القرار التنموي الوطني السيادي هو الذي ينبني إما على وفاق جماعي كلى، وإما على رأى أغلبية المواطنين فان التعددية, بغض النظر عن تركيبتها المؤسساتية, ضرورة لا بديل لها.
إن اعتبار التعددية الحزبية التقليدية دون سواها شرطاً أساسيا لقيام تنمية ديمقراطية بأتم معنى الكلمة, أصبح اليوم أمرا قابلاً للجدل والنقاش لا لأن التعددية الحزبية تلك أصابها من الهراء ومن التآكل ومن التناقض ومن الانحراف السلوكي ما يجعلها غير مؤهلة للقيام برسالتها الديمقراطية الأساسية, لكن لان التعددية الديمقراطية ذاتها تطورت هي الأخرى واكتسبت أبعادا ومحتويات واليات جديدة, ولا شك إن بروز ما يسمى بالمجتمعات المدنية يشكل أهم منعطف في مسار الديمقراطية المعاصرة. هذا وان كان مدلول المجتمعات المدنية تلك لم يزل بعد ضبابيًا إلا إن هذا الحزام الديمقراطي الحديث الذي يربط بين قمة هرم السلطة التنفيذية, إي الدولة, وقمة السيادة الوطنية, إي الشعب, أصبح معطى وعنصراً مهماً ومؤثراً على مستويي رسم أهداف التنمية وتنفيذ برامجها في العديد من البلدان الغربية الليبرالية.
لقد اتسع مفهوم المجتمعات المدنية ليشمل التجمعات المهنية بما في ذلك النقابات العمالية والتجمعات الثقافية والعلمية والتجمعات التي تعنى بصيانة البيئة وبالدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل – مما يوصف اليوم بـ " المنظمات غير الحكومية" وكلها تمثل محاور ومسالك واليات وقوى ضغط تؤسس ما يسمى بـ " الرأي العام " الذي تحوّل في العديد من الأقطار المتقدمة وحتى النامية إلى عنصر " ميكانزم" اخذ القرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
إن المجتمعات المدنية مدعوة لان تقوم أكثر فأكثر بدور الموازنة والحكم بين الدولة والسوق وبين المتطلبات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية وبين الحاجة إلى الرقابة والتسيير الإداري والحاجة إلى تحرير المبادرة والريادة الفردية.
إن الرسالة الناطقة بالمجتمعات المدنية ليست بديلة لوظيفة الأحزاب السياسية. فكلتاهما رافدان أساسيان من روافد الديمقراطية، إلا أن قيام المجتمعات المدنية ودعمها وإشعاعها في ربوع الوطن كله من شأنه إن يضفى على اللعبة السياسية أبعادا وقيماً مجتمعية تضامنية وحتى أخلاقية, أصبحت الديمقراطية المعاصرة في حاجة ماسة إليها.
استهداف رفاه المواطنين … ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية … ممارسة التعددية المؤسساتية … دعم المجتمع المدني … الانفتاح على الغير مع الحفاظ على الذاتية وعلى القرار السيادي … غرس ثقافة المبادرة… وثقافة السوق وثقافة الكسب وثقافة المخاطرة بل وثقافة العولمة, مع الحرص على العدالة التوزيعية والحمايات الاجتماعية والتضامن الوطني, هذه هي مكونات وأسس وثوابت التنمية والديمقراطية معاً في مدلوليها الحداثي الحضاري في أزمنة العولمة .
إن التحدي هو في التوفق إلى تحقيق كل هذه الموازنات وكل هذه المعادلات وكل هذه المتناقضات في عالم لم يعد يحتمل القيود ولا كبت الحريات… في عالم أصبح لا يعرف للتقدم ولا للإبداع حداً… في عالم بات مهيئاً كذلك للفظ عقلانية اللامساواة بين الغنى الذي يزداد غناه والفقير الذي يتفاقم حرمانه.
إن الرهان الذي يواجه التنمية في أزمنة العولمة هذه ليس رهاناً تكنولوجيا , ولا هو رهاناً اقتصادياً, ولا هو رهاناً اجتماعياً فحسب, بل هو رهان حضاري إنساني كوني يبدأ ويؤسس بالإنسان أولاً.
الكاتب/ياسر خالد بركات الوائلي
الجواب بديهي: القرار التنموي الوطني السيادي ديمقراطي أو لا يكون.
فلا تنمية بدون سيادة وطنية ولا سيادة وطنية بدون ديمقراطية ويمكننا إن نستنتج من مثلث التنمية/ السيادة / الديمقراطية مايلي:
1. إن العولمة خلافا لما تعلنه , غير قادرة على تأصيل الديمقراطية في ظل غياب السيادة الوطنية وفى غياب التنمية.
2. إن العولمة غير قادرة على بعث التنمية في غياب السيادة الوطنية وفى غياب التنمية.
3.إن العولمة الصحية والمجدية هي التي تنطلق من، وتتأسس على، مثلث التنمية والسيادة الوطنية والديمقراطية وإلا فإنها لا تعدو إن تكون مرحلة أخرى من مراحل الرأسمالية العالمية ـ مرحلة الرأسمالية المعلوماتية.
من خلال المثلث المذكور أعلاه , يتبين لنا مركزية المسألة الديمقراطية في تحقيق تنمية وطنية بمعناها الشامل باعتبار الديمقراطية أساس السيادة والتنمية الوطنية معا .إلا إن السؤال المهم الذي يبقى عالقا هو تصورنا لمضمون الديمقراطية في تفاعلها مع السيادة الوطنية والتنمية, وفى تحليلنا لهذه المسالة بالذات, نبدأ بالتذكير بالثوابت والأسس, بل بالمسلمات التي لا وجود بدونها لأية ديمقراطية كانت, ونعني ضمان حقوق الإنسان – الفرد والإنسان – المواطن وبخاصة ضمان حرياته الأساسية الثلاثة - حرية الرأي المنطوق والمكتوب, وحرية التجمع, وحرية التنقل داخل ارض الوطن وخارجها - ضمانا دستوريا باعتبار الدستور هو ميثاق المواطنة الأسمى ورمز الإرادة والسيادة الشعبية العليا.
