منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By عبدالإله المقبل13
#63717
استمرّ السلطان العثماني مراد الثاني الغازي -رحمه الله- في جهاد الصرب على سنّة آبائه من قبل، فقد بدأ جهاده في شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثمانمائة هجرية بمهاجمة القسطنطينية التي استعصت عليه فتركها متجهًا غربًا حتّى وصل إلى بلاد المجر، فجاهد ملكها وألزمه بالتوقيع على معاهدة تقضي عليه بالتخلّي عن أملاكه على شاطئ نهر الدانوب الأيمن بحيث يكون هذا النهر فاصلا بين الدولة العثمانية والمجر.

ولما رأى أمير الصرب المدعو جورج برنكوفيتش أنه لا يقوى على مقاومة المسلمين قبل أن يدفع جزية سنوية قدرها خمسون ألف دوك ذهبي، وأن يقدّم للسلطان فرقة من جنوده وقت الحرب، وأن يزوّجه ابنته، وأن يتنازل للمسلمين عن بلدة كروشيفاس وسط بلاد الصرب، لتكون حصنًا منيعًا تحتمي به القوة الإسلامية المهيمنة على بلاد الصرب.

واستمر هذا الصلح حتى سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة؛ حيث عصى ملك الصرب، فكانت عاقبة عصيانه إرسال جيش إسلامي فتح مدينة سمندرية التي تبعد عن بلغراد مسافة خمسة وأربعين كيلاً، ثمّ سار مراد بنفسه فحاصر مدينة بلغراد، ولكن ملك الصرب فرّ منها واستمر الحصار مدة ستة أشهر ولم يتمكن المسلمون من فتحها.

وفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة هجرية توفِّيَ السلطان مراد، وخلفه على الحكم في الدولة العثمانية ابنه السلطان محمد الفاتح -رحمه الله- فواصل الجهاد في سبيل الله، وعلى الرغم من أنّ فتحه القسطنطينية هو أعظم أعماله، بل أعظم أعمال العثمانيين إلا أننا لن نتحدث عنه في هذا المقام.

اتجه محمد الفاتح بعد إتمام الفتح إلى بلاد الصرب وفرض عليهم جزية سنوية مقدارها ثمانون ألف دوك ذهبي، وفي سنة ثمان وخمسين وثمانمائة عاد إليها مرة أخرى بجيش كثيف واخترقها من جنوبها إلى شمالها دون أن يلقى أيّة معارضة، ووصل إلى بلغراد فحاصرها مرة أخرى ولم يتمكن من فتحها.

وفي سنة سبع وستين وثمانمائة هجرية حارب محمد الفاتح بلاد البوسنة لامتناع أميرها النصراني عن دفع الجزية، فأسره هو وولده ودانت له جمع بلاد البوسنة، وتدّخل ملك المجر لأخذها من المسلمين فهزموه هزيمة شنيعة وقُتِل معظم جيشه، وكان من نتائج ذلك أن جُعلت البوسنة ولاية من ولايات الدولة العثمانية، وأسلم أغلب أهلها وانضم ثلاثون ألفًا من شبابها إلى جيش الدولة العثمانية بعد إسلامهم.

وتوفِّيَ السلطان محمد الفاتح سنة ست وثمانين وثمانمائة هجرية بعد أن حقّق للإسلام انتصارات عظيمة في أوروبا، وانتشر الإسلام على يديه في مناطق شاسعة منها، وانشغلت الدولة العثمانية فترة من الزمن بالحروب التي أثارها الصفويون الشيعة على حدودها الشرقية، وقد ثبت عن طريق الوثائق التاريخية أنّ ذلك بتدبير من الأوروبيين النصارى لإشغال العثمانيين السنة وإيقاف زحفهم في أوروبا، ثم انتهت الحرب الصفوية العثمانية بالصلح، ثمّ عادوا إلى الفتح ونشر الإسلام من جديد.

كان ذلك في عهد السلطان سليمان القانوني -رحمه الله-؛ ففي شهر شعبان من سنة سبع وعشرين وتسعمائة هجرية أقدم ملك الصرب على قتل سفير المسلمين لديه، فاستشاط السلطان لذلك غضبًا وأمر بتجهيز الجيوش الإسلامية وجمع كل ما يلزم من المئونة والذخائر وسار هو بنفسه لمحاربتهم، وأرسل فرقة إلى بلغراد فحاصرها، ولم يدم الحصار طويلاً إذ سرعان ما استسلم أهلها في الخامس والعشرين من رمضان، ودخلها السلطان فصلّى في إحدى كنائسها صلاة الجمعة.

وصارت هذه المدينة -التي كانت أمنع حصن للنصارى ضد تقدم الدولة الإسلامية- أكبر مساعد لهم على فتح ما وراء الدانوب.

وأعلن عن هذا الانتصار العظيم إلى جميع الولاة وملوك أوروبا، وعاد السلطان سليمان القانوني إلى عاصمة الدولة الإسلامية إسلامبول، وأرسل إليه الملوك والرؤساء يهنئونه بهذا الفتح العظيم.

وهكذا استطاع المسلمون إخضاع ما يُعرف سابقا بيوغسلافيا وحاليًّا بصربيا، وظلّت تابعة لهم سنين عديدة حكمها المسلمون بالعدل والرحمة، مما حبّبهم إلى رعاياها فاعتنق كثير منهم الإسلام عن رغبة وبحرية، وظلّوا عليه إلى وقتنا الحاضر، حيث يعمل النصارى على قتلهم أو طردهم من تلك البلاد مع أنّها بلادهم وديارهم.