الشَريعةُ.. بين الأزمات ومسايرة الأهواء
مرسل: الخميس يوليو 18, 2013 11:35 pm
وعد الله - جلّ شأنه – رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يجعل أمته خُلفاء الأرض وأئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلحُ البلاد، وتخضعُ لهم العباد، ويمكِّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمناً وحكماً فيهم.. ذلك وعد الله، ووعد الله حق، ولن يخلف الله وعده. يقول الله تبارك وتعالى: {وعد اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ منْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} النور (55).
فالوعد والاستخلاف والتمكين والأمن هي الأصل في الآية، وعبادة الله وحده لا شريك له هي الغاية من بعث الرسل، وهو توحيد الله - جلّ شأنه - وطاعة رسوله - عليه أفضل الصلاة والتسليم. وإن طاعة الرسول لن تكون إلاّ بمظلة الولاية، وهي الاستخلاف والتمكين والأمن؛ فإن غابت الولاية غاب الاجتماع على الولاية، وغاب الأمن أو ضعف؛ وبهذا تختل الأحكام الشرعية، ويضيع الدليل، ويختلف الناس، ويُظْهِرُ أهلُ الأهواء مذاهبهم وبدعهم ونحلهم، ويعتلون المنابر بلا هوادة ولا عِلْم ولا ورع، ويذهبون بالناس إلى الفرقة والضياع والبُعد عن المصالح المرجوّة في الأمة التي وعدها الله - جلّ شأنه - بالاستخلاف والتمكين والأمن.
والمتأمل في مستهل الآية {وعد الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...} يلحظ أن وعدَ الله - عزَّ وجل - اختص بالذين آمنوا بالله وبالرسول وعملوا الصالحات، وهم أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم، والتابعون من بعدهم، وتابعوهم سلف هذه الأمة من أهل السنة والجماعة الذين اقتدوا بهديهم، وساروا على دربهم، وعلموا من الشرع ومن قواعده ومن ضوابطه ما يَعصِمُ من الخطأ وما يَعصمُ من الانفلات، وكان الرفق والتأنّي والحلم يحوطهم من كل جانب، فكانوا القدوةَ في الدّين.. فطوبى لمن سار خلفهم في سَيره، وطوبى له في هداه.
وإن كان الإنسان مقوداً بفكرةٍ فاسدةٍ، تلقّاها ممن لا علم عنده، انحرف والتبس عليه الحق بالباطل، وحُرم العلم النافع، المُتلقَّى من مشكاة النبوة، وأنوار الرسالة، فأصبح مسؤولاً عن تصرفاته التي يتولّى قيادتها فكره وعقيدته الفاسدة، ووقع في ضرب من الضلال، والقول على الله بغير علم، فيَضلُّ ويُضَلُّ، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل (43).
فالعلماء الراسخون هم الذين يَخلِفون الأنبياء في العلم بالدين وأحكامه، وفهم نصوصه، وبيان ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم، مما تَصلُح به عباداتهم ومعاملاتهم. وعلى هؤلاء وأتباعهم، ممَّن سلك طريقهم بغير هُدى، الرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم، والأخذ برأيهم، ولاسيما في المحافظة على الأمّة. ولكي تحافظ على الأمة وترعاها عليك بالمحافظة على الوطن أولاً؛ لأنك مخاطَبٌ فيه "إبدأ بنفسك ثم بمن تعول"، والأمور بمقدماتها (الأهم فالمهم)؛ فمن أضاع المحافظة على الوطن أضاع المحافظة على الأمّة.
وشريعتنا السمحاء أمرتنا بأن نكون أهل فَهمٍ ونَظرٍ وإدراكٍ، متوازنين في الأمور كلّها، بلا إفراط ولا تفريط، وأن ننهل من علمائنا، ونأخذ بأقوالهم وأفعالهم، ونعمل بها عن قناعة، فحينئذٍ تتحقق المقاصد، وتجتمع الكلمة على الحق، ويتوحّد الصف، ويَحصل الالتفاف، ونعيشُ في أمنٍ على أنفسنا ومن نعول، ونسعى في ذلك مؤثرين في الأمّة، صفاً تحت مظلَّة ولاة الأمور، وراية الولاية والتوحيد مرفوعة بـ"لا إله إلاّ الله محمد رسول الله".