هذا وان كان من البديهي إن ممارسة الحقوق والحريات تلك ممارسة مجتمعية حضارية عقلانية لا تتسنى إلا ضمن قوانين وإجراءات تنظيمية وتأطيرية تيسر الأمن والاستقرار والطمأنينة, فإن ضمان التمتع بها لا يقره إلا الدستور.
إن الديمقراطية حقوق وحريات وواجبات والتزامات معا. لكنها كذلك تركيبة وبناء مؤسساتي وتنظيم وتقاليد وبدون الخوض في تفاصيل الديمقراطية من منظور تركيبتها المؤسساتية, يمكن القول أن التغيرات التي طرأت - ولم تزل - على محتوى ومدلول ما يسمى بالتعددية الديمقراطية تشدنا اليوم أكثر من إي وقت مضى خصوصاً في ظل الدعوات المتزايدة للإصلاح والديمقراطية إلى البحث عن التعددية الديمقراطية التنموية الفضلى في زمن التحررية وظاهرة العولمة المستشرية في العالم كله.
فإذا سلمنا بان القرار التنموي الوطني السيادي هو الذي ينبني إما على وفاق جماعي كلى، وإما على رأى أغلبية المواطنين فان التعددية, بغض النظر عن تركيبتها المؤسساتية, ضرورة لا بديل لها.
إن اعتبار التعددية الحزبية التقليدية دون سواها شرطاً أساسيا لقيام تنمية ديمقراطية بأتم معنى الكلمة, أصبح اليوم أمرا قابلاً للجدل والنقاش لا لأن التعددية الحزبية تلك أصابها من الهراء ومن التآكل ومن التناقض ومن الانحراف السلوكي ما يجعلها غير مؤهلة للقيام برسالتها الديمقراطية الأساسية, لكن لان التعددية الديمقراطية ذاتها تطورت هي الأخرى واكتسبت أبعادا ومحتويات واليات جديدة, ولا شك إن بروز ما يسمى بالمجتمعات المدنية يشكل أهم منعطف في مسار الديمقراطية المعاصرة. هذا وان كان مدلول المجتمعات المدنية تلك لم يزل بعد ضبابيًا إلا إن هذا الحزام الديمقراطي الحديث الذي يربط بين قمة هرم السلطة التنفيذية, إي الدولة, وقمة السيادة الوطنية, إي الشعب, أصبح معطى وعنصراً مهماً ومؤثراً على مستويي رسم أهداف التنمية وتنفيذ برامجها في العديد من البلدان الغربية الليبرالية.
لقد اتسع مفهوم المجتمعات المدنية ليشمل التجمعات المهنية بما في ذلك النقابات العمالية والتجمعات الثقافية والعلمية والتجمعات التي تعنى بصيانة البيئة وبالدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل – مما يوصف اليوم بـ " المنظمات غير الحكومية" وكلها تمثل محاور ومسالك واليات وقوى ضغط تؤسس ما يسمى بـ " الرأي العام " الذي تحوّل في العديد من الأقطار المتقدمة وحتى النامية إلى عنصر " ميكانزم" اخذ القرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
إن المجتمعات المدنية مدعوة لان تقوم أكثر فأكثر بدور الموازنة والحكم بين الدولة والسوق وبين المتطلبات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية وبين الحاجة إلى الرقابة والتسيير الإداري والحاجة إلى تحرير المبادرة والريادة الفردية.
إن الرسالة الناطقة بالمجتمعات المدنية ليست بديلة لوظيفة الأحزاب السياسية. فكلتاهما رافدان أساسيان من روافد الديمقراطية، إلا أن قيام المجتمعات المدنية ودعمها وإشعاعها في ربوع الوطن كله من شأنه إن يضفى على اللعبة السياسية أبعادا وقيماً مجتمعية تضامنية وحتى أخلاقية, أصبحت الديمقراطية المعاصرة في حاجة ماسة إليها.
استهداف رفاه المواطنين … ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية … ممارسة التعددية المؤسساتية … دعم المجتمع المدني … الانفتاح على الغير مع الحفاظ على الذاتية وعلى القرار السيادي … غرس ثقافة المبادرة… وثقافة السوق وثقافة الكسب وثقافة المخاطرة بل وثقافة العولمة, مع الحرص على العدالة التوزيعية والحمايات الاجتماعية والتضامن الوطني, هذه هي مكونات وأسس وثوابت التنمية والديمقراطية معاً في مدلوليها الحداثي الحضاري في أزمنة العولمة .
إن التحدي هو في التوفق إلى تحقيق كل هذه الموازنات وكل هذه المعادلات وكل هذه المتناقضات في عالم لم يعد يحتمل القيود ولا كبت الحريات… في عالم أصبح لا يعرف للتقدم ولا للإبداع حداً… في عالم بات مهيئاً كذلك للفظ عقلانية اللامساواة بين الغنى الذي يزداد غناه والفقير الذي يتفاقم حرمانه.
إن الرهان الذي يواجه التنمية في أزمنة العولمة هذه ليس رهاناً تكنولوجيا , ولا هو رهاناً اقتصادياً, ولا هو رهاناً اجتماعياً فحسب, بل هو رهان حضاري إنساني كوني يبدأ ويؤسس بالإنسان أولاً.
الكاتب/ياسر خالد بركات الوائلي