الهوية الإسلامية
مرسل: الخميس يوليو 18, 2013 11:05 pm
إن الهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم هي القدر الثابت والجوهر المشترك من السمات والقسمات العامة التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات، والتي تجعل للشخصية طابعاً تتميز به عن الشخصيات الأخرى.
وفي أيامنا هذه تتكاثر المظاهر التي قد يراها البعض انفتاحاً وتقدماً ورقياً، في حين يراها الآخرون إذلالاً وتبعية وذوباناً للهوية، ففي هذه الأيام ظهر جيل من الشباب الذي يتهافت على تقليد الغربيين في مظهرهم، وضيعوا هويتهم الإسلامية، وذهبوا يتخبطون في ظلمة الحضارة المعاصرة بحثاً عن هوية.
ظهرت نسخة مشوهة من الحضارة الغربية بين بعض شبابنا، حيث ظهر من يقلدهم في لباسهم وأكلهم وشربهم وقصات شعورهم، بل وحتى في سعيهم البهيمي في إشباع شهواتهم، وظهر من الفتيات من تعرت وتفسخت وتركت حجابها، وظهرت على شاشات الفضائيات والقنوات مغنية أو راقصة، والأدهى من ذلك والأمر أن هناك من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا من يسعون باسم الثقافة والتقدم إلى مزيد من طمس الهوية الإسلامية: فيسعون لكشف المحجبة، وإفساد المؤدبة، وإخراج المكنونة المستترة.
إن الأزمة بلغت إلى حد أن الأمة صارت تستورد قيمها من غيرها لتبني حضارتها، ولا شك أن هذه أعظم مخادعة للذات؛ لأنها تبني بيتها على جرف هار. إن من يتصور أن في اتباع قيم الآخرين ومناهج حياتهم الوقاية من بطش أمم شاء الله لها العلو في الأرض زمناً، والإفساد فيها إلى حين لهو واهم.
ولمواجهة هذا الخطر وتدارك الأمر، لا بد من وضع حلول لتلك المشكلة، ومن أهمها بناء الإنسان البناء المتكامل ليكون في حجم التحدي، وتربيته على أخلاقيات عقائدية تمنحه المناعة الحضارية المطلوبة، والاستفادة من مكتسبات التكنولوجيا.
والانفتاح على الثقافة الغربية والاستفادة من تطورها العلمي والتكنولوجي ينبغي أن يكون من خلال استراتيجية تضمن إيجابية هذا الانفتاح؛ لأن الانفتاح المذموم هو الذي أدى إلى ذوبان الشخصية الثقافية بسبب الانهيار والاغتراب عبر منافذ الاختراق والتغريب.
والإسلام لا يمنع الانفتاح المحكم الرامي نحو الاستفادة من علوم الآخرين النافعة، ولا شك أن المشروع الحضاري الإسلامي لا يمكن أن يحقق تميزه الإسلامي، ومن ثم أداء دوره العالمي وفق منهج الله، إلا إذا ركن إلى العلم الشرعي بمعناه الواسع، وتم تأهيل العالم المسلم بحيث تكون دراسته لعلم الشريعة دراسة تأصيلية مرتبطة بالوقائع الحية التي تعيشها الأمة والعالم في هذا العصر.
وتقوم الهوية الإسلامية على أربعة أسس وعناصر(العقيدة - التاريخ - اللغة - الأرض) إن تكونت هذه العناصر الأربعة في الأمَّة المسلمة عبَّرت بمجموعها عن الهوية الإسلامية.
«وقد تضيع هذه الهوية، إن ضاع الفرد عن دينه، لذلك قال تعالى: «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» التوبة (122)، وقال جل وعلا: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (آل عمران: 110)، وخيريَّة هذه الأمَّة نابعة من استقلاليتها التشريعية والعقائدية والسلوكية عن غيرها من الأمم الأخرى.
وهنالك متربصون يتربصون بهويتنا الإسلامية وأمتنا كما قال تعالى: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ « (البقرة: 109-110)، وهنالك تقارير معاصرة صدرت يتضح منها أنَّ أعداء الإسلام يريدون محق الهوية الإسلامية الصحيحة وإزالتها، ولهذا نجد كثيراً من الأعداء يركزون كثيراً على «حرب الأفكار».
وللهوية الإسلامية أثر في تشكيل ثقافة الفرد وصناعة أفراد يعتزون بأمتهم وتاريخهم العريق المجيد، وخير مثال على ذلك ما فوجئت به فرنسا بعد أكثر من قرن من عمليات الإبادة والقهر والتخويف بأن مجموعة من الأفراد تقاطروا في إحدى المدن الجزائرية، حيث خرجوا إلى الشوارع يرفعون شعار الجزائر تعود لك يا محمد، وتحدَّث الباحثون أنَّ أهم إنجازات ثورة الجزائر أنها أوضحت لفرنسا ولكل العالم أن الهوية الإسلامية لا يمكن أن تنتزع من نفوس آمنت بالله، وذاقت حلاوة الإيمان.
«فلولا يتقاطرون العرب كلهم» ويدرك أن جميع أبناء المسلمين إخوة له في العقيدة والهوية، كما قال الشاعر:
ولستُ أدري سوى الإسلام لي وطناً
*** الشام فيه ووادي النيل سيانِ
وكل ما ذكر اسمُ الله في بلدٍ
*** عددت أرجاءه من لب أوطانِ
والذي كان يعيش فترة العز في العالم الإسلامي كان أمة واحدة تظله راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان المسلم يخرج من طنجة حتى ينتهي به المقام في بغداد لا يحمل معه جنسية قومية أو هويّة وطنية، وإنما يحمل شعاراً إسلامياً هو كلمة التوحيد.