والله الهادي إلى سواء السبيل.
وصلّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قاسم سعد المبارك
فالوعد والاستخلاف والتمكين والأمن هي الأصل في الآية، وعبادة الله وحده لا شريك له هي الغاية من بعث الرسل، وهو توحيد الله - جلّ شأنه - وطاعة رسوله - عليه أفضل الصلاة والتسليم. وإن طاعة الرسول لن تكون إلاّ بمظلة الولاية، وهي الاستخلاف والتمكين والأمن؛ فإن غابت الولاية غاب الاجتماع على الولاية، وغاب الأمن أو ضعف؛ وبهذا تختل الأحكام الشرعية، ويضيع الدليل، ويختلف الناس، ويُظْهِرُ أهلُ الأهواء مذاهبهم وبدعهم ونحلهم، ويعتلون المنابر بلا هوادة ولا عِلْم ولا ورع، ويذهبون بالناس إلى الفرقة والضياع والبُعد عن المصالح المرجوّة في الأمة التي وعدها الله - جلّ شأنه - بالاستخلاف والتمكين والأمن.
والمتأمل في مستهل الآية {وعد الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...} يلحظ أن وعدَ الله - عزَّ وجل - اختص بالذين آمنوا بالله وبالرسول وعملوا الصالحات، وهم أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم، والتابعون من بعدهم، وتابعوهم سلف هذه الأمة من أهل السنة والجماعة الذين اقتدوا بهديهم، وساروا على دربهم، وعلموا من الشرع ومن قواعده ومن ضوابطه ما يَعصِمُ من الخطأ وما يَعصمُ من الانفلات، وكان الرفق والتأنّي والحلم يحوطهم من كل جانب، فكانوا القدوةَ في الدّين.. فطوبى لمن سار خلفهم في سَيره، وطوبى له في هداه.
وإن كان الإنسان مقوداً بفكرةٍ فاسدةٍ، تلقّاها ممن لا علم عنده، انحرف والتبس عليه الحق بالباطل، وحُرم العلم النافع، المُتلقَّى من مشكاة النبوة، وأنوار الرسالة، فأصبح مسؤولاً عن تصرفاته التي يتولّى قيادتها فكره وعقيدته الفاسدة، ووقع في ضرب من الضلال، والقول على الله بغير علم، فيَضلُّ ويُضَلُّ، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل (43).
فالعلماء الراسخون هم الذين يَخلِفون الأنبياء في العلم بالدين وأحكامه، وفهم نصوصه، وبيان ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم، مما تَصلُح به عباداتهم ومعاملاتهم. وعلى هؤلاء وأتباعهم، ممَّن سلك طريقهم بغير هُدى، الرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم، والأخذ برأيهم، ولاسيما في المحافظة على الأمّة. ولكي تحافظ على الأمة وترعاها عليك بالمحافظة على الوطن أولاً؛ لأنك مخاطَبٌ فيه "إبدأ بنفسك ثم بمن تعول"، والأمور بمقدماتها (الأهم فالمهم)؛ فمن أضاع المحافظة على الوطن أضاع المحافظة على الأمّة.
وشريعتنا السمحاء أمرتنا بأن نكون أهل فَهمٍ ونَظرٍ وإدراكٍ، متوازنين في الأمور كلّها، بلا إفراط ولا تفريط، وأن ننهل من علمائنا، ونأخذ بأقوالهم وأفعالهم، ونعمل بها عن قناعة، فحينئذٍ تتحقق المقاصد، وتجتمع الكلمة على الحق، ويتوحّد الصف، ويَحصل الالتفاف، ونعيشُ في أمنٍ على أنفسنا ومن نعول، ونسعى في ذلك مؤثرين في الأمّة، صفاً تحت مظلَّة ولاة الأمور، وراية الولاية والتوحيد مرفوعة بـ"لا إله إلاّ الله محمد رسول الله".
والله الهادي إلى سواء السبيل.
وصلّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قاسم سعد المبارك