عايض القحطاني
وفي أيامنا هذه تتكاثر المظاهر التي قد يراها البعض انفتاحاً وتقدماً ورقياً، في حين يراها الآخرون إذلالاً وتبعية وذوباناً للهوية، ففي هذه الأيام ظهر جيل من الشباب الذي يتهافت على تقليد الغربيين في مظهرهم، وضيعوا هويتهم الإسلامية، وذهبوا يتخبطون في ظلمة الحضارة المعاصرة بحثاً عن هوية.
ظهرت نسخة مشوهة من الحضارة الغربية بين بعض شبابنا، حيث ظهر من يقلدهم في لباسهم وأكلهم وشربهم وقصات شعورهم، بل وحتى في سعيهم البهيمي في إشباع شهواتهم، وظهر من الفتيات من تعرت وتفسخت وتركت حجابها، وظهرت على شاشات الفضائيات والقنوات مغنية أو راقصة، والأدهى من ذلك والأمر أن هناك من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا من يسعون باسم الثقافة والتقدم إلى مزيد من طمس الهوية الإسلامية: فيسعون لكشف المحجبة، وإفساد المؤدبة، وإخراج المكنونة المستترة.
إن الأزمة بلغت إلى حد أن الأمة صارت تستورد قيمها من غيرها لتبني حضارتها، ولا شك أن هذه أعظم مخادعة للذات؛ لأنها تبني بيتها على جرف هار. إن من يتصور أن في اتباع قيم الآخرين ومناهج حياتهم الوقاية من بطش أمم شاء الله لها العلو في الأرض زمناً، والإفساد فيها إلى حين لهو واهم.
ولمواجهة هذا الخطر وتدارك الأمر، لا بد من وضع حلول لتلك المشكلة، ومن أهمها بناء الإنسان البناء المتكامل ليكون في حجم التحدي، وتربيته على أخلاقيات عقائدية تمنحه المناعة الحضارية المطلوبة، والاستفادة من مكتسبات التكنولوجيا.
والانفتاح على الثقافة الغربية والاستفادة من تطورها العلمي والتكنولوجي ينبغي أن يكون من خلال استراتيجية تضمن إيجابية هذا الانفتاح؛ لأن الانفتاح المذموم هو الذي أدى إلى ذوبان الشخصية الثقافية بسبب الانهيار والاغتراب عبر منافذ الاختراق والتغريب.
والإسلام لا يمنع الانفتاح المحكم الرامي نحو الاستفادة من علوم الآخرين النافعة، ولا شك أن المشروع الحضاري الإسلامي لا يمكن أن يحقق تميزه الإسلامي، ومن ثم أداء دوره العالمي وفق منهج الله، إلا إذا ركن إلى العلم الشرعي بمعناه الواسع، وتم تأهيل العالم المسلم بحيث تكون دراسته لعلم الشريعة دراسة تأصيلية مرتبطة بالوقائع الحية التي تعيشها الأمة والعالم في هذا العصر.
وتقوم الهوية الإسلامية على أربعة أسس وعناصر(العقيدة - التاريخ - اللغة - الأرض) إن تكونت هذه العناصر الأربعة في الأمَّة المسلمة عبَّرت بمجموعها عن الهوية الإسلامية.
«وقد تضيع هذه الهوية، إن ضاع الفرد عن دينه، لذلك قال تعالى: «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» التوبة (122)، وقال جل وعلا: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (آل عمران: 110)، وخيريَّة هذه الأمَّة نابعة من استقلاليتها التشريعية والعقائدية والسلوكية عن غيرها من الأمم الأخرى.
وهنالك متربصون يتربصون بهويتنا الإسلامية وأمتنا كما قال تعالى: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ « (البقرة: 109-110)، وهنالك تقارير معاصرة صدرت يتضح منها أنَّ أعداء الإسلام يريدون محق الهوية الإسلامية الصحيحة وإزالتها، ولهذا نجد كثيراً من الأعداء يركزون كثيراً على «حرب الأفكار».
وللهوية الإسلامية أثر في تشكيل ثقافة الفرد وصناعة أفراد يعتزون بأمتهم وتاريخهم العريق المجيد، وخير مثال على ذلك ما فوجئت به فرنسا بعد أكثر من قرن من عمليات الإبادة والقهر والتخويف بأن مجموعة من الأفراد تقاطروا في إحدى المدن الجزائرية، حيث خرجوا إلى الشوارع يرفعون شعار الجزائر تعود لك يا محمد، وتحدَّث الباحثون أنَّ أهم إنجازات ثورة الجزائر أنها أوضحت لفرنسا ولكل العالم أن الهوية الإسلامية لا يمكن أن تنتزع من نفوس آمنت بالله، وذاقت حلاوة الإيمان.
«فلولا يتقاطرون العرب كلهم» ويدرك أن جميع أبناء المسلمين إخوة له في العقيدة والهوية، كما قال الشاعر:
ولستُ أدري سوى الإسلام لي وطناً
*** الشام فيه ووادي النيل سيانِ
وكل ما ذكر اسمُ الله في بلدٍ
*** عددت أرجاءه من لب أوطانِ
والذي كان يعيش فترة العز في العالم الإسلامي كان أمة واحدة تظله راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان المسلم يخرج من طنجة حتى ينتهي به المقام في بغداد لا يحمل معه جنسية قومية أو هويّة وطنية، وإنما يحمل شعاراً إسلامياً هو كلمة التوحيد.
عايض القحطاني